مقالات

السياسة الماليزية – الجزء الثاني / «حقبة النهضة الأولى»

صهيب أحمد - باحث في شؤون جنوب شرق آسيا

في‭ ‬هذه‭ ‬السِّلسلة‭, ‬بدأنا‭ ‬في‭ ‬الجزءِ‭ ‬الأول‭ ‬بمقدمةٍ‭ ‬شرحت‭ ‬تشكُّلَ‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬الماليزي‭, ‬والأحزاب‭ ‬السِّياسيَّة‭ ‬الرئيسيَّة‭ ‬القائمة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬سنتطرَّقُ‭ ‬إلى‭ ‬التَّنميةِ‭ ‬والنَّهضةِ‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬ماليزيا‭, ‬وانعكاسات‭ ‬تلك‭ ‬النَّهضةِ‭ ‬على‭ ‬السياسةِ‭ ‬والمجتمعِ‭ ‬الماليزي‭ ‬وواقعها‭ ‬اليوم‭.‬

رغم‭ ‬وجود‭ ‬صناعاتٍ‭ ‬ومهنٍ‭ ‬حديثةٍ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬منذ‭ ‬الاستعمار‭, ‬إلا‭ ‬أنَّها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬نِطاقٍ‭ ‬ضيقٍ‭ ‬جداً‭ ‬ويوازي‭ ‬حجمَ‭ ‬مجتمعِ‭ ‬الأقلياتِ‭ ‬العِرقية‭, ‬ولذا‭ ‬بقيَ‭ ‬مُجمَل‭ ‬الاقتصادِ‭ ‬الماليزي‭ ‬يُصنَّف‭ ‬كاقتصادٍ‭ ‬بدائيٍّ‭ ‬يعتمدُ‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬وتربية‭ ‬المواشي‭ ‬والصيد،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬حُكمٍ‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1981‭ ‬وامتد‭ ‬لعقدين‭, ‬نجحَ‭ ‬الطبيبُ‭ ‬والسياسي‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬تحويلِ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الماليزي‭ ‬إلى‭ ‬اقتصادٍ‭ ‬حديث‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الصناعاتِ‭ ‬والخدمات‭, ‬ودخلت‭ ‬ماليزيا‭ ‬في‭ ‬عدَّةِ‭ ‬صناعاتٍ‭ ‬صعبةٍ‭ ‬ومعقدةٍ‭ ‬لم‭ ‬تدخلْها‭ ‬أغلبُ‭ ‬دولِ‭ ‬العالمِ‭ ‬الثالث،‭ ‬وبعدَ‭ ‬أن‭ ‬حقَّقَ‭ ‬رئيسُ‭ ‬الوزراءِ‭ ‬مُبتغاه‭ ‬في‭ ‬إدارةِ‭ ‬الدَّولة،‭ ‬تنازلَ‭ ‬عن‭ ‬الحكمِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬طَوعيٍّ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭, ‬وخرجَ‭ ‬من‭ ‬دورِ‭ ‬القيادةِ‭ ‬المباشرةِ‭ ‬إلى‭ ‬دورِ‭ ‬المؤثِّر‭ ‬في‭ ‬المساراتِ‭ ‬العامَّةِ‭ ‬للدولة‭ ‬من‭ ‬خلفِ‭ ‬المسرح‭, ‬مُخلفًا‭ ‬وراءَه‭ ‬دولةً‭ ‬حديثةً‭ ‬وعصريةً‭ ‬وذائعةَ‭ ‬الصيتِ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬في‭ ‬سياقِ‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭, ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬بعضِ‭ ‬أسبابِ‭ ‬النَّهضة‭ ‬الماليزية‭ ‬ونتائجها‭, ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تساعدُنا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬التجربة‭ ‬الماليزية‭, ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬بعض‭ ‬أسبابِ‭ ‬تأخُّرِ‭ ‬الواقعِ‭ ‬العربيّ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭.‬

بذور‭ ‬النَّهضة‭ ‬الماليزيَّة

بعدَ‭ ‬صعود‭ ‬التَّوترات‭ ‬العِرقية‭ – ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الماضي‭ – ‬في‭ ‬ستينيَّات‭ ‬القرن‭, ‬أدركت‭ ‬النُّخبُ‭ ‬السِّياسيَّة‭ ‬والاجتماعيَّة‭ ‬ومن‭ ‬ورائِها‭ ‬الجماهير،‭ ‬النهايةَ‭ ‬السيِّئةَ‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تصلُ‭ ‬إليها‭ ‬تلك‭ ‬التوترات،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقُ‭ ‬أيِّ‭ ‬مكتسباتٍ‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬مستوى‭ ‬ولأيّ‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬سكانيةٍ‭ ‬بوجودِ‭ ‬انقساماتٍ‭ ‬حادةٍ‭ ‬تمزقُ‭ ‬المجتمعَ‭ ‬وتدمرُ‭ ‬بُنية‭ ‬الدولةِ‭ ‬الماليزية‭. ‬ولذا‭ ‬سارعت‭ ‬النُّخبُ‭ ‬إلى‭ ‬تهدئةِ‭ ‬الأوضاع‭, ‬وعقد‭ ‬مُصالحة‭ ‬مُجتمَعية‭ ‬وترتيب‭ ‬العَقدِ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬تنازلت‭ ‬فيه‭ ‬النُّخبُ‭ ‬العِرقية‭ ‬عن‭ ‬بعضِ‭ ‬متطلباتِها‭ ‬لتحصيلِ‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬ووصلَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬إلى‭ ‬قناعةٍ‭ ‬بوجوبِ‭ ‬العملِ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يوحِّدُ‭ ‬البلاد‭ ‬ويُجمِّعُ‭ ‬سكانها‭, ‬وهو‭ ‬الرَّغبةُ‭ ‬في‭ ‬الاستقرارِ‭ ‬وتحقيقِ‭ ‬التَّنميةِ‭ ‬والازدهارِ‭ ‬الاقتصادي‭, ‬وكانت‭ ‬تلكَ‭ ‬هي‭ ‬البدايةُ‭ ‬الحقيقيَّةُ‭ ‬للنهضةِ‭ ‬الماليزية‭ ‬بعدما‭ ‬كادت‭ ‬أنْ‭ ‬تغرقَ‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬تفكك‭ ‬المجتمع‭ ‬الماليزي‭ ‬وحرب‭ ‬أهلية‭ ‬وانفصال‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ولاية‭.‬

من‭ ‬أوائلِ‭ ‬الأدواتِ‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تفعيلُها‭ ‬لتحقيقِ‭ ‬التنمية‭ ‬كانت‭ ‬المؤسسية،‭ ‬فمنذ‭ ‬الاستقلال‭, ‬أُنشِئت‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬المؤسساتُ‭ ‬الحكوميَّةُ‭ ‬المحترِفةُ‭ ‬والمتخصِّصَة‭, ‬وكانت‭ ‬تؤدِّي‭ ‬دورَها‭ ‬بالبحثِ‭ ‬والدراسةِ‭ ‬وإعطاء‭ ‬رأيها‭ ‬ومشورتِها‭ ‬في‭ ‬مجالاتِ‭ ‬اختصاصِها‭ ‬إلى‭ ‬القيادةِ‭ ‬السِّياسية،‭ ‬وفي‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭, ‬كانت‭ ‬القيادةُ‭ ‬السياسيةُ‭ – ‬رغم‭ ‬قوتها‭ ‬وكارزميتها‭ – ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬الاحترافيةِ‭ ‬للأخْذِ‭ ‬بهذه‭ ‬الآراء‭ ‬المتخصِّصة‭ ‬ضمنَ‭ ‬اعتباراتها‭, ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إعطائها‭ ‬الأولوية‭ ‬عند‭ ‬تحديدِ‭ ‬المواقفِ‭ ‬وأَخْذِ‭ ‬القرارات،‭ ‬ولذا‭ ‬استطاعَ‭ ‬الأداءُ‭ ‬الحكومي‭ ‬الماليزي‭ ‬النجاحَ‭ ‬لاعتمادِه‭ ‬على‭ ‬مبدأِ‭ ‬المؤسَّسِيَّة‭ ‬واحترام‭ ‬أصحاب‭ ‬التَّخصُّصات‭, ‬ونفي‭ ‬الأداء‭ ‬الارتجاليّ‭ ‬أو‭ ‬الفرديّ‭ ‬للقيادةِ‭ ‬الماليزيَّة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬خبيرةً‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد،‭ ‬وهي‭ ‬بالتَّأكيد‭ ‬كانت‭ ‬قاعدةً‭ ‬تم‭ ‬تجاوزُها‭ ‬عدةَ‭ ‬مرات‭, ‬لكنَّها‭ ‬بقيت‭ ‬قاعدةً‭ ‬أساسيةً‭ ‬في‭ ‬الحكمِ‭ ‬وإدارةِ‭ ‬الدولة،‭ ‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية‭, ‬كان‭ ‬فرضُ‭ ‬النظامِ‭ ‬والتزامِ‭ ‬المجتمع‭ ‬بالضوابط‭ ‬والقوانين،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بأي‭ ‬حالٍ‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬لأيِّ‭ ‬دولةٍ‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬الإنجاز‭ ‬والتقدُّم‭ ‬للأمامِ‭ ‬في‭ ‬حالِ‭ ‬شيوع‭ ‬الفوضى‭, ‬سواءً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأداءِ‭ ‬الحكوميِّ‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬مؤسَّساتِ‭ ‬السلطة‭, ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬وعلاقته‭ ‬ببعضِهِ‭ ‬أو‭ ‬علاقته‭ ‬بمؤسساتِ‭ ‬الدَّولةِ‭ ‬والقيادةِ‭ ‬السياسية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أشدِّ‭ ‬الأمورِ‭ ‬التي‭ ‬تفتقدُ‭ ‬إليها‭ ‬مجتمعاتُ‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭, ‬ومنها‭ ‬المجتمعات‭ ‬العَربيَّة‭.‬

التعليم‭ ‬كان‭ ‬وبدون‭ ‬أدنى‭ ‬شكٍ‭ ‬هو‭ ‬أساسُ‭ ‬تطوُّرِ‭ ‬المجتمع‭ ‬الماليزي‭, ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اقتصاده‭ ‬وصناعاته‭ ‬وخدماته،‭ ‬وقبلَ‭ ‬أن‭ ‬يستلم‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬السُّلطة‭, ‬شَغِل‭ ‬منصبَ‭ ‬وزير‭ ‬التَّعليم‭ ‬في‭ ‬فترةِ‭ ‬السبعينات‭ ‬في‭ ‬حكومتين‭, ‬وبدأَ‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بإعطاءِ‭ ‬الأولويَّةِ‭ ‬للتعليم‭ ‬في‭ ‬خُطَّتِه‭ ‬للنهوض‭ ‬بماليزيا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬استمرَّت‭ ‬سياساتُ‭ ‬دعمِ‭ ‬وتطويرِ‭ ‬التَّعليم‭ ‬طوال‭ ‬السبعينات‭ ‬وحتى‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينات‭, ‬حصدت‭ ‬البلادُ‭ ‬الثمارَ‭ ‬حينما‭ ‬أنتجَ‭ ‬التعليمُ‭ ‬أيدٍ‭ ‬عاملةً‭ ‬ومتخصِّصةً‭ ‬في‭ ‬عدةِ‭ ‬مجالات،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬العمالةُ‭ ‬هي‭ ‬أساسُ‭ ‬النجاحِ‭ ‬في‭ ‬المشاريعِ‭ ‬الصناعيَّةِ‭ ‬والخدميَّة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬علاوةً‭ ‬على‭ ‬تثبيتِ‭ ‬ثقافةِ‭ ‬القبولِ‭ ‬بالتعدُّدِيَّة‭ ‬الثَّقافية‭ ‬والعِرقية‭, ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬العملِ‭ ‬والإنتاجِ‭ ‬للتقدمِ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭, ‬وترك‭ ‬أسباب‭ ‬التخريبِ‭ ‬والتمزيقِ‭ ‬والدمار‭.‬

بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭, ‬حرصَت‭ ‬الدولةُ‭ ‬الماليزيةُ‭ ‬على‭ ‬الحفاظِ‭ ‬على‭ ‬مستوىً‭ ‬متدنٍ‭ ‬نسبيًا‭ ‬للفسادٍ‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورِنَ‭ ‬بدولِ‭ ‬العالمِ‭ ‬الثَّالث،‭ ‬وحتى‭ ‬فضيحة‭ ‬الفسادِ‭ ‬الماليِّ‭ ‬الشهيرةِ‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬السَّابق‭ ‬نجيب‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬ذ‭ ‬والتي‭ ‬سنتطرق‭ ‬إليها‭ ‬لاحقًا‭ -, ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بذلكَ‭ ‬الحجم‭ ‬الذي‭ ‬عطَّلَ‭ ‬النُّموَ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬أوقفَ‭ ‬مسيرةَ‭ ‬التطورِ‭ ‬والتحديثِ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭. ‬وعلى‭ ‬الرَّغمِ‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬فسادٍ‭ ‬ماليٍ‭ ‬ونهبٍ‭ ‬للأموالِ‭ ‬العامَّة‭, ‬وفسادٍ‭ ‬إداريٍّ‭ ‬وخللٍ‭ ‬في‭ ‬نزاهةِ‭ ‬التعيينات‭ ‬الحكومية‭ ‬وغيرِها‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭, ‬لكنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يقطع‭ ‬طريقَ‭ ‬التنميةِ‭ ‬والنهضةِ‭ ‬أو‭ ‬يوقفه‭. ‬وأدَّى‭ ‬في‭ ‬أسوءِ‭ ‬الأحوالِ‭ ‬إلى‭ ‬تعطيلٍ‭ ‬جزئيٍّ‭ ‬وتأخيرٍ‭ ‬في‭ ‬بعضِ‭ ‬المواضع‭. ‬

لم‭ ‬تستقر‭ ‬ديموقراطيةٌ‭ ‬ليبراليةٌ‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭, ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬توصيف‭ ‬النظام‭ ‬الماليزي‭ ‬بأنَّه‭ ‬نظامٌ‭ ‬دكتاتوري‭ ‬أو‭ ‬نظامٌ‭ ‬شموليّ‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬طغيان،‭ ‬فلقد‭ ‬تأسَّسَت‭ ‬التَّعدديةُ‭ ‬السياسيةُ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬منذ‭ ‬استقلالِها‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬حقيقيّ‭, ‬وقد‭ ‬قادت‭ ‬التعددية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرةٍ‭ ‬لخسارةِ‭ ‬حزب‭ ‬UMNO‭ ‬الحاكم‭ ‬للانتخابات‭ ‬في‭ ‬بعضِ‭ ‬الولايات‭ ‬الماليزية‭, ‬ووصلت‭ ‬الأحزابُ‭ ‬المعارضةُ‭ ‬إلى‭ ‬السُّلطة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭, ‬علاوةً‭ ‬على‭ ‬خسارةِ‭ ‬التحالفِ‭ ‬الحاكمِ‭ ‬للانتخابات‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬2018‭, ‬ووصول‭ ‬أحزابٍ‭ ‬معارضةٍ‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬الفيدراليَّة‭ ‬لأولِ‭ ‬مرة،‭ ‬وكانَ‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬العواملِ‭ ‬المساعدةِ‭ ‬على‭ ‬محاصرةِ‭ ‬الفساد‭, ‬ودَفْعِ‭ ‬القيادةِ‭ ‬السِّياسيةِ‭ ‬للتَّركيزِ‭ ‬على‭ ‬الإنجازِ‭ ‬وتحقيقِ‭ ‬التَّنميةِ‭ ‬والاستقرار‭, ‬واعتبارِ‭ ‬الإنجاز‭ ‬هو‭ ‬وسيلةُ‭ ‬البقاءِ‭ ‬في‭ ‬السلطة‭.‬

آخرُ‭ ‬العوامل‭ ‬الممكن‭ ‬ذكرُها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭, ‬هو‭ ‬غيابُ‭ ‬أي‭ ‬تدخلٍ‭ ‬خارجيٍ‭ ‬مثابر‭ ‬لتعطيلِ‭ ‬التَّنمية‭ ‬الماليزية‭. ‬فحتى‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينات‭, ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الدولُ‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالمِ‭ ‬تعطي‭ ‬كثير‭ ‬الاهتمام‭ ‬والانتباه‭ ‬لمنطقةِ‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭, ‬ولم‭ ‬تتدخل‭ ‬فيها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سهَّلَ‭ ‬على‭ ‬ماليزيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬تحقيقَ‭ ‬تنميةٍ‭ ‬اجتماعيةٍ‭ ‬واقتصاديَّة‭ ‬دونَ‭ ‬مشاكلٍ‭ ‬ومعيقات‭ ‬كُبرى،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬الأسبابَ‭ ‬المذكورة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة‭, ‬لكنَّها‭ ‬كانت‭ ‬أساسيَّةً‭ ‬في‭ ‬تحقيقِ‭ ‬النَّهضةِ‭ ‬الشهيرةِ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭, ‬والانتقالِ‭ ‬إلى‭ ‬حالةِ‭ ‬التطورِ‭ ‬والحداثةِ‭ ‬والرخاء‭ ‬الاقتصادي‭.‬

نتائج‭ ‬النَّهضة‭ ‬الماليزيَّة

بخلافِ‭ ‬الانطباعِ‭ ‬السائدِ‭ ‬في‭ ‬أذهانِ‭ ‬الكثيرين‭, ‬لم‭ ‬تبلغْ‭ ‬ماليزيا‭ ‬بالحداثةِ‭ ‬ذ‭ ‬حتَّى‭ ‬اليوم‭ – ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭, ‬ولم‭ ‬تحل‭ ‬كلَّ‭ ‬مشاكلِ‭ ‬الاقتصادِ‭ ‬الحديث‭ ‬وتوفير‭ ‬الخدمات،‭ ‬وما‭ ‬زالَ‭ ‬هنالِك‭ ‬الكثيرُ‭ ‬أمامَ‭ ‬ماليزيا‭ ‬لتفعلَه‭ ‬لتحديثِ‭ ‬البُنيةِ‭ ‬التَّحتية‭ ‬والخدماتِ‭ ‬العامَّة‭ ‬والخدمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬لديها‭ ‬الأكثر‭ ‬لتطورَّه‭ ‬على‭ ‬صعيدِ‭ ‬الثَّقافة‭ ‬العامَّة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬تجاه‭ ‬مواضيعَ‭ ‬مثل‭ ‬تقبُّل‭ ‬التنوع‭ ‬العِرقي‭ ‬والثقافي‭, ‬وثقافة‭ ‬الإنتاجِ‭ ‬والعمل‭, ‬وحتى‭ ‬أمور‭ ‬مثل‭ ‬الحِسّ‭ ‬الفني‭ ‬والجمالي‭ ‬والذوق‭ ‬العام‭ ‬وغيرها،‭ ‬إذن‭, ‬فالإنجازُ‭ ‬الحقيقي‭ ‬لماليزيا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تقدمُها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭, ‬لكنَّه‭ ‬كان‭ ‬تقدمُها‭ ‬على‭ ‬جيرانِها‭ ‬من‭ ‬دولِ‭ ‬المنطقة‭, ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬تقدمها‭ ‬مقارنةً‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬ماليزيا‭ ‬ذاتها‭ ‬تعيشه‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات،‭ ‬وكان‭ ‬هذان‭ ‬العاملان‭ ‬هما‭ ‬سبب‭ ‬شهرةِ‭ ‬التَّجربةِ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭, ‬وتصنيف‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬للتجربة‭ ‬الماليزية‭ ‬كتجربةٍ‭ ‬ناجحةٍ‭ ‬في‭ ‬التَّنمية‭ ‬والنهضة،‭ ‬ومع‭ ‬أنَّ‭ ‬ماليزيا‭ ‬لم‭ ‬تحل‭ ‬كل‭ ‬مشاكلها‭, ‬لكنها‭ ‬أنجزت‭ ‬الكثير‭ ‬وعلى‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭.‬

أولًا‭: ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي

‭-‬ تحويل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الماليزيّ‭ ‬من‭ ‬اقتصادٍ‭ ‬زراعي‭ ‬إلى‭ ‬اقتصادٍ‭ ‬يقومُ‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭, ‬وتم‭ ‬التأسيس‭ ‬لصناعاتٍ‭ ‬صعبةٍ‭ ‬ومعقدةٍ‭ ‬مثلَ‭: ‬السيارات،‭ ‬والأجهزة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭, ‬بلغ‭ ‬فيها‭ ‬حجمُ‭ ‬الإنتاجِ‭ ‬وجودته‭ ‬مستوى‭ ‬التصدير‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تشمل‭: ‬آسيا،‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬وأوروبا،‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ووصل‭ ‬حجمُ‭ ‬الصادرات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬الماليزية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2019‭ (‬40%‭ ‬من‭ ‬الصادرات‭).‬

‭-‬ توفير‭ ‬البُنية‭ ‬التحتية‭ ‬اللَّازمة‭ ‬لاستقطابِ‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبيةِ‭ ‬المباشرة‭ ‬بأحجامٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬إلى‭ ‬ماليزيا‭, ‬والتي‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمتُها‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ (‬13%‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الماليزي‭). 

‭-‬ تحسين‭ ‬الإنتاج‭ ‬ورَفْع‭ ‬حصَّة‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬القومي،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬القومي‭ ‬GDP PPP‭ ‬لماليزيا‭ ‬أصغرُ‭ ‬من‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬إندونيسيا‭ ‬وتايلاند‭ ‬والفلبين‭, ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬توزيع‭ ‬هذا‭ ‬الإجمالي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭, ‬تكون‭ ‬حصةُ‭ ‬الفرد‭ ‬الماليزي‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬بعد‭ ‬الدول‭ ‬فائقة‭ ‬الصِّغَر‭ (‬بروناي‭ ‬وسنغافورة‭)‬،‭ ‬ويعتبرُ‭ ‬مستوى‭ ‬الدَّخل‭ ‬السَّنوي‭ ‬للفرد‭ ‬الماليزي‭ ‬الأعلى‭ ‬بين‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بعدَ‭ ‬دُولِ‭ ‬الخليجِ‭ ‬العربي‭.‬

‭-‬ المحافظة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬نموِّ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بمعدل‭ ‬5.4%‭ ‬طوال‭ ‬الأربعين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭, ‬ولم‭ ‬ينزل‭ ‬المعدل‭ ‬السنوي‭ ‬عن‭ ‬4%‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬كانت‭ ‬خلال‭ ‬أزماتٍ‭ ‬إقليميةٍ‭ ‬وعالميَّة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وفر‭ ‬دائمًا‭ ‬سوقًا‭ ‬نشطةً‭ ‬وفرصًا‭ ‬للعمل‭, ‬وتدنٍ‭ ‬لنسبةِ‭ ‬البطالةِ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الماليزي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبلغُ‭ ‬قبل‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬حوالي‭ ‬3%‭.‬

‭ ‬

ثانيًا‭: ‬المستوى‭ ‬السِّياسي

‭-‬ المحافظة‭ ‬على‭ ‬مستوىً‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬الاستقلاليةِ‭ ‬السياسيةِ‭, ‬ولم‭ ‬تؤدِ‭ ‬السياسةُ‭ ‬الماليزية‭ -‬التي‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬المهادنة‭ ‬والتصالح‭ ‬وعدم‭ ‬التَّصادُم‭- ‬إلى‭ ‬التفريطِ‭ ‬في‭ ‬مبدأِ‭ ‬السِّيادة‭ ‬الوطنية‭, ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تتنازلُ‭ ‬فيما‭ ‬يخصُّ‭ ‬قرارها‭ ‬الداخلي،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭, ‬رفضت‭ ‬ماليزيا‭ ‬وبكلِّ‭ ‬حزمٍ‭ ‬أخْذَ‭ ‬قروضٍ‭ ‬ماليةٍ‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النَّقدِ‭ ‬الدولي‭ ‬عندما‭ ‬حلَّت‭ ‬بها‭ ‬الأزمةُ‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬1998‭, ‬وهو‭ ‬القرضُ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سيساعدُ‭ ‬ماليزيا‭ ‬في‭ ‬تجاوزِ‭ ‬الأزمةِ‭ ‬المالية‭, ‬لكنَّه‭ ‬اشترط‭ ‬تغييرًا‭ ‬في‭ ‬سياساتٍ‭ ‬اقتصاديةٍ‭ ‬مَحليةٍ‭ ‬تُؤدي‭ ‬بالضرورةِ‭ ‬إلى‭ ‬إضعافِ‭ ‬الدولة،‭ ‬واستطاعت‭ ‬ماليزيا‭ ‬بالجهودِ‭ ‬الوطنيةِ‭ ‬الحكوميةِ‭ ‬والأهليةِ‭ ‬تجاوزَ‭ ‬الأزمة‭ ‬دونَ‭ ‬أخذِ‭ ‬القروض‭ ‬المصحوبةِ‭ ‬بالشُّروط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

‭-‬ حسن‭ ‬الأداء‭ ‬في‭ ‬الإدارةِ‭ ‬العامة‭, ‬أعطى‭ ‬للنِّظامِ‭ ‬السياسي‭ ‬شرعيةً‭ ‬حقيقيةً‭ ‬وقبولًا‭ ‬شعبيًا،‭ ‬وبغضِّ‭ ‬النَّظرِ‭ ‬عن‭ ‬الحساباتِ‭ ‬الحزبية‭, ‬كانت‭ ‬دائمًا‭ ‬المشاركة‭ ‬الشعبية‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ – ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنزل‭ ‬عن‭ ‬70%‭- ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬قبولِ‭ ‬النِّظام‭ ‬السِّياسي‭ ‬والاقتناع‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬الأمرُ‭ ‬الذي‭ ‬وفَّر‭ ‬استقرارًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬عاليًا‭ ‬جدًا‭ ‬سمح‭ ‬بتدفقِ‭ ‬الاستثماراتِ‭ ‬الأجنبية‭, ‬واستقرارِ‭ ‬السوقِ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وسهلَ‭ ‬طريقةَ‭ ‬التَّنمية‭.‬

ثالثًا‭: ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي

‭-‬ نظرًا‭ ‬لطبيعةِ‭ ‬النِّظام‭ ‬السِّياسي‭ ‬غير‭ ‬الشُّمولي‭, ‬فلقد‭ ‬تأسَّسَت‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬العديدُ‭ ‬منَ‭ ‬المُنظَّماتِ‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬NGOs‭ ‬الفاعِلةِ‭ ‬في‭ ‬المجالاتِ‭ ‬السياسيةِ‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬المجتمع‭ ‬للتفاعلِ‭ ‬مع‭ ‬المراحل‭ ‬المختلفة‭, ‬والتنظيم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬المطالب‭ ‬والمُبتغيات‭, ‬وقد‭ ‬أدَّت‭ ‬تلك‭ ‬المنظماتُ‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الكثيرِ‭ ‬من‭ ‬الأمورِ‭ ‬والوقائع‭ ‬والقرارات‭ ‬والسياسات‭ ‬في‭ ‬تاريخِ‭ ‬البلاد‭.‬

‭-‬ رغم‭ ‬وجود‭ ‬المشكلة‭ ‬العِرقية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لكنَّها‭ ‬غالبًا‭ ‬كانت‭ ‬مشكلةً‭ ‬خاملةً‭, ‬كما‭ ‬وساعدت‭ ‬التنميةُ‭ ‬على‭ ‬زيادةِ‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬الأعراقِ‭ ‬والثقافاتِ‭ ‬المختلفة‭, ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬السُّلَّمُ‭ ‬الاجتماعيُّ‭ ‬مستوىً‭ ‬يسمح‭ ‬بالتفاعلِ‭ ‬الثَّقافي‭ ‬الإيجابي‭ ‬بين‭ ‬الأعراق‭ -‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬الأقل‭- ‬وتَبادُل‭ ‬العاداتِ‭ ‬والطِّباع‭ ‬والسلوكيات‭.‬

‭-‬ مَحْوَ‭ ‬الأميةِ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬ورَفْعِ‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬نسبةُ‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬5%‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018‭, ‬وتتكون‭ ‬نصفُ‭ ‬القوى‭ ‬العاملةِ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬من‭ ‬أصحابِ‭ ‬التعليمِ‭ ‬الجامعي‭.‬

أدوار‭ ‬الأحزاب‭ ‬السِّياسيَّة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬النَّهضة

كان‭ ‬حزب‭ ‬اتحاد‭ ‬الملايو‭ ‬الوطني‭ ‬UMNO‭ ‬هو‭ ‬صاحبُ‭ ‬الفضلِ‭ ‬الأكبرِ‭ ‬بين‭ ‬الأحزابِ‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التَّنمية‭, ‬باعتبارِه‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬الحكومةَ‭ ‬طوالَ‭ ‬سنواتِ‭ ‬النهضة،‭ ‬ولدورِه‭ ‬القياديِّ‭ ‬في‭ ‬التنمية‭, ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تحقيقِ‭ ‬الاستقلال‭, ‬وصلت‭ ‬شعبيةُ‭ ‬الحزبِ‭ ‬في‭ ‬ذُروةِ‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ليكسب‭ ‬انتخابات‭ ‬1995‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬مَقاعد‭ ‬البرلمان،‭ ‬التي‭ ‬مثَّلت‭ ‬الماليزيين‭ ‬من‭ ‬مُختلَف‭ ‬الأعراقِ‭ ‬والطَّبقاتِ‭ ‬الاقتصاديةِ‭ ‬والمناطقِ‭ ‬الجغرافية،‭ ‬واستطاع‭ ‬البقاءَ‭ ‬في‭ ‬السلطةِ‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وحيازة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يَقِلُّ‭ ‬عن‭ ‬ثُلثيِّ‭ ‬المقاعد‭ ‬حتى‭ ‬رحيل‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد‭ ‬عن‭ ‬السُّلطة‭.‬

في‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭, ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تشكَّل‭ ‬فقط‭ ‬حزبان‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬الأحزابِ‭ ‬السياسيةِ‭ ‬المُعارِضةِ‭ ‬المذكورة‭ ‬ِفي‭ ‬الجزءِ‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬استمرَّت‭ ‬في‭ ‬دورِ‭ ‬المعارضة‭ ‬من‭ ‬منطلقِ‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬كان‭, ‬لكنَّها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬يومٍ‭ ‬من‭ ‬الأيامِ‭ ‬درجةَ‭ ‬التعاونِ‭ ‬مع‭ ‬جهاتٍ‭ ‬خارجيةٍ‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬تدميرِ‭ ‬النِّظام‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الوصولِ‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬وكانت‭ ‬دائمًا‭ ‬تقبل‭ ‬بالانتخابات‭ ‬وبنتائِجها‭, ‬حتى‭ ‬حينما‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬15%‭ ‬من‭ ‬مُجمَلِ‭ ‬مقاعد‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1995،‭ ‬وبذلك‭ ‬كان‭ ‬دورُها‭ ‬إيجابيًا‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬الدولةِ‭ ‬والنظام‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصاد‭, ‬والتزمت‭ ‬بالمسيرةِ‭ ‬السِّلمية‭ ‬والنهجِ‭ ‬الديموقراطيِّ‭ ‬للتنافسِ‭ ‬على‭ ‬السُّلطة‭.‬

هذه‭ ‬باختصار‭ ‬هي‭ ‬ملامحُ‭ ‬النهضةِ‭ ‬التي‭ ‬تعيشُها‭ ‬ماليزيا‭ ‬منذُ‭ ‬التسعينات‭, ‬ولا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬القيادةَ‭ ‬السياسية‭ ‬كانت‭ ‬صاحبةَ‭ ‬الدورِ‭ ‬الطليعي‭ ‬والمبادِر‭ ‬لتبني‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬أدَّت‭ ‬إلى‭ ‬التنمية،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يجوزُ‭ ‬على‭ ‬الإطلاقِ‭ ‬إغفال‭ ‬حقيقة‭ ‬مهمة‭, ‬وهي‭ ‬أنَّ‭ ‬الشعب‭ ‬الماليزي‭ ‬بعمومِه‭ ‬كان‭ ‬متجاوبًا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬بنَّاء‭ ‬مع‭ ‬توجهات‭ ‬القيادة‭ ‬الوطنية‭, ‬وأن‭ ‬مجمل‭ ‬المجتمع‭ ‬الماليزي‭ ‬اجتهدَ‭ ‬وعملَ‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لإنجاحِ‭ ‬المبادراتِ‭ ‬والمشاريعَ‭ ‬الحكومية‭, ‬وأنَّه‭ ‬تعاطى‭ ‬بإيجابيةٍ‭ ‬مع‭ ‬القيادةِ‭ ‬السياسية‭ ‬وأعطاها‭ ‬الفُرَصَ‭ ‬للإدارةِ‭ ‬وتدبيرِ‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭.‬

صهيب أحمد

باحث في شؤون جنوب شرق آسيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى