شمشوم السياسة الإسرائيلية وهادم معبد الصهيونية

محتويات المقالة

طارق المصري

“لا نؤمن بوسيلة سوى القوة والعنف والإرهاب الدموي بأبشع أشكاله من أجل تحقيق أهدافنا وأفكارنا ومعتقداتنا في أرض إسرائيل الكاملة أو في الدولة اليهودية أو في إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة”

ناتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس”

شمشوم المشروع الصهيوني بن يامين نتنياهو الذي يقدم نفسه للناخبين في إسرائيل بوصفه نجما سياسيا وقائدا ذا كاريزما يمتلك عبقرية سياسية، ودائما ما يضع نفسه بمرتبة جيل المؤسسين الأوائل لدولة الاحتلال، والذي يحب تشبيه نفس برئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، ورغم أنه أول رئيس وزراء لإسرائيل ولد فيها، إلا أنه أيضا الأصغر عمرا عندما شغل هذا المنصب، بمسيرة هي الأطول لرؤساء الوزراء والتي فاقت سنوات المؤسس “ديفيد بن غوريون” ذاته، ورغم اعتقاده بأنه منقذ إسرائيل بوصفه زعيما يهوديا يقود دولة يهودية نحو الخلاص، إلا أن البعض يراه زعيما يقود دولته نحو الخراب، من خلال هدم معبد الصهيونية عليه وعلى خصومه الداخليين، بحجة حروبه مع الفلسطينيين وبلدان الشر التي تعاديهم، وما ذلك إلا لأهواء وأطماع شخصية، كانت هي سببا لدمار شخصيات تاريخية دمرتهم وأفنت دولهم.

تطور شخصية شمشوم السياسية

في مدينة يافا ولد بن يامين نتنياهو عام 1949م، لأب من أصل بولندي وأم أميركية يهودية، وهو نجل المؤرخ بنسيون نتنياهو، الأكاديمي اليهودي بدرجة بروفسور، عام 1963م انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة الأميركية إثر تلقي الأب عرض عمل في منصب أكاديمي، وعاد بنيامين إلى إسرائيل لقضاء الخدمة الإلزامية في الجيش عام 1967م بعد أن أصبح عمره 18 عاما، وخدم لمدة 5 سنوات في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة “سايرت ماتكال، وأصبح ضابط برتبة نقيب، شارك في الهجوم على مطار بيروت الدولي عام 1968م، وعمليات عسكرية كثيرة، واثناء دراسته في الولايات المتحدة الأميركية طلب نتنياهو إجازة لمدة شهرين، سافر إلى إسرائيل واشترك بالقتال في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973م، وأنهى دراسته الجامعية في الفترة ما بين 1972م-1976م، إذ حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج، كما حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة هارفارد، تزوج 3 مرات كانت آخرها في العام 1991م من مضيفة الطيران سارة بن أرتسي ، وله منها ولدان، هما يائير وأفنير، ولديه ابنة من زواجه السابق، ويتقن نتنياهو اللغة الإنجليزية، وهو ما جعله مدافعا عن إسرائيل على القنوات الأميركية بشكل دائم في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، بدأ حياته السياسية 1982م مساعدا لسفير إسرائيل لدى واشنطن ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، بعدها مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، ثم عضوا في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، ثم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، بعدها نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، ثم رئيس حزب الليكود، وفي عام 1993م أصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية بعد فوزه على منافسه شمعون بيريز في الانتخابات التي أجريت مبكرا بعد اغتيال إسحاق رابين، ليكون أول رئيس وزراء إسرائيلي ولد في إسرائيل، ثم وزير للخارجية الإسرائيلية عام 2002 م، ثم وزير المالية الإسرائيلي عام 2003 م، ثم رئيس الحكومة الإسرائيلية لثلاث دورات منذ عام 2009م، بعدها جلس سنتين على مقاعد المعارضة، وحاليا رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2022 م.

 نتنياهو يلقب ب “الملك بيبي”، ويتميز بمهارته في توصيل أفكاره، ودهائه السياسي، وقدرته على الإقناع وعقد التحالفات ثم إنهائها، وهو ما يبرر نجاحه واستلامه لمنصب رئاسة الوزراء خمس مرات، كما عرف بتأييد العنيف لإقامة المستوطنات، وبتشدده تجاه الفلسطينيين.

أسباب هروب نتنياهو نحو الخراب

حقيقة لم ينقص نتنياهو المهارة والصفات التي تجعله رئيسا للوزراء استثنائي، ولكن الخطورة تكمن في أن يكون لشخصية السياسية الأولى في إسرائيل صرعات على مصالح شخصية بعيدة عن مصالح الدولة نفسها، وبعيدة عن مصالح حلفاء دولة إسرائيل، وإذا كانت المصالحة ما تحكم علاقات الدول، فإن للشخصيات البشرية نفس النهج وأحيانا نفس الأسلوب وهذا واضح في شخصية نتنياهو، الا أن هناك أسبابا في فكر وسياسة نتنياهو دفعته بالتوجه نحو حتمية الخراب التي يغامر بها بمستقبله ومستقبل دولته.

السبب الأول محاكم وقضايا نتنياهو، يواجه نتنياهو اتهامات بتلقي رشاو والاحتيال وخيانة الثقة منذ مطلع عام 2020م، ونتنياهو ينفي الاتهامات الموجهة إليه، كما لا يلزمه القانون الإسرائيلي بالاستقالة من منصبه، إلا في حال إدانته من قبل المحكمة العليا، وهي عملية قد تستمر لمدة طويلة، يسعى نتنياهو خلالها إلى تأجيل محاكمته بداعي الانشغال بالحرب في قطاع غزة، عقب استئناف محاكمة نتنياهو بعد توقف دام شهرين، وتقف الشهود قبالته ومن بينهم وزير العدل ياريف ليفين، وعضو الكنيست زئيف إلكين، والمستشارة القانونية لمكتب رئيس الوزراء شلوميت بارنياع، مع ثلاث قضايا، هي الملف 1000 الذي اتهم فيه رئيس الوزراء بالاحتيال وخيانة الأمانة جراء تلقيه هدايا فاخرة من أثرياء بقيمة تتجاوز قيمتها 208 آلاف دولار من أرنون ميلتشين المنتج الإسرائيلي في هوليود، وأكثر من 112 ألف دولار رجل الأعمال الأسترالي جيمس باكر، مقابل خدمات مالية أو شخصية وإعفاءات ضريبية، والقضية 2000 التي تتعلق بمحادثات سرية تسربت إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، جرت بين نتنياهو وأرنون نوني موزيس، صاحب صحيفة” يديعوت أحرونوت “، حيث بحثا تقييد انتشار صحيفة” هايوم “التي يملكها الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون والمنافسة لصحيفة يديعوت أحرونوت، من خلال تشريعات وطرق أخرى، والمقابل أن يتم تخفيف لهجة يديعوت أحرونت ضد نتنياهو، هذه القضية أيضا ينكرها نتنياهو بقوله، إن تلك المحادثات لم تكن جادة بل كانت محاولة لكشف النوايا، وأن الاتهامات الموجهة لا أساس لها من الصحة، كما ويتهم نتنياهو في القضية 4000، وهي منح مزايا تنظيمية لشركة بيزك للاتصالات مقابل تغطية إيجابية عنه وعن زوجته سارة على موقع إخباري يديره الرئيس السابق للشركة، كل هذه القضايا تجعل نتنياهو لا يفكر إطلاقا في التنازل عن كرسيه المتوج بالحصانة التي تحميه من أي حكم ما دام في السلطة، أو كسب الوقت حتى يستطيع الالتفاف حول القضايا واو تميعها مع مرور الوقت.

السبب الثاني فكر نتنياهو الإقصائي، هو رفض نتنياهو قبول الفلسطينيين في أي مشروع تعايشي وتحت أي مظلة سياسية أو مبادرة، بجانب إصراره طوال السنوات الماضية على تصوير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صراعا بين الحضارتين الإسلامية والغربية، فقد كان نتنياهو من أوائل من تبنوا مقولة “صراع الحضارات” وأعاد توظيفها سياسيا بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001م، وعلى هذا الأساس حشد ناخبيه ومؤيديه تحت شعار “يهودية الدولة”، وأطلق العنان للتطرف اليهودي، وأعلن بوضوح رفض حل الدولتين وأي عملية سلام مع الفلسطينيين، فمنذ أن شكل حكومته في 2009م، شن نتنياهو موجات من الحملات السياسية والإعلامية التحريضية ضد الفلسطينيين، مطالبا إياهم والعرب بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، كما صرح مرارا بأن إسرائيل لا تريد أن يكون العرب مواطنين أو رعايا فيها، وهذا بحد ذاته يضفي على قادم الأيام حروبا وتوترات لا يستهان بها وقد تطول بمرور الوقت وتعظم التكلفة مع المحيط المعادي والذي ما زال يتطور مع استمرار العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية وتطور الاحداث شمال فلسطين المحتلة المشتعلة مع حزب الله اللبناني، وإغلاق باب المندب من اليمنيين، وازدياد قوة المعادلة الصفرية مع الكيان الإسرائيلي واستحالة التعايش معه بالمنطقة.

السبب الثالث تشكيل حكومة الخراب، بدأ صعود اليمين على الساحة الإسرائيلية منذ سبعينيات القرن الماضي، وأخذ مكانته في الكنيست الإسرائيلي والحكومة منذ انتخابات عام 2003م، إلا أن الحكومة الحالية تعتبر استثنائية عن سابقاتها، وذلك بضم تحالف مكون من عدة أحزاب يهودية دينية هي “حزب الليكود” و “حزب شاس” و “حزب الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، الذي انتقد ديفيد بن غوريون، بعدم طرد جميع العرب في عام 1948 م، و “حزب يهودت هتوراه ” وحزب “عوتسماه يهوديت ” برئاسة إيتمار بن جفير، الذي كان يحتفظ في منزله بصورة لمتطرف يهودي قتل 29 فلسطينيا بالرصاص في مسجد، حيث تم تحالفهم تحت مظلة الأيدولوجيا المتشابهة، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حكومة واحدة، بهدف الإطاحة بمعسكر اليسار، وتعزيز الجهود اليمينية، من خلال تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، والأكثرها انفصالا عن الماضي من حيث مدى تطرفهم، ومدى التزامهم الصريح بتقويض المؤسسات الديمقراطية ومساعي ضم الضفة الغربية المحتلة، وتعارض إقامة دولة فلسطينية وتدعم توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي يعتبرها معظم المجتمع الدولي غير شرعية وتهدم فكرة لحل الدولتين.

هدم الأعمدة

العمود الأول خسارة الحلفاء

أن تكون عدوا لأمريكا قد يكون أمرا خطيرا، لكن أن تكون صديقا هو أمر قاتل! “هنري كيسنجر” بهذه العبارة كان يقصد كيسنجر كل حلفاء أميركية إلا إسرائيل التي لم تكن أن ضمن توقعاته ولا حساباته، والسبب في ذلك أن مصالحهم دائما متشابهة ومتناغمة إلى حد يصعب تبيان الفروق بينهما خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب تأثير اللوبي الصهيوني داخل اميركا، ولكن تضارب المصالح جاء مع نية نتنياهو استمرار المعارك مع الفلسطينيين بعد 7 من أكتوبر، ومع احتمال توسيعها إقليميا، وهذا ما ترفضه الإدارة الأمريكية ويرفضه الشارع الأمريكيين اللذين أصبح غالبيتهم معترضين على الحرب حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، ورفض الإدارة الأمريكية جاء بسبب تطورات الحرب العسكرية مع روسيا في أوكرانيا والحرب الاقتصادية والاستراتيجية مع الصين التي من المحتمل أن تتحول إلى عسكرية، فأعداء أميركا تنظر لحرب إسرائيل وانغماس أميركا بها، من أعظم الفرص لكسب الوقت في تدعيم خططهم ضد الولايات المتحدة، ناهيك عن أزمة الأسلحة العالمية التي تفاقمت مع استمرار الحرب في أوكرانيا والتي استنزفت معظم مخازن السلاح لدى بعض الدول، وبداية ظهور العجز والبطء في عمليات التصنيع، وتوسع الصراع خاصة بعد اقفال اليمنيين البحر الأحمر، وسعى نتنياهو الى توسيع الصراع مع المحيط من خلال ضرب القنصلية الإيرانية بدمشق، ليدخل الحلفاء معه في الحرب وكسب القوى الامريكية لحسم ملفات القديمة واطالة الحرب، وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة .

إلا أن خسارة الحلفاء لم تكن فقط لهذه الأسباب، بل تعده الإصرار الإسرائيلي على النهج الدموي في عملية إعادة هيبتها المكسورة بعد 7 أكتوبر، والذي أفضى لنزول الأغلبية الغربية من مركب الدعم المطلق لإسرائيل، شعوبا وحكومات، وذلك من خلال المظاهرات والوقفات الشعبية وأعمال التضامن المختلفة، وشلال التعاطف مع الشعب الفلسطيني الرافض للعدوان ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي، ليتبعه حالات التنديد البرلمانية والسياسية العالمية، وحتى من داخل الكونجرس الأمريكي، الذي اطلاق دعوات عدم تصدير السلاح ومعاقبة إسرائيل، من اعلى الشخصيات البرلمانية، خصوصا بعد دخول إسرائيل لقفص الاتهام بالإبادة الجماعية في محكمة لاهاي، تلك التهمة التي لا ترغب أي من الدول ان تحمل وزر دعم الدولة المتهمة بالابادة، خاصة مع استمرار الحرب وعدم وجود خطة واضحة للحرب، او لما بعد الحرب وتوافق عليها الدول الحليفة، الا ان الضبابية المتجسدة في فكر نتنياهو اغاضت الحلفاء وشلت تفكريهم في محاولة فهمه، خاصة بعد استمرار نتنياهو برفض دعاوي وقف اطلاق النار وتبني خيار القوة المفرطة على المدنيين التي تساهم بتحويل اسرائيل لدولة منبوذة حتى بين حلفائها، خاصة بعد قرار مجلس الامن الأخير الذي لم يأت على هوا نتنياهو الذي يغامر بخسارة حلفائه الذين لا يستطيع اكمال الحرب من غيرهم، لينقلب مشهد بداية الحرب من عناق بايدن لينتنياهو وارسال حاملات الطائرات لإغاثة إسرائيل راسا على عقب.

العمود الثاني الانقسامات الداخلية

يهودية الدولة التي ينادي بها نتنياهو لم تكن محل اجماعي داخل المجتمع الإسرائيلي لأنها تمثل فكر اليمين المتطرف الذي انقلب على فكر المؤسسين الأوائل في بناء مشروعهم، غير أنه يضع المجتمع الإسرائيلي العلماني في خانة المعاداة المتوقعة والتي مهدت لفتح قضايا لم تكن تطرح من قبل مثل قضية التعديلات القضائية التي سعت الحكومة لتمريها لصالح مغانم لا يستفيد منها إلا اليمين المتطرف، والتي قسمت المجتمع الإسرائيلي بكافة فئاته حتى وصلت لمرحة التظاهر في الشوارع بالألف وحالة من التمرد في صفوف الجيش، بالإضافة لقضية قانون إعفاء الحريديم المتشددين اليهود الذين يمثلون 13 % من الجمهور الإسرائيلي والذين لا يتجندون حاليا في الجيش، الجيش الذي يشكو القلة في العتاد البشري حاليا ومع احتمال اتساع الصراع الذي سوف يزيد الحاجة لهم، والتي لا تستطيع الحكومة تجاوزها الا من خلال تجنيد شبان سن التجنيد من “الحريديم”، والبالغ عددهم 66 ألف شاب سنويا، بحسب معطيات المؤسسة الأمنية، هذه القضية والتي يتوقع أن تكون لها ردة فعل في الشارع الإسرائيلي أكبر من قضية التعديلات القضائية على المجتمع الإسرائيلي والجيش الذي يعاني من النقص التعداد البشري فيه، الآن أن الساحة الإسرائيلية تغلي أيضا من خلال قضية الأسرى الذين في يد المقاومة منذ أكثر من 6 أشهر والذي مات بعضهم بسبب الإسراء العنيد من نتنياهو على تجاهلهم ومحاولة الحصول على صورة نصر ولو بالقوة غير المجدية.

العمود الثالث طول معركة واستهلاك الجيش والاقتصاد

لم تخض إسرائيل حربا كالتي تخوضان الآن ليس ذلك بسبب الخسائر بقدر ما هو بسبب طولها امدها التي اطالها العناد المتجسد في شخص نتنياهو، الذي لم يستطع لجم قوة المقاومة على طول شهور الحرب التي كبدت الاقتصادي تكلفة عالية وخسائر باهظة، سواء لجهة تكلفة تمديد الخدمة للجنود النظاميين والاحتياط، إضافة إلى كلفة الخسارة في المشاريع التجارية والسياحية والممتلكات تقدر ب مليارات الدولارات، خاصة بعد توسع الصراع من خلال دخول جبهات اسناد خاصة من اليمنيين الذي شلت مرفأ “إيلات” الرئيسي والحيوي التي أعلنت إدارته عن نيتها إقالة نحو نصف عمالها، والتي أدت إلى هبوط في حجم النشاط وإيرادات المرفأ بأكثر من 80 %، بالإضافة الى المرافى التي تعد من ضمن مدى صواريخ المقاومة والتي أجبرت هي أيضا على الاغلاق، كما أصيب قطاع الزراعة، بأضرار جسيمة؛ فالعمال لا يمكنهم الاقتراب من البساتين، التي لم يخسر أصحابها فقط ثمار الموسم الحالي، بل وحتى المواسم المقبلة أيضا، وبقاء نحو أكثر من 100 ألف نسمة يعيشون خارج منازلهم، والذين اصبحوا الان ليسوا من سكان تلك المناطق المتضررة، حتى لو توقفت الحرب، وإسوة بشمالي فلسطين تعيش المستوطنات جنوبي فلسطين المحتلة نفس الواقع وربما اكثر، الا ان الخسارة الأشد فتكا بكيان الاحتلال كانت في المؤسسة العسكرية الأكثر تطورا بالمنطقة ونووية القدرة، ولا أقصد هنا الخسائر المادية، رغم كثرتها بل خسارة الهيبة التي كانت محل احتفاء عند الداخل الإسرائيلي، والتي تزداد انكسارا مع طول أيام الحرب دون تحقيق الأهداف، كما اتهم نتنياهو بدعم حماس لأسقاط حلم الدول الفلسطينية، الا ان الواقع الحالي اظهر ان نتنياهو خسر حتى هذه الورقة، هذا أن صحت تلك المزاعم بوجود هذه لاستراتيجيته، بل على العكس فهناك من يرى أن الشعب الفلسطيني أصبح يملك نفسا النظرة لمعالم الصراع، والخيار الأمثل في تحرير الأرض والمقدسات، ألا وهي المقاومة…

خاتما

ما يزيد الإيمان يقينا بحتمية زوال المشروع الإسرائيلي ليست النبوآت التي يدعمها اليهود المتدينون والعلمانيون والسياسيون الذين يخشون لعنة العقد الثامن الذي تكرر فيه زوال دولهم، بل وصول شخصية استثنائية تملك نظرة إدارية لزمن الخلاص وإقامة الدولة اليهودية الخالصة، ولكنه يسعى للخراب من خلال التحالف مع التيارات الدينية المتطرفة، بعد اكتشف نتنياهو قوة الشعارات الدينية وقوة الحريديم، وجعل المجتمع المدني اليميني الظهير السياسي الأول لحزب الليكود ويشكل بعدها حكومة الخراب الحالية، التي تحزب معها ضد اليسار العلماني، واحتكار العسكرة والسياسة والأمن والتفاوض على الأسرى، انتهاج خيار تجاهل المطالب الداخلية، والعناد الحالي في انتهاج الخيار العسكري الدموي المرفوض حتى من حلفائه، والذي يذكرنا بشخصيات أدت بها طباعها وأفعالها نحو الخراب والتدمير لدولهم، رغم كم الإنجازات التي سبقت عام الدمار لدولهم، أمثال هتلر ونابليون، الذين أفنوا مستقبل بلادهم في سبيل تحصيل المكاسب الشخصية أو لاعتبارات معنوية لا قيمة لها، حيث باتت الهزيمة التي مني بها جيش الاحتلال في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، البداية لتأرجح الأعمدة التي كانت تحمل دعائم الدولة، واصبح نتنياهو رئيس الوزراء الأسوء لإسرائيل، بعدما كان أغلبية الإسرائيليين تَعُدّ غولدا مائير المرشحة الأولى لهذا اللقب الكئيب، بسبب الفشل الاستخباري الذي أدّى إلى حرب يوم الغفران، الا ان نتنياهو كسب هذا اللقب ومازال رئيس للوزراء مع صلاحيات قد تقود لحتمية الانهيار، كالذي  انتهجها  شمشوم في الرواية التاريخية المزعومة والذي اختار الموت مع أعدائه على أن يسلم للواقع الذي لم يعجبه ولم يرضه.

قسم الدراسات والابحاث في منتدى اسيا والشرق الاوسط.

مقالات مماثلة