مقالات

التنافس الصيني الهنـدي على استقطاب الشركات العالمية بعـــد كـورونـا

يحيى باسم عياش "صحفي وباحث دكتوراه بالإعلام"

أعادت‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬زكوفيد-19س،‭ ‬وما‭ ‬خلقته‭ ‬من‭ ‬أزمةٍ‭ ‬صحيةٍ‭ ‬عالميةٍ‭ ‬ذات‭ ‬تبعات‭ ‬اقتصاديةٍ‭ ‬وسياسيةٍ‭ ‬واجتماعية،‭ ‬المنافسة‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الاستقطاب‭ ‬بين‭ ‬أقطاب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمية،‭ ‬خاصة‭ ‬القوى‭ ‬الأكبر‭ ‬بالعالم‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭.‬

ساهم‭ ‬تمركز‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادها‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع،‭ ‬تمركز‭ ‬شركات‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬مصنعا‭ ‬حيويا‭ ‬للعالم،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬ربما‭ ‬تتراجع‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬نظرا‭ ‬للضغوط‭ ‬الدولية‭ ‬والعتب‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬بكين،‭ ‬كونها‭ ‬المكان‭ ‬الأول‭ ‬لخروج‭ ‬الوباء‭ ‬العالمي‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الصين‭ ‬تتجه‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬الجار‭ ‬المنافس‭ ‬الهند،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لاقتناص‭ ‬أي‭ ‬فرصة،‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬شغل‭ ‬الدور‭ ‬الحيوي‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬تمتلكه‭ ‬بكين،‭ ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬تجدد‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الآسيويين،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬أصواتاً‭ ‬في‭ “‬نيودلهي‭” ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬لمقاطعة‭ ‬الصين‭ ‬اقتصادياً‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬أوجدت‭ ‬جدلا‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬نفسها،‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬منافستها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للصين‭ ‬أو‭ ‬انتقال‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬إليها،‭ ‬يعتمد‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬مساندة‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬وربما‭ ‬أصبح‭ ‬التحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الأولى‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬لكن‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الثانية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭, ‬مع‭ ‬محافظة‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬طيبة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭.‬

التنافس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة،‭ ‬لكنه‭ ‬يتجدد‭ ‬ويتضاعف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أزمة،‭ ‬وربما‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التنافس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬تحاول‭ ‬إثبات‭ ‬جدارتها‭ ‬بهذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬وتعمل‭ ‬جاهدة‭ ‬على‭ ‬النجاة‭ ‬بنفسها‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ورغم‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬سادت‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تراجعت‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬وتدهورت‭ ‬أكثر‭ ‬نتيجة‭ ‬التوتر‭ ‬الميداني‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬ضحايا،‭ ‬انعكس‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الاحتقان‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الأوساط‭ ‬الهندية‭ ‬والصينية‭.‬

طموحات‭ ‬الهند‭ ‬ورغبتها‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية،‭ ‬طفت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬بعدما‭ ‬أعلن‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ “‬نيودلهي‭” ‬أن‭ ‬زموقف‭ ‬الصين‭ ‬الدولي‭ ‬الضعيف،‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬بلادهم‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخارجيةس،‭ ‬وبدأت‭ ‬فرق‭ ‬اقتصادية‭ ‬هندية‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬الشركات‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الصين‭.‬

ويعتقد‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬ستسرع‭ ‬عملية‭ ‬خروج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬لذلك‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬بأن‭ ‬أرضهم‭ ‬باتت‭ ‬مناسبةً‭ ‬لنقل‭ ‬نشاطهم‭ ‬الصناعي‭ ‬إليها،‭ ‬لذلك‭ ‬فتحت‭ ‬نيودلهي‭ ‬قنوات‭ ‬اتصال‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬أمريكية‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسية‭ ‬للحديث‭ ‬معها‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭.‬

وربما‭ ‬تكون‭ ‬عملية‭ ‬النقل‭ ‬سهلة‭ ‬عند‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬يوجد‭ ‬لها‭ ‬مصانع‭ ‬حالية‭ ‬بالهند،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تقييم،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬نهائية‭ ‬بالنقل،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬تواجه‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمدادات‭ ‬الضرورية‭ ‬للإنتاج‭ ‬الصناعي‭.‬

وخصصت‭ ‬الحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬الأراضي‭ ‬للشركات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬نشاطاتها‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬لمجرد‭ ‬توفر‭ ‬قطع‭ ‬الأرض،‭ ‬لأن‭ ‬خطوط‭ ‬الإنتاج‭ ‬والإمداد‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا،‭ ‬وعملية‭ ‬تفكيكها‭ ‬تحتاج‭ ‬لوقت‭ ‬وجهد‭ ‬كبيرين‭.‬

ومسألة‭ ‬توفير‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬بالهند‭ ‬مشابهة‭ ‬لما‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬بالصين‭ ‬مثل‭ ‬الموانئ‭ ‬والطرق،‭ ‬والقوى‭ ‬البشرية‭ ‬المتقنة،‭ ‬ليست‭ ‬بالأمر‭ ‬الهين،‭ ‬لأنها‭ ‬عوامل‭ ‬مهمة‭ ‬للشركات‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استمرار‭ ‬صناعاتها‭ ‬الضخمة،‭ ‬ذات‭ ‬الجودة‭ ‬العالية‭.‬

كما‭ ‬تشعر‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬الهند‭ ‬المتأرجحة،‭ ‬مع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخارجية‭ ‬المباشرة‭ ‬وقوانينها‭ ‬التجارية‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة،‭ ‬وشعورها‭ ‬بأن‭ ‬الهند‭ ‬استغلت‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬لبناء‭ ‬جدران‭ ‬حمائية‭ ‬حول‭ ‬نفسها،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬منع‭ ‬شركات‭ ‬التجارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بيع‭ ‬المواد‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬تعرقل‭ ‬انتقال‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭.‬

وقبل‭ ‬بدء‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬بدأت‭ ‬الشركات‭ ‬الدولية‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬نشاطاتها‭ ‬إلى‭ ‬دولٍ‭ ‬خارج‭ ‬الصين‭ ‬منها‭: “‬بنغلادش‭ ‬وفيتنام‭ ‬وتايوان‭” ‬نظرا‭ ‬لارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬العمالة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬ولأغراض‭ ‬بيئية،‭ ‬وكانت‭ ‬عملية‭ ‬النزوح‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬تسارعت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

فمنذ‭ ‬يونيو‭ ‬2018،‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬الصادرات‭ ‬الفيتنامية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬والصادرات‭ ‬التايوانية‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬حسب‭ ‬تقديرات‭ ‬صحيفة‭ ‬ساوث‭ ‬تشاينا‭ ‬مورنينغ‭ ‬بوست‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭.‬

ورغم‭ ‬إخفاق‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬للشركات‭ ‬الدولية‭ ‬باستخدام‭ ‬البلاد‭ ‬كقاعدة‭ ‬إنتاجية‭ ‬للتصدير‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الولايات‭ ‬الهندية‭ ‬بدأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬التصدي‭ ‬لمخاوف‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تغيير‭ ‬قوانين‭ ‬العمل‭ ‬البالية‭ ‬التي‭ ‬سنّت‭ ‬أصلا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬العاملين‭.‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬علّقت‭ ‬ولايتا‭ “‬أوتار‭ ‬براديش‭” ‬و‭”‬ماديا‭ ‬براديش‭” ‬العمل‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬بنود‭ ‬حماية‭ ‬العاملين،‭ ‬واستثنتا‭ ‬المصانع‭ ‬من‭ ‬التقيد‭ ‬بشروط‭ ‬السلامة‭ ‬الأساسية‭: ‬كالنظافة‭ ‬،‭ ‬والتهوية،‭ ‬والإضاءة،‭ ‬وتوفير‭ ‬المرافق‭ ‬الصحية،‭ ‬والغرض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬تحسين‭ ‬البيئة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬وجذب‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الأجنبي‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬يربط‭ ‬خبراء‭ ‬عسكريون‭ ‬سوء‭ ‬تعامل‭ ‬الصين‭ ‬مع‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬والاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليها‭ ‬بالتغطية‭ ‬عليه،‭ ‬وغاراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬هندية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الجيشين‭.‬

وتتطلع‭ ‬الشركات‭ ‬الصناعية‭ ‬لترك‭ ‬الصين،‭ ‬وهذا‭ ‬يجبر‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬المحاولة‭ ‬لتشتيت‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬فرص‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬الهاربة‭ ‬من‭ ‬بكين‭.‬

وتحاول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬لحل‭ ‬نزاعهما‭ ‬الحدودي‭ ‬المحتدم،‭ ‬لأن‭ ‬السلام‭ ‬والهدوء‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬البلدين،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬رفضا‭ ‬الوساطة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الصيني‭ ‬زهاو‭ ‬ليجيان،‭ ‬بقوله‭:” ‬إن‭ ‬البلدين‭ ‬لا‭ ‬يريدان‭ ‬زتدخلس‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭ ‬لحل‭ ‬خلافاتهما‭”.‬

فيما‭ ‬أوضح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الهندي‭ “‬هارش‭ ‬فاردان‭ ‬شرينجلا‭”‬،‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬زتعمل‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الصيني‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬سلمياس،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬زالقوات‭ ‬الهندية‭ ‬اتخذت‭ ‬أسلوبا‭ ‬مسؤولا‭ ‬تجاه‭ ‬إدارة‭ ‬الحدود‭ ‬ومتابعة‭ ‬البروتوكولاتس‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬تخلو‭ ‬الأزمات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬من‭ ‬المصادفات،‭ ‬والاشتعال‭ ‬المفاجئ‭ ‬للتوترات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمرا‭ ‬وليد‭ ‬الصدفة،‭ ‬وإنما‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬واقعية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدولة‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنماط‭ ‬سلوك‭ ‬انتهازية،‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬مساعيها‭ ‬لتحويل‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لصالحها،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مصالحها،‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الهند‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادي،‭ ‬حسبما‭ ‬يرى‭ ‬محللون‭.‬

فقد‭ ‬أشار‭ ‬المحلل‭ ‬الهندي‭ “‬هوما‭ ‬صديقي‭” ‬إلى‭ ‬أنه‭: ‬زفيما‭ ‬يخص‭ ‬الهند،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تدخل‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬حدودية‭ ‬مع‭ ‬الهند،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬تبدأ‭ ‬فيه‭ ‬علاقات‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬شركاء‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ (‬الحوار‭ ‬الأمني‭ ‬الرباعي‭) ‬في‭ ‬التنامي‭ ‬والتقاربس‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن،‭ ‬وجدت‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬محاصرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واليابان‭ ‬وأستراليا‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬لدورها‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬زكوروناس‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬تقاربت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬الهند،‭ ‬وهناك‭ ‬إمكانية‭ ‬قوية‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الحال‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬ستنقل‭ ‬نشاطها‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الهند‭. ‬

وأفادت‭ ‬تقارير‭ ‬بأن‭ ‬واشنطن‭ ‬أمدت‭ ‬الحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬بـسمعلومات‭ ‬حول‭ ‬تعزيزات‭ ‬القوات‭ ‬الصينية‭ ‬وعمليات‭ ‬نشر‭ ‬القواتس‭ ‬أثناء‭ ‬أزمة‭ ‬دوكلام‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬ومن‭ ‬المعتقد‭ ‬أن‭ ‬رغبة‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتشارك‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭ ‬أحد‭ ‬المحفزات‭ ‬وراء‭ ‬توقيع‭ ‬دلهي‭ ‬اتفاقا‭ ‬عسكريا‭ ‬جوهريا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2018‭.‬

وقال‭ ‬الدكتور‭ ‬راج‭ ‬كومار‭ ‬شارما،‭ ‬الاستشاري‭ ‬لدى‭ ‬كلية‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬زجامعة‭ ‬إنديرا‭ ‬غاندي‭ ‬الوطنية‭ ‬المفتوحةس‭ ‬في‭ ‬نيودلهي‭: ‬زتستعرض‭ ‬الصين‭ ‬عضلاتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أمام‭ ‬الهند،‭ ‬وإنما‭ ‬كذلك‭ ‬أمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬ترفض‭ ‬ادعاءاتها‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأحقيتها‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبيس‭.‬

ويعتقد‭ ‬المحلل‭ ‬الهندي‭ “‬سريموني‭ ‬تالوكدار‭” ‬أن‭ ‬المناوشات‭ ‬الحدودية‭ ‬الأخيرة‭ ‬ربما‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬بمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬وموقف‭ ‬الهند‭ ‬الصارم‭ ‬إزاء‭ ‬التصدي‭ ‬لأي‭ ‬استثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬حكومية‭ ‬مسبقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬الصين‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬قال‭ “‬قوه‭ ‬وي‭ ‬مين‭” ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاستشاري‭ ‬الصيني‭:”‬إنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الصين‭ ‬تنافس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الزعامة‭ ‬العالمية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مساعدة‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬واصفاً‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بذلك‭ ‬بـ‭ “‬ضيق‭ ‬الأفق‭” ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬له‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬قبيل‭ ‬الاجتماع‭ ‬السنوي‭ ‬للمجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬الصيني،‭ ‬وهو‭ ‬هيئة‭ ‬استشارية‭ ‬دورها‭ ‬شرفي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬بهذا‭ ‬التصريح‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي،‭ ‬قبيل‭ ‬الاجتماع‭ ‬السنوي‭ ‬للمجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬الصيني‭.‬

الهند‭ ‬أصدرت‭ ‬قرارا‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬يلزم‭ ‬أي‭ ‬استثمارات‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬تشترك‭ ‬الهند‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬حدود،‭ ‬بالسعي‭ ‬أولاً‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الحكومة،‭ ‬وهدف‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬استحواذ‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬هندية‭ ‬تشارك‭ ‬الصين‭ ‬باستثمارات‭ ‬فيها،‭ ‬وأثار‭ ‬القرار‭ ‬بالفعل‭ ‬انتقادات‭ ‬صينية‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬هندي‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬التنفيذي‭ ‬داخل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬ومن‭ ‬المعتقد‭ ‬أن‭ ‬الهند‭ ‬ستكون‭ ‬نقطة‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الضغوط‭ ‬العالمية‭ ‬المتزايدة‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬والفجوة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬وسيتعين‭ ‬على‭ ‬الهند‭ ‬حسم‭ ‬موقفها‭ ‬إزاء‭ ‬المطالب‭ ‬الأميركية‭ ‬بإعادة‭ ‬تايوان‭ ‬كمراقب‭ ‬داخل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬المطلب‭ ‬الذي‭ ‬ترى‭ ‬الصين‭ ‬أنه‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬زصين‭ ‬واحدةس‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭. ‬

من‭ ‬ناحيتها،‭ ‬قالت‭ “‬تايوان‭” ‬إنها‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬التشارك‭ ‬مع‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬تجربتها‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬فيروس‭ ‬زكوروناس،‭ ‬وذلك‭ ‬بعدما‭ ‬سجلت‭ ‬عدد‭ ‬إصابات‭ ‬بلغ‭ ‬440‭ ‬حالة،‭ ‬و7‭ ‬وفيات،‭ ‬بفضل‭ ‬جهودها‭ ‬بمجال‭ ‬الرصد‭ ‬والوقاية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تايوان‭ ‬لا‭ ‬تحق‭ ‬لها‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬كيانات‭ ‬دولية‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬اعترضت‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬تايوان‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أقرت‭ ‬بكونها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬رفضته‭ ‬حكومة‭ ‬تايوان‭.‬

وأمام‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬يعد‭ ‬أي‭ ‬نجاح‭ ‬تحققه‭ ‬الهند‭ ‬خسارة‭ ‬للصين‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬احتدام‭ ‬المنافسة‭ ‬بينهما‭.‬

يحيى باسم عياش

"صحفي وباحث دكتوراه بالإعلام"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى