أخبار عامةتقارير

عملية الموازنة: كيف تدير الهند علاقاتها الاستـراتيجية مع الولايــات المتحـدة والصيـن وروسيا؟؟

أفشان خان -باحثة في العلاقات الدولية

عملية الموازنة: كيف تدير الهند علاقاتها الاستـراتيجية مع الولايــات المتحـدة والصيـن وروسيا؟؟

أفشان خان -باحثة في العلاقات الدولية

لطالما‭ ‬تطلّعت‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قوة‭ ‬عالمية،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬خطابها‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬فيشوا‭ ‬غورو‮»‬‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬‮«‬المعلم‭ ‬للعالم‮»‬،‭ ‬لكن،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬بالفعل،‭ ‬فكيف‭ ‬تدير‭ ‬نيودلهي‭ ‬مصالحها‭ ‬وسط‭ ‬ثلاث‭ ‬قوى‭ ‬عظمى‭ ‬متنافسة‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والصين،‭ ‬وروسيا؟

في‭ ‬عالم‭ ‬يتّجه‭ ‬نحو‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية،‭ ‬نجحت‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬موقعها‭ ‬كلاعب‭ ‬محوري،‭ ‬فعزّزت‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬وواصلت‭ ‬شراكاتها‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬موسكو،‭ ‬وأدارت‭ ‬علاقة‭ ‬معقّدة‭ ‬وأحيانًا‭ ‬متوترة‭ ‬مع‭ ‬بكين،‭ ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬لا‭ ‬يُعدّ‭ ‬جديدًا؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لتقليد‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الهندية،‭ ‬يولي‭ ‬أولوية‭ ‬للاستقلال‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والانخراط‭ ‬البراغماتي،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الاصطفافات‭ ‬الحادة‭.‬

لقد‭ ‬استخدمت‭ ‬الهند‭ ‬ببراعة‭ ‬التنافس‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬لتوسيع‭ ‬هامشها‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬نيودلهي‭ ‬قدرة‭ ‬لافتة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬التقييم‭ ‬المستمر‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬دقيقة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭.‬

ببراعة،‭ ‬استفادت‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬لتوسيع‭ ‬هامشها‭ ‬الدبلوماسي‭. ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬نيودلهي‭ ‬قدرة‭ ‬لافتة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬التقييم‭ ‬المستمر‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬دقيقة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭.‬

لفهم‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬الثلاثية‭ ‬المعقّدة،‭ ‬يُعد‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬ديفيد‭ ‬م‭. ‬مالون‭ ‬لعام‭ ‬2011‭  ‬‮«‬هل‭ ‬يرقص‭ ‬الفيل؟‮»‬‭ ‬استعارة‭ ‬بليغة،‭ ‬فالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الهندية‭ ‬تشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬حركات‭ ‬الفيل‭: ‬ليست‭ ‬سريعة‭ ‬أو‭ ‬صاخبة،‭ ‬بل‭ ‬محسوبة‭ ‬وقوية‭ ‬بصمت،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تجنّب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬الكبار،‭ ‬مع‭ ‬تعزيز‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬بثبات‭.‬

الهند‭ ‬ترفض‭ ‬الخيارات‭ ‬الثنائية،‭ ‬وتتنقّل‭ ‬بحذر‭ ‬وثقة‭ ‬بين‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا‭ ‬والمشهد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الأوسع،‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭.‬

قلة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تستطيع‭ ‬بسهولة‭ ‬إدارة‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الثلاث‭ ‬الكبرى‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الصين،‭ ‬وروسيا‭ ‬‭ ‬وكل‭ ‬منها‭ ‬عضو‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تعاملت‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬ببراغماتية‭ ‬وبصيرة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬موازنةً‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تواصل‭ ‬فيه‭ ‬سعيها‭ ‬الطويل‭ ‬الأمد‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭.‬

لقد‭ ‬دأبت‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬المطالبة‭ ‬بإصلاح‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ليعكس‭ ‬الواقع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المعاصر،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬موقعها‭ ‬الرسمي‭: ‬‮«‬تؤمن‭ ‬الهند‭ ‬بقوة‭ ‬بأنها‭ ‬تمتلك‭ ‬جميع‭ ‬المؤهلات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتكون‭ ‬عضوًا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬أمن‭ ‬دولي‭ ‬مُصلح‭ ‬وموسّع‭ ‬يعكس‭ ‬الحقائق‭ ‬العالمية‭ ‬المعاصرة‭.‬‮»‬‭ ‬وتشير‭ ‬الوزارة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معظم‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين،‭ ‬قد‭ ‬أيدت‭ ‬ترشيح‭ ‬الهند‮»‬‭.‬

ذا‭ ‬الدعم‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬يعكس‭ ‬المكانة‭ ‬العالمية‭ ‬المتزايدة‭ ‬للهند‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬موثوقة‭ ‬عبر‭ ‬كتل‭ ‬القوى‭ ‬المتنافسة‭ ‬‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بمصالحها‭ ‬الأساسية‭.‬

الانتكاسات‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الهند

‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا

بينما‭ ‬نجحت‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬عملية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬خاليًا‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬الخلاف‭ ‬الجادة،‭ ‬فاستراتيجية‭ ‬الهند‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬المفتوحة،‭ ‬لكن‭ ‬التوترات‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

العلاقات‭ ‬الهندية‭-‬الأمريكية

شهدت‭ ‬العلاقات‭ ‬الهندية‭-‬الأمريكية‭ ‬انتكاسة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬إثر‭ ‬اتهامات‭ ‬بتورّط‭ ‬نيودلهي‭ ‬في‭ ‬اغتيال‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬والناشط‭ ‬المؤيد‭ ‬لخالستان،‭ ‬جورباتوانت‭ ‬سينغ‭ ‬بانون‭. ‬وفي‭ ‬خطوة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬لافتة،‭ ‬رفض‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬دعوة‭ ‬الهند‭ ‬ليكون‭ ‬ضيف‭ ‬الشرف‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬يوم‭ ‬الجمهورية،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بتعاون‭ ‬شفاف‭ ‬في‭ ‬التحقيق‭.‬

كما‭ ‬أثارت‭ ‬الإجراءات‭ ‬الصارمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬فيها‭ ‬بترحيل‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية،‭ ‬جدلاً‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وداخل‭ ‬الجالية‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬المهجر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قلق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬حملة‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الوثيقة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬سبب‭ ‬توترًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭.‬

العلاقات‭ ‬الهندية‭ ‬الروسية

تستند‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬نيودلهي‭ ‬وموسكو‭ ‬إلى‭ ‬إرث‭ ‬استراتيجي‭ ‬يعود‭ ‬لحقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬لكنها‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعض‭ ‬التوترات‭ ‬الطفيفة‭.‬

فقد‭ ‬أثار‭ ‬تنامي‭ ‬صادرات‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬قلقًا‭ ‬روسيًا‭ ‬بشأن‭ ‬تقليص‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق،‭ ‬وتراه‭ ‬بمثابة‭ ‬تهديد‭ ‬محتمل‭ ‬لأسواقها‭ ‬التقليدية‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أُثيرت‭ ‬مخاوف‭ ‬بعد‭ ‬تقارير‭ ‬إعلامية‭ ‬تفيد‭ ‬بتضليل‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬الهنود‭ ‬‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬طلاب‭ ‬‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬أثارت‭ ‬قلقًا‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬محادثات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬الحكومتين‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬انتقادات‭ ‬روسيا‭ ‬لتحالف‭ ‬الرباعية‭ (‬Quad‭) ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬الهند،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬اليابان،‭ ‬وأستراليا‭ ‬تعكس‭ ‬عدم‭ ‬ارتياح‭ ‬روسي‭ ‬لما‭ ‬تعتبره‭ ‬توسعًا‭ ‬لنفوذ‭ ‬خصومها‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬وترى‭ ‬فيه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬احتواء‭ ‬غربية‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬تهديدًا‭ ‬للمصالح‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭. ‬

وبينما‭ ‬تدفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نحو‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذ‭ ‬التحالف‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬روسيا‭ ‬تنظر‭ ‬إليها‭ ‬بعين‭ ‬الشك،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬نقطة‭ ‬تباين‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬الهند‭.‬

العلاقات‭ ‬الهندية‭ ‬الصينية

تبقى‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬الأكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬إذ‭ ‬يشكّل‭ ‬دعم‭ ‬بكين‭ ‬المتواصل‭ ‬لباكستان،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬كشمير،‭ ‬مصدر‭ ‬توتر‭ ‬دائم،‭ ‬حيث‭ ‬تنظر‭ ‬نيودلهي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬كتهديد‭ ‬مباشر‭ ‬لسيادتها‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحضور‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جيلجيت‭-‬بلتستان‭ ‬وهي‭ ‬أرض‭ ‬تدّعي‭ ‬الهند‭ ‬سيادتها‭ ‬عليها‭ ‬بينما‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬باكستان‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭. ‬

كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الدور‭ ‬النشط‭ ‬للهند‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬الرباعية‭ (‬Quad‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واليابان‭ ‬وأستراليا‭ ‬يُنظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بكين‭ ‬كمحاولة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لاحتواء‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭. ‬

وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬المنافسة‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬والشك‭ ‬المتبادل،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سعي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬لتوسيع‭ ‬نفوذهما‭ ‬وشراكاتهما‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وقد‭ ‬اندلعت‭ ‬توترات‭ ‬عسكرية‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬خط‭ ‬السيطرة‭ ‬الفعلي‭ (‬LAC‭) ‬المتنازع‭ ‬عليه،‭ ‬وكانت‭ ‬مناوشات‭ ‬وادي‭ ‬جالوان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬المواجهات‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وبينما‭ ‬تستمر‭ ‬الدولتان‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الحدود،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬وقوع‭ ‬مواجهات‭ ‬مستقبلية‭ ‬وتُعقّد‭ ‬فرص‭ ‬الانخراط‭ ‬الدبلوماسي‭.‬

ورغم‭ ‬قوة‭ ‬التجارة‭ ‬الثنائية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬الهندي‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬بلغ‭ ‬مستوى‭ ‬قياسيًا‭ ‬عند‭ ‬99‭.‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬20242025،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬قلقًا‭ ‬داخليًا‭ ‬متزايدًا‭ ‬بشأن‭ ‬الاعتماد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الصين‭.‬

كيف‭ ‬تتعامل‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬المعارضة‭ ‬والعلاقات‭ ‬المتوترة؟

اعتماد‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الدفاع‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التجارة‭ ‬والتصنيع،‭ ‬يُبرز‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬دقيق‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬الثلاث‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهند‭ ‬كانت‭ ‬تُعرف‭ ‬تاريخيًا‭ ‬بسياسة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نهجها‭ ‬الحالي‭ ‬تطور‭ ‬ليصبح‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬تعدد‭ ‬الانحيازات‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تنخرط‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لتعظيم‭ ‬مصالحها‭ ‬الوطنية‭.‬

وكما‭ ‬قال‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬البريكس‭ ‬عام‭ ‬2016‭: ‬‮«‬نعتبر‭ ‬الهند‭ ‬قوة‭ ‬عظيمة،‭ ‬دولة‭ ‬صديقة،‭ ‬وشريكًا‭ ‬اختبره‭ ‬الزمن‮»‬،‭ ‬كذلك،‭ ‬أقر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬بنهوض‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية،‭ ‬قائلاً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭: ‬‮«‬الهند‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬نهضت‭ ‬بالفعل‮»‬‭.‬

بالمثل،‭ ‬شدّد‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬العلاقة‭ ‬الهندية‭-‬الصينية‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬علاقة‭ ‬صحية‭ ‬ومستقرة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬المصلحة‭ ‬الجوهرية‭ ‬لكلا‭ ‬البلدين‭ ‬وشعبيهما‮»‬‭.‬

تعكس‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬إدراكًا‭ ‬متزايدًا‭ ‬للدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬العالمية‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬أُدير‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ببراغماتية‭ ‬وبعد‭ ‬نظر،‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬الانحيازات‭ ‬قد‭ ‬تثمر‭ ‬فوائد‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭ ‬ولشركائها‭ ‬الدوليين‭.‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬شراكاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬تملك‭ ‬الهند‭ ‬أيضًا‭ ‬نفوذًا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬الفريدة،‭ ‬التي‭ ‬يتردد‭ ‬صداها‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬امتنعت‭ ‬الهند‭ ‬عن‭ ‬إدانة‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬علنًا،‭ ‬وفضّلت‭ ‬الحوار‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬المواجهة،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬حيث‭ ‬امتنعت‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬موازنة‭ ‬علاقاتها‭ ‬بعناية‭ ‬مع‭ ‬اللاعبين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية،‭ ‬تمكنت‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬صحية‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬المتنافسة،‭ ‬مع‭ ‬حماية‭ ‬استقلالها‭ ‬الاستراتيجي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مواقف‭ ‬الهند‭ ‬الحيادية‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭-‬الفلسطيني‭ ‬وحرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬أثارت‭ ‬بعض‭ ‬الشكوك،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬صورتها‭ ‬كدولة‭ ‬مناهضة‭ ‬للاستعمار‭ ‬والإمبريالية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى