
موسوعة معرفيَّة متعدِّدة اللُّغات تأخذك إلى الأقصى
د. شريف أمين أبو شمالة رئيــس مؤسَّسـة القدس ماليزيا رئيس تحرير موسوعة أقصى بيديا الإلكترونية.
يشكِّلُ المسجدُ الأقصى محورًا أساسيًا في المعركة مع الاحتلال الصهيوني على الحقوقِ الإسلاميةِ والفلسطينية، ومن هذا المنطلق يسعى الاحتلال إلى استهداف المسجد الأقصى وتغييبه، لتشتدَّ المعركةُ في بُعدَين: الأول هو البعد المادي الذي يمكن للجميعِ ملاحظتُه في الحملاتِ المنظمةِ التي تقودُها جماعاتُ المعبدِ الصهيونيَّة، مدعومةً من حكومةِ الاحتلال الإسرائيلي عبرَ الاقتحاماتِ اليوميةِ ومحاولات فرض التَّقسيم المكاني بعدَ النجاح في التقسيم الزماني، وكذلك التَّدخل في شؤون المسجدِ الأقصى والتحكم فيه وفي إدارتِه وغيرها الكثير مما نشاهده ونسمعُ به يوميًا.
أمَّا البعد الثاني من المعركة فهو البُعدُ المَعرفي، حيث تنشطُ حملةٌ صهيونيةٌ ميدانها الإعلام والمعرفة والفضاءات الرقمية، لتقويضِ المسجدِ الأقصى في الوعيِ الإنسانيِّ والإسلاميّ، باستخدامِ أساليبَ عدة، منها: التشكيك في قدسيةِ المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين، ونشر روايةٍ توراتيةٍ وخرافيةٍ عابرة للقارات بشتّى اللغات، معتمدين استراتيجيةَ تكثيف النَّشرِ واحتلال الفضاءات، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، ولا أدلّ على ذلك من احتلالِ التعبير الصهيوني لتسمية المسجد الأقصى وهو «جبل الهيكل/ Temple Mount” موقعًا متقدمًا في الموادِ المنشورة بديلًا عن الاسم الأصيل “المسجد الأقصى” أو الحرم الشريف.
بحكمِ عملنا في “مؤسسة القدس-ماليزيا”، استشعرنا مدى الحاجةِ إلى مواد مكتوبة باللُّغاتِ المحلية عن المسجد الأقصى المبارك بموضوعيةٍ ونظرة إسلاميَّة صحيحة، وأن تكونَ سهلةَ الانتشار، فعلى سبيل المثال، تعَدُّ ماليزيا من الدولِ النشطةِ جدًا في دعمِ القضيةِ الفلسطينية على الصَّعيدين الرسمي والشعبي، ولا شكَّ أنَّ الإسلامَ كان عاملًا مهمًا في ذلك، لكن ما هي كمية المعلوماتِ المعروفةِ عن المسجد الأقصى باللُّغة الماليزية؟، لقد كانت نتائجُ البحثِ صادمةً، وتشير إلى فجوةٍ كبيرةٍ، بعدها قفزَ إلى أذهاننا سؤالٌ آخر: كيف سيكون واقع اللغة التايلاندية مثلًا؟ فما وجدنا إلّا مقالاتٍ قليلةً جدًا، عامَّةً مختصرة، وما وجدناه حتّى في مواقع إسلامية، كانت مترجمةً عن مقالاتٍ أغلبُ الظنِّ أنَّها كُتِبت بالإنجليزية بلغةِ خطابٍ صهيونيٍ واضح.
لم تكن هذه الحال فقط، بل أذكرُ جيدًا أنَّ أحدَ الطلبةِ كان متحمِّسًا ليكونَ مشروعَ تخرجِه عن المسجدِ الأقصى، وقد كان مشروع تخرجه “موقع إلكتروني عن المسجد الأقصى” باللغةِ الإنجليزية، فطلب مني أن أطَّلِع على المحتوى، فكانت أولُ كلماتٍ في تعريفِ المسجد الأقصى أنَّه “جبل الهيكل”، وحين سألته من أين لك بهذه المعلومات؟ كانت إجابتُه: “من الإنترنت!”
أمام هذا الواقع، واستشعارًا بالمسؤوليةِ كانت مبادرتنا في “مؤسسة القدس ماليزيا” لإطلاق موقع “أقصى بيديا” aqsapedia.net متعدِّدِ اللُّغات، وهذا الاسمُ مكوَّنٌ من مقطعين يشير الأول Aqsa إلى “المسجد الأقصى”، بينما يشير المقطع الثاني Pedia إلى Encyclopedia وتعني موسوعة، والموسوعة/ الموقع يأخذ المتصفح إلى المسجد الأقصى، محاولًا أن يقدِّمَ كلَّ ما يتعلقُ به من معلوماتٍ وحقائق، بمنهجيةٍ وأسلوبٍ علمي.
ويبثُّ الآن بأربعِ لغات هي: العربية، والإنجليزية، والماليزية، والإندونيسية، والخطة أن نضيفَ له أربعَ لغاتٍ أخرى هي: الأردو، والصينية، والسريلانكية، والتايلاندية، وغيرها من اللُّغاتِ ليسُدَّ الفجوةَ المعرفية، واضعين نصبَ أعينِنا مجموعةً من الأهداف نسعى لتحقيقها، ويمكن إجمالها بالتالي:
= تقديم معلومةٍ صحيحةٍ وموثَّقةٍ حول المسجد الأقصى بِلُغاتِ الإقليم.
= تعزيز الروايةِ الإسلاميَّةِ الصحيحةِ في مواجهة الرِّواية الصهيونيةِ المنتشرةِ في الفضاءِ الإلكتروني.
= أن يكونَ الموقعُ مرجعًا للباحثين والناشطين حول كل ما يتعلقُ بالمسجد الأقصى.
= تذكيرُ الأمةِ بالمسجد الأقصى وقضيَّتِه وما يتعرضُ له المسجد والمدافعون عنه.
تتوزَّعُ موادُ الموسوعةِ على مجموعةٍ من الأقسامِ الرَّئيسية بلغت 12 قسمًا، بحيث يحتوي كلُّ قسمٍ على مجموعةٍ من المقالات، بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض النوافذِ التَّفاعليةِ التي تربط المتصفح بالأقصى مثل نافذة “استكشف المسجد الأقصى”، التي تقدم نموذجًا ثلاثيَّ الأبعادِ للمسجد، وبمجرد الضغط على أيٍّ من المعالم، تظهر لك معلوماتٌ وافِيةٌ عن هذا المَعلم، وكذلك نافذة “اسألنا عن الأقصى” التي تتيح للمتصفِّحِ إرسال سؤاله عن الأقصى ويقومُ فريقُ تحريرِ الموقعِ بالإجابة عن أسئلتِه، وقد لمسنا فائدةً كبيرةً لهذا القسم في إيضاحِ بعضِ القضايا التي كنَّا نظنُّ أنَّها واضحةٌ ولا تحتاج إلى سؤال.
أما الأقسام فهي: الأقصى في الإسلام، والأقصى في التَّاريخ، ومعالم الأقصى، والأخطار التي تهدده، وواجبنا تجاه الأقصى، بالإضافة إلى أقسامٍ مثل: حماة الأقصى التي تقدمُ نماذج عاملة للأقصى، ومكتبة الأقصى التي احتوت على مجموعةٍ من الكتبِ باللغاتِ التي يدعمها الموقع، والأقصى في سؤالٍ وجواب، وقسم للوثائقِ، وآخر للصور، وثالث للفيديو.
أطلقت المؤسَّسةُ هذه الموسوعةَ في الذكرى 51 لإحراقِ المسجدِ الأقصى في العاصمةِ الماليزيَّةِ كوالالمبور برعاية داتوء مخرز بن محاضير محمد، رئيسُ مجلسِ أمناء المؤسسةِ في ماليزيا، وبحضور شركاء المشروع من ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند، لأنَّنا نؤمنُ بأنَّ مثل هذا المشروع الكبير يحتاجُ إلى شراكاتٍ محليَّةٍ تعزز من فرصِ انتشارهِ وتعظيم الفائدة منه، فكانت لها شراكاتُ عدد من المؤسسات ونسعى لتوسيعِ قاعدةِ الشراكة مع المؤسساتِ والهيئات المهتمةِ وصولًا إلى تحقيقٍ أمثَلٍ لأهدافِ الموسوعة، ويمكن اعتبارُ هذه دعوة مفتوحة لجميعِ المؤسسات والأفراد المهتمة للتَّعاون والشراكة.
ختامًا، بفضل الله عز وجل، استطاعت الموسوعةُ خلالَ الفترةِ الماضية أن تتيحَ مجموعةً مهمةً من المواد المعرفية والمقالات، وهي مستمرة في تقديم مقالاتٍ جديدة، وأن تحافظَ على تميزِها بكونها الموقع الأول متعدد اللغات، المختصّ بالمسجدِ الأقصى معرفيًّا.