مقالات

التكنولوجيا والسلاح .. رأس مال العلاقات الإِسرائيلية

د. بلال خليل ياسين - باحث مختص في الشأن الفلسطيني

منذ‭ ‬احتلال‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬حَرصَت‭ ‬االسُّلطات‭ ‬الإسرائيليَّةب‭ ‬أنْ‭ ‬تجِدَ‭ ‬لها‭ ‬مَوطِئ‭ ‬قَدمٍ‭ ‬في‭ ‬دولٍ‭ ‬عِدَّة،‭ ‬أهمُّها‭ ‬دُوَل‭ ‬آسيا،‭ ‬وبما‭ ‬أنَّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬السُّوفيتيّ‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حربٍ‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬فقد‭ ‬حَظِيَت‭ ‬علاقة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيليّ‭ ‬بِدُول‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬بتناقضاتٍ‭ ‬كثيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬تَفكُّك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬كان‭ ‬سَببًا‭ ‬مُهمًّا‭ ‬في‭ ‬قُدرة‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬لاختراق‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تَتُوق‭ ‬لعواملَ‭ ‬الاستقلال‭ ‬السِّيادِيّ‭. ‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المِثال،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1992‭ ‬أَيْ‭ ‬بَعد‭ ‬تَفكُّك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السّوفيتيّ‭ ‬بثلاثةِ‭ ‬أشهر‭ ‬تقريبًا،‭ ‬رأينا‭ ‬سرعة‭ ‬تحرك‭ ‬الخارجية‭ ‬الإِسرائيليَّة‭ ‬لاستغلال‭ ‬الفُرصة‭ ‬التي‭ ‬تُمَكِّنها‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬حيث‭ ‬نَظَّمت‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأُوزبَكِيَّة‭ ‬اطشقندب‭ ‬أوَّل‭ ‬مُؤتمرٍ‭ ‬اقتصاديٍ‭ ‬مُشترَك،‭ ‬كان‭ ‬هدفُه‭ ‬تحديد‭ ‬احتياجات‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬يُمكِن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬تجاهها،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تَحرُّك‭ ‬الأخيرة‭ ‬حُبًا‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬أبنائها،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تُدرِك‭ ‬أنَّ‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تَمتدُّ‭ ‬فوق‭ ‬أربعة‭ ‬مليون‭ ‬كم2‭ ‬تجلس‭ ‬فوق‭ ‬مخزونٍ‭ ‬هائلٍ‭ ‬من‭: ‬النفط،‭ ‬والغاز،‭ ‬واليورانيوم،‭ ‬والذهب،‭ ‬والفضة،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الذي‭ ‬يحد‭ ‬كُلًّا‭ ‬من‭: ‬تركيا،‭ ‬وإيران،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والصِّين‭ ‬جَعَل‭ ‬منها‭ ‬استراتيجيةً‭ ‬لا‭ ‬غِنى‭ ‬عنها،‭ ‬خُصوصًا‭ ‬أمامَ‭ ‬مشروع‭ ‬الصين‭ ‬المعروف‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭. ‬

وإذا‭ ‬أردْنا‭ ‬أنْ‭ ‬نَبتعِد‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الموضوع،‭ ‬ونَحصُر‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬دولتَين‭ ‬ذات‭ ‬تأثيرٍ‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ (‬الصين‭ ‬والهند‭) ‬فإنَّنا‭ ‬أمام‭ ‬مصالح‭ ‬مُتبادَلة‭ ‬قادت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيليّ‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬حضورِها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مستوياتٍ‭ ‬مختلفة‭. ‬‭ 

بداية‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الصِّين‭ ‬والهند‭ ‬

في‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬خاض‭ ‬الجيش‭ ‬الصيني‭ ‬حربًا‭ ‬ضِدَّ‭ ‬الفيتنام،‭ ‬وبالرَّغم‭ ‬من‭ ‬أنَّه‭ ‬احتلَّ‭ ‬الأراضي‭ ‬الفيتناميّة‭ ‬بِسُهولة‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬تَكَبَّد‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة،‭ ‬وبعد‭ ‬التقييم‭ ‬اكتشف‭ ‬الصينيون‭ ‬أنَّهم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬جيشٍ‭ ‬نِظاميٍّ‭ ‬حَديث،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أنْ‭ ‬يُواكِب‭ ‬تَطوّرات‭ ‬العصر،‭ ‬ومنْ‭ ‬هنا‭ ‬التَقطت‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬المصلحة‭ ‬التي‭ ‬يُمكِن‭ ‬أنْ‭ ‬تَضع‭ ‬أقدامَها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الصينية،‭ ‬حيث‭ ‬عرضت‭ ‬خدماتها‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬اآيزنبرجب،‭ ‬ولأنَّ‭ ‬المُقدَم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬لم‭ ‬يُشكِّل‭ ‬تنافسًا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لم‭ ‬تعارِض‭ ‬الأخيرة‭ ‬التعاون‭ ‬المُشترَك‭ ‬بينهما،‭ ‬مع‭ ‬إبقاء‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬السِّر‭. ‬

أما‭ ‬الهند‭ ‬فلم‭ ‬تبتعِدْ‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الصِّين‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الثَّغرة‭ ‬التي‭ ‬تسلَلَ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الإسرائيليّ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬المُعدَّات‭ ‬العسكريّة‭ ‬أيضًا‭ ‬هو‭ ‬كلمة‭ ‬السِّر‭ ‬التي‭ ‬دفعتها‭ ‬نَحو‭ ‬تطوير‭ ‬منظومتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتِها‭ ‬في‭ ‬مَجال‭ ‬التقنيَّات‭ ‬التي‭ ‬تَسمَح‭ ‬لها‭ ‬بالتفوُّق‭ ‬الأمنيّ‭ ‬على‭ ‬خُصومِها‭ ‬في‭ ‬اباكستانب،‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تُريد‭ ‬أن‭ ‬تَتَغلَّب‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬اكشميرب،‭ ‬وبما‭ ‬أنَّ‭ ‬اتِّفاقيَّة‭ ‬اكامب‭-‬ديفيدب‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬قد‭ ‬جمعت‭ ‬العرب‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيليّين‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬السلام،‭ ‬ومع‭ ‬سياسة‭ ‬انفتاح‭ ‬العقل‭ ‬الهندي‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬العقل‭ ‬الغربي‭ -‬كما‭ ‬يصِفُها‭ ‬بعض‭ ‬المراقبِين‭- ‬تَقدمَت‭ ‬الهند‭ ‬نحو‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬بخطىً‭ ‬ثابتة،‭ ‬لاسيما‭ ‬أنَّ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬تُقدِّم‭ ‬نفسها‭ ‬كَسِمْسَار‭ ‬لِكُلِّ‭ ‬من‭ ‬يُريد‭ ‬أنْ‭ ‬يُوطِّد‭ ‬علاقتَه‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكيّة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬لاحقًا‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬تدريجيّ‭ ‬إلى‭ ‬انقلابٍ‭ ‬كاملٍ‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الهندية‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُساندُها‭ ‬عَبر‭ ‬عُقود‭.‬‭ ‬

ماذا‭ ‬تريد‭ ‬اإسرائيلب؟‭ ‬

مَع‭ ‬بداية‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيليّ‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬كانت‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية‭ ‬تُمثِّل‭ ‬طَوق‭ ‬حصارٍ‭ ‬حَول‭ ‬كيانها‭ ‬الجديد،‭ ‬وبما‭ ‬أنَّ‭ ‬استراتيجية‭ ‬الاحتلال‭ ‬آنذاك‭ ‬كانت‭ ‬تَعتمِد‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬أقدامها‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬القفز‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬العرب،‭ ‬وإيجاد‭ ‬مصالح‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قارتَيّ‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬ولأنَّ‭ ‬جمهوريتَيّ‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬تَتَميزان‭ ‬بالمساحة‭ ‬الجُغرافية‭ ‬الواسعة،‭ ‬وعدد‭ ‬السُّكان‭ ‬الكبير،‭ ‬وطبيعة‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يُمكِن‭ ‬أنْ‭ ‬تلعباه‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬أدرك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مُبكِّرًا‭ ‬أولويَّة‭ ‬حُضورِه‭ ‬في‭ ‬تِلك‭ ‬المناطق‭.‬

وعليه‭ ‬فقد‭ ‬بَقِيَت‭ ‬محاولاتُه‭ ‬بين‭ ‬الصُّدود‭ ‬والسِّرية‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬سابقًا،‭ ‬حتى‭ ‬استطاع‭ ‬الاحتلال‭ ‬أنْ‭ ‬يُعزِّز‭ ‬أهمِّيتَه‭ ‬في‭ ‬ملفاتٍ‭ ‬عِدَّة،‭ ‬أبرزها‭ ‬الجوانب‭ ‬الأمنية‭ ‬والتّقنيّات‭ ‬التكنولوجيَّة‭ ‬والأسلحة‭ ‬المتقدمة،‭ ‬فبَعْد‭ ‬تفَوُّق‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربيّة‭ ‬أمنيًّا‭ ‬وعسكريًّا،‭ ‬واستِطاعَتِها‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬أكبِر‭ ‬دولة‭ ‬عربيّة‭ ‬في‭ ‬الشَّرق‭ ‬الأوسط‭  ‬وهي‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربيَّة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات،‭ ‬قدَّمت‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬نفسَها‭ ‬لِدُوَل‭ ‬آسيا‭ ‬وغيرها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أكبر‭ ‬كنموذجٍ‭ ‬ناجحٍ‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬مُعداتِها‭ ‬العسكرية‭ ‬وفاعليِّتها‭ ‬العملية،‭ ‬والتقنيَّات‭ ‬التكنولوجيَّة،‭ ‬وبهذا‭ ‬زادت‭ ‬تعاونها‭  ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجوانب‭ ‬مع‭ ‬الصِّين‭ ‬والهند‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬شَهِدَ‭ ‬العالم‭ ‬نُموًا‭ ‬متزايدًا‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬والصِّين‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬كما‭ ‬عَزَّزت‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الصينِي‭ ‬اجيانغ‭ ‬زيمينب‭ ‬الإسرائيلب‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬وكذلك‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق‭ ‬اإيهود‭ ‬أولمرتب‭ ‬ابكينب‭ ‬عام‭ ‬2007؛‭ ‬رَفْعَ‭ ‬مستوى‭ ‬التعاون‭ ‬السياسي،‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بينهما‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ملحوظ،‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬صادرات‭ ‬إسرائيل‭ ‬للصين‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬3.3‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أما‭ ‬صادرات‭ ‬الصِّين‭ ‬إلى‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬فقد‭ ‬تجاوزت‭ ‬8‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. 

ومن‭ ‬أجل‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬والإسرائيلية،‭ ‬يُعقَد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المنتديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬بشكلٍ‭ ‬سنويّ،‭ ‬منها‭ ‬منتدى‭ ‬اسيليكون‭ ‬دراغون‭ ‬إسرائيلب،‭ ‬الذي‭ ‬عُقِد‭ ‬في‭ ‬اتل‭ ‬أبيبب‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬والقِمّة‭ ‬الصينيّة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬للابتكار،‭ ‬التي‭ ‬عُقِدَت‭ ‬في‭ ‬اغواندونغب‭.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يَخُصّ‭ ‬الهند،‭ ‬فقد‭ ‬شَهِدَت‭ ‬علاقتها‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬تصاعدًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بينهما‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬حجم‭ ‬المستوى‭ ‬المُتصاعِد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬اجروزاليم‭ ‬بوستب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع،‭ ‬أنَّ‭ ‬الهند‭ ‬تُجرِي‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لِشراء‭ ‬نِظامَين‭ ‬للتحذير‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬الجو،‭ ‬من‭ ‬طِراز‭ ‬فالكون‭ ‬اأواكسب‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقيمة‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وقد‭ ‬أكَّدت‭ ‬الصحيفة‭ ‬أنَّ‭ ‬الصفقة‭ ‬المُشار‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الإنجاز‭. ‬

لذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نَجِد‭ ‬أنَّ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬لديها‭ ‬صادرات‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسلحة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فقد‭ ‬ذَكرَت‭ ‬اوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيليّةب‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يونيو‭/‬حزيران‭ ‬الماضي،‭ ‬أنَّ‭ ‬قِيمَة‭ ‬مَبيعاتها‭ ‬بلغت‭ ‬7.2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬2019‭.‬

إذن‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬حجم‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬قوىً‭ ‬دولية‭ ‬صاعِدة،‭ ‬وجَذْب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الصِّينيّة‭ ‬والهندية‭ ‬إلى‭ ‬البلاد،‭ ‬وهذا‭ ‬يَسمَح‭ ‬لها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تمرير‭ ‬أبعادِها‭ ‬الثقافية‭ ‬المتعلقة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬صِراعِها‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وتَحيِيد‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تجاه‭ ‬احتلالها‭ ‬لفلسطين‭ ‬وممارساتها‭ ‬العُدوانية‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬تَغيُّر‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬تجاهها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬عَمَليًّا‭ ‬في‭ ‬موقِف‭ ‬الهند‭ ‬تجاه‭ ‬الصِّراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬‭ ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السِّياق‭ ‬نَذكُر‭ ‬أهميّة‭ ‬التطبيع‭ ‬بالنسبة‭ ‬الإسرائيلب‭ ‬الذي‭ ‬أبرمته‭ ‬قبل‭ ‬أسابيعَ‭ ‬مع‭ ‬الإمارات‭ ‬العربيَّة،‭ ‬حيثُ‭ ‬إنَّ‭ ‬الأخيرة‭ ‬لديها‭ ‬مصالحَ‭ ‬تِجاريةً‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬إذْ‭ ‬يبلُغ‭ ‬حجم‭ ‬استثماراتها‭ ‬السَّنوية‭ ‬قُرَابة‭ ‬ا60ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬تَحتَلّ‭ ‬المركز‭ ‬الرابع‭ ‬في‭ ‬الشراكة‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬الهند،‭ ‬ولأنَّ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬تسعى‭ ‬لتوسيع‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬فإنَّ‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬تُعَدّ‭ ‬البوابة‭ ‬الصحيحة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أنْ‭ ‬تفتح‭ ‬لها‭ ‬مساراتٍ‭ ‬جديدة،‭ ‬وهنا‭ ‬يَكمُن‭ ‬أحَدَ‭ ‬أخطرِ‭ ‬مواضعَ‭ ‬التَّطبيع‭ ‬معَ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيليّ‭.   

في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإنَّ‭ ‬اهتمام‭ ‬الصِّين‭ ‬ابإسرائيلب‭ ‬باعتبارِها‭ ‬مَصدَرًا‭ ‬مُهمًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المُتطوِّرة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬الدقيقة،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬اهتمام‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬االحِزام‭ ‬والطَّريقب‭ ‬يجعل‭ ‬مِن‭ ‬مَوقِع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬الجغرافي‭ ‬أهميةً‭ ‬استراتيجيةً‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها،‭ ‬أما‭ ‬الهند‭ ‬فهي‭ ‬أكبر‭ ‬مُستورِدٍ‭ ‬للسلاح‭ ‬من‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظِلِّ‭ ‬صِراعها‭ ‬مع‭ ‬باكستان،‭ ‬وسِباق‭ ‬التسلح‭ ‬الحاصِل‭ ‬بينهما‭. 

الموقِف‭ ‬الأمريكيّ‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬الصِّينيّة‭ ‬الإسرائيليَّة

لا‭ ‬شَك‭ ‬أنَّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحِدة‭ ‬تَنظُر‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬بالصِّين‭ ‬بعيون‭ ‬الرَّيبة‭ ‬والحذَر،‭ ‬فهي‭ ‬تخشى‭ ‬أنْ‭ ‬تَحصُل‭ ‬الصِّين‭ ‬من‭ ‬حَليفتِها‭ ‬الأُولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تقنيّاتٍ‭ ‬تكنولوجيّةٍ‭ ‬تَتَخطى‭ ‬الحدود‭ ‬المسموحة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صعود‭ ‬الصين‭ ‬كمُنافِسٍ‭ ‬قويّ‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬واتهامها‭ ‬بالسَّرقة‭ ‬الفِكرية‭ ‬لكثيرٍ‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬العالمية،‭ ‬وقد‭ ‬عّبَّر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الخشية‭ ‬أستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬هاينز‭ ‬كوليدج‭ ‬الي‭ ‬برانستتب‭ ‬بقولِه‭: ‬اإنَّ‭ ‬القلق‭ ‬الأساسيّ‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تَصِل‭ ‬التقنيَّة‭ ‬الإسرائيليَّة،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المَطاف‭ ‬إلى‭ ‬أَيدِي‭ ‬الجيش‭ ‬الصينيّب،‭ ‬وهذا‭ ‬حَسْب‭ ‬تعبيرِه‭ ‬يُمْكِن‭ ‬أنْ‭ ‬يتحوّل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬جيلٍ‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الصينيَّة،‭ ‬قادِر‭ ‬على‭ ‬تهديد‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحُلفائِها‭.‬

ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تَزيد‭ ‬قلق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أنَّ‭ ‬تَوسُّع‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬يُشَكِّل‭ ‬خطرًا‭ ‬فيما‭ ‬يَخُصُّ‭ ‬مصالِح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبالرَّغم‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬الصَّريح‭ ‬الذي‭ ‬تُبْديه‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الصين‭ ‬تَتَّبِع‭ ‬استراتيجية‭ ‬الاستثمار‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬التّكنولوجيا‭ ‬والمعلومات‭ ‬الإسرائيليَّة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬وَسَّعت‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬تَوَسُّع‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬كالمَرافِئ‭ ‬البحريّة،‭ ‬وسِكك‭ ‬الحديد،‭ ‬والأنفاق،‭ ‬حيث‭ ‬تُقَدَّر‭ ‬قيمة‭ ‬أربعة‭ ‬مشاريع‭ ‬رئيسيَّة‭ ‬للصِّين‭ ‬في‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬بحوالي‭ ‬٤‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬

أثبَت‭ ‬الواقع‭ ‬أنَّ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬حَقَّقَت‭ ‬نجاحاتٍ‭ ‬مُتقدِّمةً‭ ‬في‭ ‬اختراقِ‭ ‬الدولِ‭ ‬المُؤثِّرةِ‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬آسيا،‭ ‬وأنَّ‭ ‬أدواتَها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬التجارة‭ ‬المُتبادَلة،‭ ‬وبما‭ ‬أنها‭ ‬تمتلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬والموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬المهم،‭ ‬فقد‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬مَحَطَّ‭ ‬اهتمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وفي‭ ‬ظِلِّ‭ ‬صعود‭ ‬الصين‭ ‬كَدولةٍ‭ ‬مُنافِسةٍ‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وبعد‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُدخِل‭ ‬السوق‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬كَسَاد،‭ ‬فإنَّ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬تسعى‭ ‬لمَزيدٍ‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬بما‭ ‬يُحَقِّق‭ ‬لها‭ ‬أسواقًا‭ ‬بديلةً‭ ‬ومتنوِّعةً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ويَضمَن‭ ‬لها‭ ‬حضورًا‭ ‬جيِّدًا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي،‭ ‬ويَحفَظ‭ ‬لها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

وهذا‭ ‬يَفرِض‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تحديًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬أمام‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬ظِلِّ‭ ‬انحياز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الوساطة‭ ‬لِحَلِّ‭ ‬الصِّراع‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬الإسرائيليّ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وضَعْفِ‭ ‬التأثير‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬بَحْثِ‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬عن‭ ‬أطرافٍ‭ ‬دوليةٍ‭ ‬نزيهة‭.‬‭ ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى