
الحصــة الحقيقيـة لمجموعـة بريكس في الاقتصاد العالمي وتراجع قوة الغرب
د. أندريه كوبياكوف محلل سياسي وخبير في الاقتصاد العالمي
بعد الحرب العالمية الثانية، هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على الحوكمة الاقتصادية العالمية؛ فقد تم تصميم نظام المؤسسات العالمية المنبثق عن مؤتمر بريتون وودز بالكامل ليُكرّس الدور المركزي للولايات المتحدة والدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي.
وعكس هذا بدرجة أو بأخرى، الوضع الحقيقي في نسب الاقتصاد العالمي وهيمنة الاقتصاد الأمريكي من حيث الناتج المحلي الإجمالي (GDP).
سنقوم أدناه بتحليل المخططات التي توضح نسب الاقتصاد العالمي والتغيرات في هذه النسب عبر الزمن. ولكن قبل ذلك، إليكم بعض الملاحظات حول البيانات المستخدمة في هذه المخططات:
كما هو متعارف عليه في التحليل المقارن الحقيقي، فإن جميع الحسابات الخاصة بالمخططات مبنية على إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لمبدأ تعادل القوة الشرائية (PPP) – أي أن القيمة الدولارية للناتج المحلي الإجمالي لأي بلد لا تُستمد من أسعار صرف العملات الرسمية أو السوقية، بل تعكس القوة الشرائية الحقيقية للعملات الوطنية.
لم أستخدم قواعد البيانات الشهيرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لأنها تتسم بطابع مضاربي. فكل 5 أو 10 سنوات، يقوم البنك الدولي وصندوق النقد بما يُسمى «تصحيحات» و»تحسينات» على قواعد بياناتهما، وهذه التعديلات تكون جذرية ومثيرة للجدل إلى درجة أنها تثير فضائح حقيقية – لأن الغرض الوحيد من هذه «التصحيحات» كان دائماً: تضخيم حجم الاقتصاد الأمريكي والتقليل من الوزن الحقيقي للاقتصاد الصيني.
في تحليلي استخدمت قاعدة بيانات أشهر خبير مستقل في التحليل الاقتصادي المقارن في العالم، وهو البروفيسور أنغوس ماديسون من جامعة خرونينغن. توفي البروفيسور ماديسون في فبراير 2010، لذا فإن آخر سنة في قاعدة بياناته هي 2008. وبالتالي، فإن المخططات التي أقدمها حتى عام 2008 تستند إلى حسابات مبنية على قاعدة بيانات ماديسون الإحصائية، بينما تستند الأرقام لما بعد ذلك إلى تقديراتي وتنبؤاتي المستندة إلى تلك الإحصاءات.
فلننتقل الآن إلى المخططات:
يمثل المخطط 1 نسب الاقتصاد العالمي في عام 1950 والدور المركزي للولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن أوروبا الغربية موحدة بعد، وكانت تحت تأثير كبير من الولايات المتحدة.
وكانت القوة الاقتصادية الوحيدة المنافسة هي الاتحاد السوفيتي مع كتلة الدول السوفيتية التابعة له، وكانت في الأساس هذه الكتلة مكتفية ذاتيًا، وكانت تمثل نوعًا من الاقتصاد المغلق، وبالتالي كان تأثيرها على الحوكمة الاقتصادية العالمية محدودًا للغاية.
المخطط 2 – نسب الاقتصاد العالمي في عام 1975، بعد ربع قرن – ونلاحظ أن الوضع بقي في مجمله كما هو.
المخطط 3 – عام 1990 قبيل الانهيار الذاتي للكتلة السوفيتية والاتحاد السوفيتي نفسه، انخفضت حصتهما في الاقتصاد العالمي، بينما بقيت حصة الولايات المتحدة مستقرة.
وقد مهد انهيار الكتلة السوفيتية الطريق لنظام سياسي عالمي أحادي القطب، وعزز من مكانة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الحوكمة الاقتصادية العالمية.
لكن تلك الفترة لم تدم طويلاً، وذلك بسبب النمو السريع لقوة اقتصادية جديدة وهي الصين، وأيضًا بفضل الإمكانات الكبيرة للنمو لدى بعض الاقتصادات الصاعدة الكبرى الأخرى، وهي دول مجموعة البريكس.
المخطط 4 يوضح هذا الوضع الجديد في عام 2008 (عندما بدأ الأزمة المالية العالمية).
في المخطط 5، يمكننا أن نرى الوضع في نهاية عام 2015 حيث أصبح الاقتصاد الصيني بالفعل الاقتصاد رقم 1 في العالم من حيث الحصة الحقيقية، وإن لم يكن بعد من حيث النفوذ الحقيقي.
ولكن ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن هذا النفوذ يشهد تزايدًا جذريًا في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يستمر في الازدياد في المستقبل القريب.
الفرق الجوهري بين الوضع الحالي والوضع بعد الحرب العالمية الثانية، هو أن اقتصاد الاتحاد السوفيتي وكتلته كان اقتصادًا مغلقًا، في حين أن الاقتصاد الصيني الحديث هو اقتصاد مفتوح يتمتع بتجارة دولية هائلة وتدفقات رأس مال دولية وبالتالي تأثير دولي متزايد باستمرار.
نحن الآن في منتصف (أو يمكن القول في الجزء الثاني والأخير) من مرحلة انتقالية نحو وضع جديد كليًا مع زعامة اقتصادية عالمية جديدة.
لقد أجريتُ توقعًا لعام 2030، ويمكنكم رؤيته في المخطط 6.
دعوني أقول إن هذا التوقع متحفظ للغاية، وليس مفرطاً في التفاؤل بأي حال، فهو لا يمثل ببساطة إسقاطًا خطيًا للاتجاهات الحالية ومعدلات النمو.
على سبيل المثال، أعتقد أن معدلات نمو الاقتصاد الصيني ستتباطأ بشكل ملحوظ: من حوالي 7 في المئة في عام 2015 إلى 3.5 في المئة في عام 2030، وقد تم أخذ هذه الافتراضات في الاعتبار ضمن هذا التوقع.
ولكن حتى مع هذه الافتراضات، فإن الصين وحدها ستشكل ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، وسيشكل مجموع دول البريكس ما يقرب من نصف الاقتصاد العالمي (المخططات 7-9). لكن المخططات 7-9 أُعدّت فقط للدول الخمس الأصلية في مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا).
وإذا أخذنا في الاعتبار التشكيل الحالي للبريكس، الذي يضم الآن 10 دول (الأعضاء الأصليون بالإضافة إلى الإمارات، إيران، مصر، إثيوبيا، وإندونيسيا)، فإنه من الآمن القول إن حصة «بريكس-10» ستتجاوز بالتأكيد نصف الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
إذن، فإن الخلل أو التفاوت الرئيسي في هذه المرحلة من التاريخ الاقتصادي العالمي يكمن في الفجوة بين الحصة الحقيقية لدول البريكس في الاقتصاد العالمي ودورها في نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية، وهذا يعني أن النظام الحالي للحوكمة ليس في مصلحة الجنوب العالمي بأكمله.
إن النظام القائم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة على مستوى المؤسسات فوق الوطنية التي تحكم التجارة العالمية والمالية لا يعكس النسب الحقيقية للاقتصاد العالمي، ولا يأخذ بعين الاعتبار تراجع حصة الاقتصاد الأمريكي.
وتعد هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي من بقايا الماضي، وبالتالي فإن النظام المالي الحالي غير عادل وغير منصف لأنه يسمح لقوة واحدة فقط بالاستفادة من امتياز إصدار العملة العالمية والسيطرة على أدوات النفوذ في الأسواق المالية الرئيسية من أجل إعادة توزيع الثروة على مستوى العالم لصالحها الخاص. هذا هو نظام استغلال كامن على النمط الاستعماري الجديد للشعوب.
ومن الطبيعي تمامًا أن تسعى دول البريكس لإيجاد سبل لزيادة حصتها المنخفضة بشكل غير متناسب في مؤسسات الحوكمة العالمية، لكن من السذاجة الاعتقاد بأن المستفيدين الرئيسيين من النظام الحالي سيسمحون طوعًا بحدوث تحول حقيقي في موازين القوة.
لذا، وإلى جانب هذه الجهود لتعزيز دورها في المؤسسات القائمة، تحتاج دول البريكس إلى مبادرات مستقلة وخطوات تهدف إلى تصحيح هذا الخلل في التوازنات الحالية.
من بين هذه الخطوات: تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي، وزيادة حجم التجارة المتبادلة، وإطلاق مشاريع استثمارية مشتركة. وهذا مهم بشكل خاص في ظل تنامي النزعات القومية والدعوات الشعبوية لاعتماد سياسات الحماية في الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب.
ينبغي على دول البريكس أن تستخدم عملاتها الوطنية بشكل أكثر فاعلية في المدفوعات المتبادلة – كخطوة للتحول عن استخدام الدولار كوسيط للدفع. إن تطوير آليات التسوية والدفع غير القائمة على الدولار بين دول البريكس يُعد أداة مهمة لضمان الاستقلال والسيادة الوطنية في مواجهة الاضطرابات المالية والاقتصادية العالمية الحالية.
الخطوة الضرورية التالية هي إنشاء عملة مشتركة كبديل كامل حقيقي للدولار يمكنه أن يؤدي دور العملة العالمية، العملة المشتركة (أو الجماعية) فوق الوطنية تُعد الحل الأفضل، لأن آلية إنشائها أكثر شفافية ولا تعتمد على أي اقتصاد وطني واحد أو نظام مالي وطني واحد، كما أن آلية تخصيص الحصص بفضل طابعها الديمقراطي أكثر عدلاً، وبالتالي ستعزز بناء الثقة المتبادلة بين الدول المستقلة ضمن البريكس.
ينبغي على دول البريكس أن تروّج لمؤسساتها الدولية الخاصة بالتوازي مع المؤسسات القائمة، ومن الأهمية القصوى مواصلة تطوير المؤسسات المالية الدولية التابعة للبريكس كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
فحجم أنشطتها الحالي وقاعدتها الرأسمالية لا يزالان غير كافيين لإحداث تحول حقيقي في ميزان القوى ضمن الحوكمة الاقتصادية العالمية، أو لإنجاز مهمة رفع دور البريكس جذريًا بما يتناسب مع وزنها الحقيقي في الاقتصاد العالمي.
وأعتقد أيضًا أن للبنك الجديد للتنمية التابع للبريكس (NDB) القدرة على إطلاق نوع جديد من العملة فوق السيادية، تستند إلى آلية مماثلة لحقوق السحب الخاصة (SDRs)، وهذا من شأنه أن يمثل مبادرة حاسمة لبناء هيكل جديد للنظام المالي العالمي يكون أكثر عدالة وإنصافًا مقارنة بالنظام الحالي.