?> التهديد الإسرائيلــي للشــرق الأوســط - asia middle east forum
مقالات

التهديد الإسرائيلــي للشــرق الأوســط

د. بلال الأخرس / دكتوراه في العلوم السياسية

تجري‭ ‬محاولاتٌ‭ ‬إسرائيليةٌ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬لعزلِ‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬ضِمن‭ ‬مسارٍ‭ ‬يحاولُ‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬أنفسَهم‭ ‬كطرفٍ‭ ‬يمكن‭ ‬التعاون‭ ‬والتعايش‭ ‬معه‭. ‬جاءت‭ ‬الخطوةُ‭ ‬الإسرائيليةُ‭ ‬المتعلقةُ‭ ‬بضمِّ‭ ‬مناطقَ‭ ‬واسعةٍ‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬لتذكِّرَ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بالطبيعةِ‭ ‬التوسُّعيةِ‭ ‬والعدائيةِ‭ ‬للمشروعِ‭ ‬الصُّهيوني‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬فلسطين،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬احتلال‭ ‬مناطق‭ ‬واسعةٍ‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ووصلت‭ ‬الدباباتُ‭ ‬الإسرائيليةُ‭ ‬إلى‭ ‬العاصمةِ‭ ‬اللُّبنانية‭ ‬بيروت،‭ ‬ومازال‭ ‬الاحتلال‭ ‬قائمًا‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1967م‭.‬

في‭ ‬حقيقـــــــــــــــةِ‭ ‬الأمـــــــــــر،‭ ‬يريـــــــــدُ‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬الطرفَ‭ ‬المهيمنَ‭ ‬في‭ ‬المنطقةِ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتجانسون‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬سكانها،‭ ‬ويتمُّ‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬قوةٍ‭ ‬مؤثرةٍ‭ ‬في‭ ‬منطقةِ‭ ‬الشرقِ‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬أنَّها‭ ‬تمثلُ‭ ‬خطرًا‭ ‬مُحْتَمَلًا،‭ ‬ويجدُ‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مبررًا‭ ‬كافيًا‭ ‬للتعاملِ‭ ‬بعدوانيةٍ‭ ‬ضد‭ ‬الآخرين‭ ‬لإحداثِ‭ ‬اختلالٍ‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لصالح‭ ‬الاحتلال،‭ ‬يصبح‭ ‬الخطرُ‭ ‬داهمًا‭ ‬بالنسبةِ‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالةِ‭ ‬عندما‭ ‬تكونُ‭ ‬الدولُ‭ ‬أو‭ ‬القوى‭ ‬موجودةً‭ ‬في‭ ‬منطقةٍ‭ ‬جغرافيةٍ‭ ‬أقرب‭ ‬لفلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرَف‭ ‬بدول‭ ‬الطَّوق،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬شنَّت‭ ‬قواتُ‭ ‬الاحتلال‭ ‬عملياتٍ‭ ‬عسكريةً‭ ‬استهدفت‭ ‬كلَّ‭ ‬الدولِ‭ ‬المجاورةِ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والأردن،‭ ‬عَمِدت‭ ‬قواتُ‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬إلحاقِ‭ ‬الأذى‭ ‬بمقدراتِ‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تركيزٌ‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬واللتان‭ ‬لديهما‭ ‬ميزات‭ ‬من‭ ‬ناحيةِ‭ ‬الموقعِ‭ ‬الجغرافي‭ ‬وامتلاك‭ ‬قدراتٍ‭ ‬عسكريةٍ‭ ‬واقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬نظامَ‭ ‬الحكمِ‭ ‬كان‭ ‬يتَّسمُ‭ ‬بالاستقرار‭ ‬النِّسبي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬ومراحل‭ ‬لاحقة،‭ ‬وهنا‭ ‬تأتي‭ ‬مقولةٌ‭ ‬قديمةٌ‭ ‬لوزيرِ‭ ‬الخارجيةِ‭ ‬الأمريكيِّ‭ ‬الأسبق‭ ‬اهنري‭ ‬كسينجرب‭ ‬بأنَّه‭ ‬لا‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بدونِ‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬سلام‭ ‬بدون‭ ‬سوريا‭ . ‬

يتصرَّفُ‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬وكأنَّ‭ ‬لديهم‭ ‬سلطةً‭ ‬عُليا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تُخوِّلهم‭ ‬تحديدَ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬للدولِ‭ ‬امتلاكه‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يمكن،‭ ‬كما‭ ‬يحدثُ‭ ‬مثلًا‭ ‬في‭ ‬قضيةِ‭ ‬امتلاكِ‭ ‬الطاقة‭ ‬النّووية،‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬1981م‭ ‬ألقت‭ ‬طائراتٌ‭ ‬حربيَّةٌ‭ ‬إسرائيليَّة‭ ‬قنابلَها‭ ‬على‭ ‬مُفاعِـــــــــلِ‭ ‬اتموزب1‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وقامت‭ ‬قواتُ‭ ‬الاحتلال‭ ‬بشنِّ‭ ‬غارةٍ‭ ‬على‭ ‬مفاعلٍ‭ ‬نوويٍ‭ ‬سوريٍ‭ ‬عام‭ ‬2007‭. ‬وكذلك‭ ‬تُواصِلُ‭ ‬سلطاتُ‭ ‬الاحتلال‭ ‬تهديداتَها‭ ‬وتحركاتَها‭ ‬ضدَّ‭ ‬البرنامج‭ ‬النّووي‭ ‬الإيرانيّ،‭ ‬جاءت‭ ‬هجماتُ‭ ‬الاحتلالِ‭ ‬مع‭ ‬وجودِ‭ ‬تأكيداتٍ‭ ‬على‭ ‬الاستخدامِ‭ ‬السِّلمي‭ ‬للطاقةِ‭ ‬النّووية‭ ‬وفي‭ ‬ظلِّ‭ ‬وجودِ‭ ‬رقابةٍ‭ ‬دولية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬الاحتلالَ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يمتلكُ‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬ب‭ ‬100-400‭ ‬سلاحٍ‭ ‬نووي،‭ ‬وهنا‭ ‬يتبادرُ‭ ‬السؤالُ‭ ‬عن‭ ‬دوافعِ‭ ‬امتلاكِ‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحةِ‭ ‬التَّدميرية،‭ ‬ومن‭ ‬هي‭ ‬الجهات‭ ‬المهدَّدَةِ‭ ‬بها؟‭ ‬تفقدُ‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحةُ‭ ‬جدواها‭ ‬في‭ ‬الحالةِ‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬أي‭ ‬استخدام‭ ‬لها‭ ‬سيضرُّ‭ ‬بالإسرائيليين‭ ‬مباشرةً،‭ ‬وهكذا‭ ‬تصبح‭ ‬بقيةُ‭ ‬المنطقةِ‭ ‬تحتَ‭ ‬تهديدٍ‭ ‬وجوديٍّ‭ ‬يمثله‭ ‬بقاءُ‭ ‬الاحتـــــــلال‭ ‬الإســــــرائيلــــي‭.‬

تضعُ‭ ‬سلطاتُ‭ ‬الاحتلالِ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نفسَها‭ ‬في‭ ‬علاقةِ‭ ‬تناقضٍ‭ ‬معَ‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬المجاوِر،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أنْ‭ ‬لا‭ ‬ينخدع‭ ‬أحدٌ‭ ‬بترويجِ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الدِّعائي‭ ‬لتطبيعِ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬من‭ ‬ناحيةِ‭ ‬المصلحةِ‭ ‬المشترَكة،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬يقدِّمُه‭ ‬الاحتلالُ‭ ‬يأتي‭ ‬بالدرجةِ‭ ‬الأولى‭ ‬ليتمَّ‭ ‬استخدامه‭ ‬ضدَّ‭ ‬دولٍ‭ ‬وأطرافٍ‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يستنزفون‭ ‬الجميعَ‭ ‬بمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬البَينيَّة،‭ ‬أيضًا‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمؤهلات‭ ‬البشرية‭ ‬ما‭ ‬يُمكِّنها‭ ‬من‭ ‬صناعةِ‭ ‬قدراتِها‭ ‬الذَّاتية‭ ‬والاستغناءِ‭ ‬عن‭ ‬بعضِ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والتقنيَّات‭ ‬التي‭ ‬يبيعها‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يمكنهم‭ ‬التحكمَ‭ ‬بجوانبَ‭ ‬متعلقةٍ‭ ‬بالأمن‭ ‬القوميِّ‭ ‬للدول‭ ‬والتجسسِ‭ ‬عليها‭. ‬

يظهرُ‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيَّة‭ ‬الإسرائيليَّة‭ ‬نحو‭ ‬الدولِ‭ ‬العربيَّة‭ ‬بوضوح‭ ‬فيما‭ ‬اعترف‭ ‬به‭ ‬الرَّئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق‭ ‬اشمعون‭ ‬بيريزب‭ ‬بقوله‭: ‬الكي‭ ‬نكونَ‭ ‬قوةً‭ ‬سياسيةً‭ ‬في‭ ‬الشَّرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتسعَ‭ ‬الخلافاتُ‭ ‬بين‭ ‬العربب‭ . ‬لم‭ ‬يصنع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬معاناتَهم‭ ‬بأنفسِهم‭ ‬وإنِّما‭ ‬يواجهون‭ ‬خطرًا‭ ‬يتهددُ‭ ‬المنطقة‭ ‬جميعًا‭ ‬بدمائهم‭ ‬وتضحياتهم‭ ‬الذَّاتية،‭ ‬ويبقى‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحًا‭ ‬لشعوبِ‭ ‬وأنظمةِ‭ ‬المنطقة‭ ‬ليمنعوا‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الخسائرِ‭ ‬التي‭ ‬تنال‭ ‬منا‭ ‬جميعًا‭!. ‬

د. بلال الاخرس

دكتوراه في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى