مقالات

العلاقات الاقتصادية للهند مع الدول العربية «المجالات وآفاق المستقبل»

د. عبد الحافظ الصاوي مدير مركز المسار للدراسات الانسانية

الحديثُ‭ ‬عن‭ ‬عِلاقات‭ ‬ذأيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭ ‬ذ‭ ‬معَ‭ ‬الهند،‭ ‬لابُدّ‭ ‬أن‭ ‬يستحضر‭ ‬إمكانيَّاتها‭ ‬الهائِلة،‭ ‬وتقدمها‭ ‬على‭ ‬الساحةِ‭ ‬العالميةِ‭ ‬خِلال‭ ‬العقدَين‭ ‬الماضيين،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كُنَّا‭ ‬نتحدثُ‭ ‬عن‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬والدُّول‭ ‬العربيّة،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نستحضِرَ‭ ‬العلاقات‭ ‬المُمتدَّة،‭ ‬والتي‭ ‬تضرب‭ ‬بعمقِها‭ ‬في‭ ‬جُذور‭ ‬التّاريخ،‭ ‬ولكن‭ ‬مما‭ ‬يُؤسَف‭ ‬له،‭ ‬أنّ‭ ‬علاقات‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬وغيرها،‭ ‬تأتي‭ ‬مُتفرِّقةً،‭ ‬ولا‭ ‬يجمعها‭ ‬كيانٌ‭ ‬واحد‭ ‬يُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬مصالحِها،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬تِلكَ‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬زيادةِ‭ ‬تلك‭ ‬المَصالح‭.‬

وعلى‭ ‬صعيدِ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬للهند‭ ‬مع‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية،‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬تتَركَّز‭ ‬في‭ ‬مَجموعةٍ‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ولا‭ ‬تُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬تعاملات‭ ‬مع‭ ‬كيانٍ‭ ‬واحد‭ ‬يجمع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬سَنورِدُه‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬تَجميعٍ‭ ‬إحصائيٍ،‭ ‬ليسَ‭ ‬أكثر‭.‬

وتأتي‭ ‬أهمية‭ ‬الهند‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬مِن‭ ‬كَونِها‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أكبرِ‭ ‬10‭ ‬دُولٍ‭ ‬على‭ ‬مُستوى‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬حَيث‭ ‬قِيمة‭ ‬الناتجِ‭ ‬المَحَلِّي‭ ‬الإجْمالِي‭ ‬وِفْق‭ ‬بيانات‭ ‬البَنْك‭ ‬الدَّولي،‭ ‬حيثُ‭ ‬حقَّقَت‭ ‬الهندُ‭ ‬ناتجًا‭ ‬إجماليًا‭ ‬في‭ ‬2019‭ ‬بلغَ‭ ‬2.875‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬بَينما‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حقَّقت‭ ‬في‭ ‬نَفْس‭ ‬العام‭ ‬نحو‭ ‬2.815‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وعلى‭ ‬الرَّغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬الفَارِق‭ ‬الذي‭ ‬تَتَفوق‭ ‬به‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ضَئيلًا‭ ‬بحدود‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬ثَمَّة‭ ‬فارِقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بين‭ ‬مُكوِّن‭ ‬النَّاتِج‭ ‬الهندي،‭ ‬والناتج‭ ‬العربي،‭ ‬فالناتج‭ ‬الهندي‭ ‬يَغلب‭ ‬عليه‭ ‬التنوُّع‭ ‬والإنتاج،‭ ‬بينما‭ ‬الناتج‭ ‬العربي‭ ‬يَغلب‭ ‬عليه‭ ‬النِّفط‭ ‬والرِّيع‭.‬

ويُبَيِّن‭ ‬أحَد‭ ‬المؤشراتِ‭ ‬المُهمة،‭ ‬الفارِق‭ ‬بين‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لِكُل‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬وتَميُّز‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬بَين‭ ‬الطرفَين،‭ ‬وهو‭ ‬صادرات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدِّمة،‭ ‬فالهند‭ ‬حَقّقت‭ ‬وِفق‭ ‬هذا‭ ‬المُؤَشر‭ ‬صادِرات‭ ‬بنحو‭ ‬20.2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬بينما‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حقّقت‭ ‬وفقَ‭ ‬هذا‭ ‬المؤشِّر‭ ‬صادرات‭ ‬بنحو‭ ‬4.5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬2017‭. ‬

ويمكن‭ ‬إجمالًا‭ ‬أن‭ ‬نتناوَل‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الهندية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاوِر‭ ‬هي‭: ‬العلاقات‭ ‬التِّجارية‭ ‬السِّلْعِيَّة،‭ ‬والاستثمارات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وكذلك‭ ‬العَمالَة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

في‭ ‬ضوءِ‭ ‬المَنشُورِ‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬الخاصَّة‭ ‬بالعلاقاتِ‭ ‬التجارية‭ ‬لِلدول‭ ‬العربيَّة‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬نَجِدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬الهند‭ ‬تَسْتَحوِذُ‭ ‬على‭ ‬نِسبة‭ ‬9.7%‭ ‬من‭ ‬الصَّادِرات‭ ‬السِّلعية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬كَما‭ ‬تستحوِذُ‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬6.1%‭ ‬من‭ ‬إِجْمالي‭ ‬الواردات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬نَفْسِ‭ ‬العام،‭  ‬وكان‭ ‬إجمالِي‭ ‬التجارة‭ ‬السِّلعية‭ ‬العربيَّة‭ ‬لعام‭ ‬2018‭ ‬بِحُدود‭ ‬ا1920ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬منها‭ ‬ا1095ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تَخصُّ‭ ‬الصادِرات‭ ‬السِّلعية،‭ ‬و824.6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تخص‭ ‬الوارِدات‭ ‬السِّلعيَّة‭.‬

أَيْ‭ ‬أنَّ‭ ‬قيمةَ‭ ‬التبادُلِ‭ ‬التجاريّ‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬بحدود‭ ‬ا156‭.‬5ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬وتُسفِر‭ ‬التعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬السلعية‭ ‬بين‭ ‬الطرفَين‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬فَائِضٍ‭ ‬بنحو‭ ‬ا55‭.‬9ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لِصالِح‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬لِكَون‭ ‬الهند‭ ‬مُستورِدٍ‭ ‬للنفط‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬عِماد‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬

ومما‭ ‬يُدَلِلُ‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬علاقة‭ ‬الهند‭ ‬الاقتصاديّة‭ ‬معَ‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬تُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬مَع‭ ‬عُموم‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تعكِسُه‭ ‬حصة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬السِّلعية‭ ‬مع‭ ‬الهند،‭ ‬حيث‭ ‬بَلغت‭ ‬التجارة‭ ‬السلعية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬نحو‭ ‬ا108‭.‬2ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُمثِّل‭ ‬نِسبةً‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬العربية‭ ‬للهند‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

وتُسفِر‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬السلعية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬عن‭ ‬فَائضٍ‭ ‬تجاريٍ‭ ‬لِصالح‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بنحو‭ ‬ا37‭.‬8ب‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتأتي‭ ‬الصادِرات‭ ‬السِّلعية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬للهند‭ ‬مُتَمثِّلةً‭ ‬في‭ ‬الوقود‭ ‬والزيوت‭  ‬المعدنيّة‭ ‬بنسبة‭ ‬72.8%،‭ ‬بينما‭ ‬الوارِدات‭ ‬السلعية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬تَتَمثَّلُ‭ ‬في‭ ‬الذهب‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬وتُسيطِر‭ ‬دولتان‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬التّجارة‭ ‬الخارجيّة‭ ‬السلعية‭ ‬مع‭ ‬الهند،‭ ‬وهما‭ ‬الإمارات‭ ‬بنسبة‭ ‬44.7%،‭ ‬والسُّعودية‭ ‬بنسبة‭ ‬36%،‭ ‬أي‭ ‬أنَّ‭ ‬الإمارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬يُمثِّلان‭ ‬عَصَب‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬السلعية‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬الصَّعيد‭ ‬الخليجي‭ ‬والعربي‭. ‬

وحَسْبَ‭ ‬وزارة‭ ‬الشُّؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬الهندية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الهند‭ ‬تعتمدُ‭ ‬بِشكلٍ‭ ‬رئيس‭ ‬على‭ ‬سِلعٍ‭ ‬مهمةٍ‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭ ‬أنها‭ ‬تستورد‭ ‬53%‭ ‬من‭ ‬احتياجاتِها‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وكذلِك‭ ‬نسبة‭ ‬41%‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطَّبيعي،‭ ‬كما‭ ‬تَستورِد‭ ‬نحو‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬احتياجاتِها‭ ‬من‭ ‬الأسِمدة‭ ‬مِنَ‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وحسب‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المستقبلية‭ ‬للهند،‭ ‬فإنها‭ ‬تَستَهدِفُ‭ ‬أنْ‭ ‬يصلَ‭ ‬ناتِجُها‭ ‬المحلِّي‭ ‬الإجمالي‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وأنها‭ ‬تُركِّز‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جيِّد‭ ‬على‭ ‬الاستفادةِ‭ ‬من‭ ‬مَواردَ‭ ‬الصناديقِ‭ ‬السياديةِ‭ ‬الخليجيةِ‭ ‬لتَمويلِ‭ ‬استراتيجيَّتِها‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدَف‭.‬

الاستِثمَارات‭ ‬العَرَبيَّة‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬

لا‭ ‬تُعَدّ‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المُصدِّرة‭ ‬للاستثمارات،‭ ‬ولكنَّها‭ ‬مِن‭ ‬الدول‭ ‬السَّاعِية‭ ‬لِجَذبِ‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبيَّة‭ ‬المباشرة‭ ‬وغَير‭ ‬المباشرة،‭  ‬وحَسب‭ ‬بيانات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬قُدِّرت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬للهند‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬مِن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كافَّةً‭  ‬بنحو‭ ‬50.6‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ويُعَدُّ‭ ‬الاستثناء‭ ‬في‭ ‬مَجال‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يتعلَّقُ‭ ‬باستثمارات‭ ‬الهنود‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العقارات‭ ‬في‭ ‬دولةِ‭ ‬الإمارات،‭ ‬حيث‭ ‬تذهبُ‭ ‬بعضُ‭ ‬التقديرات،‭ ‬بأنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بلَغَت‭ ‬تَراكُميًّا‭ ‬نحو‭ ‬55‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتُشِير‭ ‬الأرقامُ‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬استثماراتٍ‭ ‬هنديةٍ‭ ‬في‭ ‬مصرَ‭ ‬بنحو‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬بنحو‭ ‬5.6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

أمَّا‭ ‬عن‭ ‬الاستثماراتِ‭ ‬العربيةِ‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬فثَمَّة‭ ‬أرقام‭ ‬تَتَعلَّقُ‭ ‬بكلِّ‭ ‬دّولةٍ‭ ‬على‭ ‬حِدَة،‭ ‬ولا‭ ‬يَتَوفَّر‭ ‬رقمٌ‭ ‬إجماليّ‭ ‬للاستثماراتِ‭ ‬العربيةِ‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬وَجهِ‭ ‬الدِّقة،‭ ‬فَفِي‭ ‬الوقتِ‭ ‬الذي‭ ‬تُعلِنُ‭ ‬فيه‭ ‬الإمارات‭ ‬عن‭ ‬أنَّ‭ ‬استثماراتِها‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬بحدود‭ ‬13‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬منها‭ ‬6.7‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬استثمارات‭ ‬مباشرة‭ ‬والباقِي‭ ‬استثمارات‭ ‬غيرَ‭ ‬مباشرة،‭ ‬نجدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬السُّعودية‭ ‬تُعلِنُ‭ ‬أنَّها‭ ‬سوفَ‭ ‬تَدرسُ‭ ‬ضَخَّ‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬كاستثماراتٍ‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬مَجالات‭ ‬البتروكيماويات‭ ‬والبنيةِ‭ ‬الأساسية،‭ ‬بَينما‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬تُقدَّر‭ ‬بنحوِ‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬ولِقَطَر‭ ‬استثمارات‭ ‬تزيدُ‭ ‬عن‭ ‬المليار‭ ‬دولار،‭ ‬وإنْ‭ ‬كانَ‭ ‬قد‭ ‬أُعلِن‭ ‬عن‭ ‬أنَّ‭ ‬قطر‭ ‬تدرسُ‭ ‬ضخَّ‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬بنحوِ‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭.‬

العَمالَةُ‭ ‬الهنديَّة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربيَّة

تَتَميَّزُ‭ ‬منطقةُ‭ ‬الخليجِ‭ ‬العربيّ،‭ ‬بأنها‭ ‬واحِدةٌ‭ ‬من‭ ‬أكبرِ‭ ‬مناطق‭ ‬جَذب‭ ‬العَمالةِ‭ ‬الأجنبيَّة،‭ ‬خاصَّةً‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬مدارِ‭ ‬العُقودِ‭ ‬الماضيةِ‭  ‬بَعد‭ ‬ظهورِ‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬والشُّروع‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬البنيةِ‭ ‬التَّحتيَّة،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬دولٌ‭ ‬أُخرى‭ ‬بِخلاف‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تضُمُّ‭ ‬عددًا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بهِ‭ ‬من‭ ‬العَمالةِ‭ ‬الهندية‭ ‬مِثْل‭ ‬العراق،‭ ‬الذي‭ ‬مَثَّل‭ ‬رافِدًا‭ ‬مُهمًا‭ ‬لاستقبالِ‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬ذلكَ‭ ‬كان‭ ‬قبلَ‭ ‬احتلالِ‭ ‬العراق،‭ ‬والدُّخولِ‭ ‬في‭ ‬مشكلاتِ‭ ‬العراق‭ ‬السياسيَّةِ‭ ‬والأمنية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1990‭.‬

وعلى‭ ‬الرَّغم‭ ‬من‭ ‬مشكلاتِ‭ ‬عدمِ‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسيّ‭ ‬والأمنيّ‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لا‭ ‬تزالُ‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬تُمثِّل‭ ‬غالبيةَ‭ ‬العمالةِ‭ ‬الوافدة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والتي‭ ‬تُقدَّر‭ ‬بنحو‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬عامل،‭ ‬معظمهم‭ ‬دخلوا‭ ‬العِراق‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬حدوثَ‭ ‬استقرارٍ‭ ‬سياسيٍ‭ ‬وأمنيٍ‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬سيكونُ‭ ‬مدخلًا‭ ‬لِتدَفُّق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬خاصةً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هُناك‭ ‬عمليَّةٌ‭ ‬جادَّةٌ‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭.‬

ومُنذ‭ ‬فترةٍ‭ ‬توجَد‭ ‬بعض‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬مِصر،‭ ‬وحَسْب‭ ‬الأرقامِ‭ ‬الرَّسمية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بلغ‭ ‬14.6‭ ‬ألف‭ ‬عامل‭ ‬في‭ ‬2017،‭ ‬وتُمثِّل‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬منهم‭ ‬نحو‭ ‬11%،‭ ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬أنْ‭ ‬يؤخذَ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬تعكِسُ‭ ‬من‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬تصاريحَ‭ ‬عملٍ‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الرسميَّة،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬الواقع‭ ‬يعكس‭ ‬أعدادًا‭ ‬أكبرَ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬وخاصةً‭ ‬بعد‭ ‬سماحِ‭ ‬مِصر‭ ‬بإنشاءِ‭ ‬المناطق‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخاصَّة،‭ ‬وكذلك‭ ‬المناطق‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬أُنشِئَت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتِّفاق‭ ‬االكويزب‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬ضَمَّت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسساتُ‭ ‬عمالًا‭ ‬هنودًا‭ ‬بأعدادٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬للاستفادةِ‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬أجورِهم‭.‬

وتُعَدُّ‭ ‬منطقة‭ ‬الخليجِ‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬احتواءً‭ ‬للعمالةِ‭ ‬الهندية،‭ ‬إذْ‭ ‬تُقدَّر‭ ‬أعداد‭ ‬الهنود‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬بنحو‭ ‬8.5‭ ‬مليون‭ ‬فرد،‭ ‬وذلك‭ ‬وِفق‭ ‬المصادر‭ ‬الهندية،‭ ‬التي‭ ‬تُفيد‭ ‬بأنّ‭ ‬الإمارات‭ ‬أكبرُ‭ ‬الدول‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬المستقبلةِ‭ ‬للعمالةِ‭ ‬الهندية،‭ ‬بنحو‭ ‬3.1‭ ‬مليون‭ ‬عامِل،‭ ‬ثم‭ ‬السُّعودية‭ ‬2.8‭ ‬مليون‭ ‬عامل،‭ ‬وتأتي‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثَّالثة‭ ‬بنحو‭ ‬928‭ ‬ألف‭ ‬فرد،‭ ‬ثم‭ ‬قطر‭ ‬691‭ ‬ألف‭ ‬فرد،‭ ‬ثم‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬بنحو‭ ‬688‭ ‬ألف‭ ‬فرد،‭ ‬والبحرين‭ ‬في‭ ‬أَسْفل‭ ‬القائمة،‭ ‬حيث‭ ‬تستقبل‭ ‬نحو‭ ‬312‭ ‬ألف‭ ‬فردٍ‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬ِالهندية‭.‬

ويلاحَظ‭ ‬هُنا‭ ‬أن‭ ‬الاستفادةَ‭ ‬مُتبادَلةٌ‭ ‬بين‭ ‬منطقةِ‭ ‬الخليج‭ ‬والهند،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتدفُّقِ‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬لدولِ‭  ‬الخليج،‭ ‬على‭ ‬مدارِ‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬حيث‭ ‬استفادت‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬فُرص‭ ‬العمل‭ ‬وكذلك‭ ‬الحصولِ‭ ‬على‭ ‬الأُجور،‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬مورِدًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للدولة‭ ‬الهندية،‭ ‬حيث‭ ‬قُدِّرت‭ ‬تحويلات‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬بنحو‭ ‬48‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وأيضًا‭ ‬استفادت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬المُتعدِّدة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية،‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬العمالة‭ ‬بمستوياتِها‭ ‬المختلفة،‭ ‬سواء‭ ‬غير‭ ‬الماهرة،‭ ‬أو‭ ‬العمالة‭ ‬في‭ ‬مجالِ‭ ‬الخدماتِ‭ ‬المنزليةِ‭ ‬وغيرها،‭ ‬أو‭ ‬الأطباء‭ ‬والتَّمريض،‭ ‬والخدماتِ‭ ‬الهندسية‭.‬

آفاق‭ ‬المستقبَل

في‭ ‬ضوءِ‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصاديَّة،‭ ‬تُعَدُّ‭ ‬المؤثِّرات‭ ‬الخَارجيَّة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستَحكمُ‭ ‬مدى‭ ‬تطورِ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬بين‭ ‬الطرفَين،‭ ‬حيث‭ ‬تُعاني‭ ‬العمالةُ‭ ‬الهنديَّة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ -‬بعدما‭ ‬اندلعت‭ ‬أزمةُ‭ ‬انهيارِ‭ ‬أسعارِ‭ ‬النِّفط‭- ‬من‭ ‬مشكلاتٍ‭ ‬تتعلقُ‭ ‬بإنهاء‭ ‬عقود‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬تَراجُع‭ ‬المزايا‭ ‬الأخرى‭ ‬المتعلِّقةِ‭ ‬بعقودِ‭ ‬العمل،‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمات‭ ‬الماليَّة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬وزاد‭ ‬الأمرُ‭ ‬حِدَّة،‭ ‬بعد‭ ‬جائِحَة‭ ‬كورونا،‭ ‬وتَبَنِّي‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ما‭ ‬يُعرَف‭ ‬ابتوطين‭ ‬الوظائفب،‭ ‬ووجود‭ ‬بعضِ‭ ‬التطوُّراتِ‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬حيث‭ ‬سُمِح‭ ‬للمرأةِ‭ ‬بالعملِ‭ ‬في‭ ‬مجالاتٍ‭ ‬مُختلِفة،‭ ‬وسُمِح‭ ‬لها‭ ‬بقيادَة‭ ‬السيارات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يَعني‭ ‬فُقدان‭ ‬العمالةِ‭ ‬الهندية‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تتمتَّعُ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬السُّوق‭ ‬السُّعوديّ‭. ‬

كما‭ ‬ستؤثرُ‭ ‬العوامِلُ‭ ‬السَّلبية‭ ‬لجائِحة‭ ‬كورونا‭ ‬على‭ ‬وارِدات‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬النِّفطِ‭ ‬والغاز،‭ ‬الذي‭ ‬يُعَدُ‭ ‬عِماد‭ ‬التجارةِ‭ ‬السِّلعية‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أنَّ‭ ‬طُموحَ‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬استراتيجيَّتِها‭ ‬بتحقيق‭ ‬ناتجٍ‭ ‬مَحليٍّ‭ ‬بنحو‭ ‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬خلالَ‭ ‬الفترةِ‭ ‬المُقبِلَة،‭ ‬واعتمادِها‭ ‬على‭ ‬مواردَ‭ ‬الصناديق‭ ‬السيادية‭ ‬الخليجية،‭ ‬سيكون‭ ‬أحَدَ‭ ‬الأمور‭ ‬غيرِ‭ ‬القابلةِ‭ ‬للتحقيق‭.‬

عبد الحافظ الصاوي

باحث وكاتب متخصص في الشؤون الاسيوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى