الهولوكست الجديد

7

هسبريس – علي الوكيلي

يحس الألمان، اليوم، بعقدة الذنب تجاه اليهود؛ لأن آباءهم وأجدادهم أوقعوا مجزرة رهيبة في هؤلاء قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، في كل أوروبا، ذهب ضحيتها الملايين.. حتى الضمير العالمي يحس بهذا الذنب؛ لأنه تواطأ أو سكت أو لم يتعاطف مع اليهود في محنتهم، وهناك من لم يصدق ذلك متهما اليهود بالنفخ في الأرقام لتعزيز هذا الإحساس.

هذه العقدة استنسخها القوميون العرب بحذافيرها، وجعلوا الشعوب العربية مسؤولة عن ضياع فلسطين من الخليج إلى المحيط، هولوكوست الشعب الفلسطيني، كل من لم يساهم في تحرير فلسطين أو لم يبد تأييده لنضال الفلسطينيين أو تبدو عليه علامات العياء أو الخذلان يُرمى بأحط النعوت ويُقاطع ويُعتبر عدوا للقضية. فما ذنب المغاربة في مأساة الفلسطينيين؟

الفلسطينيون هم الذين باعوا ممتلكاتهم قبل الانتداب البريطاني، وهم الذين هربوا من اليهود على فترات ولجؤوا إلى بلدان الشام، وهم الذين طبّلوا وزمّروا لجمال عبد الناصر الذي خدر العرب بوهم تحرير فلسطين وانهزم في حرب مذلة هو وإخوانه العرب في الأردن وسوريا. كل ما حدث لم يتسبب فيه المغاربة، سواء من قريب أو من بعيد.

في صيف 1967، كنا، نحن فتيان حي برج عمر بمدينة مكناس، ننظم عصابات مسلحة بالعصي والمقالع ونقطع ستة كيلومترات لنهاجم اليهود في الملاح (الرياض اليوم) وكنا نكسر زجاج بيوتهم ونعتدي على كبارهم وصغارهم إذا كانوا في الأزقة أو السوق المركزي أو الدكاكين، ثم نرجع مسرورين بغزواتنا الظافرة. من كان يحرضنا؟ من كان ينظمنا في عصابات؟ لماذا لم تكن السلطات تعترض طريقنا أو تعاقبنا؟ لا شك في أن الهزيمة العربية اختلطت بالشعور الديني، الدافع الوحيد لإجرامنا. لم يكن هناك شعور قومي ولا وعي بحقيقة الصراع في الشرق. هذا الشعور الديني العدواني، الذي لا يزال يعيش في أعماقنا منذ غزوات حنين وخيبر وبني قريظة وغيرها.

إيديولوجية الهولوكست رسخها وحفرها في الأذهان التيار اليساري المتطرف والمعتدل في المغرب، وقد كانت حركة “إلى الأمام” تعمل على قلب النظام الملكي وتحرير الجمهورية الصحراوية، وكان السرفاتي معتنقا لهذه العقيدة رغم أنه يهودي. واليوم، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، والتحاق الكتلة الوطنية بالحكم ابتداء من 1998، خف الإحساس بالذنب تجاه فلسطين وتحول المغاربة إلى عقيدة إعلاء القضايا الوطنية على القضايا القومية، وأصبح المغربي براغماتيا معتدلا يرى بعقله لا بقلبه إلى العالم المحيط به، حتى أن القوميين لا يستطيعون حشد مائة متعاطف معهم أمام البرلمان. واستثنى التيارُ الديني السياسي نفسَه من هذه العقلانية التي استقرت في أهواء المواطنين، وظل “نجومه” يُضعفون عزائمَنا أمام أعداء المغرب، من جزائريين وإيرانيين وشيوعيي أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرهم. كأنهم يريدون أن يمسخوا أنفسهم أعداءً للداخل.

يوجد بجوارنا جار سوء من أقبح ما خلق التاريخ، يهدد بلدنا في جغرافيته وتاريخه وتراثه ويقذفنا بالكذب والتحريض كل يوم وكل ساعة، فهل هناك قضية أخطر من تهديد وجودنا؟

إذا كان الفلسطينيون غير قادرين على مساعدتنا في محنتنا هذه فليلزموا الحياد ويتركوا المغاربة يدافعون عن أنفسهم بكل الوسائل، وألا يتخيّروا لنا هذه الوسائل بذوقهم ومزاجهم ومصالحهم. فقد قال الشاعر طرفة بن العبد في زمن اللؤماء:

فإن كنت لا تستطيع دفعَ منيّتي فدعْني أبادرْها بما ملكت يدي

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *