تقارير

مجموعة لاهاي ودور دول الجنوب العالمي في دعم حقوق الفلسطينيين

د. بلال ياسين - باحث في العلاقات الدولية

في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المتسارعة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬شأناً‭ ‬إقليميًا‭ ‬محصورًا‭ ‬بجغرافيا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬اختبار‭ ‬أخلاقي‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي،‭ ‬ومعيارًا‭ ‬لمدى‭ ‬التزام‭ ‬الفاعلين‭ ‬الدوليين‭ ‬بمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

ومع‭ ‬تراجع‭ ‬الانخراط‭ ‬الأمريكي‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية،‭ ‬فيما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‮»‬سياسة‭ ‬الانكفاء‮»‬،‭ ‬تتجدد‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬بروز‭ ‬أطراف‭ ‬جديدة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬سياسي‭ ‬مضطرب،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭.‬

ولا‭ ‬تعني‭ ‬سياسة‭ ‬الانكفاء‭ ‬الأمريكي،‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬بحالٍ‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬حيادًا‭ ‬أو‭ ‬انسحابًا‭ ‬فعليًا‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬الدولي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعكس‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬للأولويات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إذ‭ ‬تُمنح‭ ‬الأولوية‭ ‬للمنافسة‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬كالصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاهتمام‭ ‬التقليدي‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬تراجعًا‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬العكس؛‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعزيزًا‭ ‬واضحًا‭ ‬لهذا‭ ‬الدعم‭ ‬سياسيًا‭ ‬وعسكريًا‭ ‬واقتصاديًا،‭ ‬إذ‭ ‬تتلقى‭ ‬إسرائيل‭ ‬دعمًا‭ ‬عسكريًا‭ ‬سنويًا‭ ‬يتجاوز‭ ‬3.8‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬استخدام‭ ‬متكرر‭ ‬لحق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬لإفشال‭ ‬قرارات‭ ‬تدين‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬برزت‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي‭ ‬كإطار‭ ‬دولي‭ ‬غير‭ ‬حكومي،‭ ‬يضم‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬القانونيين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والمنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ففي‭ ‬31‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬دشنت‭ ‬تسع‭ ‬دول‭ ‬تحالفًا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬لاهاي‮»‬،‭ ‬بهدف‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ودعم‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرهم‭ ‬وإقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة،‭ ‬حيث‭ ‬جرى‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬لاهاي‭ ‬الهولندية،‭ ‬وفق‭ ‬بيان‭ ‬مشترك‭ ‬لممثلي‭ ‬الدول‭ ‬التسع،‭ ‬وهي‭: ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ماليزيا،‭ ‬كولومبيا،‭ ‬بوليفيا،‭ ‬كوبا،‭ ‬هندوراس،‭ ‬ناميبيا،‭ ‬السنغال،‭ ‬وجزر‭ ‬بليز‭.‬

وتسعى‭ ‬المجموعة‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬أدوات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬عبر‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بهدف‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬تأسيس‭ ‬المجموعة‭ ‬استجابة‭ ‬لتصاعد‭ ‬الجرائم‭ ‬الممنهجة‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وخاصة‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وكمحاولة‭ ‬لملء‭ ‬الفراغ‭ ‬القانوني‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬ضعف‭ ‬المواقف‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭.‬

من‭ ‬أبرز‭ ‬مساهمات‭ ‬المجموعة،‭ ‬تقديم‭ ‬ملفات‭ ‬موثقة‭ ‬حول‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬مثل‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬والمرافق‭ ‬الطبية،‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬بشكل‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭. ‬

كما‭ ‬دعمت‭ ‬المجموعة‭ ‬الجهود‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لطلب‭ ‬رأي‭ ‬استشاري‭ ‬من‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬قانونية‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مثّل‭ ‬اختراقًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية،‭ ‬وقدمت‭ ‬أيضًا‭ ‬استشارات‭ ‬قانونية‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ولمؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬حول‭ ‬آليات‭ ‬توثيق‭ ‬الانتهاكات‭ ‬وتقديمها‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬قانونية‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬دوليًا‭.‬

دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭: ‬مواقف‭ ‬متقدمة‭ ‬وتجارب‭ ‬مؤثرة

بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬القانونية،‭ ‬يُلاحَظ‭ ‬تصاعد‭ ‬دور‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬تقليديًا‭ ‬لمحاور‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي‭ ‬كأميركا‭ ‬وأوروبا‭ ‬الغربية‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭: ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬البرازيل،‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬تركيا،‭ ‬ماليزيا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تُعبّر‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬أكثر‭ ‬استقلالية‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بإرثها‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاستعمار‭ ‬وتجاربها‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬والاحتلال‭.‬

فجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قدّمت‭ ‬نموذجًا‭ ‬فريدًا‭ ‬في‭ ‬التضامن‭ ‬العملي‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مستلهمة‭ ‬تجربتها‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬وأعلنت‭ ‬دعمها‭ ‬الكامل‭ ‬لتحقيق‭ ‬دولي‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬ملفات‭ ‬قانونية،‭ ‬كما‭ ‬خفّضت‭ ‬مستوى‭ ‬التمثيل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭ ‬رمزية‭ ‬وسياسية‭ ‬قوية‭. ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وصفت‭ ‬سياسات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بأنها‭ ‬تماثل‭ ‬سياسات‭ ‬‮«‬الأبارتايد‮»‬‭.‬

أما‭ ‬البرازيل،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬تحولات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عودة‭ ‬الرئيس‭ ‬لولا‭ ‬دا‭ ‬سيلفا‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬حيث‭ ‬أعادت‭ ‬الحكومة‭ ‬البرازيلية‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬دعمها‭ ‬لحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬ورفضت‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وأوقفت‭ ‬بعض‭ ‬صفقات‭ ‬السلاح‭ ‬مع‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬ورغم‭ ‬الضغوط‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬تمسكت‭ ‬بموقفها،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬تحررًا‭ ‬نسبيًا‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭.‬

في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬لعبت‭ ‬إندونيسيا‭ ‬وماليزيا‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والإسلامية‭ ‬لدعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التمويل‭ ‬الإنساني‭ ‬أو‭ ‬المواقف‭ ‬الصلبة‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وشاركت‭ ‬ماليزيا‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬مبادرات‭ ‬قانونية‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬جهود‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي،‭ ‬كما‭ ‬استضافت‭ ‬مؤتمرات‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬مناهضة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتعزيز‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭.‬

ولا‭ ‬يقلّ‭ ‬الدور‭ ‬التركي‭ ‬أهمية،‭ ‬حيث‭ ‬واصلت‭ ‬أنقرة‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬حملات‭ ‬إعلامية‭ ‬مؤثرة‭ ‬تكشف‭ ‬انتهاكات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ودعم‭ ‬سياسي‭ ‬واضح‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬رغم‭ ‬تقاطعه‭ ‬أحيانًا‭ ‬مع‭ ‬حسابات‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الشقّ‭ ‬الاقتصادي‭.‬

جانبٌ‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬الإعلامي‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بكسر‭ ‬الرواية‭ ‬الغربية‭ ‬التقليدية‭ ‬حول‭ ‬الصراع،‭ ‬وتقديم‭ ‬سردية‭ ‬بديلة‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬الميداني‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬تي‭ ‬آر‭ ‬تي‮»‬‭ ‬التركية‭ ‬و‮»‬تي‭ ‬في‭ ‬غلوبو‮»‬‭ ‬البرازيلية‭ ‬بتقديم‭ ‬تغطيات‭ ‬شاملة‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وخصصت‭ ‬برامج‭ ‬وثائقية‭ ‬تكشف‭ ‬المعاناة‭ ‬اليومية‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الوعي‭ ‬الجماهيري‭ ‬عالميًا‭.‬

تحديات‭ ‬ومعوقات

ورغم‭ ‬هذا‭ ‬الزخم،‭ ‬تواجه‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الضغوط‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬البرازيل‭ ‬وتركيا،‭ ‬يظل‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الداخلي‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬العوائق‭ ‬أمام‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجية‭ ‬موحدة‭ ‬يمكن‭ ‬تقديمها‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬إذ‭ ‬إنّ‭ ‬غياب‭ ‬موقف‭ ‬فلسطيني‭ ‬موحد‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجية‭ ‬متماسكة‭ ‬يمكن‭ ‬تقديمها‭ ‬كموقف‭ ‬رسمي‭ ‬متكامل‭ ‬أمام‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭.‬

أيضاً‭ ‬تواجه‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي‭ ‬معوقات‭ ‬قانونية‭ ‬وسياسية،‭ ‬أبرزها‭ ‬محاولات‭ ‬إسرائيل‭ ‬نزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬قانوني،‭ ‬واتهامه‭ ‬بـ‮»‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬تُستخدم‭ ‬لتجريم‭ ‬الانتقادات‭ ‬الموجهة‭ ‬لسلوك‭ ‬الاحتلال،‭ ‬كما‭ ‬تُمارس‭ ‬ضغوط‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لثنيها‭ ‬عن‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬بذريعة‭ ‬‮«‬تسييس‭ ‬العدالة‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬رغم‭ ‬صعوبتها،‭ ‬ليست‭ ‬مستعصية‭ ‬على‭ ‬المواجهة،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬تنسيق‭ ‬فعالة‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومجموعة‭ ‬لاهاي،‭ ‬وتوسيع‭ ‬التحالفات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬وتكثيف‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الدولي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬والإعلام‭ ‬المستقل‭ ‬سيساعد‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتعزيز‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عالميًا‭.‬

من‭ ‬الهامش‭ ‬إلى‭ ‬التأثير

ختامًا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬العالمية‭ ‬قد‭ ‬أفرزت‭ ‬فرصًا‭ ‬وتحديات‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتراجع‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬التقليدية‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬دورها‭ ‬التاريخي،‭ ‬تبرز‭ ‬قوى‭ ‬ناشئة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ،‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬واستقلالية‭.‬

وتشكّل‭ ‬مجموعة‭ ‬لاهاي‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬ركيزتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬لإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬إلى‭ ‬ميزان‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية،‭ ‬وبناء‭ ‬مظلة‭ ‬قانونية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬جديدة‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ومع‭ ‬تنامي‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬طويلًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬معزولًا‭ ‬عن‭ ‬نبض‭ ‬التضامن‭ ‬العالمي،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬أكثر‭ ‬وعيًا،‭ ‬وجرأة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬منظومات‭ ‬القهر‭ ‬والاحتلال‭.‬

وعليه؛‭ ‬فإنَّ‭ ‬تطوير‭ ‬استراتيجية‭ ‬متكاملة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الجهود‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬سيشكل‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المقبلة‭ ‬وتحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى