
العلاقات بين الهند وإندونيسيا في المنطقة الآسيوية
Afshan Khan باحثة دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
متجاورتان بحريًّا وشريكتان استراتيجيًّا، كانت الهندُ وإندونيسيا حليفتين حضاريتين لأكثر من ألف عام، وكانت المجتمعاتُ التعدديَّة في البلدين الديمقراطيتين يغلبُ عليها سِمة التَّعايش السِّلمي بين الأديان والأعراق والثَّقافاتِ المختلفة، الجانبُ الأكثر إثارةً للإعجابِ هو أنَّ الغالبيةَ في إندونيسيا تنتمي إلى المجتمعِ الإسلامي، بينما في الهند فإنَّ الهِندوس هم الأغلبية، لكنَّ هذا الاختلافَ لم يمنع البلدَين من الالتقاء في مختلفِ المنصَّات الإقليمية والدولية للتَّعاون ودعمِ بعضهما البعض، ومن مظاهر هذا الالتقاء والتَّرابط بين العملاقتين احتضان وتشرُّب ثقافةِ ولغات بعضهما منذ العصورِ القديمة، حيث إنَّ رموز الهندوسيَّة والبوذية منتشرةٌ بكثرةٍ في إندونيسيا، كما أمدَّت الهند يد المساعدةِ والتضامن مع الشَّعبِ الإندونيسي قبل استقلاله.
جسَّد (جواهر لال نهرو) -أول رئيس وزراء للهند- دورًا رئيسيًّا في تطويرِ التَّضامن الآسيوي قبل استقلال كلا البلدَين عن القواعد الاستعماريةِ البريطانيَّة والهولنديَّة، حيث قام نهرو بتنظيمِ «يوم جنوب شرق آسيا»، والاحتفالِ به في (لكناو) في 24/ أكتوبر/ 1945م، وأعرب خلاله عن تضامنه مع إندونيسيا، وفي عام 1950م أشاد نهرو بجزيرة (بالي) واصفًا إياها بـأنَّها «صباح العالم»، وتطورت العلاقاتُ بين الهند وإندونيسيا بشكلٍ رسميٍّ ودبلوماسيٍّ في 3/ مارس/ 1951م، كما تعاون رئيسُ الوزراء الهندي نهرو والرئيس الإندونيسي سوكارنو في التَّخطيطِ للمؤتمر الشَّهير (مؤتمر باندونغ الآسيوي الأفريقي) عام 1955م، وقد مهَّد المؤتمر الطريقَ لـتأسيس (حركةِ عدم الانحياز) في عام 1961، وهي الحركةُ التاريخيَّة التي لا تزال معروفةً بتأثيرها على الشُّؤونِ الدوليَّة، والقوةِ الدبلوماسية وتطلُّعاتها المستقبليَّة.
ومن السِّماتِ الإيجابيَّة للعلاقةِ بين الهند وإندونيسيا أنَّ الرئاسةَ في كلا البلدين تتمتعُ بالثَّقة والاحترامِ المتبادلين، وهو ما انعكس في التَّبادلاتِ الدبلوماسيَّة، والزِّياراتِ الرسميَّة رفيعة المستوى المُنتظمة منذ الثَّمانينيات، حيث زار رئيسُ وزراء الهندِ السَّابق الدكتور (مانموهان سينغ) جاكرتا في عام 2003م؛ لحضور قمةِ الهند وآسيا، وزار في أبريل/ 2005م مدينةَ (باندونغ) ؛ للاحتفالِ بالذكرى الخمسين للمؤتمرِ الأفريقي الآسيوي، و زار (بالي) في نوفمبر/2011م لحضورِ قمة الهند-الآسيان وقمةِ شرق آسيا، كما قامت رئيسةُ الهند آنذاك (براتيبا باتيل) بزيارةٍ دوليةٍ إلى إندونيسيا في نوفمبر/ 2008م، بالإضافةِ إلى ذلك، كان هناك تبادلٌ منتظمٌ للزِّياراتِ على المستوى الوزاري، وفي عام 2005م أعلن الرئيسُ الإندونيسي آنذاك (يودويونو) في بيانٍ مشتركٍ عن إقامة شراكةٍ استراتيجيةٍ بين البلدين خلال زيارته إلى الهند، والتي عاد إليها في يناير/ 2011م كضيفٍ رئيسيٍّ بمناسبة يوم الجمهوريةِ الهندي، وتمَّ التوقيع على 16 اتفاقيةً حكوميةً دوليةً خلال تلك الزيارة.
من جانبه دعا الرئيسُ الإندونيسي (جوكو ويدودو) رئيسَ الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) لزيارةِ جاكرتا يومي 29 -30/ مايو/ 2018م؛ من أجل الدُّخول في حقبةٍ جديدةٍ في علاقتهما الثُّنائية، واتفق الزعيمان على التَّعاون في جميعِ المجالات، من خلال إقامة شراكةٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ جديدة، وفي مارس/ 2022م قاد السَّيد (أجيت دوفال) مستشارُ الأمن القومي الهندي وفدًا من ستةِ أعضاء إلى جاكرتا، وفي العام ذاته قام وزيرُ الشُّؤون الخارجيةِ الهندية الدكتور (س. جايشانكار) بزيارة بالي؛ للمشاركةِ في اجتماع وزراء خارجيَّةِ مجموعة العشرين، وقد استضافت وزارةُ الشؤون الخارجية بجمهوريةِ إندونيسيا الاجتماعَ كجزءٍ من رئاستها لمجموعةِ العشرين.0
أما عن ملامح العلاقةِ بين الهند ودول شرق آسيا بشكلٍ عام، فقد أعلنت الهند في عام 1991م «سياسة التطلع إلى الشرق» بهدف المشاركةِ والتعاون بشكلٍ أكبر مع دول جنوب شرق آسيا، بما في ذلك إندونيسيا، وفي أكتوبر 2013م أشار رئيس الوزراء الهندي -آنذاك-(مانموهان سينغ) إلى إندونيسيا باعتبارها واحدةً من أكثر شركاء الهند قيمةً في سياسةِ النَّظر إلى الشرق، وفي وقتٍ لاحقٍ، تبنَّت الهند «سياسةَ التَّصرف الشرقي» عام 2014م؛ لتعزيز علاقاتِ الهند مع دول جنوب شرق آسيا، والتي أصبحت قرارًا تاريخيًّا ساعد في نمو التجارةِ والشَّراكات الأخرى بين الهند ودولِ جنوب شرق آسيا، لا سيَّما مع إندونيسيا، كما تمَّ توقيع العديدِ من الاتِّفاقيات المهمة لتحسين العلاقاتِ في منطقةِ آسيا عندما زار رئيسُ الوزراء مودي إندونيسيا في عام 2018م، حيث تقدمت إندونيسيا لتصبحَ ثاني أكبر شريكٍ تجاريٍّ للهند، وارتفعت التجارة الثُّنائية بين الهند وإندونيسيا من 6.9 مليار دولارٍ أمريكي في 2007-08 إلى 20.1 مليار دولارٍ أمريكيٍّ في 2012-2013م. ووفقًا لمسؤولين إندونيسيين، استثمرت الهند 1140.88 مليون دولارٍ أمريكيٍّ في 4343 مشروعًا في إندونيسيا بين عامي (2000 -2021م)، وقد قرر كلاهما رفعَ حجم التَّبادلِ التِّجاري بينهما إلى50 مليار دولارٍ أمريكيٍّ بحلول نهاية عام 2025م.
وبالإضافةِ إلى كون الهند أكبر مستوردٍ لزيت النَّخيل الخام في إندونيسيا، فإنها تعد أيضًا مستوردًا مهمًّا للفحم، والمعادن، والمطاط، ولب الورق، والورق، واحتياطيات الهيدروكربون، في المقابل، تستورد إندونيسيا من الهند المنتجات البترولية المكررة، والذرة، والمركبات التجارية، ومعدَّات الاتصالات، والبذور الزيتية، والأعلاف الحيوانية، والقطن، والصلب، والبلاستيك، وعلاوةً على ذلك، تصدر الهند مخزوناتٍ كبيرةً من الأدوية والمُستحضراتِ إلى إندونيسيا
وبجانبِ العلاقات الاستراتيجيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة، كانت هناك أيضًا جهودٌ لزيادة الروابطِ بين الأفراد وزيادة التَّفاعلاتِ الثَّقافية، فعلى سبيل المثال، يمنح المجلسُ الهندي للعلاقات الثَّقافيةً (ICCR) 20 منحة دراسيةً كل عامٍ للطلابِ الإندونيسيين حتى يتمكنوا من متابعةِ التَّعليم العالي في مستويات البكالوريوس والدراسات العُليا والدكتوراة وما بعد الدكتوراة في 181 جامعةً ومؤسسةً تعليميةً في أنحاء الهند، ويتم تدريس لغة البهاسا الإندونيسية أيضًا في عددٍ قليلٍ من الجامعاتِ في الهند، مثل أشهر جامعة (جواهر لال نهرو).
يمكن استثمار هيمنةِ وقوَّة الهند بين دول رابطةِ جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وتأثير إندونيسيا في رابطة دول جنوب شرق آسيا باعتبارها أكبر دولةٍ يمكن الاستفادة منها على أفضل وجهٍ لكلا البلدين؛ لتعزيز العلاقاتِ المُتبادلة، والعلاقات الإقليميَّة في المنطقة، وتعقيبًا على هذا الموضوع قالت السفيرةُ الإندونيسية (إينا كريشنامورثي) في مقابلةٍ مع صحيفةٍ هنديةٍ: «إنَّ جاكرتا ونيودلهي تعملان عن كثب على أعلى المستوياتِ كما لم يحدث من قبل، للتنقل في عالمٍ أصبح أكثر مرونةً وديناميكيةً في أعقاب حرب أوكرانيا»، وأشارت كريشنامورثي إلى تولي الهند رئاسةَ مجموعة العشرين في ديسمبر/2023م، خلفًا لإندونيسيا.
وفي القمةِ الأخيرة التي عُقدت في بالي، دعت إندونيسيا الرئيسين الروسي والأوكراني إلى قمةِ مجموعة العشرين، التي مهَّدت الطريقَ لتواصلٍ غير مريح ولكنَّه حاسم، وأضاف كريشنامورثي في سِياق دعوته أوكرانيا وروسيا معًا: «أعتقد أنَّ ما نريده ليس مجرد الحضور، ولكن أن يجلسَ الجميع، ويفكروا معًا فيما سيحدث للعالم ولإدارة العالم في جميع القضايا»، يُظهر هذا رؤيةَ إندونيسيا واستعدادها للعملِ معًا من أجل نظامٍ عالميٍّ مستقر، وهي رؤيةٌ تشاركها فيها نيودلهي بالفعل، ونظرًا لأنَّ البلدين تجمعهما نفس الرؤى، يعزز هذا حضورهما وبقوةٍ في منصةٍ مثل مجموعة العشرين، ويمنح الكثيرَ من الأملِ بين الدُّول النَّامية؛ بسبب الأهداف الاستراتيجية المتشابهة إلى حدٍّ كبيرٍ في المنطقة.
تتعاون الهند وإندونيسيا في عددٍ من القضايا الأمنيةِ المُهمة، وكلاهما تهدفانِ في نهاية المَطاف إلى خلق نظامٍ إقليميٍّ وعالميٍّ سلميّ.