اختتم منتدى آسيا والشرق الأوسط وقائع الجلسة الثانية “جلسة فلسطين” للمؤتمر الدولي الأول تحت عنوان “الصين والقضية الفلسطينية في ضوء استراتيجيتها في الشرق الأوسط”، يوم السبت الموافق 6نوفمبر في مدينة غزة، وهذه الجلسة هي استكمالاً لجلسات المؤتمر في إسطنبول، والذي عُقد بحضور ومشاركة شخصيات دولية وفلسطينية موازنة على المستوى السياسي والأكاديمي، وذلك بالتعاون بين منتدى آسيا والشرق الأوسط في إسطنبول، والذي تأسس في عام 2016، والجهة الشريكة مجلس العلاقات الدولية في فلسطين والذي تأسس عام 2013.
وجاء هذا المؤتمر إحياءً للدور التاريخي للصين في دعم القضية الفلسطينية، وتقوية روابط العلاقات وفق الدلالات التاريخية من أجل الوصول إلى شراكةٍ فاعلة تخدم كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وتقوية جسور الشراكة والتعاون من أجل خلق مستقبل مشرق للعلاقات الصينية- الشرق أوسطية. والتركيز على فلسطين كقضية إنسانية وكحق عادل يتعلق بها مستقبل استقرار المنطقة بأكملها. ويأتي هذا المؤتمر للتأكيد على دور القوى الكبرى كالصين، في خلق توازنات فاعلة على المستوى الدولي؛ للوقوف بجانب الحقوق الفلسطينية والتصدي لواقع الهيمنة الأمريكية وانحيازها التام للمصلحة الإسرائيلية.
افتتح د. باسم نعيم، رئيس مجلس العلاقات الدولية ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس، الكلمة الأولى في الجلسة مؤكداً على أن القضية الفلسطينية هي قضية دولية بامتياز، وأن الذي خلق المشكلة الفلسطينية هو المجتمع الدولي. حيث أنه لم تستطع الحركة الصهيونية تحقيق طموحاتها وتطلعاتها لولا دعم المجتمع الدولي اللامحدود، والذي بدأ قبل أن يحث الانتداب البريطاني لفلسطين في عام 1917. ثم استٌكملت حلقات هذه المؤامرة الدولية على الشعب الفلسطيني في حقوقه بالحرية والاستقلال، فلولا المجتمع الدولي والأمم المتحدة لما كان هناك وجود لهذا الكيان. وحاول المجتمع الدولي أن يٌخفف من وقع تداعيات إنشاء هذا الكيان بأن أصدر قراراً بالاعتراف بالكيان كدولة على أرض فلسطين ولكن ربطه بشرطين: الشرط الأول هو إقامة دولة فلسطين، والشرط الثاني حق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي هُجروا منها.
وأضاف د.نعيم أنه: “على المجتمع الدولي يتبنى حل الدولتين، إلى أنه على مدار 70 عاماً من الصراع ضد هذا الاحتلال فشل المجتمع الدولي في حماية الشرعية التي يتبناها أو القرارات التي أصدرها.” ولذلك فإنه “بدون أن يكون هناك عنصر دولي موازن لهذه الهيمنة الغربية الأمريكية بالذات، والبريطانية من قبلها، على القرار الدولي وعلى الشعب الفلسطيني، سيكون من الصعب على الفلسطينيين إنجاز الحلم الكبير بالحرية والاستقلال.” وأكد على أنه من حق الفلسطينيين أن يبحثوا عن نافذة لإعادة توازن قرارات المجتمع الدولي لصالح الشعب الفلسطيني.
وفيما يخص الصين، أفاد د. باسم نعيم أن هناك الكثير من العناصر الصينية تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الصين لم تكن في يوم من الأيام دولة استعمارية- بمعنى أنها لم تستعمر شعوب أخرى. فالصين في كل المواقع التي عملت فيها سواء في داخل الشرق الأوسط أو في خارج الشرق الأوسط، لم تشن حروب. فالمشروع الاستراتيجي الكبير “مشروع الحزام والطريق” التي تستثمر فيه الصين قائم على فكرة واحد “كيف يمكن أن يتعاون الناس والبشر في تنمية بعضهم البعض.” وهذه فكرة مختلفة تماماً عن قوى سيطرت على الكرة الأرضية لمدة قرن أو أكثر، وكان هدفها الأساسي الوحيد هو كيفية السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتهم وإضعافهم وتفكيكهم. ولذلك “يجب عليا أن نضع أيدينا بأيدي دولة الصين العظيمة لتقف أمام هذا الخلل في التوازن وهذه الهيمنة الأمريكية على المنطقة وتعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي وتساعد شعبنا الفلسطيني على الحرية والاستقلال.”
من جانبه، قال د. محمد مكرم البلعاوي رئيس المؤتمر ورئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط، أنه مازالت منطقتنا العربية والإسلامية تعاني من آثار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الذي “احتل بلادنا وقسمها ونهب خيراتها وحولها إلى بُكرة معاناة وفقر ودهم ومرض وتخلف حضاري.” ولقد شهدنا قبل أشهرٍ قليلة اندحار الاحتلال الأمريكي عن أفغانستان، ونرجو أن يكون ذلك علامة على قرب تحرر الشعب الفلسطيني وحصوله على حقوقه كاملة.
وأضاف د. البلعاوي: “لقد مثلت الصين مصدر إلهامٍ للعديد من الشعوب حول العالم. فبعد أن كانت الصين تعاني من احتلال أجنبي وتسلط المستعمر الغربي، استطاعت أن تنال حريتها وأن تبني دولة عصريةً متطورة. وأن تُخرج نصف مليار إنسانٍ من تحت خط الفقر. وكانت سبباً أساسياً لنهضة منطقتها، وهي اليوم الشريك الاقتصادي الأول لغالبية دول آسيا؛ بل لغالبية دول العالم بأسره. وفي نفس الوقت، لم تفرض هيمنتها على الآخرين. ولم تتسلط عليهم بالقوات العسكرية؛ بل كانت سياستها تعتمد على مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام الخصوصيات الوطنية واعتماد مبدأ الحوارات لحل النزاعات، مما أكسبها ثقة شركائها.”
وأكد د. محمد البلعاوي أن هناك روبط ثقافية واستراتيجية وجغرافية وتاريخية لا تحصى تجمع الصين وفلسطين، ولقد ارتبط مصير الشعب الفلسطيني ارتباطاً وجودياً على مدى التاريخ. وطالما دعمت الصين الشعب الفلسطيني، بات ارتباطهم من الضروريات خصوصاُ وأننا نشهد اليوم محاولةً أمريكيةً غربيةً لشيطنة النهضة الصينية، ومحاولاتٍ مستمرةٍ لعرقلة وجودها المستحق. و “لا يمكن للعالم أن يستقر دون استقرار قارة آسيا وخصوصاُ منطقة غرب آسيا وفي القلب منها فلسطين، وأي تجاهل لهذه الحقيقة سيؤدي إلى كثيرٍ من المعاناة وإضاعة الثروات وإزهاق الأرواح. ولا يمكن لأي مشاريع اقتصادية أو تنموية أن تنجح طالما استمر العدوان على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية.”
ورحب د. البلعاوي بالاهتمام الصيني المتزايد بالقضية الفلسطينية الذي من الممكن أن يكون بوابةً لحرية الشعب الفلسطيني وحصوله على حريته كاملةً غير منقوصة بعيداُ عن الانحياز الأمريكي الأعمى إلى الإسرائيلي وشرعنة عدوانه.
رئيس قسم اللغة العربية ومدير المركز الثقافي بجامعة صون يات سان، Dr. Seid Ma Yanzh وقال
في كلمته بعنوان “الصين والقضية الفلسطينية: أخلاقية الدوافع وإنسانية الأهداف” أنه لطالما كانت الصين وعبر تاريخها الطويل دولةً محبةً للسلام والتعايش والتعاون بين الأمم، ويشهد على ذلك تاريخها العريق الخالي من أي سلوكٍ استعماريٍ لهذا البلد. ولأن السلوك السياسي هو انعكاس من فكر سياسي معين، فقد كانت السياسة الخارجية للصين سياسةً عادلةً ومبدئية تنطلق من أسسٍ وثوابتٍ معينة لم تتغير عبر العصور. وانطلاقاً من هذه القاعدة، فقد وقفت الصين منذ البداية مع القضية الفلسطينية ودعمت الشعب الفلسطيني المظلوم والذي تعرض لكل أشكال القهر والتهجير والسلب لحقوقه؛ لأنها أدركت أن القضية الفلسطينية لم تكن في يومٍ من الأيام صراعاً دينياً بقدر ما كانت قضية حقوقٍ لشعبٍ طُرد من وطنه على يدِ قوةٍ من نظامٍ دولي جائر. وبهذا “تسعى الصين بكل ما أوتيت من قوة على عمل وترجيع كفة العدل والإنصاف، بدلاً من الظلم والقهر وغطرسة القوة.”
وانطلاقاُ من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تسعى بكين بأن يكون لها دوراً في منطقة الشرق الأوسط قائماً على التعاون وتبادل المصالح وتشجيع الأطراف على إيجاد حلٍ للقضية الفلسطينية ترضى به شعوب المنطقة ويحقق الأمن والسلام. وأضاف د. سعيد أن “التوجه الصيني نحو منطقة الشرق الأوسط نابع من المصالح الصينية مع دول المنطقة، وليس نابعاً فقط من الرغبة في تعطيل الدور الأمريكي وتحجيمه في هذه المنطقة.”
وبدوره، قال د. غسان محمود وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية ومؤرخ فلسطيني، “إن الصين تؤمن بأن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة ويجب دعم هذه القضية؛ بل من المبادئ التي قامت عليها الصين الشعبية هو نصرة الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال.” وكانت الصن داعمة للقضية الفلسطينية وقضايا الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال.
وفي نهاية الجلسة الأولى في “جلسة فلسطين” للمؤتمر، دعا د. غسان وشاح الصين بمضاعفة جهدها بدورها في التأثير بالقضية الفلسطينية، قائلاً: “مؤخراً، المُلاحظ أن الصين دورها في التأثير في القضية الفلسطينية لا يتناسب الآن مع قوة الصين. فالصين هي دولة صاحبة عضو دائم في مجلس الأمن ولها حق الفيتو، ولهذا فإن الصين تحتاج إلى مضاعفة هذا الدور أكثر تأثيراً.” وأكد على أنه لكي تصبح الصين القوة الأكبر في العالم في جميع المجالات، يجب أن يظهر لها بصمات دائمة في حل القضايا العادلة كما كانت سابقاً.