بواسطة: د. محمد مكرم البلعاوي
أطلق الفتى الفلسطيني (محمد عليوات) البالغ من العمر 13 عامًا من بلدةِ سلوان في القدس المحتلة، النارَ على مجموعةٍ مكونة من خمسةِ مستوطنين إسرائيليين مؤخرًا، فأصاب اثنين منهم -إحدى الإصابات كانت لضابطٍ في جيش الاحتلال-، فقام مستوطنٌ بإطلاق النَّار تجاهه وأصابه بجروحٍ بليغة، فيما تداولت مواقعُ التواصل نصَّ رسالةٍ كتبها لأمه على دفتره المَدرسيّ قال فيها “سامحيني يا أمي، ستفتخرين بي”. وعلى إثر تلك الحادثة اعتقلت قواتُ الاحتلال والدَي الطِّفل وشقيقه، ودمَّروا أثاثَ البيت، وأغلقوا منزلهم؛ تمهيدًا لهدمه مستقبلًا على الأرجح.
بالطَّبع، من وجهةِ نظر وسائل الإعلامِ السَّائدة، ليست هناك حاجةٌ لذكر اسم الفتى الفلسطينيِّ أو الخوض في خلفيته الاجتماعية؛ فلا داعي للسُّؤال لماذا فعل ما فعله؛ ولا داعي لتسليطِ الضوء على سِياق الحادث، فالفلسطينيون بطبيعتهم مجرمين في نظرِ الإعلام، ولن يتمَّ إلقاء اللَّوم على الاحتلالِ الإسرائيلي المستمر منذ عقود، ولن يتم إلقاءُ اللوم على عنصريته المنهجية، ولا حتى على سياساتِ الفصل العنصري التي أدانتها منظماتُ حقوق الإنسان الكُبرى.
وفقًا للروايةِ المزعومة المُؤيدة لـ”إسرائيل”، فإنَّ الفلسطينيين إرهابيون أو من المُمكن ترهيبهم، حتى لو كانوا أطفالًا؛ فسوف يكبرون وقد يأتون لقتلِ ابنك بعد 20 عامًا، مثلما غرَّد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف (بتسلئيل سموتريتش) في عام 2016م؛ لدعمِ زوجته التي اعترضت على مشاركةِ غرفة مستشفى الولادة مع سيدةٍ فلسطينية، كما أنَّ كل محاولةٍ لشرح أي سياقٍ يتم رفضها باعتبارها “معاداةً للسَّامية” أو تبريرًا للإرهاب، ويتمُّ إدانتها على النَّحو الواجب، ويُعتبر دعم الولايات المتَّحدةِ لـ”إسرائيل” أمرًا مفروغًا منه، فلم يعد من المُفاجئ سماع السكرتيرة الصحفيَّة للبِنتاغون (بات رايدر) تقول: “نحن على اتصالٍ وثيقٍ بشركائنا الإسرائيليين ونقف معهم بحزمٍ في مُواجهة هذا الهجوم”.
إنَّ هدف الحكومة الأكثر عِداءً في تاريخ “إسرائيل” هو تحويل فلسطين المُحتلَّة إلى ساحةِ حرب، مما يؤدي إلى دائرةٍ ممتدةٍ من العنف، فهي تُغذي حربًا دينيةً من خلال تدنيس حُرمةِ المسجد الأقصى، وقد قتلت 35 فلسطينيًّا الشهرَ الماضي، كما أنَّها تسعى لاستهدافِ الأسرى الفلسطينيين والتَّضييق عليهم وتسنُّ القوانين لإعدامهم، ولا يمكن إنكار أنَّ دولتهم المزعومة تُخطط لتجريدِ الفلسطينيين من الجنسيةِ الإسرائيلية، وفي غضونِ ذلك، يستمرُّ التَّطهير العِرقي في الأراضي المُحتلة؛ فقد هُدمت منازل عشرات العائلاتِ الفلسطينية بسبب عدم وجود تصاريح نادرًا ما تُمنح للفلسطينيين بأيّ حالٍ من الأحوال، بينما تستمر المستوطناتُ غير القانونيةِ في التوسُّع في الأراضي المحتلَّة، كما أنَّ هناك قرىً فلسطينيةً بأكملها -مثل الخان الأحمر- مهددةٌ بالهدم. لقد دمَّرت السياساتُ الإسرائيلية قابليةَ قيام دولةٍ فلسطينيةٍ مُستقلة، في حين أنَّ السُّلطةَ الفلسطينية موجودةٌ فقط لحماية “دولة” الاحتلال ومستوطنيها المسلَّحين كاملًا؛ لمهاجمةِ الفلسطينيين ومُمتلكاتهم مع الإفلاتِ النِّسبي من العقاب.
وبينما يحدث كلُّ هذا، فإنَّ الولايات المُتحدة تمهد الطريقَ لـ”إسرائيل” عبر العالم العربي، وكان وزيرُ الخارجية الإسرائيلي (إيلي كوهين) قد التقى في السُّودان (عبد الفتاح البرهان) رئيس المجلسِ العسكري الذي يحكم البلادَ حاليًّا، والذي أعلنَ الخميس الماضي أنَّ كلا الطرفَين انتهيا من نصِّ اتفاق سلامٍ سيتم توقيعه في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، إذا حدث ذلك، فإنَّ السودان سينضمُّ إلى “اتفاقيات إبراهيم” التي ترعاها الولاياتُ المتحدة، والتي تهدف إلى دمجِ “إسرائيل” في العالمِ العربي.
وافتتح رئيسُ المجلس العسكريِّ الجديد، الرئيس التشادي (محمد إدريس ديبي إتنو)، الخميس أيضًا، سفارةَ بلاده رسميًّا في “تل أبيب”، وقال رئيسُ الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو) في حفلِ الافتتاح “نحن نعزِّز مصالحنا المُشتركة وصداقتنا، ونسعى إلى السَّلامِ والأمن والازدهار”، هذا هو نتنياهو نفسه الذي يرفض تحقيقَ السلام مع الفلسطينيين من خلال “عملية السلام” المُحتضِرة.
وعندما اشتكى عضوٌ في البرلمانِ البحريني من أنَّ شركة الطيرانِ الوطنية “طيران الخليج” تتجه “إلى تل” أبيب بخسارةٍ ماليةٍ؛ لأنَّ لا أحدَ في البحرين يريد التَّطبيعَ مع “الكيان الصهيوني” والسفر إلى “إسرائيل”، طلب رئيسُ مجلس النُّوابِ بحذف “الكيان الصهيوني” من السِّجل الرسمي، ولم يكتفِ بذلك بعضُ النواب الذين اتَّهموه بذلك بعد إيماءةٍ من المُستشارِ القانوني الأجنبي، بل فضح أيضًا درجةَ الضغط الأمريكيّ على الدُّول العربية لفتحِ أبوابها أمام “إسرائيل”.
ومن جهةٍ أخرى، صوَّت الجمهوريون في مجلسِ النواب الأمريكي لإبعادِ النائبة الديمقراطيَّة عن ولايةِ مينيسوتا (إلهان عمر) من لجنةِ الشُّؤون الخارجية؛ بسبب التعليقاتِ السابقة التي تمَّ الإدلاء بها بشأن “إسرائيل” والمَخاوف بشأنِ موضوعيَّتها.
وتعرَّضت عمر لانتقاداتٍ لأول مرة بسبب تعليقاتها حول “دولة” الاحتلال في عام 2019م عندما قالت:” أريد أن أسألَ لماذا تسمحون لنا بالحديثِ عن تأثير (الرابطة الوطنية للبنادق) أو صناعاتِ الوقود الأحفوري، وتمنعوننا من الحديث عن مجموعة ضغطٍ قويةٍ تؤثر على السِّياسات؟”
كانت هذه إشارةً إلى أقوى لوبي مؤيدٍ لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة، وهو لجنةُ الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الأيباك)، والتي تحدد مهمتها على أنَّها “تشجيع وإقناع حكومة الولايات المتحدة بسن سياساتٍ محددةٍ تخلق قوةً دائمةً وعلاقة المنفعة المتبادَلة مع حليفتنا إسرائيل”.
الفلسطينيون ليسوا وحدهم المستهدفين بالنِّفاق الرسميّ للولاياتِ المتحدة، بل كل من يجرؤ على الدفاعِ عن فلسطين، أو يطالبُ بالعدالة للشعبِ الفلسطيني، هو هدف، دائمًا ما يلعب السلامُ الدائم والعدالة في الأرض التي عانت لعقودٍ من الاستعمار الاستيطاني والإمبريالية – وما زالت تعاني- وتلعب دورًا ثانويًّا في روايةِ “الأمن والدفاع عن النفس” الفاسدة في “إسرائيل”. هكذا يكافئ العالم بقيادةِ الولايات المتَّحدة ودولٍ غربيةٍ أخرى “إسرائيل” على جرائمها.
لا تعليق