مقالات

نحو دور صيني لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط

أ. د. محسن صالح - مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

نحو دور صيني لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط


أ. د. محسن صالح

– مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

أصبح هناك مكانة دولية مختلفة للصين عما كانت عليه عندما تبنت سياسية الصعود السلمي، أي حالة تموضع دولي جديد وامكانية دخولها كلاعب جديد أو مؤثر جديد في المنطقة، وتراجع في الاحتياجات الأساسية للصين من الاحتلال الإسرائيلي والعالم الغربي وبالتالي تراجع في القيمة الاساسية لإسرائيل.

إن هناك متغيرات يمكن أن تدفع الصين للعب دور أكبر فعالية في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، والجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي مدعو إلى تفعيل التعامل مع الصين والارتقاء بالعلاقة معها بحيث تخدم المصالح الفلسطينية.

فمنذ أن تبنّت الصين التحديثات الأربعة سنة 1978، أدارت ظهرها للثورة الثقافية، واتجهت بالتدريج نحو سياسة براغماتية تُغلِّب المصلحة على الأيديولوجيا، وتبنّت سياسات الانفتاح والتنمية الاقتصادية، مع الحفاظ على هيمنة الحزب الشيوعي على الحياة السياسية والعامة.

فالفكرة الاساسية لهذه الجدلية والمتغيرات ان الصين في 2021 غير الصين في 2003، وبالتالي فإن قراءة السياسية الصينية دون إدراك التغير الذي حدث خلال هذه السنوات غير ممكنة وخاطئة.

فالصين وفق هذا الصعود والتغيرات أصبحت ثاني اقوى اقتصاد بالكرة الارضية كما ولديها صعود عسكري هائل لم يكن كما كان في 2003، خاصة ان ميزانية القوة العسكرية لديها قد تضاعفت بشكل هائل تصل لأربع اضعاف ميزانية القوة العسكرية الروسية.

إلى جانب أيضاَ أن الصين قد تقدمت بشكل ملحوظ في الجانب العلمي والاختراعات بشكل قد تجاوز الولايات المتحدة، إذا فالحاجة للتكنلوجيا الغربية اختلفت وقلت وهو متغير مهم جدا كما أن شبكة العلاقات السياسية التي نسجتها خلال 18 سنة الماضية اختلفت بشكل جذري أيضاً.

فهذه النظرية تميل إلى عدم الانغماس في النزاعات الإقليمية، وهو ما يفسّر غيابها عن “الرباعية الدولية” المتعلقة بالشأن الفلسطيني. وتحرص على الظهور بأنها على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة، وليس لديها مشروع سياسي عالمي.

وهناك أربعة مؤشرات رئيسية حول صعود الصين السلمي في العالم. فالمؤشر الأول هو المؤشر الاقتصادي الذي حقّق قفزات هائلة قياساً بكل دول العالم، إذ نلاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي GDP للصين قفز من 1.66 تريليون دولار أمريكي في سنة 2003 إلى 14.72 تريليون دولار سنة 2020 أي بزيادة نسبتها 887%، أي ضاعف حجمه نحو تسعة أضعاف. وبعد أن كان في المرتبة السادسة عالمياً صعد إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، أما الدول التي كانت تسبقه (بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان) فأصبح الناتج الإجمالي المحلي الصيني أكبر من الناتج الكلي لهذه البلدان مجتمعة (14.18 تريليون دولار سنة 2020) بنحو 540 مليار دولار. ومن المتوقع أن يلتحق الناتج الإجمالي الصيني بمثيله الأمريكي قبيل 2030.

ومنذ 2013 أصبحت الصين الأولى في التجارة العالمية، بحجم صادرات وواردات وصل إلى نحو خمسة تريليونات دولار سنة 2020، ويتوفر للصين احتياطات نقدية بحدود 3.2 تريليون دولار. والصين هي المصدّر الأول لنحو 35 بلداً، والمستورد الأول من نحو 25 بلداً، وهي تستثمر في سندات الخزينة الأمريكية نحو تريليون و72 ملياراً حسب أواخر سنة 2020.

وللصين صناعات في كل المجالات تقريباً، وتمكنت من تحسين جودتها مع الحفاظ على أسعار منافسة جداً. كما دخلت الصين في مشاريع عملاقة كمشروع الحزام والطريق الذي يضم نحو 70 بلداً تشمل 65% من سكان العالم، ويشتمل على طرق تجارة عالمية وموانٍ وسكك حديد وغيرها.

أما المؤشر الثاني فهو الصعود العسكري الكبير، إذ يلاحَظ أن الميزانية العسكرية الصينية كانت 33.14 مليار دولار سنوياً في سنة 2003، وكانت الخامسة عالمياً، من حيث الإنفاق العسكري، وكانت تعادل نحو 7.6% من الميزانية العسكرية الأمريكية فقط، غير أنها قفزت إلى 252.3 مليار دولار سنة 2020 بزيادة 760%، وهي ميزانية تزيد على المجموع الكلي لميزانيات روسيا 61.9 مليار، وبريطانيا 59.2 مليار، وفرنسا 52.8 مليار، والهند 72.9 مليار، (مجموعها 246.5 مليار دولار) للسنة نفسها. وهي وإن كانت لا تزال بعيدة عن الولايات المتحدة (778 مليار دولار)، فإنها تعبّر عن تموضع عسكري نوعي عالمي جديد.

المؤشر الثالث التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الواسع، وهو تطور يلاحظه العالم في الأداء الصيني في جوانب كثيرة. ونشير مثلاً إلى أن عدد براءات الاختراع المسجلة في الصين (للمقيمين Residents) كان في سنة 2007 نحو 32 ألف براءة اختراع مقابل نحو 80 ألفاً في الولايات المتحدة، أما في سنة 2019، فقفزت براءات الاختراع في الصين بشكل هائل إلى 361 ألفاً مقابل 167 ألفاً في الولايات المتحدة.

وأخيراً، إن المؤشر الرابع يتعلق بشبكة العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية والاستثمارية الواسعة التي تمكنت الصين من نسجها طوال السنوات الماضية، بحيث صارت صاحبة الحضور الأقوى في آسيا وإفريقيا، وفي منظومة المصالح المتبادلة مع الكثير من البلدان. وما يعزّز هذا المؤشر عدم وجود ماضٍ عدائي استعماري للصين، مما يسهّل قبولها لدى دول وشعوب العالم، في مقابل الصورة الاستعمارية الإمبريالية لأمريكا والدول الغربية.

المحددات التي تجعل الصين تفكر في نظريتها التي تعمل على اساسها مع الشرق الأوسط:

  1. العلاقة مع الولايات المتحدة فقد كانت حذرة جدا متجنبه اي احتكاك ممكن، لكن بعد اعلان الولايات المتحدة ان الصين تحديها الاساسي ومنافس حقيقي وعدو محتمل أصبح لا يمكن تجنب هذا الاحتكاك.
  2. حاجتها لتكنلوجيا السلاح الغربي لكنها أصبحت اليوم الى حد ما مكتفية بصناعاتها.
  3. العلاقة مع الكيان الصهيوني حيث تعتبر الصين ان إسرائيل مدخل لها للولايات المتحدة وبوابة للسلاح والتأثير بالعالم الغربي لكنه تراجع الى حد ما بتراجع العلاقة مع الولايات المتحدة مع بقاء حرصها على المنظومة الاقتصادية مع العلم أن الصين والمجتمع العربي قد وصلت التعامل التجاري الى ما يقارب266 مليار دولار أي ضعف التعامل التجاري مع الكيان الصهيوني.
  4. ليس هناك أسس دينية او ثقافية او تاريخية تجعل الصين على عداء مع فلسطين وهي خالية من هذا الاعتبار ولا يوجد مواقف مسبقة ولها تفكير حر اتجاه تعاطيها مع القضية الفلسطينية.
  5. ليس لها خلفية استعمارية او عداء مع فلسطين.
  6. البيئة العربية بحد ذاتها مؤثر في العلاقات الصينية وزيادة علاقتها مع اسرائيل فكلما زاد التخلف والتراجع في المجتمع العربي يسر الامر لعلاقة الصين مع الكيان الاسرائيلي دون وجود موثر قوي ضاغط.
  7. حساسية صينية مع الحركات الإسلامية.
  8. نفس النظام الصيني بطبيعته الشيوعية الشمولية مع منظومة الحكم بشكلها ادخلتاه بحاسبات معقدة داخلية واضعفت الأيدولوجيا لبيئة المصالح التي تحكمها.
  9. تطور الأحداث الفلسطينية والتغيرات الفلسطينية والاعتراف الدولي بإسرائيل والقدس والمواقف والمتغيرات المختلفة المتعلقة بفلسطين دوليا.

د. محسن صالح

أ. د. محسن صالح - مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى