مقالات

مـاذا يعني الاعتماد على الطاقة المتجددة جيــوســيــــاســيــاً؟

أسامة الغول - صحفي وباحث في مرحلة الدكتوراه

باتت‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬مشروعاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬طموحاً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تخطط‭ ‬لمستقبل‭ ‬شعوبها‭ ‬واستقرارها،‭ ‬فلا‭ ‬قدرة‭ ‬لأي‭ ‬دولةٍ‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬مصادر‭ ‬طاقة‭ ‬مستمرةٍ‭ ‬ومتوفرةٍ،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المصادر‭ ‬هي‭ ‬شريان‭ ‬حياةٍ‭ ‬رئيسي‭ ‬تتوقف‭ ‬عليه‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأعمال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تحقيقها‭ ‬رفاهيةً‭ ‬لا‭ ‬تنعم‭ ‬بها‭ ‬كثير‭ ‬ٍمن‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لموطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬عالمٍ‭ ‬تحكمه‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والمصالح‭.  ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬أدت‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬وعديد‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬سلبيات‭ ‬متعلقة‭ ‬باستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬التقليدية‭(‬النفط‭ ‬والغاز‭) ‬إلى‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬توجهات‭ ‬استراتيجية‭ ‬تجاه‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬المتصالحة‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬والإنسان،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬دفع‭ ‬أثمانٍ‭ ‬باهظةٍ‭ ‬سواء‭ ‬سياسية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬مادية‭!! ‬فهل‭ ‬يشكل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬عوامل‭ ‬جديدة‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬ومصالح‭ ‬الأعمال‭ ‬وتبدل‭ ‬الأولويات؟‭ ‬

لأكثر‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬تمتلك‭ ‬القوة،‭ ‬بالمعنيين‭ ‬الحرفي‭ ‬والسياسي،‭ ‬حيث‭ ‬عمدت‭ ‬لبيعهما‭ ‬مقابل‭ ‬أرباح‭ ‬ضخمة،‭ ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬حياتها‭ ‬اليومية‭ ‬فقد‭ ‬دفعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬والمال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬استمرار‭ ‬حصولها‭ ‬عليهما‭.\‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يواجه‭ ‬العالم‭ ‬نقطة‭ ‬تحوُّل‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬حيث‭ ‬يمثِّل‭ ‬تغيُّر‭ ‬المناخ‭ ‬تهديداً‭ ‬حقيقياً‭ ‬وداهماً‭ ‬للرخاء‭ ‬الذي‭ ‬يتمتّع‭ ‬به‭ ‬الكثيرون‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭ ‬الملايين‭ ‬وتعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيقه‭ ‬غداً،‭ ‬فتغيُّر‭ ‬المناخ‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬متواصلاً‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬جرّاء‭ ‬الانبعاثات‭ ‬المتأتية‭ ‬من‭ ‬احتراق‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نخفِّض‭ ‬استهلاكنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحروقات‭ ‬الكثيفة‭ ‬الكربون،‭ ‬أما‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجدِّدة‭ ‬فيمكن،‭ ‬ويجب،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءاً‭ ‬محورياً‭ ‬من‭ ‬البدائل‭ ‬الآنية‭ ‬والمستقبلية‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬الرياح‭ ‬الشاطئية‭ ‬حالياً‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مصادر‭ ‬الكهرباء‭ ‬المتوافرة‭ ‬كمصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬أو‭ ‬الخضراء‭ .‬

وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬بأنها‭ ‬ستصبح‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬للطاقة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الفقيرة‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬تتوافر‭ ‬فيها‭ ‬ظروف‭ ‬مناخية‭ ‬مؤاتية‭ (‬أشعة‭ ‬الشمس،‭ ‬الرياح‭). 

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬إلى‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التنبؤات‭ ‬المختلفة‭ ‬حول‭ ‬متى‭ ‬سيصل‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬الذروة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينهار‭. ‬يتوقع‭ ‬المخططون‭ ‬في‭ ‬شركة‭ “‬شل‭” ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬تحاول‭ ‬الاستعداد‭ ‬للحظة‭ ‬التي‭ ‬تصبح‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط،‭ ‬وتتطلع‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬اقتصاداتها‭ ‬وإيجاد‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬للطاقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬الأكثر‭ ‬تشككاً‭ ‬تبدو‭ ‬واثقةً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬سيستمر‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭.  ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬هناك‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬يتفوق‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬استثمارات‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬استكشاف‭ ‬وإنتاج‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬باستثناء‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المساهمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬استثمارات‭ ‬االطاقة‭ ‬النظيفةب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أستراليا‭ ‬ودول‭ ‬آسيوية‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬فيتنام،‭ ‬وتايوان،‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وفقاً‭ ‬لمؤسسة‭ “‬ريستاد‭ ‬إنيرجي‭” ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭. ‬

يقول‭ ‬جيرو‭ ‬فاروجيو،‭ ‬مدير‭ ‬قسم‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬ريستاد‭: “‬تملك‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬المشاريع‭ ‬المستقبلية‭ ‬لعمليات‭ ‬تطوير‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬بأنواعها‭ ‬كافة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬طاقة‭ ‬الرياح‭ ‬البحرية،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك؛‭ ‬تضع‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬خططاً‭ ‬كبيرة‭ ‬لدمج‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬سياسات‭ ‬داعمة‭ ‬لذلك‭”.‬

وتتوقع‭ ‬ريستاد‭ ‬أيضاً،‭ ‬استمرار‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬قوي‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬أستراليا‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2018‭ . ‬وفي‭ ‬الهند،‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬عمليات‭ ‬توسعة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة؛‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬شركات‭ ‬مثل‭ “‬شل‭” ‬و‭”‬بتروناس‭” ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬التجاري‭ ‬والصناعي‭ ‬حيث‭ ‬يزيد‭ ‬استثمار‭ ‬الهند،‭ ‬وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الفحم‭ ‬بحسب‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬حيث‭ ‬تجاوز‭ ‬إجمالي‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستثمرها‭ ‬في‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬للسنة‭ ‬الثالثة‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬

تأمين‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة

تسعى‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬المخاطر‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مؤخرًا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬ازدياد‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للتحرك‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭ ‬لتأمين‭ ‬إمدادات‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬أسواقها‭ ‬لتجنب‭ ‬تعرضها‭ ‬لصدمات‭ ‬حادة‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬من‭ ‬أسواق‭ ‬أخرى‭ (‬مثل‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬وغيرها‭). ‬

تعرضت‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لمخاطر‭ ‬واضحة‭ ‬منذ‭ ‬خروج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬النهائي‭ ‬المبرم‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والقوى‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2016،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬أعقبها‭ ‬قيام‭ ‬واشنطن‭ ‬بتشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬حظر‭ ‬تصدير‭ ‬منتجات‭ ‬النفط‭ ‬الإيرانية‭ ‬للأسواق‭ ‬الدولية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الآسيوية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭. ‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ازدياد‭ ‬حدة‭ ‬توترات‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تصاعدت‭ ‬مخاوف‭ ‬مشتري‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة‭ ‬لديهم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأنهم‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬حوالي‭ ‬50%‭ ‬من‭ ‬استهلاكهم‭ ‬مقارنةً‭ ‬بحوالي‭ ‬16%‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬بل‭ ‬وترتفع‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬80%‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬اليابان‭. ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خامات‭ ‬النفط‭ ‬المنتجة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تتميز‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬بجودتها‭ ‬العالية،‭ ‬وانخفاض‭ ‬كلفة‭ ‬نقلها‭ ‬للأسواق‭ ‬الآسيوية‭. 

ومن‭ ‬اللافت‭ ‬أيضًا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬منشآت‭ ‬أرامكو‭  ‬في‭  ‬سبتمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬اتجهت‭ ‬بعض‭ ‬المصافي‭ ‬النفطية‭ ‬الآسيوية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مصفاة‭ ‬النفط‭ ‬التابعة‭ ‬لشركة‭ ‬اني‭ ‬سونب‭ ‬للتكرير‭ ‬والبتروكيماويات‭ ‬الفيتنامية‭ ‬حيث‭ ‬تعاقدت‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬مليوني‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬خام‭ ‬اغرب‭ ‬تكساس‭ ‬الوسيطب‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الربع‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬شحنات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬خام‭ ‬ابوني‭ ‬الخفيفب‭ ‬النيجيري‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬تؤكد‭ ‬اتجاهها‭ ‬نحو‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الواردات‭ ‬وسط‭ ‬توترات‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

ودفع‭ ‬تصاعد‭ ‬المخاطر‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬لطرح‭ ‬خيار‭ ‬استخدام‭ ‬المخزونات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬بحوزتها‭ ‬إن‭ ‬دعت‭ ‬الظروف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬أنها‭ ‬بصدد‭ ‬دراسة‭ ‬سحب‭ ‬نفط‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬الخام‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لديها‭ ‬إذا‭ ‬تدهورت‭ ‬أوضاع‭ ‬واردات‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬وهذا‭ ‬إجراء‭ ‬تقليدي‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬تتخذه‭ ‬الدول‭ ‬المستهلِكة‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬أزمات‭ ‬طارئة‭ ‬لدى‭ ‬موردي‭ ‬النفط‭ ‬الذين‭ ‬تعتمد‭ ‬عليهم‭.   ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬عملت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مستويات‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والتجارية‭ ‬لديها‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬الطارئة‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭.‬

‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تمتلك‭ ‬الصين‭ ‬أكبر‭ ‬مستوىً‭ ‬من‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬بحوالي‭ ‬325‭ ‬مليون‭ ‬برميل،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لتغطية‭ ‬نحو‭ ‬33‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬الواردات‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭. ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬بالنظر‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الهند،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬مستويات‭ ‬منخفضة‭ ‬من‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬تقدر‭ ‬بنحو‭ ‬5.33‭ ‬ملايين‭ ‬طن‭ (‬أي‭ ‬نحو‭ ‬39‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭) ‬وهو‭ ‬يكفي‭ ‬لتلبية‭ ‬حوالي‭ ‬9.5‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الخام،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬شركات‭ ‬تكرير‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬تحتفظ‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بمخزونات‭ ‬من‭ ‬الخام‭ ‬كافيةً‭ ‬لتزويدها‭ ‬باحتياجاتها‭ ‬لمدة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬يومًا‭. ‬

‭ ‬وربما‭ ‬وسط‭ ‬تنامي‭ ‬توترات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تتجه‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ -‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الهند‭- ‬لزيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لديها‭ ‬وذلك‭ ‬للوفاء‭ ‬باحتياجاتها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬أزمات‭ ‬خارجية،‭ ‬وتفادي‭ ‬تعريض‭ ‬أسواقها‭ ‬لصدمات‭ ‬حادة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيقتضي‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭ ‬زيادة‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لتخزين‭ ‬النفط‭.‬

وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬آخر،‭ ‬كثّفت‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬الآسيوية‭ ‬مؤخرًا‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬إجراءاتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬بدأتها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬لتنويع‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬وزيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ (‬مثل‭: ‬الغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬والطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬والرياح‭) ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬خطة‭ ‬جديدة‭ ‬لضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬بنحو‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬المسال‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬لتعزيز‭ ‬أمن‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬وتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.  ‬لهذا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭(‬الشمس‭ ‬والرياح‭ ‬الشاطئية‭)‬،‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬التقليدية‭ (‬النفط‭ ‬والغاز‭) ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬تحولات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬وتغير‭ ‬في‭ ‬التحالفات‭ ‬وتقليص‭ ‬الانتشار‭ ‬العسكري‭ ‬لحفظ‭ ‬الإمدادات‭ ‬التلقليدية‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬لذلك‭ ‬لنتخيل‭ ‬أن‭ ‬بلداً‭ ‬مستقراً‭ ‬منتجاً‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬أصبح‭ ‬فجأةً‭ ‬دولةً‭ ‬فاشلةً‭ ‬بعد‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬نفطه‭ ‬وغازه،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬كارثة‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬نفسه‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أيضا‭ ‬تداعيات‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭.  ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬وفرة‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬الشمس‭ ‬والرياح‭ ‬أو‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬لن‭ ‬تصبح‭ ‬مكتفية‭ ‬ذاتياً‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يمكنها‭ ‬أيضا‭ ‬تصدير‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬طاقتها‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بوصلات‭ ‬ضخمة‭ ‬يمكن‭ ‬إنشاؤها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مكاسب‭ ‬للسلام‭ ‬العالمي‭ ‬أيضاً،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬العالم‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فربما‭ ‬لن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جيوش‭ ‬جرارة‭ ‬وأساطيل‭ ‬بحرية‭ ‬للدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬الأهمية‭ ‬الكبيرة‭ ‬للجغرافية‭ ‬السياسية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنفط‭.  ‬وعليه،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬الختام‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬تسعى‭ ‬حثيثًا‭ ‬نحو‭ ‬تأمين‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬المخاطر‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭.‬ مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فربما‭ ‬لن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جيوش‭ ‬جرارة‭ ‬وأساطيل‭ ‬بحرية‭ ‬للدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬الأهمية‭ ‬الكبيرة‭ ‬للجغرافية‭ ‬السياسية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنفط‭.‬

وعليه،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬الختام‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬تسعى‭ ‬حثيثًا‭ ‬نحو‭ ‬تأمين‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬المخاطر‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

اسامة الغول

صحفي وباحث في مرحلة الدكتوراه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى