تقارير

تأثر الاقتصاديات الآسيوية بالحرب الروسية على أوكرانيا

عبد الحافظ الصاوي

تأثر الاقتصاديات الآسيوية بالحرب الروسية على أوكرانيا

عبد الحافظ الصاوي

مدير مركز المسار للدراسات الإنسانية

برزت الـتأثيرات السلبية للحربِ الروسية على أوكرانيا على الصعيد العالمي، من خلال تفاقم أزمتَيّ الطاقة والغذاء، وما نتج عنهما من ارتفاعٍ غير مسبوقٍ في معدلات التضخُّم، التي أربكت العديد من اقتصاديات العالم، ولم تكن آسيا استثناءً من هذه التداعيات السلبية، خاصةً بعد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا من قِبل كلٍّ من أميركا وأوروبا.

تقريرُ صندوق النقد الدولي الصَّادر في أبريل 2022م بعنوان “آفاق الاقتصاد العالمي” والذي اتَّخذ عنوانًا له في هذا العدد “الحرب تُحدِث انتكاسة في التعافي العالمي”، ذهب إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي في عاميّ (2022 و2023م) إلى (3.6%)، مقارنةً بـ (6.1%) عام 2021م.

وفيما يخصُّ آسيا، ذهب التقرير إلى أنَّ آسيا الصاعدة والنامية سيكون معدلُ النمو فيها متراجعًا في عاميّ (2022 و2023م)، ليكون بمتوسط (5.5%) تقريبًا، مقارنةً بـ (7.3%) في عام 2021م.

أمَّا الصين، فيذهب التقرير إلى أنَّ معدل النُّمو فيها سيتراجع أيضًا إلى (4.4% -5.1%) في عاميّ (2022 و2023)، مقارنةً بـ (8.1%) عام 2021م. وفي الهند يتوقع التقرير كذلك أن يتراجع معدل النمو فيها في ذات العامين إلى (8.2% -6.9%)، مقارنةً بـ (8.9%) في عام 2021م.

  • التضخم وإرباك السياسية الاقتصادية

يذهب صندوق النَّقد الدولي إلى أنَّ معظم اقتصاديات العالم -من بينها دول آسيا- سيكون من الصعب عليها أن تحققَ حالة نجاحٍ فيما يتعلق بمواجهة التضخم، والحفاظ على معدلات نموٍّ مرتفعةٍ في آنٍ واحد، فمواجهة التضخم تستلزمُ رفع سعر الفائدة، وسياساتٍ تقييديةٍ لحركة النقد، وهو ما سيؤثر على حركةِ الاستثمار والتوظيف؛ وبالتَّالي تراجع معدلات النمو.

لذلك أتت توقعاتُ صندوق النقد الدولي بتراجعِ معدلات النمو الاقتصادي عالميًا، لا سيَّما في آسيا بما فيها الدول الاقتصادية الكبيرة مثل: الصين، والهند، فتزامن أزمتيِّ الطاقة والغذاء فاقم من الآثارِ السلبيةِ للأزمة، وعلى الرغم من البيانات المنشورة على موقع “مُنظَّمة الغذاء والزراعة”، والتي تعكس الهدوء النسبيَّ لأسعار الغِذاء الشهر الماضي، إلا أنَّ التوقعات تشيرُ إلى أنَّ أزمة الغذاء قد تستمر إلى عام 2024م.

وفي ملمحٍ يبين مدى تأثير أزمة الحرب الروسيةِ على أوكرانيا، وجدنا العديدَ من دول آسيا تتخذ قراراتٍ تتعلق بمنعِ صادرات بعض السِّلع الغذائية، وعلى رأسها القمح، مثلما فعلت الهند، كما لم تُلبِّ الصين دعوةَ الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن بعض مخزوناتها الاستراتيجية من الحبوب.

وإذا كانت معدلاتُ الجوع في آسيا قد شهدت تحسنًا خلال الفترة الماضية، إلا أنَّ بيانات البنك الدولي تُبين أنَّ ثَمة تفاوت في نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في بعض دول جنوب شرق آسيا، حيث تصل أقل مستوياتها إلى (5.3%) في لاوس، وأعلى مستوياتها إلى (9.4%) في الفلبين.

ولذلك طالب برلمانيون من دول جنوب شرق آسيا بضرورة أن يعقدَ وزراء المجموعة قمةً طارئةً لمواجهة نقص الغذاءِ وانتشار الجوع، في ظلِّ ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

وتعدُّ قضية الطاقة من القضايا المؤثرة بشكلٍ كبيرٍ على اقتصاد آسيا، خاصةً في ظلِّ ارتفاع أسعار النفط في السوقِ الدوليةِ لأعلى من مائة دولارٍ للبرميل، ولا يُتوقع لها أن تنخفضَ عن هذا السقف، إلَّا في حالة وصول الاقتصاد العالمي إلى حالةٍ من الركود، تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على مستوى الطَّلب على النفط، أو إنهاءِ الحرب الروسية على أوكرانيا.

وإذا ما نظرنا إلى موقفِ الاقتصاديات الآسيوية من قضيةِ الطاقة، فإننا نجد الواقع يعكس حالةً من الأهمية الكُبرى للاقتصاديات الآسيوية، فلدى آسيا دولٌ تقع ضمنَ قائمة أكبرِ الدول المُنتجة والمستوردةِ للنفط على مستوى العالم.

 

 

فعلى صعيد الدول الكبرى المُصدِّرة للنفط، نجد كلًا من: السعودية تُصّدِّر يوميًّا (6.6) مليون برميل، والعراق (3.4) مليون برميل، والإمارات (2.4) مليون برميل، والكويت (1.8) مليون برميل. والجدير بالذِّكر أنَّ إيران تُعد من أكبر الدول الآسيوية من حيث الصادرات النِّفطية بنحو (2.5) مليون برميلٍ يوميًّا، ولكن في ظلِّ العقوبات المفروضةِ عليها حاليًا لا تتمكن من تصدير أكثر من (400) ألف برميلٍ يوميًا.

أمَّا على مستوى الدول المستورِدة للنفط، فهناك دولٌ آسيويةٌ كذلك من أكبر مستوردي النفطِ في العالم، ومنها: الصين (10.1) مليون برميلٍ يوميًّا، والهند (4.5) مليون برميل، واليابان (2.9) مليون برميل، وكوريا الجنوبية (2.8) مليون برميل.

  • العقوبات وفرصة النفط الرخيص

في الوقتِ الذي تفرض فيه أميركا وأوروبا العديدَ من العقوبات على روسيا -وآخرها النفط الروسي-، اتَّخذت روسيا قرارًا لكسر الحصارِ على صادراتها النِّفطية، باتباعِ استراتيجية “النفط الرخيص” حيثُ يتم تصدير النفط الروسي لبعضِ الدول التي لم تتخذ موقفًا سلبيًّا اتجاه روسيا في حربها على أوكرانيا، ومن بينها الصين والهند، حيث تحصلانِ على النفط الروسي بأسعارٍ تقِل بنحو (30%) عن السعر العالميّ.

وهو ما يسمحُ للبلدين الأكثر استيرادًا للموادِ الخام على مستوى العالم -ومن بينها النفط- لتزيدَ من مخزوناتها الاستراتيجية، وكذلك تهدئة تكاليف الإنتاج، ومواجهة التضخم داخليًّا بشكلٍ جيد.

وحسب البيانات المنشورة، فإنَّ الصين في نهاية (مايو-2022 م)، استوردت (8.4) مليون برميلٍ من روسيا، وبنسبة زيادةٍ قُدرت بنحو (55%) على أساسٍ سنوي، كما أنَّ الهند خلال (مايو-2022م) أيضًا استوردت نفطًا روسيًّا بنحو (819) برميلٍ يوميًا، مقارنةً بـ (22.7) ألف برميلٍ يوميًا قبل أزمةِ الحرب الروسية على أوكرانيا.

وعلى الجانب الآخر، نجد كلًا من اليابان وكوريا الجنوبية، واللتان تنحازان لمجموعة “السبع الصناعية”، تقفان على الجانبِ الآخر من روسيا، حيث أعلنت اليابان أنَّها سوف تتوقف تدريجيًّا عن استيراد النفط الروسي، وبالفعل في منتصف (مايو-2022م) أعلنت أكبرُ شركةٍ يابانية مستورِدة للنفط الروسي أنَّها أوقفت وارداتِ النفط الروسي لليابان، وبشكلٍ عام تمثل الوارداتُ اليابانية من النفط الروسي (5%) فقط من إجمالي وارداتها النِّفطية.

أما كوريا الجنوبية فقد تأثرت مَصافي النفط بها بالمخاوفِ المفروضةِ من العقوبات الاقتصادية، لذلك بلغت وارداتُ كوريا من النفط الروسيِّ خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2022م نحوَ (16.9) مليون برميل، بما يعادلُ نسبة (32.2%) من الوارداتِ خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وتأتي الخطوةُ الكوريَّة في إطار استراتيجيةٍ للاستغناءِ عن النفط الروسي، وهو ما دفعها بالفعل لزيادةِ الاعتماد على نفط منطقةِ الشرق الأوسط، من خلال استيراد النفط من السعودية والكويت والعراق وقطر.

وعلى الرغم من أنَّ إيران كانت هي السبَّاقةُ في مجال استراتيجية النفط الرخيص إبان فرضِ العقوبات الاقتصادية عليها بعد عام 2012م، إلا أنَّها عادت مؤخرًا لتخفيضِ أسعار نفطها للصين للحفاظ على حصتها التصديريةِ للصين، بعد أن أصبحت روسيا هي المصدر الأول للنفط بالنسبةِ للصين.

  • استشراف المستقبل

من الطبيعيِّ أن تتأثرَ اقتصاديات دول آسيا، بالتداعيات الخاصَّة بأزمةٍ كبيرةٍ مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكنَّ التداعيات ستكون متفاوتةً وتختلف من دولةٍ لأخرى، وإن كانت آسيا يغلب عليها الطابعُ الإنتاجيُّ والتصدير، من خلال اقتصادها الكبير في الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان.

كما لا توجد دولةٌ مستفيدة من الأزمة بشكلٍ كامل، أو متضررة بشكلٍ كامل، ففي الوقتِ الذي يتضرر فيه الجميع من ارتفاع معدَّلات التَّضخم، واحتمالات وجود عجزٍ في إنتاج الغذاء، وجدنا دولًا مثل: الصين، والهند تستفيدان من النفطِ الرخيص.

ويلاحَظ كذلك أنَّ دول آسيا لم تَنحز لطرفٍ ضدَّ آخَر في أزمة الحربِ الروسية على أوكرانيا، وهو ما يُمَكنها من تجنُّبِ المزيد من المخاطر على الصعيد الاقتصادي، فضلًا عن الصعيدَين: السياسي، والعسكري، ولكن على الرغم من ذلك لم نجد اتخاذَ خطواتٍ عملية، حتى من قبل تجمع الآسيان أو الدول الاقتصادية الآسيوية الكبرى:(الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية)، لمواجهةِ التداعيات السلبيةِ للأزمة، أو التخفيفِ من آثارها على الاقتصاد الآسيوي.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى