
معاهدة شِيملا بين الهند وباكستان: وثيقة السلام المؤقت في تاريخ صراع دائم
خلفية تاريخية: الطريق إلى شِيملا
في ديسمبر 1971، اندلعت حرب دامية بين الهند وباكستان عُرفت بـ»حرب بنغلاديش» أو «الحرب الهندية-الباكستانية الثالثة».
جاءت هذه الحرب نتيجة لتصاعد النزاع في شرق باكستان (التي أصبحت لاحقًا بنغلاديش) بسبب القمع العسكري الذي مارسته الحكومة الباكستانية ضد الحركة الانفصالية البنغالية، والتي حظيت بدعم كبير من الهند.
انتهت الحرب بانتصار ساحق للهند، وأُسر ما يزيد عن 90.000 جندي باكستاني، وتمكنت القوات الهندية من دخول دكا، عاصمة شرق باكستان، مما أدى إلى استقلال بنغلاديش.
في أعقاب هذا الانتصار، وجدت الهند نفسها في موقع قوة، بينما كانت باكستان تسعى إلى تسوية تضمن لها استعادة أسراها العسكريين وتجنب المزيد من الانهيار الداخلي، هكذا بدأت ملامح معاهدة شيملا تتشكل.
توقيع المعاهدة
عُقدت القمة الثنائية في مدينة شيملا، عاصمة ولاية «هيماشال براديش» الهندية، في الفترة ما بين 28 يونيو و2 يوليو 1972، وجمعت بين رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي، والرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو، وبعد أيام من المفاوضات المكثفة، تم توقيع ما عُرف بـ»اتفاقية شيملا».
أهم بنود المعاهدة
تتكون الاتفاقية من مجموعة من البنود التي تهدف إلى ترسيخ مبدأ الحوار السلمي وعدم اللجوء إلى القوة، ومن أبرز هذه البنود:
1. احترام سيادة كل دولة
نصت المعاهدة على احترام كل من الهند وباكستان لسيادة واستقلال ووحدة أراضي الطرف الآخر، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية.
2. تسوية النزاعات بالطرق السلمية
تعهد الطرفان بحل كافة النزاعات، بما فيها النزاع حول كشمير، من خلال المفاوضات الثنائية أو الوسائل السلمية الأخرى، ورفض التدخل الدولي أو وساطة أطراف ثالثة.
3. تحويل «خط وقف إطلاق النار» إلى «خط السيطرة»
تم الاتفاق على أن يتم تحويل خط وقف إطلاق النار القائم منذ حرب 1949 في كشمير، إلى ما يعرف بـ»خط السيطرة (Line of Control – LOC)»، على أن يلتزم الطرفان بعدم تغييره بالقوة.
4. إعادة العلاقات الدبلوماسية
اتفقت الهند وباكستان على استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وبدء عملية تطبيع العلاقات في المجالات السياسية والتجارية والثقافية.
5. إطلاق سراح الأسرى
التزمت الهند بإعادة الجنود الباكستانيين الذين تم أسرهم خلال الحرب، في خطوة هدفت إلى فتح صفحة جديدة بين الجانبين.
أهمية المعاهدة من وجهة نظر الطرفين
الهند
اعتبرت الهند أن المعاهدة تمثل انتصارًا سياسيًا ودبلوماسيًا يعزز من شرعيتها في كشمير، خصوصًا أنها أكدت مبدأ المفاوضات الثنائية دون تدخل خارجي، وهو ما كانت تطالب به نيودلهي منذ سنوات، لرفضها الوساطة الأممية.
باكستان
رغم الوضع الصعب الذي وجدت باكستان نفسها فيه بعد الهزيمة، فإنها رأت في المعاهدة فرصة لتخفيف الضغوط، واستعادة جنودها، وبدء مسار جديد من الحوار. غير أن بعض القوى السياسية في باكستان اعتبرت أن بوتو قدّم تنازلات كبيرة للهند مقابل مكاسب محدودة.
المعاهدة والنزاع في كشمير
من أبرز النقاط المثيرة للجدل في المعاهدة هي مسألة كشمير، فرغم أن المعاهدة لم تعترف بكشمير كجزء من الهند، فإنها أرست مبدأ أن النزاع حولها لا يُحل إلا من خلال مفاوضات ثنائية، وهذا يعني استبعاد الأمم المتحدة أو وساطة دولية، وهو ما يُعد تراجعًا نسبيًا في الموقف الباكستاني الذي طالما طالب بتدويل القضية.
لاحقًا، استندت الهند إلى هذه النقطة لتبرير رفضها لأي تدخل أممي أو دولي في النزاع، بينما اعتبرت باكستان أن الهند لم تُبدِ الجدية الكافية لحل القضية.
تأثيرات طويلة المدى
رغم التهدئة المؤقتة التي أحدثتها معاهدة شيملا، فإنها لم تنه النزاعات بين الدولتين، حيث اندلعت حروب ومواجهات لاحقة:
حرب كارجيل 1999: وهي صدام مسلح في كشمير بين قوات البلدين، اعتُبر خرقًا مباشرًا لبنود شيملا.
تصاعد الأعمال العسكرية في كشمير: خاصة بعد 2016 و2019، حين ألغت الهند الحكم الذاتي لكشمير (المادة 370)، وهو ما فجّر أزمة جديدة.
تبادل الاتهامات بالإرهاب: خصوصًا بعد تفجيرات مومباي 2008 وهجوم بولواما 2019.
ومع كل تصعيد، يتم الرجوع إلى معاهدة شيملا كأساس نظري للحوار، لكنها لم تعد تُطبق فعليًا كما كانت مقصودة عند توقيعها.
تقييم شامل: نجاح جزئي أم فشل مؤجل؟
يصعب تقييم معاهدة شيملا بشكل قاطع، فهي نجحت مؤقتًا في وقف التدهور بين البلدين بعد حرب 1971، وأرست مبدأ الحوار، لكنها فشلت في معالجة جذور النزاع، وعلى رأسها قضية كشمير.
كما أن رهانها على المفاوضات الثنائية تجاهل مدى تعقيد العلاقات والتوازنات الداخلية في كلا البلدين، حيث غالبًا ما تستخدم الحكومات الملف لأغراض سياسية داخلية.