
بين الدعم الخفي والحياد.. حدود التدخل الصيني الباكستاني في الحرب الإيرانية الإسرائيلية
صحيفة القدس - القدس المحتلة
خـاص بـ”القدس” و”القدس” دوت كوم
د. عمرو حسين: بكين باتت تتصرف بجرأة متزايدة في كسر الهيمنة الغربية على تسليح الشرق الأوسط وجنوب آسيا عبر فرض معادلات جديدة
سليمان بشارات: الصين تفهم جيداً أن ما يجري في إيران قد يكون مقدمة لمعركة مقبلة معها على الصعيدين الاقتصادي والعسكري
د. سعيد شاهين: أي تصعيد محتمل قد يدفع إيران لإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب ما يؤدي إلى فرض حصار على تدفق الطاقة
عوني المشني: نحن أمام حرب سترسم مشهداً إقليمياً جديداً سيتعامل معه العالم بما في ذلك واشنطن بعد توقف أصوات المدافع
د. إيريني سعيد: التحالفات الجيوسياسية بين إيران والصين وباكستان تأتي في إطار استعدادات طهران لمواجهة التصعيد المتزايد
محمد جودة: رسائل تحذير صينية غير مباشرة لواشنطن وحلفائها بأن أي تدخل عسكري مباشر ضد إيران لن يمر دون تكلفة باهظة
تشهد منطقة الشرق الأوسط إمكانية الولوج نحو تحولات كبرى مع تصاعد الحديث عن احتمال تدخل الصين وباكستان لدعم إيران في حربها مع إسرائيل، وسط تساؤلات إن كان ذلك يأتي في سياق الاصطفافات الدولية الجديدة، أم مجرد ورقة ضغط للصراع على الإقليم؟
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع “ے”، أن بكين تملك أدوات نفوذ متعددة تتراوح بين الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري غير المباشر، لكنها تظل حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تدفع نحو مواجهة مفتوحة مع الغرب، وفي المقابل، توازن باكستان بين تحالفاتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية، ما يجعل أي دعم عسكري مباشر لإيران مشروطاً بتهديد مصالحها الحيوية.
ويشيرون إلى أن الخطورة تكمن في أن أي خطأ في التقدير من قبل هذه الأطراف قد يحول الصراع من مواجهة محدودة إلى أزمة إقليمية شاملة، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على الاستقرار العالمي.
تحولات متسارعة في بنية النظام الدولي
تؤكد أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية د.دلال عريقات أن المشهد الدولي الراهن يعكس بوضوح تحولات متسارعة في بنية النظام الدولي نحو تعددية قطبية متنامية، تقودها قوى صاعدة على رأسها الصين، التي تعمل بشكل منهجي لترسيخ مكانتها كقوة موازنة للنفوذ الأمريكي والغربي في مختلف الساحات الإقليمية والدولية.
وتوضح عريقات أن الصين، من خلال تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع كل من إيران وباكستان، تسعى لتحقيق جملة أهداف استراتيجية عميقة، يأتي في مقدمتها كسر سياسة الاحتواء الغربية المفروضة عليها، عبر بناء منظومة تحالفات واسعة تخدم مشاريعها الكبرى.
وتشير عريقات إلى أن تزويد الصين لإيران بالسلاح ودعمها للموقف الباكستاني لا يمكن النظر إليه بمعزل عن هذا التوجه الاستراتيجي الواسع.
لكن عريقات تلفت في الوقت نفسه إلى أن تحركات الصين لا تقتصر على عسكرة العلاقات الدولية فقط، بل تمتد إلى توظيف قوتها الدبلوماسية بشكل بارز، مستشهدة في هذا الإطار بالدور الصيني المحوري في رعاية الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، الذي أنهى سنوات طويلة من التوتر بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين.
وتعتبر عريقات أن هذا الاتفاق يمثل تحولاً غير مسبوق في المنطقة، التي طالما ارتبطت فيها الوساطة بمبادرات أمريكية أو أوروبية.
الصين كقوة استقرار قادرة على إدارة التوازنات الإقليمية
وترى عريقات أن نجاح الصين في لعب دور الوسيط يعزز من مكانتها كقوة استقرار قادرة على إدارة التوازنات الإقليمية بما يخدم في النهاية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
وتوضح عريقات أن جوهر هذه التحركات الصينية يتمحور حول الصراع على السيطرة على الممرات والمعابر التجارية العالمية، والتي باتت تشكل محوراً أساسياً في ما وصفته بـ”حرب الطرق التجارية” التي تشهدها الساحة الدولية حالياً.
وتشير عريقات إلى أن من يملك السيطرة على هذه المعابر -سواء البرية عبر مشروع “الحزام والطريق”، أو البحرية عبر المضائق والقنوات الاستراتيجية- يمتلك أوراق ضغط قوية في معادلات الربح والخسارة في النظام الدولي الجديد.
وتلفت عريقات إلى أن بعض الدول الإقليمية أو المجاورة تعتبر خاسرة في ظل مشاريع الطرق التجارية الجديدة، وفي مقدمتها مصر.
وتوضح أن الهدف من هذه الطرق هو فتح ممر تجاري بري متكامل يربط بين الشرق ودول الخليج مروراً بإسرائيل، وصولاً إلى السواحل على البحر المتوسط باتجاه الغرب.
وتؤكد عريقات أن هذا المشروع يهدف عملياً إلى استبدال قناة السويس وطريق البحر الأحمر كممرات تجارية رئيسية، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع النفوذ المصري في المنطقة وفقدان واحدة من أهم مصادر القوة الاقتصادية والاستراتيجية لمصر.
وتوضح عريقات أن بكين تدرك تماماً أن السيطرة على هذه المعابر تضمن لها تدفقاً آمناً ومستقراً للطاقة والبضائع، وتمنحها في الوقت ذاته هامشاً تفاوضياً واسعاً في مواجهة محاولات واشنطن إعادة رسم سلاسل التوريد العالمية بعيداً عن الصين.
وتعتبر عريقات أن هذا الصراع التجاري والتكنولوجي بين الصين وأمريكا يشكل الخلفية الحقيقية لتفاعلات المشهد الدولي الحالي.
من المبكر الحديث عن انزلاق إلى حرب عالمية
ورغم تصاعد التوتر في أكثر من ساحة إقليمية، تؤكد عريقات أنه من المبكر الحديث عن انزلاق إلى حرب عالمية بالصورة التقليدية التي عرفها العالم في القرن العشرين.
وتقول عريقات: إننا أمام نمط جديد من الحروب العالمية غير التقليدية، التي تتداخل فيها الحروب بالوكالة مع الضغوط الاقتصادية، والهجمات السيبرانية، وصراع النفوذ في مناطق متعددة حول العالم.
وتشدد على أن كل الأطراف الدولية الكبرى تدرك أن الدخول في حرب شاملة يعني خسائر كارثية قد تعصف بمصالح الجميع، لا سيما مع تشابك المصالح الاقتصادية بشكل غير مسبوق بين الولايات المتحدة والصين.
لذلك، بحسب تقدير عريقات، فإن ما يجري حالياً هو شكل من المواجهة المركبة والمعقدة، تقوم على تصعيد محسوب ضمن حدود الردع المتبادل، مع وجود هامش دائم لوقوع أخطاء حسابية قد تشعل ساحات إقليمية معينة وتزيد من خطورة التصعيد في بعض المناطق الساخنة.
معادلات جديدة من خلال تحالفات استراتيجية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي المصري والباحث في العلاقات الدولية والاستراتيجية د.عمرو حسين أن التحركات الصينية الأخيرة، خصوصاً تزويد إيران بأسلحة متطورة والدفع بباكستان للانخراط في المحور ذاته، تمثل تحولات جوهرية في موازين القوى الإقليمية والدولية.
ويشير حسين إلى أن بكين باتت تتصرف بجرأة متزايدة في كسر الهيمنة الغربية على تسليح الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتسعى لفرض معادلات جديدة من خلال تحالفات استراتيجية تخلق نقاط ضغط على الولايات المتحدة وحلفائها.
ويوضح حسين أن دعم الصين لإيران عسكرياً يعزز من قدرة طهران على الصمود أمام الضغوط الغربية والعقوبات المتصاعدة والتهديدات الإسرائيلية، بينما يشكل انضمام باكستان سياسياً أو لوجستياً لهذا المحور تصعيداً إضافياً بالغ الخطورة، إذ يفتح جبهة جنوبية محتملة في منطقة بالغة الحساسية الجغرافية والاستراتيجية، الأمر الذي قد يربك الحسابات الإقليمية ويفرض معادلات جديدة في التوازنات الدولية.
ويحذّر حسين من خطورة انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة إذا ما تصاعد القصف المتبادل وتحولت الاشتباكات المحدودة إلى عمليات أوسع وأكثر دموية.
احتمالات التدخل العسكري الواسع ستتصاعد
ويؤكد حسين أن مستقبل التصعيد مرهون بمدى قدرة القوى الكبرى على ضبط النفس وحصر النزاعات ضمن ساحات الوكلاء.
ويشير حسين إلى أنه في حال تم استهداف مصالح كبرى مباشرة، مثل ضرب قواعد أمريكية أو استهداف مصالح صينية أو غربية استراتيجية، فإن احتمالات التدخل العسكري الواسع ستتصاعد بشكل قد يدفع الصراع من مستواه الإقليمي إلى مواجهة دولية مفتوحة.
ويشدد حسين على أن المجتمع الدولي مطالب اليوم بممارسة أقصى درجات الضغط الدبلوماسي لتجنب هذا السيناريو الكارثي، خاصة مع بروز اصطفافات غير مسبوقة قد تعيد تشكيل خارطة التحالفات الدولية لعقود مقبلة.
ويؤكد حسين أن المؤشرات الحالية تنذر بمرحلة من التوتر الشديد تعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، مع فارق خطير يتمثل في أن خطوط التماس هذه المرة تقع في مناطق مشتعلة بالفعل كسوريا واليمن والخليج، وهو ما يرفع من احتمالية الانفجار في حال غياب قنوات فاعلة للتهدئة واحتواء التصعيد.
ويرى حسين أن التطورات المتسارعة تضع العالم أمام منعطف حساس وخيارات معقدة تتطلب تحركاً جماعياً عاجلاً لضبط مسار التصعيد قبل أن يصبح الانفجار أمراً لا مفر منه.
تطور متسارع ومدروس من إسرائيل وأمريكا
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الأحداث الجارية على الصعيد الدولي تعكس تطوراً متسارعاً ومدروساً بعناية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، بهدف إعادة بلورة معادلة شرق أوسطية ودولية جديدة، تختلف جذرياً عما كانت عليه في العقود الماضية.
ويعتبر بشارات أن هذه الحرب بين إيران وإسرائيل لم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من خطة مدروسة تهدف إلى تغيير موازين القوى بشكل جذري في المنطقة.
ويوضح بشارات أن المدى الزمني لهذه الحرب لا يبدو قصيراً كما قد يظن البعض، بل نحن أمام حالة من التصاعد والتوسع المستمرين، حيث تتعامل إسرائيل كأداة تنفيذ أساسية بيد الولايات المتحدة، التي ما تزال حتى الآن تراقب المشهد لكنها قد تنخرط بشكل مباشر في وقت قريب.
وفي تحليله لأهداف واشنطن الأعمق من هذا التصعيد، يؤكد بشارات أن المسألة لا تقتصر على إيران وحدها، بل تتعدى ذلك إلى محاولة تقويض المحور الصيني-الإيراني، والعمل على إضعافه تدريجياً.
ويشير بشارات إلى أن جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية يتمثل في محاولة تهدئة الجبهة الروسية-الأوكرانية أو تحييد روسيا من المعادلة التحالفية، تمهيداً للانتقال إلى تفكيك الترابط القائم بين موسكو والصين وطهران.
محاولة أمريكية لتفكيك النظام السياسي الإيراني
ويرى بشارات أن الولايات المتحدة تحاول حالياً تفكيك النظام السياسي الإيراني نفسه كهدف مركزي من هذه الحرب، لتهيئة الأرضية السياسية والجيواستراتيجية لتأسيس معادلة جديدة في المنطقة تخدم النفوذ الأمريكي والغربي مستقبلاً.
أما فيما يتعلق بالموقف الصيني، يرى بشارات أن بكين تدرك خطورة المرحلة ولا تسعى حالياً للانخراط بشكل مباشر في هذا الصراع، لكنها في الوقت ذاته تتابع التطورات بدقة.
الصين، بحسب وصف بشارات، تفهم جيداً أن ما يجري في إيران قد يكون مقدمة لمعركة مقبلة معها على الصعيدين الاقتصادي والعسكري في المستقبل، لذلك فهي تتجنب التورط حالياً، لكنها لن تسمح بانهيار إيران بشكل كامل، كون ذلك سيضعف موقعها الاستراتيجي في المواجهة الكبرى المتوقعة مع واشنطن مستقبلاً.
ويؤكد بشارات أن ما يجري حالياً هو أكثر من مجرد حرب عسكرية تقليدية؛ إنه مشروع استراتيجي ضخم لإعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة في الشرق الأوسط والعالم، في لحظة مفصلية قد تعيد صياغة موازين القوى لعقود مقبلة.
دعم محدود بسبب العلاقات المتشابكة
يؤكد أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل د.سعيد شاهين أن الدعم الصيني للجمهورية الإسلامية الإيرانية يظل محدوداً سياسياً ودبلوماسياً، مستبعداً ترجمته إلى دعم عسكري مباشر بسبب المصالح التجارية الواسعة التي تربط الصين مع الولايات المتحدة وأوروبا وحتى إسرائيل.
ويوضح شاهين أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران، رغم أهميتها في مجالات الطاقة والتجارة، لا تشكل وزناً موازياً لمصالح الصين الكبرى مع الغرب، ما يدفعها للاكتفاء بمواقف التنديد والدعوة إلى الحوار، كما هي الحال مع روسيا التي اكتفت بالتعبير عن موقف مشابه رغم اتفاقية الدفاع المشترك مع إيران.
وفيما يتعلق بموقف باكستان، يشير شاهين إلى أن الموقف الإعلامي والسياسي الباكستاني الداعم لإيران باعتبارها دولة جارة ومسلمة لا يكفي لترجمة ذلك إلى دعم عسكري، في ظل العلاقات المتشابكة التي تربط باكستان بدول أوروبا والسعودية، والتي تعد خصماً استراتيجياً لإيران.
ويؤكد شاهين أن باكستان لن تقدم على أي تغيير جذري في موقفها ما لم تتعرض بشكل مباشر لمخاطر أمنية نتيجة استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، خاصة إذا نتج عنها تسرب إشعاعات نووية تهدد الدول المجاورة.
لا مؤشرات على تدخل الصين أو باكستان عسكرياً
ويشير شاهين إلى أنه حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات على استعداد الصين أو باكستان للتدخل عسكرياً في الصراع الإيراني الإسرائيلي، مشيراً إلى أن أي تصعيد عسكري بمشاركة هاتين الدولتين قد يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع وانخراط قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا.
ويحذر شاهين من أن أي تصعيد محتمل قد يدفع إيران لإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، ما يؤدي لفرض حصار على تدفق الطاقة بما ينذر بأزمة اقتصادية عالمية، مع ارتفاع أسعار النفط وزيادة التضخم، في ظل هشاشة اقتصادات دولية تعاني أصلاً من تداعيات الحروب التجارية والأزمات المالية المتتالية.
ويوضح شاهين أن هذا الوضع قد يصب في مصلحة روسيا التي ستستفيد من ارتفاع أسعار النفط لتمويل حربها في أوكرانيا، ما يعقد المشهد الجيوسياسي بشكل أكبر.
وفيما يتعلق بالداخل الإيراني، يلفت شاهين إلى أن استمرار الضربات الإسرائيلية قد يضعف مكانة النظام داخلياً مع تزايد حالة الاستياء الشعبي وتراجع الدعم للحرس الثوري، ما قد يفتح الباب أمام سيناريو سقوط النظام الإيراني، وهو هدف تعمل إسرائيل والولايات المتحدة على تحقيقه، محذراً من أن سقوط النظام قد يخلق فراغاً سياسياً خطيراً على غرار ما حدث في العراق أو ليبيا مع نتائج كارثية يصعب التنبؤ بعواقبها.
بلورة محور جديد في الإقليم
يوضح الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني أن الصين تعتبر أن لها مصالح استراتيجية عميقة في منطقة الشرق الأوسط، وتجد في إيران شريكاً تتقاطع معه في العديد من هذه المصالح، وفي مقدمتها الحد من النفوذ الأمريكي في الإقليم.
ويشير المشني إلى أنه في إطار هذا التقارب الاستراتيجي بين بكين وطهران، تم توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين قبل عامين، شملت مجالات متعددة عززت هذا التحالف بشكل ملموس.
ويلفت المشني إلى أن العلاقات الصينية الباكستانية مع إيران تتعزز أيضاً من خلال مشروع “طريق الحرير” الذي يشكل تطوراً اقتصادياً كبيراً للأطراف الثلاثة.
ويرى المشني أنه من الطبيعي أن تصطف الصين وباكستان إلى جانب إيران في هذه المعركة، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الجيوسياسي في الإقليم، حيث وقفت إسرائيل إلى جانب الهند في صراعها مع باكستان، وهو ما عزز من تماسك المحور الصيني-الباكستاني-الإيراني.
وفي تحليله للمدى الذي يمكن أن تصل إليه الصين وباكستان في دعمهما لإيران، يرى المشني أن حجم ونوع هذا الدعم سيتحدد وفق تطور المعركة ذاتها والمخاطر المحدقة بإيران، ومدى الاستعداد الصيني والباكستاني للمضي قدماً في هذا الدعم.
حتى اللحظة، يعتقد المشني أن الدعم السياسي والعسكري المحدود بالأسلحة يشكل مستوى كافياً من الدعم في هذه المرحلة، لكن التصعيد العسكري قد يدفع نحو رفع مستوى هذا الدعم مستقبلاً.
ويرى المشني أن هذه الحرب بين إيران وإسرائيل تسهم عملياً في بلورة محور جديد في الإقليم يتمايز عن المحور الأمريكي التقليدي، يضم الصين وباكستان وإيران مع احتمالات قوية لانضمام مصر لهذا المحور مستقبلاً، في ظل السياسات الأمريكية المتماهية مع السياسات الإسرائيلية، والتي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً وتهديداً لمصالح عدة دول في المنطقة.
غياب سيناريو الحرب العالمية في الوقت الراهن
وحول احتمالات التصعيد إلى حرب عالمية، يرى المشني أن هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن نظراً لغياب المصلحة لأي طرف في ذلك.
ويؤكد المشني أن المعادلة الدولية ستتغير بعد هذه الحرب بشكل جزئي على الأقل، حيث ستُرسم اصطفافات جديدة وسيعاد توزيع موازين القوى في المنطقة والعالم.
لكن المشني يحذّر في الوقت ذاته من الدور الخطير لإسرائيل، التي وصفها بـ”الدولة المارقة” القادرة على دفع الأمور نحو تصعيد خطير سعياً لتحقيق أهدافها حتى لو أدى ذلك إلى حرب عالمية.
ويوضح المشني أن تجد إسرائيل من يستجيب لهذا “الجنون”، حتى من حليفها الأكبر الولايات المتحدة، التي لا ترغب بالوصول إلى هذا المستوى من التصعيد الكوني، لكنها تستجيب خدمة للمغامرات الإسرائيلية.
ويعتقد المشني اننا أمام حرب من نوع مختلف، سترسم مشهداً إقليمياً جديداً سيتعامل معه العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشكل مغاير بعد توقف أصوات المدافع، لافتاً إلى أن إسرائيل قد استنفدت أوراقها ولم يعد أمامها سوى التعاطي مع هذا الواقع الجديد الذي سيفرض نفسه بعد انتهاء المعركة.
استعدادات مكثفة لمراحل أكثر تعقيداً من الصراع
تؤكد الأكاديمية والمحللة السياسية المصرية د.إيريني سعيد أن التحالفات الجيوسياسية المتنامية بين طهران وبكين وإسلام آباد تأتي في إطار استعدادات إيران لمواجهة التصعيد المتزايد، خصوصاً في ظل الدعم الأمريكي المعلن لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتوضح سعيد أن ملامح عدم تكافؤ الضربات العسكرية بدأت تتضح بشكل متزايد بين الطرفين، فرغم امتلاك إيران ترسانة واسعة من الصواريخ والطائرات المسيرة، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تميزت بكثافتها ونوعيتها، بالتزامن مع بدء تدفق شحنات السلاح الغربية إلى المنطقة، ما يعكس استعدادات مكثفة لمراحل أكثر تعقيداً من الصراع.
وتشير سعيد إلى وجود سيناريوهاتٍ عدة ما زالت مطروحة في التعامل مع هذا الصراع، تتراوح بين الخيارات العسكرية والدبلوماسية، حيث تصر إسرائيل على تجريد إيران من قدراتها النووية، بل وتسعى إلى إزاحة نظام علي خامنئي بشكل كامل.
في المقابل، تشير سعيد إلى أنه يبدو أن هناك مرونة لدى الإدارة الأمريكية، ممثلة في الرئيس دونالد ترمب، الذي أبدى استعداداً لاستئناف المفاوضات مع طهران، وهو ما يتلاقى مع بعض التصريحات الصادرة من المسؤولين الإيرانيين، التي تعبر عن وجود نوايا تفاوضية، في ضوء اعتبار سلامة البرنامج النووي محوراً رئيسياً في معادلة الصراع الراهن.
وحول احتمالات اندلاع حرب شاملة، توضح سعيد أن ما يجري حالياً لا يزال ضمن إطار العمليات العسكرية المحدودة، مؤكدة أن إعلان الحرب يتطلب مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية لم تتحقق بعد، مثل إعلان الأطراف المتصارعة نواياها بشكل رسمي، والحشد العسكري الشامل، والأهم موافقة البرلمانات المعنية على الدخول في الحرب، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتؤكد سعيد أنه رغم حدة التصعيد، فإن الأطراف لا تزال تفضل خيار المفاوضات، في ظل معطيات دولية وإقليمية مغايرة تختلف عن الأجواء التي سبقت اندلاع الحروب التقليدية سابقاً.
تحوّل التحالفات السياسية والاقتصادية محاور عسكرية معلنة
يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن الصراع الإقليمي بات يتخذ أبعاداً دولية متسارعة، مع تحوّل التحالفات السياسية والاقتصادية إلى محاور عسكرية معلنة.
ويؤكد جودة أن دعم الصين لإيران بالسلاح، وتحريك باكستان ضمن هذا المحور، يحملان عدة دلالات استراتيجية عميقة تنذر بتغير جذري في معادلات النفوذ الدولي.
ويوضح أن ما نشهده هو بروز محور مناهض للغرب تقوده الصين، وتشارك فيه كل من إيران وروسيا، في مسعى واضح لمواجهة النفوذ الأمريكي والغربي في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ويشير جودة إلى أن دخول باكستان النووية إلى هذا المحور يرفع من مستوى التهديد، إذ ينذر بتصعيد قد يمتد جغرافياً ليشمل منطقة الخليج العربي وشبه القارة الهندية وحتى آسيا الوسطى.
ويؤكد جودة أن الصين، من خلال هذه التحركات، تبعث برسائل تحذير غير مباشرة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، مفادها أن أي تدخل عسكري مباشر ضد إيران لن يمر دون تكلفة باهظة، وقد يفضي إلى انفجار إقليمي واسع النطاق.
ويرى جودة أن الصين تستثمر في أزمات قائمة، كالتوتر المزمن بين الهند وباكستان أو ضعف الموقف الأمريكي في بعض الجبهات، لتعزيز نفوذها دون الحاجة إلى صدام عسكري مباشر مع الغرب.
أما في ما يتعلق بإمكانية الانزلاق إلى حرب عالمية شاملة، فيرى جودة أن هذا السيناريو لا يزال احتمالاً قائماً وإن كان منخفضاً حتى الآن، بفضل وجود خطوط حمراء غير مرئية تحاول القوى الكبرى عدم تجاوزها.
ويحذر جودة من سيناريوهاتٍ عدة قد تدفع نحو حرب عالمية، أبرزها تعرض دولة كبرى لهجوم مباشر، أو تورط قوى نووية كالهند وباكستان أو إسرائيل في مواجهات مفتوحة، أو انهيار آليات الردع الدولي وتجاهل المعاهدات الحاكمة لاستخدام الأسلحة الفتاكة.
ويؤكد جودة أن توسع الحرب إقليمياً يبدو مرجحاً في حال تصاعدت الضربات المتبادلة أو فقدت الأطراف السيطرة على وكلائها المحليين، معبراً عن قلقه من أن تراكم الأخطاء في الحسابات قد يقود العالم إلى مواجهة كارثية غير محسوبة، رغم غياب الرغبة الحقيقية لدى القوى الكبرى في خوض حرب عالمية شاملة