تقارير

المملكة الوسطى والممر الأوسط: آفاق العلاقات بين الصين وتركيا

ترجمة: معاذ صيام - ماجستير اللغويات وتحليل الخطاب بجامعة الملايا - ماليزيا

كجزء من استراتيجية بكين التوسعية للبحث عن أسواق جديدة وإقامة شراكات استراتيجية مع دول خارج فنائها الخلفي، تسعى الصين لتوسيع علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول البحر الأسود، وبينما لا تزال مشاركة بكين في المنطقة في مراحلها الأولى، فقد أثارت مخاوف بالفعل من أن مشاركتها الاقتصادية تُخفي أجندة سياسية يمكن أن تضر بالمصالح الغربية.

ويتهم النقاد بكين بـ “دبلوماسية فخ الديون”، حيث تجذب الصين الدول النامية وحتى غير النامية إلى اقتراض الأموال لمشاريع البنية التحتية التي لا تستطيع هذه الدول تحملها وذلك بهدف الحصول على تنازلات اقتصادية أو سياسية عندما تفشل البلدان في سداد قروضها في الوقت المحدد، وقد كانت بعض دول البحر الأسود التي أعطت الأولوية للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي حذرةً بشأن التعامل مع بكين، لكن تركيا وهي التي تُعتبر دولة إقليمية رئيسية ودولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، سعت جاهدةً لبناء علاقات أوثق مع الصين.

مثَّل التعاون الاقتصادي العمود الفقري للعلاقات بين تركيا والصين، لكن الجهود التي بذلها الجانبان لتوسيع العلاقات – في وقت كانت فيه علاقات أنقرة مع الغرب متوترة بشدة – أثارت الدهشة في الأوساط الغربية.

كما وغذَّت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام  2016 المخاوف الغربية، حيث رأى بأنه لا ينبغي أن ينصب تركيز تركيا على مجرد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل ويمكنها بدلاً من ذلك السعي للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي تعد الصين عضوًا فيها، بالإضافة إلى مبادرة تركيا التي أطلقها مؤخرًا “آسيا من جديد”، التي تهدف إلى تطوير علاقات أوثق مع آسيا، لكن المخاوف من تحول تركي نحو الصين على حساب الغرب مبالغ فيها بعض الشيء إذ أن العلاقات مدفوعة بشكل رئيسي بمصالح اقتصادية مشتركة، وليست سياسية، وحتى على الصعيد الاقتصادي، فإن الشراكة أقل إحكامًا مما توصف به في كثير من الأحيان.

من التجارة

 إلى مبادرة الحزام والطريق ( BRI )والممر الأوسط

تعود بداية العلاقات التجارية بين تركيا والصين إلى سنوات الحرب الباردة، وانطلقت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث توسعت التجارة الثنائية من حوالي مليار دولار في عام 2000 إلى 23 مليار دولار في عام 2018، مما جعل الصين ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا، ولكن تركيا لديها عجز تجاري ضخم مع الصين، وهو ما يمثل ثلث إجمالي عجز التجارة الخارجية البالغ 55.1 مليار دولار، وهي غير مرتاحة تمامًا لهذا الاختلال.

منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق (BRI) في عام 2013، إحدى المبادرات السياسية المميزة للرئيس الصيني شي جين بينغ، تكثفت الجهود لتعميق العلاقات الاقتصادية، حيث توصف بأنها واحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمار في التاريخ، وقد تم الإعلان عن مبادرة “BRI “على أنها “مبادرة للتنمية الاقتصادية التي من شأنها إنشاء ممرات تجارية جديدة عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا”، فبفضل موقعها على مفترق الطرق بين الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، تحتل تركيا مكانًا مهمًا في “BRI”، وقد بدأت الصين بالفعل في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية باهظة الثمن، فقامت بشراء ثالث أكبر محطة حاويات في تركيا (كومبورت)، وهي أيضاً مهتمة بالعديد من الموانئ التركية الأخرى، كما وقد اشترى اتحاد صيني جسر البوسفور الثالث في اسطنبول، وتُجري البنوك الصينية مناقشات لإعادة تمويل قروض بمليارات الدولارات لتشغيل مطار إسطنبول الجديد.

ترى تركيا في مبادرة الحزام والطريق “BRI ” مُكملاً لمبادرة “الممر الأوسط” الخاصة بها التي تهدف لإطلاق شبكة سكك حديدية وطرق تمتد من تركيا عبر القوقاز وآسيا الوسطى إلى الصين، واتفقت الدولتان على دمجها مع مبادرة الحزام والطريق (BRI)، وقد تم إحراز تقدم ملحوظ في تطوير الممر الأوسط، لكن الخبراء يشككون في الفوائد الاقتصادية التي تم الترويج لها كثيرًا من مبادرة الحزام والطريق ((BRI وجدوى مبادرة الممر الأوسط، بواقع أن مؤشرات مبادرة الحزام والطريق ((BRI لا تزال غامضةً تمامًا، وبدون اتفاقيات أو بروتوكولات أو مؤسسات رسمية أو جدول زمني واضح، فلقد أصبح مصطلحًا شاملًا للإشارة لكل ما تفعله الصين في الخارج، مما يثير الشكوك حول ماهيتها وما ستعنيه لشُركائها.

يأمل المتفائلون في أن البصمة المالية للصين في تركيا ستنمو بعد انتشار الفيروس التاجي  كورونا، حيث وقَّع صندوق الثروة السيادية التركي اتفاقية بقيمة 5 مليارات دولار في مارس مع شركة تأمين ائتمان الصادرات الصينية (Sinosure)، ووفقًا للصفقة ستوفر(Sinosure) التمويل للشركات الصينية المشاركة في مشروعات في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والتعدين في تركيا، مما يثير المخاوف من أن الشركات الصينية “ستحصل على حصص أكبر بكثير في الشركات التركية التي تكافح من أجل مواجهة تداعيات الوباء”.

وفي علامة أخرى على تعميق العلاقات، قال بيان صدر مؤخراً عن بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية، وهو بنك تنمية متعدد الأطراف يركز على المنطقة، إن تركيا “قدمت طلبًا للحصول على خط ائتمان بقيمة 500 مليون دولار لاثنين من بنوك التنمية وذلك للمساعدة في التخفيف من حدة العمل ونقص رأس المال وقيود السيولة نتيجة الوباء”.

إمكانية التوسع

عبَّر النقاد عن مخاوفهم من أن الشراكة الاقتصادية بين تركيا والصين يمكن أن تتوسع في مجالات أخرى أيضًا، فهناك مخاوف من أنَّ العلاقات التركية المتوترة مع الولايات المتحدة بسبب شرائها لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 والقرار الأمريكي اللاحق بطرد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة (F-35) يمكن أن يؤدي إلى شراكة دفاعية أوثق بين أنقرة وبكين.

ومن تداعيات ملف S-400 و (F-35) أنهما كانا بمثابة ضربة بالفعل لقدرة تركيا على استيراد النُّظم الفرعية الرئيسية التي تحتاجها لمنتجاتها، الأمر الذي دفع أنقرة إلى البحث عن شركاء جدد في حين أنها تعمل على توسيع قاعدتها الصناعية الدفاعية.

ويشترك البَلدان في تاريخ من التعاون الدفاعي، فقد أنتجت شركة “Roketsan” التركية صاروخ (Yildirim) المستوحى بموجب ترخيص من صاروخ (B-611) الصيني، وفي عام 2013 منحت تركيا لشركة دفاع صينية عقدًا بقيمة 4 مليارات دولار للمساعدة في تطوير نظام دفاع جوي وصاروخي بعيد المدى، وقد تخلت أنقرة في وقت لاحق عن القرار، لكن الخطوة بحد ذاتها زرعت بذور عدم الثقة بين تركيا وحلفائها في الناتو.

كما وتحاول الصين توسيع نفوذها الثقافي في تركيا، فهناك تزايد ملحوظ بأعداد السياح، ومعاهد كونفوشيوس، ومعاهد اللغة الصينية بالجامعات، ومؤسسات الأعمال، حتى أن المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني أطلق مبادرة للتبرع بآلاف الكتب التي تنشر الثقافة والفلسفة الصينية لمؤسسات الفكر والمؤسسات الثقافية والجامعات حول العالم، بما في ذلك تركيا، كما وبدأ البَلدان باستضافة فعاليات “عام الصين” و “عام تركيا” التي ضمت استقدام مثقفين صينين، وفنون شعبية وموسيقى صينية.

وعلى الرغم من العلاقات المتنامية، فإن تركيا والصين ليستا قريبتين من تشكيل تحالف استراتيجي، فلقد قلَّلت تركيا بشكل كبير من انتقادها للحملة الصينية ضد الأقلية الأويغورية في مقاطعة شينجيانغ، التي تشترك في تراث لغوي وديني مع تركيا، لكن الشتات الأويغوري الكبير المتواجد في تركيا يواصل تأجيج عدم ثقة بين الصين وتركيا.

يمثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نسبة كبيرة من واردات وصادرات تركيا، ويظل الغرب مصدره الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، وعلى النقيض من ذلك، تمثل الصين حوالي 1 % من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد، فعلى الرغم من التوترات الناتجة عن ملف S-400 و (F-35) لا تزال تركيا جزءًا مهمًا من الإطار الأمني الغربي.

لقد ساهمت العلاقات المتوترة مع الغرب بالفعل في توثيق العلاقات مع بكين حيث سعت أنقرة إلى تنويع سياستها الخارجية، ولكن في نهاية المطاف يرى صانعو السياسة الأتراك أن العلاقات التركية الصينية هي بمثابة مُكمل للتحالف الغربي للبلاد وليس بديلاً عنه.

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى