
العلاقات الاقتصادية للهند مع الدول العربية «المجالات وآفاق المستقبل»
د. عبد الحافظ الصاوي / مدير مركز المسار للدراسات الانسانية
الحديثُ عن عِلاقات –أيًا كان نوعها – معَ الهند، لابُدّ أن يستحضر إمكانيَّاتها الهائِلة، وتقدمها على الساحةِ العالميةِ خِلال العقدَين الماضيين، وإذا ما كُنَّا نتحدثُ عن علاقاتٍ بين الهند والدُّول العربيّة، فعلينا أن نستحضِرَ العلاقات المُمتدَّة، والتي تضرب بعمقِها في جُذور التّاريخ، ولكن مما يُؤسَف له، أنّ علاقات الدول العربية مع الهند وغيرها، تأتي مُتفرِّقةً، ولا يجمعها كيانٌ واحد يُعبِّر عن مصالحِها، ويعمل على استثمار تِلكَ العلاقة في زيادةِ تلك المَصالح.
وعلى صعيدِ العلاقاتِ الاقتصاديَّة للهند مع الدُّول العربية، نجد أنها تتَركَّز في مَجموعةٍ من الدول، ولا تُعبِّر عن تعاملات مع كيانٍ واحد يجمع الدول العربية، وأن ما سَنورِدُه هنا من الحديث عن العلاقات التجارية، إنما هو من قبيل تَجميعٍ إحصائيٍ، ليسَ أكثر.
وتأتي أهمية الهند اقتصاديًا مِن كَونِها واحدةً من أكبرِ 10 دُولٍ على مُستوى العالم، من حَيث قِيمة الناتجِ المَحَلِّي الإجْمالِي وِفْق بيانات البَنْك الدَّولي، حيثُ حقَّقَت الهندُ ناتجًا إجماليًا في 2019 بلغَ 2.875 تريليون دولار، بَينما الدول العربية حقَّقت في نَفْس العام نحو 2.815 تريليون دولار، وعلى الرَّغم من أنّ الفَارِق الذي تَتَفوق به الهند على الدول العربية ضَئيلًا بحدود 60 مليار دولار، إلا أنَّ ثَمَّة فارِقًا كبيرًا بين مُكوِّن النَّاتِج الهندي، والناتج العربي، فالناتج الهندي يَغلب عليه التنوُّع والإنتاج، بينما الناتج العربي يَغلب عليه النِّفط والرِّيع.
ويُبَيِّن أحَد المؤشراتِ المُهمة، الفارِق بين الأداء الاقتصادي لِكُل من الهند والدول العربية، وتَميُّز الناتج المحلي بَين الطرفَين، وهو صادرات التكنولوجيا المتقدِّمة، فالهند حَقّقت وِفق هذا المُؤَشر صادِرات بنحو 20.2 مليار دولار في 2018، بينما الدول العربية حقّقت وفقَ هذا المؤشِّر صادرات بنحو 4.5 مليار دولار فقط في 2017.
ويمكن إجمالًا أن نتناوَل العلاقات الاقتصادية الهندية مع الدول العربية، من خلال ثلاثة محاوِر هي: العلاقات التِّجارية السِّلْعِيَّة، والاستثمارات العربية في الهند، وكذلك العَمالَة الهندية في المنطقة العربية، وخاصةً في منطقة الخليج العربي.
في ضوءِ المَنشُورِ من البيانات الخاصَّة بالعلاقاتِ التجارية لِلدول العربيَّة مع العالم الخارجي، نَجِدُ أنَّ الهند تَسْتَحوِذُ على نِسبة 9.7% من الصَّادِرات السِّلعية العربية في 2018، كَما تستحوِذُ على نسبة 6.1% من إِجْمالي الواردات العربية في نَفْسِ العام، وكان إجمالِي التجارة السِّلعية العربيَّة لعام 2018 بِحُدود «1920» مليار دولار، منها «1095» مليار دولار تَخصُّ الصادِرات السِّلعية، و824.6 مليار دولار تخص الوارِدات السِّلعيَّة.
أَيْ أنَّ قيمةَ التبادُلِ التجاريّ للدول العربية مع الهند بحدود «156.5» مليار دولار في 2018، وتُسفِر التعاملات التجارية السلعية بين الطرفَين عن وجود فَائِضٍ بنحو «55.9» مليار دولار لِصالِح الدول العربية، ويعود ذلك لِكَون الهند مُستورِدٍ للنفط العربي، الذي يمثل عِماد العلاقات التجارية بين الطرفين.
ومما يُدَلِلُ على أنَّ علاقة الهند الاقتصاديّة معَ الدُّول العربية، لا تُعبِّر عن علاقة مَع عُموم الدول العربية، هو ما تعكِسُه حصة دول الخليج في التجارة السِّلعية مع الهند، حيث بَلغت التجارة السلعية لدول الخليج مع الهند عام 2018 نحو «108.2» مليار دولار في 2018، وهو ما يُمثِّل نِسبةً تقترب من 70% من العلاقات التجارية العربية للهند مع الدول العربية.
وتُسفِر العلاقات التجارية السلعية لدول الخليج مع الهند عن فَائضٍ تجاريٍ لِصالح دول الخليج بنحو «37.8» مليار دولار، وتأتي الصادِرات السِّلعية لدول الخليج للهند مُتَمثِّلةً في الوقود والزيوت المعدنيّة بنسبة 72.8%، بينما الوارِدات السلعية لدول الخليج من الهند تَتَمثَّلُ في الذهب والأحجار الكريمة، وتُسيطِر دولتان من دول الخليج على التّجارة الخارجيّة السلعية مع الهند، وهما الإمارات بنسبة 44.7%، والسُّعودية بنسبة 36%، أي أنَّ الإمارات والسعودية، يُمثِّلان عَصَب العلاقات التجارية السلعية مع الهند على الصَّعيد الخليجي والعربي.
وحَسْبَ وزارة الشُّؤون الخارجية الهندية، فإنَّ الهند تعتمدُ بِشكلٍ رئيس على سِلعٍ مهمةٍ من المنطقة العربية، مثل أنها تستورد 53% من احتياجاتِها من النفط من المنطقة العربية، وكذلِك نسبة 41% من الغاز الطَّبيعي، كما تَستورِد نحو 60% من احتياجاتِها من الأسِمدة مِنَ المنطقة العربية، وحسب الاستراتيجية المستقبلية للهند، فإنها تَستَهدِفُ أنْ يصلَ ناتِجُها المحلِّي الإجمالي إلى نحو 5 تريليون دولار، وأنها تُركِّز بشكلٍ جيِّد على الاستفادةِ من مَواردَ الصناديقِ السياديةِ الخليجيةِ لتَمويلِ استراتيجيَّتِها لتحقيق هذا الهدَف.
الاستِثمَارات العَرَبيَّة في الهند
لا تُعَدّ الهند من الدول المُصدِّرة للاستثمارات، ولكنَّها مِن الدول السَّاعِية لِجَذبِ الاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة وغَير المباشرة، وحَسب بيانات البنك الدولي، قُدِّرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة للهند في عام 2019، مِن دول العالم كافَّةً بنحو 50.6 مليار دولار، ويُعَدُّ الاستثناء في مَجال الاستثمارات الهندية في المنطقة العربية، هو ما يتعلَّقُ باستثمارات الهنود في مجال العقارات في دولةِ الإمارات، حيث تذهبُ بعضُ التقديرات، بأنَّ هذه الاستثمارات بلَغَت تَراكُميًّا نحو 55 مليار دولار، وتُشِير الأرقامُ إلى وجود استثماراتٍ هنديةٍ في مصرَ بنحو 3 مليارات دولار، وكذلك في السعودية بنحو 5.6 مليار دولار.
أمَّا عن الاستثماراتِ العربيةِ في الهند، فثَمَّة أرقام تَتَعلَّقُ بكلِّ دّولةٍ على حِدَة، ولا يَتَوفَّر رقمٌ إجماليّ للاستثماراتِ العربيةِ في الهند على وَجهِ الدِّقة، فَفِي الوقتِ الذي تُعلِنُ فيه الإمارات عن أنَّ استثماراتِها في الهند بحدود 13 مليار دولار، منها 6.7 مليار دولار استثمارات مباشرة والباقِي استثمارات غيرَ مباشرة، نجدُ أنَّ السُّعودية تُعلِنُ أنَّها سوفَ تَدرسُ ضَخَّ نحو 100 مليار دولار كاستثماراتٍ في الهند، وخاصةً في مَجالات البتروكيماويات والبنيةِ الأساسية، بَينما الاستثمارات الكويتية في الهند تُقدَّر بنحوِ 5 مليارات دولار، ولِقَطَر استثمارات تزيدُ عن المليار دولار، وإنْ كانَ قد أُعلِن عن أنَّ قطر تدرسُ ضخَّ استثمارات في الهند بنحوِ 10 مليارات دولار.
العَمالَةُ الهنديَّة في المنطقة العربيَّة
تَتَميَّزُ منطقةُ الخليجِ العربيّ، بأنها واحِدةٌ من أكبرِ مناطق جَذب العَمالةِ الأجنبيَّة، خاصَّةً العمالة الهندية، وذلك على مدارِ العُقودِ الماضيةِ بَعد ظهورِ النفط في دول الخليج، والشُّروع في مشروعات البنيةِ التَّحتيَّة، كما كانت دولٌ أُخرى بِخلاف دول الخليج تضُمُّ عددًا لا بأس بهِ من العَمالةِ الهندية مِثْل العراق، الذي مَثَّل رافِدًا مُهمًا لاستقبالِ العمالة الهندية، ولكنَّ ذلكَ كان قبلَ احتلالِ العراق، والدُّخولِ في مشكلاتِ العراق السياسيَّةِ والأمنية منذ عام 1990.
وعلى الرَّغم من مشكلاتِ عدمِ الاستقرار السياسيّ والأمنيّ في العراق، لا تزالُ العمالة الهندية تُمثِّل غالبيةَ العمالةِ الوافدة في العراق، والتي تُقدَّر بنحو 200 ألف عامل، معظمهم دخلوا العِراق بطريقةٍ غير شرعية، وهو ما يعني أنّ حدوثَ استقرارٍ سياسيٍ وأمنيٍ في العراق سيكونُ مدخلًا لِتدَفُّق المزيد من العمالة الهندية في العراق، خاصةً إذا ما كانت هُناك عمليَّةٌ جادَّةٌ لإعادة الإعمار.
ومُنذ فترةٍ توجَد بعض العمالة الهندية في مِصر، وحَسْب الأرقامِ الرَّسمية، فإنَّ عدد العاملين الأجانب في مصر بلغ 14.6 ألف عامل في 2017، وتُمثِّل العمالة الهندية منهم نحو 11%، ولكن لابد أنْ يؤخذَ في الاعتبار، أنَّ هذه الأرقام تعكِسُ من حصلوا على تصاريحَ عملٍ من الجهات الرسميَّة، ولكنَّ الواقع يعكس أعدادًا أكبرَ من ذلك بكثير، وخاصةً بعد سماحِ مِصر بإنشاءِ المناطق الاقتصاديَّة ذات الطبيعة الخاصَّة، وكذلك المناطق الصناعية التي أُنشِئَت في إطار اتِّفاق «الكويز» مع الكيان الصهيوني وأمريكا، حيث ضَمَّت هذه المؤسساتُ عمالًا هنودًا بأعدادٍ كبيرة، للاستفادةِ من انخفاض أجورِهم.
وتُعَدُّ منطقة الخليجِ هي الأكثر احتواءً للعمالةِ الهندية، إذْ تُقدَّر أعداد الهنود في منطقة الخليج في عام 2018، بنحو 8.5 مليون فرد، وذلك وِفق المصادر الهندية، التي تُفيد بأنّ الإمارات أكبرُ الدول الخليجيَّة المستقبلةِ للعمالةِ الهندية، بنحو 3.1 مليون عامِل، ثم السُّعودية 2.8 مليون عامل، وتأتي الكويت في المرتبة الثَّالثة بنحو 928 ألف فرد، ثم قطر 691 ألف فرد، ثم سلطنة عمان بنحو 688 ألف فرد، والبحرين في أَسْفل القائمة، حيث تستقبل نحو 312 ألف فردٍ من العمالة ِالهندية.
ويلاحَظ هُنا أن الاستفادةَ مُتبادَلةٌ بين منطقةِ الخليج والهند، فيما يتعلق بتدفُّقِ العمالة الهندية لدولِ الخليج، على مدارِ العقود الماضية، حيث استفادت هذه العمالة من توفير فُرص العمل وكذلك الحصولِ على الأُجور، التي شكلت مورِدًا مهمًا للدولة الهندية، حيث قُدِّرت تحويلات العمالة الهندية في عام 2018 بنحو 48 مليار دولار، وأيضًا استفادت دول الخليج من المهارات المُتعدِّدة من العمالة الهندية، التي قدمت العمالة بمستوياتِها المختلفة، سواء غير الماهرة، أو العمالة في مجالِ الخدماتِ المنزليةِ وغيرها، أو الأطباء والتَّمريض، والخدماتِ الهندسية.
آفاق المستقبَل
في ضوءِ العلاقات الاقتصاديَّة، تُعَدُّ المؤثِّرات الخَارجيَّة هي التي ستَحكمُ مدى تطورِ العلاقاتِ بين الطرفَين، حيث تُعاني العمالةُ الهنديَّة منذ عام 2014 -بعدما اندلعت أزمةُ انهيارِ أسعارِ النِّفط- من مشكلاتٍ تتعلقُ بإنهاء عقود العمل، أو تَراجُع المزايا الأخرى المتعلِّقةِ بعقودِ العمل، بسبب الأزمات الماليَّة التي تمر بها منطقة الخليج، وزاد الأمرُ حِدَّة، بعد جائِحَة كورونا، وتَبَنِّي دول الخليج ما يُعرَف «بتوطين الوظائف»، ووجود بعضِ التطوُّراتِ الاجتماعية، وخاصةً في السعودية، حيث سُمِح للمرأةِ بالعملِ في مجالاتٍ مُختلِفة، وسُمِح لها بقيادَة السيارات، وهو ما يَعني فُقدان العمالةِ الهندية ما كانت تتمتَّعُ به في السُّوق السُّعوديّ.
كما ستؤثرُ العوامِلُ السَّلبية لجائِحة كورونا على وارِدات الهند من النِّفطِ والغاز، الذي يُعَدُ عِماد التجارةِ السِّلعية بين الهند والدول العربية، ومن المرجح أنَّ طُموحَ الهند في تحقيق استراتيجيَّتِها بتحقيق ناتجٍ مَحليٍّ بنحو 5 تريليون دولار خلالَ الفترةِ المُقبِلَة، واعتمادِها على مواردَ الصناديق السيادية الخليجية، سيكون أحَدَ الأمور غيرِ القابلةِ للتحقيق.