تقارير

أثـــر الشراكـة الاستراتيجيـة الإيـــرانـيـــــة الصيـنـيـــــة في تحدي المشروع الأمريكــي ..«الهواجس الهندية نموذجاً»

د. خالد هنية باحث ومختصّ في الشؤون الاستراتيجية الدولية

في ظلِّ التَّحولاتِ الاستراتيجية في بيئة الشرق الأوسط والتي ترتسمُ بشكلٍ كبيرٍ في هذا التوقيت بالذات، وفي سياقِ مسار التَّحولاتِ الحاصلةِ في بُنية النِّظام العالميِّ بعدَ جائحةِ كورونا، وفي ظل صعود الصين كقوةٍ حاضرةٍ أثبتت تواجدها في المسرحِ الدولي والتي باتت تشكِّلُ مكمن خطرٍ بالنسبةِ للولايات المتحدة، وفي إطار دخولها إلى الشرق الأوسط عبرَ طريق الحرير، تتفاعلُ في هذه الفترة أشكالُ التعاونِ الإيراني الصيني في الجانب الاقتصادي والعسكري بشكلٍ كبير، وهو الذي أخذ اهتمامًا كبيرًا من قِبَل وكالات الأنباء.

فلقد أفردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا خاصًا بعقدِ الشراكةِ بين بكين وطهران، حيث قالت الصحيفة أنَّ الاتفاقَ يتضمن 18 مسودةَ تفاهمٍ في المجالات المختلفة، وتتحدثُ عن توسيعِ الوجود الصيني في: البنوك، والاتصالات، والموانئ، والسِّكَك الحديديَّة، وعشرات المشاريع الأخرى في إيران.

في المقابل، ستقومُ إيران بتوفير إمداداتٍ منتظمةٍ و «مخفَّضةٍ للغاية» من النفطِ للصين لمدة 25 عامًا، كما وتحدثت المسودةُ المقترَحَة عن: تعميقِ التَّعاون العسكريِّ مع التدريباتِ والتمارين المشترَكة، والبحث المشترك وتطويرِ الأسلحة، وتبادلِ المعلومات الاستخبارية، وسيقصدُ بهذا التعاون العسكري المتعمق «المعركة غير المتوازنةِ في محاربةِ  الإرهاب، وتهريب المخدرات والبشر، والجرائم عبر الحدود»، حيث سترفعُ هذه الاتفاقية حجمَ  الاستثمار إلى 400 مليار دولار، و كانت هذه الصفقةُ مقترحةً منذ عام 2016م، كمقترحٍ قُدِّمَ من الصين لإيران.

 يمكن تفسير التَّقارب الإيراني الصيني في عدَّة اتِّجاهات

التقاء المصالح الصينيَّة الإيرانيَّة، فمن جانبِ الصين هو تفاعلها في مركزِ عمليات العالم «الشَّرق الأوسط»، ومن جانب إيران وفي إطارِ مواجهتها مع الولاياتِ المتَّحدة الأمريكية مواجهة الحصارِ المطبَقِ عليها منذ الثورةِ الإسلاميَّة عام 1979م، والذي اشتدَّ بعد مجيئ «ترامب» للحكمِ وإلغائه للاتِّفاق النووي (5+1) الموقَّعِ في عام 2015م.

تحاولُ الصين المحافظةَ على حُصَصِها السُّوقيةِ من الغازِ والنِّفط وتنويع المصادر بشكلٍ أكبر، وهو ما جعلها توقعُ اتِّفاق شراكةٍ لمدة 25 عامًا مقبِلًا، والذي يفتحُ الأبوابَ واسعةً في التحرك نحو أوراسيا ضمنَ خطِّ طريق الحزام والطريق (طريق الحرير)، إذ تشملُ هذه المشاريع المائة: المطارات، والسكك الحديدية عالية السرعة، ومترو الأنفاق، والتي تمسُّ حياةَ معظمِ المواطنين الإيرانيين، الصين ستطورُ أيضًا مناطق للتجارةِ الحرَّةِ في “ماكو” في شمال غرب إيران في عبدان، حيث يتدفقُ نهرُ شطِّ العرب إلى الخليج الفارسي، وفي جزيرة “قشم” في الخليج، كما يشيرُ تقريرُ “نيويورك تايمز”.

وحينما يفسرُ السلوكُ الصيني ضمنَ مبادرةِ “طريق الحرير” فإنَّ تطويرَ الموانئ هو جزءٌ مهمٌ من خطَّتها الاستراتيجيَّة في التوسعِ الناعم، حيث تخطط لبناء عدة موانئٍ في إيران، أحدها في “جاسك” خارج خليجِ هرمز مباشرة، وهو مَدخل الخليج الفارسيِّ، وخليج هرمز هو من بين نقاطِ الاختناقِ البحريَّة التسعة الرئيسيَّةِ في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يمكن تحويله لبعدٍ عسكريٍّ في المستقبل، لكن إلى الآن لا يمكن أن تفسرَ نيَّة الصين الناعمةِ في التوسع بأنَّ لديها رغبةً في الانتشارِ العسكريِّ بشكلٍ واضح.

تداعيات موقف الهند من الاتِّفاق

حدَّت العقوباتُ الأمريكيَّة على إيران من فرصِ الاستثمارِ الهنديِّ فيها، الأمر الذي جعل إيران تتحركُ لتحقيقِ مصالحها في إطار الخروج من جدارِ الحصارِ الخانق عليها، حيث لدى الهند استثماراتٌ مختلفةٌ في إيران يمكن أن تهدِّدَها القوةُ الاقتصادية الصينية، هناك بالفعل إشاراتُ تحذير، وبحسب ما ورد تمَّ إسقاطُ الشركاتِ الهندية من صفقاتِ النَّقلِ والطاقةِ الإيرانية.

في الوقت الذي تبدو فيه الصين مستعدةً للاستثمارِ بكثافةٍ في تلك القطاعات، مما أثار مخاوف من أنَّ بكين تدفعُ الهند للخروج من إيران، إذ أنَّ دخولَ الصينِ الذي هدد الشراكةَ الهنديةَ الإيرانية قد جعل فرصَ الصين أكبر، والأهم من ذلك أنَّ هذه التحركات دخلت على أهمِّ قضايا الاستثمارِ بالنسبةِ للهند، لاسيَّما الموانئ وشبكات السِّكَكِ الحديديَّة، والذي يزيدُ المخاوف أكبر لديها أنَّ تحركاتِ الصين على حدودِها ازدادت بشكلٍ كبيرٍ في الفترةِ السَّابقة.

وختامًا، إنَّ إيران تتحرك شمالًا وجنوبًا في إطار مشروعها التَّوسعي، متحديةً العقوباتِ الأمريكية ومحاولةً تحقيق فرص تخفيفِ وطأةِ العُزلة الدوليةِ عنها، فهي تتلقفُ أيَّة فرصةٍ من أجلِ تحقيق هذا الهدف بدون أيِّ مُنازع.

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى