تقارير

التحول الرقمي في ماليزيا الجهود والتحديات

طارق التلمس دكتوراه في الميتاترونيكس

تُمثِّل تكنولوجيا إنترنت الأشياء ثورةً حقيقيَّةً في العصرِ الحديث, حيثُ يتمُّ ربط الأشياءِ المحيطةِ بالإنسانِ بالإنترنت، مما يسمحُ بتجميعِ البياناتِ التي يُعاد استخدامُها وتحليلها لتعزيزِ الإنتاجيةِ وتطويرِ جودة الحياة، كما تتيحُ هذه التُّكنولوجيا الواعدة إمكانيةَ حلّ المشاكلِ التقليديةِ اليوميَّةِ عبرَ تسخيرِ تكنولوجيا الإنترنت،  تدخل الدولُ سباقًا حثيثًا لأجلِ الوصولِ إلى مراحلَ متقدمةٍ من هذه التكنولوجيا، مما يساهمُ في تحسينِ المكانةِ الاقتصاديةِ لهذه الدول. دولةُ ماليزيا ليست ببعيدةٍ عن مضمارِ سباقِ التَّحول الرقمي، كما أنها تبذلُ جهودًا متصاعدةً ومتسارعةً في طريقها نحو القِّمَّة. 

خارطة الطَّريق نحو قلبِ آسيان الرَّقمي

 وضعت ماليزيا خُطةَ طريقٍ لتصبحَ مركزًا إقليميًا في التطويرِ والاستفادةِ من تكنولوجيا إنترنت الأشياء، ومن المتوقعِ أن تساهمَ هذه التكنولوجيا الواعدة بمبلغ 42.5 مليار رينجت ماليزي (10 مليار دولار)  في الدخلِ القومي الماليزي بحلولِ العام 2025، تتكونُ خارطةُ الطريقِ الماليزيَّة من استراتيجياتٍ تستهدفُ فئاتٍ عدةً تبدأُ من المشاريع الصغيرةِ والفرديةِ وريادةِ الأعمال إلى الشركات الكبيرة، وصولًا إلى أن تصبحَ ماليزيا مركزًا إقليميًا في تطويرِ هذه التكنولوجيا. من أهمِّ ملامح الخطةِ الماليزيةِ دعم الشركات الناشئةِ والمتوسطة، واحتضانِ رُوَّاد الأعمال في مجالِ إنترنت الأشياء، وإطلاق المشاريع التجريبية مما يساهمُ في تعزيزِ الوعيِ بهذه التكنولوجيا والآثارِ الإيجابيَّة المترتبة على تَبَنِّيها، ما ورد ذكره هو على المدى القصير، أما فيما يخصُّ المدى البعيد فتسعى أن يتكون مجتمعٌ حقيقيٌ يتبنى ويستثمرُ هذا التحول على أوسعِ نطاق، وأنْ تصبحَ ماليزيا هي قلبُ آسيان الرَّقمي. ويظهرُ جليًا في ميزانيةِ العام 2020 الحكوميَّة أنَّ الحكومةَ الماليزية تعملُ بصورةٍ جديةٍ على تحفيزِ التَّحول الرَّقمي، حيث تمَّ تخصيصُ مبلغ»550 مليون رينجت ماليزي» لدعمِ أكثر من 2000 شركةٍ لأجلِ أَتْمَتَةِ عملياتِها التجارية. كما تم تقديم إعفاءاتٍ ضريبيةٍ تصلُ لمدةِ عشر سنواتٍ للشركاتِ التي تستثمرُ في اقتصاد المعرفة، ومؤخرًا ضمن الخطة الوطنية للإنعاش الاقتصادي قدَّمت الحكومةُ الماليزية مبلغ 50 رينجت على شكلِ رصيدٍ للماليزيين الذين يستخدمون المحافظ الإلكترونية حيث بلغ مجموع المبلغ المقدَّم 750 مليون رينجت ماليزي. 

مدينة المستقبل الذَّكيَّة (سايبرجايا) 

تعتبرُ مدينةُ سايبرجايا نموذجًا عمليًا حيث يتم تطوير أنظمـــةٍ مُتعـــددةٍ داخل المدينة اعتمادًا على إنترنت الأشياء، مثل أنظمةِ إدارةِ حركــــــــةِالمـــــــــــرورالذكيــــــــــة،ومراقبةِ السَّلامةِ العامةِوعمليَّات إدارةِ الطاقة. يُنظَر إلى مدينة سايبر جايا كمختبرٍ حيٍّ لتطبيقِ هذه التكنولوجيا ما يجعلُها أولَ مدينةٍ ذكيَّةٍ في ماليزيا، ونواةً للتحولِ الرَّقمي في ماليزيا، وعلى مدى 23 عامًا نجحت المدينةُ في جذبِ الشركاتِ التكنولوجيةِ لتكونَ مقرًا لها.
مؤسسةُ الاقتصاد الرقمي الماليزي  (MDEC) تعملُ حاليًا مع الجامعاتِ والكلياتِ على دعمِ المناهج الدراسيَّة في الجامعات بموضوعاتٍ ذات علاقة بإنترنت الأشياء، مما يتيحُ عددًا أكبر من المتخرجين القادرين على الانخراطِ في عمليةِ التحولِ الرقمي، وتقدم برامجَ احتضانٍ لروادِ الأعمالِ في مجال التكنولوجيا، تشمل هذه البرامج توفيرَ تمويلٍ ماليٍ و استشاراتٍ لبعضِ المشاريع المميزة. 

ثمرة التَّحوِّل الرَّقمي 

كان ثمرةُ هذا التحول الرَّقمي أَنْ تمت أتمتةُ كثيرٍ من العمليَّاتِ اليوميةِ للمواطنين والمقيمين في ماليزيا، مثل عملياتِ الدَّفعِ الإلكتروني والانتشارِ الواسعِ للمحافظِ الإلكترونيَّة, عمليات الإفصاح الضَّريبي, دَفع الزكاة, وليس أخيرًا  في ظلِّ انتشار جائحةِ كورونا  ساهمت التكنولوجيا في إطلاقِ تطبيقاتٍ عِدَّة سهَّلت من استمرارية الحياة، مثل: تطبيقات التَّوصيلِ والتَّسوق عبر الإنترنت، وتسجيل المتواجدين في أماكن التَّسوقِ لأجل تتبُّع المخالطين لحالات الإصابة, إجراء المعاملاتِ الحكوميةِ بدون الحاجة للتواجدِ في المكاتب، و استمرار العمليَّة التعليمية عبرَ برامج التعليمِ الإلكتروني، وعلي عكسِ المفهومِ السائد أنَّ التُّكنولوجيا تؤدِّي الى ارتفاع نسبِ البَطالةِ، إلا أنَّ تكنولوجيا إنترنت الأشياء يتوقع أن توفرَ عشرات الآلاف من فُرصِ العملِ لأصحاب المهارات ذات الصلةِ في المجال.

تعتبرُ ماليزيا نموذجًا متقدمًا بين الدولِ النامية فيما حقَّقته في مجال التَّحول الرَّقمي، فهي تسيرُ وفق خطةٍ استراتيجيةٍ تمثِّلُ خارطةَ طريقٍ نحو الريادةِ في مجالِ إنترنت الأشياء، هذا الإنجاز قادَ إلى تصنيفِ ماليزيا عام 2015 كدولةٍ رائدةٍ في مجالِ الاقتصادِ الرَّقمي بين الدُّول النامية، وتحتلُ المرتبةَ الرابعةَ في مُؤشِّرِ خدمات الإنترنت. 

الطريقُ نحوَ التَّحولِ الرقمي يواجهُ عديدًا من التَّحدياتِ التي تبطِئُ من عمليةِ التَّقدم، ويُجمِع الخبراء أنَّ هناك تحدياتٍ كبيرةً لازالت تواجه الشركات على طريقِ التَّحول مثل: نقص الكفاءات والمُختصِّين، قضية الخصوصيةِ وأمنِ المعلومات، التكلفة المرتفعة لأجلِ شراء الأجهزة، وتصميم التطبيقات المستخدمَةِ في عملية التحول، وتٌعتبَر التكلفةُ العالية أهم العقباتِ في طريق الشركاتِ الناشِئة. 

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى