تقارير

جدلية التوسع الإيراني إقليمياً في ظل مواجهتها مع الاحتــلال «الإسرائيلي»

د. خالد هنية - باحث ومختص في الشؤون الاستراتيجية الدولية

لعل من أكثر المقاربات التي يمكن من خلالها فهم طبيعة المحور الذي تعمل إيران على تحقيقه لا سيّما تجاه القضية الفلسطينية، هي «نظرية الدور»، والتي تمكن تركيزها في الجانب الذي تمثله إيران في بناء دورها الإقليميّ في التدخل في المنطقة من خلال المنطلقات التي يصوغها صانع القرار في الدولة، في ظل تصادم المشاريع، فيتحرك مع قضايا المنطقة وفق اعتبارات الدولة القائدة، فيرى صانع القرار الإيراني أن القضية الفلسطينية من القضايا المهمة التي تقع مسؤولية الوقوف إلى جانبها على عاتقه، وهو ما سنقف عليه في متن الورقة.

تستند السياسية الإيرانية في التعاطي مع القضية الفلسطينية إلى مقولتين أساسيتين: أولاهما تنادي بضرورة تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لمن يمثل مشروع المقاومة المؤمن بالبندقية والكفاح المسلح كطريقٍ لتحرير الأرض الفلسطينية، أما الأخرى فتقوم على رفض التعامل مع أصحاب مشروع التسوية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل. ولطالما حرصت طهران على الفصل بين المشروعين وتقديمهما كأنهما رؤيتان مختلفتان بالكامل. 

منطلقات الرؤية الإيرانية للمحور 

إن هذا المحور يشكل حالةً من الردع للاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ مباشر، التي لا تستطيع إيران تحقيقه كدولة، ويمكن تحقيقه من خلال حلفائها، الذين تعتمد على دورهم المباشر في محاربة الاحتلال، مما يحقق صناعة حالةٍ إقليمية، تُؤمن التوسع الإيراني في حصر النفوذ الأمريكي والقوى الإقليمية الموالية له، على أساس الدبلوماسية الناعمة، والتي يعتبر موقفها الإيجابي تجاه فلسطين أبرز قوةٍ ناعمةٍ في ذلك. البقاء على طاولة صناع القرار الإقليمي والدولي في تقرير مصير المنطقة، وفرض شروطها ضمن استراتيجية الوقوف في وجه قوى الهيمنة.

حيث إنّ هناك نقاطًا متعددةً تودي في هذا المحور بالوصول إلى الهدف المرجوِّ وهي كالآتي:

= استعداء الإدارة الأمريكية والإدارات اليمينية المتطرفة في «إسرائيل» لإيران واتهامها بالإرهاب ودعمه، وهنا يتم تعريف الإرهاب من وجهة نظرهم بنسبته لكل حركات المقاومة في المنطق.

= الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة، والضغط على «الأونروا»، ودعم سياسة هدم المنازل في القدس، جعلت من هذا التصنيف أكثر وضوحًا.

 = تصدر اليمين المتطرف في «إسرائيل» ووصول «ترامب» إلى السلطة، أعاد ترتيب الأوراق ليوحد القوى التي اختلفت في تشخيصها وتناولها لبعض ملفات المنطقة، وشكل محورًا مستعدًا اليوم ليكون هو وإيران في خندقٍ واحد. 

= ضعف المحور العربي وضعف تماسكه، وتوجهاته التى هي عكس توجهات القوى المعادية للمشروع الأمريكي.

 = الحالة التطبيعية غير المسبوقة عربيًا مع «إسرائيل».

=  التحالف السعودي الإماراتي مع أمريكا من أجل استدراج الأخيرة لحربٍ ضد إيران.

 وفي نفس الوقت استدرجت «إسرائيل» الولايات المتحدة لحربٍ ضد إيران أيضًا، مراهنةً على التفاعل العربي، الذي يزيد من هذه الحالة الرغائبية، لكنها فشلت إلى حد الآن. يتشابك الموقف الإيراني مع قوى المقاومة الفلسطينية على ضرورة إنهاء الوجود «الإسرائيلي». وكذلك ينظرون ل «إسرائيل» أنها راعيةٌ للإرهاب في المنطقة، وزوالها سيضعف حلفاءها التقليديين. الخلاف مع المحور السعودي من قبل حلفاء إيران ذات السمة المذهبية التي ذكرناها سابقًا، حيث تتشارك معهم قوى المقاومة في أن العداء والتطبيع الذي تقوده بعض دول مجلس التعاون يضعهم في نفس المربع على قاعدة العداء ل»إسرائيل» والقوى المعادية له، لا العكس.

إن للدعم الذي تقدمه إيران لوجستيًا وتقنيًا، دورًا مهمًا في تقدم العلاقات، وبناء الرهان عليها. حيث إن هذا الأمر يعطي مؤشراتٍ مهمةً على صعيد الرؤية الإيرانية القائمة على إنهاء «إسرائيل» وهو الهدف الذي يتقاطع مع رؤية قوى المقاومة الفلسطينية.

فمشاريع ذاتية وموضوعية تدفع لذلك، ونظرًا لأن الاستراتيجية الإيرانية صارمة وتعتمد أدواتٍ ومقدراتٍ مهمةً ومشتركةً في الحاجة إليها لمواجهة «إسرائيل»، فهناك احتياجٌ من قبل المقاومة لإيران في كل الأحوال، وهي دولةٌ قويةٌ ونافذةٌ والعلاقة معها مكسبٌ، فكيف في ظل غياب القوى الداعمة للقضية الفلسطينية، خاصةً في ظل انسداد الأفق، وفي المقابل فإن إيران هي الداعم الوحيد للمقاومة بدون شروطٍ وبكامل الترحيب. 

 وهذا يعطي مؤشرًا مهمًا من مؤشرات الاصطفاف الفلسطيني المقاوم إلي جانب إيران، ومع بروز العداء ل»إسرائيل» وامتداد رقعة تهديدها، تزايدت الرغبة بين الطرفين لأن يكونا حلفًا مشتركًا في إطار معادة «إسرائيل»، لكن دون الشكل المذهبي الذي تسير به إيران.

ولقد مرت حربان على قطاع غزة وكانتا ميدانَين للتعاون المشترك الموجع للكيان، في عام ٢٠١٩ كان  هناك اعتداءاتٌ «إسرائيليةٍ-أمريكيةٍ» على كل مكونات المحور. 

حصار إيران والتداعيات الحاصلة في الخليج، ولبنان، والعراق، وفلسطين، واليمن، كلها زادت من التنسيق والرؤية المشتركة للأحداث بين مكونات المحور. 

بعد حالة الفتور التي سيطرت على العلاقة إبان الثورات العربية، تحديدًا الأزمة السورية، ووفق ظروف التحولات الإقليمية، أدركت الأطراف أهمية ترميم العلاقات لمواجهة المخاطر والتحديات، الأمر الذي أدى لتطور العلاقات إلى موقعٍ متقدمٍ، فلقد أضحى المحور يرى نتائج ملموسةً وواقعيةً وإنجازاتٍ ميدانيةً، وميزانًا رادعًا لا بأس به، فحادثة استهداف أرامكو في المملكة العربية السعودية من خلال المسيرات، لا تنبئ فقط بتطور قدرات المقاومة، بل إن أمريكا لم تستطع أن ترد على مثل هذه الحادثة، وذات الشيء في قطاع غزة المحاصر والذي لا يوجد فيه أي أسباب للحياة، تجد أن المقاومة هناك تقف بالمرصاد لكل تجاوزٍ «إسرائيلي»، وبمهارةٍ عاليةٍ تستطيع ضبط إيقاع الأداء حتى لا يندرج إلى ما بعد حافة الهاوية. هذه التطورات تؤكد نجاعة هذا المحور وتقدمه واستمراره.

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى