مقابلات

د. جازولي جويني رئيس حزب العدالة والرفاهية في مجلس النواب الإندونيسي ونائـــب رئيس المنتدى الإسلامي الدولي للبرلمانيين

إندونيسيا ستصبح واحدةً من أكثر الدول تأثيرًا على الصَّعيدين الإقليمي والعالمي.

خاص‭ | ‬آسيا‭ ‬بوست‭ ‬

التقت‭ ‬آسيا‭ ‬بوست‭ ‬د‭. ‬جازولي‭ ‬جويني‭ ‬‮«‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والرفاهية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الإندونيسي‮»‬‭ ‬وحاورته‭ ‬حول‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬وشؤون‭ ‬تتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الإندونيسية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬والموقف‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬قمة‭ ‬العشرين‭ ‬الإقتصادية،‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تأثير‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصيني،‭ ‬والموقف‭ ‬الإندونيسي‭ ‬تجاه‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الإحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وفيما‭ ‬يلي‭ ‬تفاصيل‭ ‬المقابلة‭:‬

ما‭ ‬مدى‭ ‬رضاكم‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الإندونيسية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكيف‭ ‬ترون‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد؟

إندونيسيا‭ ‬لديها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬مستقبلٌ‭ ‬واعد،‭ ‬فمن‭ ‬الناحيةِ‭ ‬الجغرافية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬تتمتع‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بأهميةٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬من‭ ‬حيث‭: ‬موقعها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬ووفرةِ‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والتَّركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يُهيمن‭ ‬عليها‭ ‬العمر‭ ‬الإنتاجي‭. ‬وبضمان‭ ‬قيادةٍ‭ ‬جيدة‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهمِ‭ ‬البيئة‭ ‬الاستراتيجيَّة‭ ‬العالميَّة؛‭ ‬أعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬ستصبح‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬تأثيرًا‭ ‬على‭ ‬الصَّعيدين‭: ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‭.‬
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنَّ‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬التحدياتِ‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬وهي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قيادتها‭ ‬الضَّعيفة،‭ ‬والتركيز‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬المحلية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬لعبة‭ ‬سياساتِ‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تستهلك‭ ‬الطاقةَ‭ ‬الإيجابيَّة‭ ‬للأمة،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المُحتمل‭ ‬أن‭ ‬تجعلَ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬متأخرةً‭ ‬عن‭ ‬حلفائها،‭ ‬وفي‭ ‬الآونةِ‭ ‬الأخيرة،‭ ‬كانت‭ ‬إندونيسيا‭ ‬معرضةً‭ ‬بشكلٍ‭ ‬خاص‭ ‬للتأثيراتِ‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالميةِ‭ ‬السَّلبية،‭ ‬والصِّراعاتِ‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المستمرَّة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬تحدياتِ‭ ‬النِّظام‭ ‬العالميّ‭.‬
‭ ‬رغم‭ ‬تلك‭ ‬التَّحديات‭ ‬نحن‭ ‬متفائلون،‭ ‬فإندونيسيا‭ ‬تمتلك‭ ‬جميع‭ ‬المبادئِ‭ ‬لنهضتها،‭ ‬ولديها‭ ‬الكثيرُ‭ ‬من‭ ‬المواهب،‭ ‬خاصةً‭ ‬من‭ ‬جيلِ‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬التزامٌ‭ ‬سياسيٌّ‭ ‬وانتماء‭ ‬للأمَّة،‭ ‬كما‭ ‬أنَّها‭ ‬تحظى‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬فهناك‭ ‬محاولاتٌ‭ ‬مستمرةٌ‭ ‬للتَّحسين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دور‭ ‬الأحزابِ‭ ‬السياسيَّة،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الموجودةِ‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬المُعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان؛‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬حاسمة‭ ‬وبنَّاءة‭ ‬لسياساتِ‭ ‬الحكومة،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أصوات‭ ‬الجماعاتِ‭ ‬الفكريَّة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬والمنظَّمات‭ ‬الجماهيريَّة‭.‬

هل‭ ‬سيبقى‭ ‬الموقف‭ ‬الإندونيسي‭ ‬رافضًا‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وكيف‭ ‬ترون‭ ‬التعامل‭ ‬الإسلامي‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؟

تتمسك‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بالوصيةِ‭ ‬المَنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬جمهوريَّة‭ ‬إندونيسيا‭ ‬لعام‭ ‬1945م‭ ‬بشأنِ‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬الفقرةُ‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الدِّيباجة‭ ‬أنَّه‭ ‬‮«‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬الاستقلال‭ ‬هو‭ ‬حقٌ‭ ‬غير‭ ‬قابلٍ‭ ‬للتَّصرف‭ ‬لجميع‭ ‬الأُمم،‭ ‬وبالتَّالي‭ ‬يجب‭ ‬إلغاء‭ ‬الاستعمارِ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لأنَّه‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الإنسانيةِ‭ ‬والعدالة‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬نصَّت‭ ‬الفقرةُ‭ ‬الرابعة‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬أحد‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬الإندونيسية‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬نظامٍ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحرية‭ ‬والسَّلام‭ ‬الدائم‭ ‬والعدالةِ‭ ‬الاجتماعيَّة‭.‬‮»‬
‭ ‬لذلك،‭ ‬إنَّ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬ولن‭ ‬تعترفَ‭ ‬أبدًا‭ ‬باستعمار‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لفلسطين،‭ ‬وإنَّ‭ ‬موقف‭ ‬إندونيسيا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬واضحٌ‭ ‬لا‭ ‬لَبْس‭ ‬فيه،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬وزيرُ‭ ‬خارجيَّتنا‭ ‬مِرارًا‭: ‬‮«‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬الدبلوماسيةِ‭ ‬الإندونيسية،‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬أنفاسِ‭ ‬الدبلوماسيَّة‭ ‬الإندونيسية،‭ ‬لأنَّه‭ ‬بالنسبةِ‭ ‬لإندونيسيا،‭ ‬فإنَّ‭ ‬التحرير‭ ‬والاستقلال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬جزءٌ‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬تَسويته‭.‬‮»‬

في‭ ‬البدايةِ‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدُّول‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬واعترفت‭ ‬بإعلانِ‭ ‬استقلال‭ ‬إندونيسيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1945م،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬الدَّولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الدولِ‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬المؤتمرِ‭ ‬الآسيوي‭ ‬الأفريقي‭ ‬لعام‭ ‬1955م‭ ‬تُعاني‭ ‬من‭ ‬الاستعمارِ،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تحريرها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يتحملَ‭ ‬المسؤوليةَ‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكاملة‭ ‬لتحرير‭ ‬الدولةِ‭ ‬المُستعمَرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العصرِ‭ ‬الحديث‭.‬

ومن‭ ‬مَنظور‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬نعلم‭ ‬جميعًا‭ ‬أنَّ‭ ‬فلسطين‭ (‬القدس‭) ‬كانت‭ ‬القبلةَ‭ ‬الأولى‭ ‬للمسلمين،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى،‭ ‬وبالتَّالي‭ ‬فإنَّ‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬ليست‭ ‬ملكًا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تنتمي‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تراث‭ ‬مُسلمي‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬جزءٌ‭ ‬منه،‭ ‬وإنَّ‭ ‬السكانَ‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬سيظلون‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬صلةٍ‭ ‬وثيقةٍ‭ ‬بأرض‭ ‬فلسطين‭. ‬علاوةً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬بالنسبةِ‭ ‬لإندونيسيا،‭ ‬تتمتع‭ ‬فلسطين‭ ‬أيضًا‭ ‬بعلاقةٍ‭ ‬تاريخيةٍ‭ ‬وثيقةٍ‭ ‬مع‭ ‬إندونيسيا‭ ‬كواحدةٍ‭ ‬من‭ ‬مُؤيِّدي‭ ‬الحريَّة‭ ‬الإندونيسيَّة‭.‬

ما‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬الإندونيسية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬وكيف‭ ‬ستوازن‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬مع‭ ‬البلدين؟

لا‭ ‬يُمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أنَّ‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬تتطوران‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬مؤثِّرتين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطَين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬حيث‭ ‬تُشكِّل‭ ‬الصين‭ ‬منافسًا‭ ‬قويًّا‭ ‬للولاياتِ‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭: ‬مجمع‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬والطاقة،‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬كما‭ ‬تتقدم‭ ‬في‭ ‬المنافسةِ‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬وتلعب‭ ‬الصينُ‭ ‬والاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬ونظن‭ ‬أنَّه‭ ‬جيدٌ‭ ‬لمستقبل‭ ‬العالم‭. ‬

وكذلك‭ ‬دور‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬في‭ ‬التَّعامل‭ ‬مع‭ ‬باكستان‭ ‬وإيران‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬الهند‭ ‬ليست‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تحالفٍ‭ ‬عسكريٍّ‭ ‬كبير،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّها‭ ‬تتمتع‭ ‬بعلاقاتٍ‭ ‬استراتيجيةٍ‭ ‬وعسكريةٍ‭ ‬مُجاورةٍ‭ ‬مع‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى،‭ ‬والدُّول‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬هي‭: ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الروسي،‭ ‬و‮»‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وبوتان،‭ ‬وبنغلاديش،‭ ‬والولايات‭ ‬المتَّحدة‭.‬

نعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬موقفَ‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬لإندونيسيا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬التمسُّكِ‭ ‬بمبدأ‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬والنشاط‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حركةِ‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الانحياز‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬تُواصل‭ ‬إندونيسيا‭ ‬سعيَها‭ ‬لإنشاء‭ ‬نظامٍ‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬كبديلٍ‭ ‬للنَّموذج‭ ‬أُحادي‭ ‬القطب‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العالمَ‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬قوةٍ‭ ‬عالميةٍ‭ ‬واحدةٍ‭ ‬فقط،‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬لديها‭ ‬مصلحةٌ‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬منطقةِ‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬باعتبارها‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المتوقَّع‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬بؤرةً‭ ‬للنُّمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭.‬

وعلاوةً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬خلقت‭ ‬أزمةُ‭ ‬الوباء‭ ‬والحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أزماتٍ‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬التوريد،‭ ‬ممَّا‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ -‬وخاصةً‭ ‬إندونيسيا‭- ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬حذرًا‭ ‬وقلقًا‭ ‬بشأن‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬أقرب‭ ‬جيرانها‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬تنشيط‭ ‬الدَّور‭ ‬الاستراتيجيِّ‭ ‬لإندونيسيا‭ ‬ودولِ‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قمنا‭ ‬بتحسينه‭ ‬باستمرار،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للحفاظِ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬ولكن‭ ‬معًا،‭ ‬نشرف‭ ‬على‭ ‬مستقبلٍ‭ ‬مشتركٍ‭ ‬أكثر‭ ‬تقدمًا‭.‬

كيف‭ ‬ترون‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬تايوان‭ ‬خاصةً‭ ‬مع‭ ‬التوتر‭ ‬المتصاعد‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وزيارة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬للجزيرة؟


طالما‭ ‬ظلت‭ ‬الولاياتُ‭ ‬المتحدة‭ ‬متناقضةً‭ ‬بشأن‭ ‬الصين‭ ‬وتايوان،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الأزمةَ‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الشَّرقي‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬التَّصاعد،‭ ‬ومع‭ ‬نمو‭ ‬قوةِ‭ ‬الصين‭ ‬بسرعة،‭ ‬أصبحت‭ ‬تايوان‭ ‬مجالَ‭ ‬التأثير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للولاياتِ‭ ‬المتحدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التَّوازن‭ ‬مع‭ ‬توسُّع‭ ‬الصين‭.‬
وبعد‭ ‬الهجوم‭ ‬الروسيِّ‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أصبحت‭ ‬تايوان‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬المناطقِ‭ ‬الجيوسياسيَّة،‭ ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬زيارةِ‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلسِ‭ ‬النواب‭ (‬نانسي‭ ‬بيلوسي‭) ‬لتايوان‭ ‬ازدادت‭ ‬حِدةُ‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينيَّة‭ ‬الأمريكيَّة،‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا،‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬إنكار‭ ‬إمكانيَّةِ‭ ‬تعزيز‭ ‬الصين‭ ‬لاستراتيجيَّتها‭ ‬الهجوميةِ‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الشَّرقي‭.‬ه


ما‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬الصراع‭ ‬الصيني‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وإندونيسيا؟

إنَّ‭ ‬حدةَ‭ ‬الصِّراع‭ ‬الصيني‭ ‬الأمريكي‭ ‬مرتفعةٌ‭ ‬للغايةِ‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬تقريبًا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬كما‭ ‬أنَّه‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشرٍ‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرٍ‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السِّياسية‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭.‬

وكما‭ ‬نعلم،‭ ‬ازداد‭ ‬الاستثمارُ‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ملحوظٍ‭ ‬خلال‭ ‬فترتَي‭ ‬إدارةِ‭ ‬الرئيس‭ (‬جوكوي‭)‬،‭ ‬فالصين‭ ‬ليست‭ ‬مجردَ‭ ‬نظام‭ ‬ديون،‭ ‬ولكنَّها‭ ‬ترسل‭ ‬أيضًا‭ ‬عمالًا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬وتكمن‭ ‬المنفعةُ‭ ‬الاستراتيجيَّة‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬السيطرةِ‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬البُنية‭ ‬التَّحتية‭ ‬والطَّاقة‭ ‬والموارد‭ -‬خاصةً‭ ‬المعادن‭-‬،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬مصلحةِ‭ ‬الصين‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬والمشاريع‭ ‬تخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحةِ‭ ‬الذين‭ ‬يُعارضون‭ ‬نفوذَ‭ ‬الصين‭.‬

أما‭ ‬اجتماعيًّا‭ ‬وسياسيًّا،‭ ‬فقد‭ ‬اتَّبعت‭ ‬حكومةُ‭ ‬جوكوي‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬المراقبُ‭ ‬الأسترالي‭ ‬الإندونيسي‭ (‬جريج‭ ‬فيلي‭) ‬بالسياساتِ‭ ‬‮«‬المُعادية‭ ‬للإسلام‮»‬،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬المُراقبين‭ ‬الغربيين‭ ‬الوَدودين‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭.‬

كيف‭ ‬انعكست‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬وهل‭ ‬سنشهد‭ ‬انتقالًا‭ ‬للمواجهة‭ ‬والاستقطاب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية؟

أدَّت‭ ‬الأزماتُ‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬تعطيلِ‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالميَّة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقةِ‭ ‬والغذاء،‭ ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬الصَّعب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬البقالةِ‭ ‬والخدمات‭ ‬اللُّوجستية،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تبحث‭ ‬البُلدان‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬طاقةٍ‭ ‬بديلة،‭ ‬ومنتجاتٍ‭ ‬غذائيةٍ‭ ‬مُتاحة‭ ‬بسهولةٍ‭ ‬أكبر،‭ ‬ومن‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬دولٍ‭ ‬مجاورة‭.‬

نعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬العلاقات‭ ‬الإقليميةَ‭ ‬ستتعزَّز‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بالصِّراعات‭ ‬أو‭ ‬الاستقطابِ‭ ‬بين‭ ‬الدُّول‭ ‬الآسيوية،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬نحن‭ ‬متفائلون‭ ‬بأنَّ‭ ‬المنطقة‭ ‬ستعزز‭ ‬لتصبح‭ ‬كيانًا‭ ‬سياسيًّا‭ ‬واقتصاديًّا‭ ‬جديدًا‭ ‬كبديلٍ‭ ‬للنِّظام‭ ‬العالمي‭ ‬المُنهار‭ ‬حاليًّا‭.‬

شهدت‭ ‬قمة‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬انقسامًا‭ ‬حيث‭ ‬أيَّدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬لإدانة‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬سيرغي‭ ‬لافروف‭ ‬بأنه‭ ‬تسييس‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الخلاف‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬الكبار‭ ‬فيها؟

بالنسبةِ‭ ‬لنا،‭ ‬فقدت‭ ‬قمةُ‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬الحالية‭ ‬أهميتَها‭ ‬وقيمتها‭ ‬الاستراتيجيَّة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الصِّراع‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬لذلك‭ ‬بطبيعةِ‭ ‬الحال،‭ ‬كان‭ ‬جَوهر‭ ‬اجتماع‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ (‬بالي‭) ‬منذ‭ ‬وقتٍ‭ ‬ليس‭ ‬بِبَعيد‭ ‬دونَ‭ ‬المستوى‭ ‬الأمثل،‭ ‬لكن‭ ‬التَّنفيذ‭ ‬كان‭ ‬يُعتبر‭ ‬من‭ ‬الناحيةِ‭ ‬الفنية‭ ‬ناجحًا‭.‬

وفي‭ ‬الوقتِ‭ ‬الحالي،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سوى‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬السَّبع،‭ ‬وهي‭ ‬تجمُّعٌ‭ ‬للقوى‭ ‬الغربيةِ‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬بأجندة‭ ‬النِّظام‭ ‬العالمي‭ ‬الليبرالي،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الوضعَ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البُلدان‭ ‬يقع‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬أزمةٍ‭ ‬اقتصاديةٍ‭ ‬حادةٍ‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬ما،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إلى‭ ‬أيِّ‭ ‬مدى‭ ‬ستصل،‭ ‬وإلى‭ ‬متى‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬
ومن‭ ‬جهةٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬تمكَّنت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬تحالفٍ‭ ‬جديدٍ‭ ‬كبديلٍ‭ ‬للقوى‭ ‬الغربية؛‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬على‭ ‬توسيعِ‭ ‬نفوذهما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ (‬بريكس‭ ‬بلس‭)‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬العديدُ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬آسيا‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الانضمامِ‭ ‬إلى‭ ‬البريكس،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إيران‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السُّعودية‭ ‬والجزائر‭ ‬وتركيا‭ ‬ومصر‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وتايلاند‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدُّول‭ ‬الأخرى‭.‬
إنَّ‭ ‬قبول‭ ‬الأعضاء‭ ‬الجُدد‭ ‬سينشئ‭ ‬كيانًا‭ ‬بإجمالي‭ ‬ناتج‭ ‬مَحلي‭ ‬أكبر‭ ‬بنسبة‭ ‬30٪‭ ‬من‭ ‬الولاياتِ‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬50٪‭ ‬من‭ ‬سُكان‭ ‬العالم،‭ ‬ويسيطر‭ ‬على‭ ‬60٪‭ ‬من‭ ‬احتياطياتِ‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬العالم؛‭ ‬مما‭ ‬سيشكل‭ ‬قوةً‭ ‬جديدةً‭ ‬وازنة‭.‬ه

وبالتَّالي‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬مستقبلًا‭ ‬أنَّ‭ ‬القوةَ‭ ‬العالمية‭ ‬سيتمُّ‭ ‬توزيعها‭ ‬بين‭ ‬المناطقِ‭ ‬التي‭ ‬تمثِّل‭ ‬نظامًا‭ ‬عالميًّا‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬وهذا‭ ‬يشكِّل‭ ‬ضغطًا‭ ‬لكل‭ ‬منطقة‭ ‬لإحراز‭ ‬تقدمٍ‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مزاياها‭ ‬أو‭ ‬نفوذها‭. ‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى