مقالات

التطبيع العربي الإسرائيلي.. تعاظم المسارات وتلاقي المصالح

د. اياد ابو زنيط - باحث في مؤسسة "يبوس"

جاءت‭ ‬نشأة‭ ‬ادولة‭ ‬إسرائيلب‭ ‬إثرَ‭ ‬قرارٍ‭ ‬أممي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تقاربٍ‭ ‬ثقافي‭ ‬وحضاري‭ ‬مشتركٍ‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬فعملت‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬على‭ ‬ولادة‭ ‬الدولة‭ ‬المصطنعة‭ ‬الجديدة،‭ ‬لكن‭ ‬المحيط‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬فيه‭ ‬كان‭ ‬مختلفاً‭ ‬عنها،‭ ‬فطوال‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬قيامها‭ ‬اعتُبر‭ ‬ذلك‭ ‬المحيط‭ ‬مصدراً‭ ‬مستمراً‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬التهديد‭ ‬بالمعنى‭ ‬الوجودي،‭ ‬ومع‭ ‬تبدل‭ ‬وتغير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬زادت‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬قلت‭ ‬طبقاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬تلك‭ ‬التبدّلات‭ ‬والتغيرات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بإسرائيل‭ ‬لبناء‭ ‬سياستها‭ ‬الأمنية‭ ‬والدفاعية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬الخارجية‭ ‬وفقاً‭ ‬لتغيرات‭ ‬البيئة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭.‬

تُعد‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬الأكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتأثر‭ ‬بالمتغيرات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬بسبب‭ ‬اتساع‭ ‬نطاق‭ ‬وعمق‭ ‬صراعاتها،2‭ ‬فقد‭ ‬زادت‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ملحوظ،‭ ‬وظهرت‭ ‬تفاعلات‭ ‬جديدة‭ ‬تنوعت‭ ‬في‭ ‬مكوناتها‭ ‬السياسية،‭ ‬فسقطت‭ ‬أنظمةٌ‭ ‬وبرزت‭ ‬أخرى،‭ ‬وتدفق‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬تنظيمات‭ ‬دينية‭ ‬وأحزاب‭ ‬جديدة،‭ ‬ونتج‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المتغيرات‭ ‬بروز‭ ‬ولاءات‭ ‬جديدة‭ ‬مقسمةٍ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬دينية‭ ‬وقومية‭ ‬وقطريةٍ‭ ‬وغيرها،‭ ‬وصراعات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد،‭ ‬سنيةٍ‭ ‬وشيعية،‭ ‬وبرزت‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬قوىً‭ ‬متعددة،‭ ‬تنوعت‭ ‬أنماط‭ ‬علاقتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التحالفية‭ ‬والتصارعية،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بـبإسرائيلب‭ ‬لانتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬حذرة‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬المراقبة‭ ‬والتدخل،‭ ‬ومحاولة‭ ‬فرض‭ ‬مساراتٍ‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الإقليم‭.‬

فالمحاولة‭ ‬الجديدة‭ ‬لبناء‭ ‬شرق‭ ‬أوسطٍ‭ ‬مختلفٍ‭ ‬عما‭ ‬سبقه‭ ‬تتطلب‭ ‬رؤىً‭ ‬مبتكرة،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تترافق‭ ‬مع‭ ‬مرحلة‭ ‬إعادة‭ ‬الترتيب،‭ ‬مرحلة‭ ‬تغيرٍ‭ ‬في‭ ‬الأدوار،‭ ‬وأنماط‭ ‬السلوك‭ ‬السياسي،‭ ‬المتأثر‭ ‬بقوة‭ ‬المؤثرين‭ ‬والداعين‭ ‬أو‭ ‬المساهمين‭ ‬الفعليين‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬على‭ ‬الوكلاء‭ ‬الجدد،‭ ‬وبناء‭ ‬تحالفاتٍ‭ ‬استراتيجية،‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬وأنْ‭ ‬تتأثر‭ ‬إسرائيل‭ ‬بها،‭ ‬كونها‭ ‬أهم‭ ‬أحد‭ ‬المؤثرين‭ ‬والمتأثرين‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد،‭ ‬لذا‭ ‬فمن‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تَخرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التأثر‭ ‬عربياً‭ ‬وإقليماً‭.‬

الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬كذلك‭ ‬شهدت‭ ‬تغيراتٍ‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬التغيرات‭ ‬باعتبارها‭ ‬أهم‭ ‬المؤثرات‭ ‬عليها،‭ ‬بسبب‭ ‬إدراكها‭ ‬أنَّ‭ ‬وجودها‭ ‬المصيري‭ ‬يستند‭ ‬لمدى‭ ‬ارتباطها‭ ‬بأحد‭ ‬الأقطاب‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬تاريخية‭ ‬تُسمى‭ ‬بالنموذج‭ ‬الفارسي،‭ ‬ويعتمدُ‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬لدولةٍ‭ ‬كبرى‭ ‬ومحاولة‭ ‬تطويعها‭ ‬لمصلحتها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬تعيشُ‭ ‬في‭ ‬وسطٍ‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬بين‭ ‬ليلةٍ‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬عدو‭.‬

بدايةً،‭ ‬رفضت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فكرة‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬إنشائها،‭ ‬وتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفضها‭ ‬لقرار‭ ‬التقسيم‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬رقم‭ ‬181‭ ‬عام‭ ‬1947م‭. ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬ادولة‭ ‬إسرائيلب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬دخلت‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬حالةَ‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الوليدة،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬آنذاك‭ ‬احتلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬72%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬فلسطين‭.‬

وقعت‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬اتفاقات‭ ‬هدنة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1949م،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬استمر‭ ‬فيما‭ ‬اصطُلِح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالصراع‭ ‬العربي‭ ‬ذالإسرائيلي‭. ‬وباحتلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬لباقي‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عام‭ ‬1967م،‭ ‬ويأس‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬قامت‭ ‬أولى‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العلنية‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومصر،‭ ‬فيما‭ ‬عُرف‭ ‬باتفاقية‭ (‬كامب‭ ‬ديفيد‭) ‬عام‭ ‬1978م،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ووادي‭ ‬عربة‭ ‬مع‭ ‬الأردن‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الدول‭ ‬السابقة‭ ‬الذكر،‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولكنها‭ ‬العلنية‭ ‬الواضحة‭ ‬منها‭. ‬دولٌ‭ ‬أخرى‭ ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬علاقاتها،‭ ‬ومنها‭ ‬موريتانيا‭ ‬عام‭ ‬1998م،‭ ‬وقطر‭ ‬عام‭ ‬1997م،‭ ‬وعُمان‭ ‬عام1996م،‭ ‬والمغرب‭ ‬عام‭ ‬1994م،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬شبه‭ ‬السري،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬قد‭ ‬مَرَّ‭ ‬بمراحل‭ ‬من‭ ‬التجاذبات‭ ‬تميزت‭ ‬بالانقطاع‭ ‬تارة‭ ‬والعودة‭ ‬مرةً‭ ‬أخرى‭.‬

وفّرَت‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬ذالإسرائيلية،‭ ‬لإسرائيل‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الشعور‭ ‬النسبي‭ ‬بالأمان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬السابقة،‭ ‬حيث‭ ‬امتازت‭ ‬بتطوير‭ ‬التبادل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وبخاصةٍ‭ ‬اتفاق‭ ‬تصدير‭ ‬الغاز‭ ‬المصري‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وكذلك‭ ‬التبادل‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬استيعاب‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬أمرٍ‭ ‬واقعٍ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

ويمكن‭ ‬القول،‭ ‬أنَّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬استخدمت‭ ‬نظرية‭ ‬االمبارياتب8‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬علاقاتها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬واضعي‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المراكز‭ ‬البحثية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المعنية‭ ‬بالأمر،‭ ‬أخذوا‭ ‬بوضع‭ ‬نماذج‭ ‬لنظرية‭ ‬المباريات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استهداف‭ ‬أشخاص،‭ ‬مؤسسات،‭ ‬دول،‭ ‬أمم،‭ ‬وغيرها‭ ‬حسب‭ ‬الحاجة،‭ ‬ودراسة‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال؛‭ ‬لمعرفة‭ ‬الاستجابة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬من‭ ‬قِبلهم،‭ ‬ذلك‭ ‬وأنّه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬النظرية‭ ‬تمكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬التنبؤ‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬ووضعت‭ ‬مجموعةً‭ ‬من‭ ‬الاحتمالات‭ ‬التي‭ ‬مكّنتها‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬وتطوير‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬العرب،‭ ‬بحيث‭ ‬كانت‭ ‬اللاعب‭ ‬الأكثر‭ ‬فوزاً‭ ‬والأقل‭ ‬خسائرَ‭.‬

في‭ ‬العام‭ ‬2003م،‭ ‬ومع‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬أحد‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬المؤثرة،‭ ‬وانفتاح‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للتدخلات‭ ‬الخارجية،‭ ‬بدأت‭ ‬معالم‭ ‬تحولٍ‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربي،‭ ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬2011م،‭ ‬وهو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬فيه‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي،‭ ‬وانتقالهِ‭ ‬إلى‭ ‬دولٍ‭ ‬عربيةٍ‭ ‬مجاورةٍ‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬تربطها‭ ‬معها‭ ‬حدودٌ‭ ‬طويلة،‭ ‬كمصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬بدأت‭ ‬التحولاتُ‭ ‬تلقي‭ ‬بظلالها،‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬القائمة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وأخذت‭ ‬خيوط‭ ‬اللعبة‭ ‬تنسج‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فالوضع‭ ‬الطارئ‭ ‬الذي‭ ‬حدث،‭ ‬أربك‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬حاولت‭ ‬إبقاء‭ ‬أنظمة‭ ‬عربيةٍ‭ ‬حليفةٍ‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬مسالمةٍ‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬معها‭.‬

جاء‭ ‬الحراك‭ ‬العربي،‭ ‬أو‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬متناقضاً‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬وُصف‭ ‬سابقاً،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توصيف‭ ‬واقع‭ ‬التغيير‭ ‬بدقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬نتيجة‭ ‬الاختلالات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬التغيرات‭ ‬محل‭ ‬الحديث،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنَّ‭ ‬تلك‭ ‬التغيرات‭ ‬والتحولات‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬آثاراً‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬تفاصيل‭ ‬المشهد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬معالم‭ ‬التغيير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعلُ‭ ‬منه‭ ‬سبباً‭ ‬كافياً‭ ‬لإثارة‭ ‬قلق‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومحاولتها‭ ‬استثمار‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬لصالحها‭.‬10

لم‭ ‬يُكتب‭ ‬للتغيرات‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬النجاح‭ ‬بفعل‭ ‬عوامل‭ ‬متعددة،‭ ‬لعبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬فيها‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً،‭ ‬وطفا‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬أنظمة‭ ‬جديدة‭ ‬تُشبه‭ ‬تلك‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬خلعها،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬حفظ‭ ‬الأمن‭ ‬لبلدانها،‭ ‬وبسبب‭ ‬الضغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬زادت‭ ‬الروابط‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬إيهام‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بتعاظم‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني،‭ ‬وبتلاقي‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬أو‭ ‬استطاعتها‭ ‬تحسين‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬أو‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحكم‭.‬

اليوم،‭ ‬تزداد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ارتباطاً‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2020م،‭ ‬وتنتقل‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬السرية‭ ‬للعلنية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يزداد‭ ‬فيه‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬تداعياتها‭ ‬الموجد‭ ‬الأول‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبحكم‭ ‬التنامي‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمتوقع‭ ‬امتدادها‭ ‬لتشابك‭ ‬المصالح‭ ‬سابقة‭ ‬الذكر،‭ ‬فمن‭ ‬شبه‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تعاني‭ ‬التضييق،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬حصول‭ ‬تغيرات‭ ‬جيوسياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

د اياد ابو زنيط

استاذ مساعد - كلية العلوم الإدارية و المعلوماتية - قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى