تقارير

السياسة الماليزية – الجزء الرابع – المرحلة الانتقالية بعد 2018م – حتى انتخابات 2022م

صهيب أحمد - باحث في شؤون جنوب شرق آسيا

في‭ ‬الأجزاءِ‭ ‬الماضية،‭ ‬تمَّ‭ ‬تحليل‭ ‬أساسات‭ ‬وتطوُّرات‭ ‬المَشهد‭ ‬السياسيِّ‭ ‬الماليزيِّ‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬التَّغيير‭ ‬السياسي‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬2018م‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجزء؛‭ ‬سيتمُّ‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬معاني‭ ‬ومآلاتِ‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬والمرحلةِ‭ ‬الانتقاليةِ‭ ‬القائمة‭. ‬

الحكومة‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬2018م

كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬السَّابق،‭ ‬فقد‭ ‬انقسم‭ ‬المشهدُ‭ ‬الحزبيُّ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬بين‭ ‬تيارين‭: ‬تيارٌ‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬الهويةِ‭ ‬القوميَّة‭ ‬المالاويَّة‭ ‬لأغلبِ‭ ‬سكان‭ ‬البلاد،‭ ‬ويسعى‭ ‬للحفاظِ‭ ‬على‭ ‬الامتيازات‭ ‬الخاصَّةِ‭ ‬بعرقيةِ‭ ‬المالايو‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬يُناظِره‭ ‬تيارٌ‭ ‬صاعدٌ‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬نظامٍ‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬ماليزيٍّ‭ ‬بديل،‭ ‬تتساوى‭ ‬فيه‭ ‬الأعراقُ‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬والدُّستور‭ ‬والأجهزةِ‭ ‬الحكومية،‭ ‬وتبلوَر‭ ‬التياران‭ ‬في‭ ‬تحالفَين‭ ‬انتخابيَّيْن‭ ‬أساسيين،‭ ‬أحدهما‭ ‬يقوده‭ ‬حزبُ‭ (‬أمنو‭) ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ ‬السلطةَ‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬و‭(‬تحالف‭ ‬الأمل‭) ‬بقيادة‭ (‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد‭) ‬و‭(‬أنور‭ ‬إبراهيم‭) ‬اللَّذَين‭ ‬ربحا‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬2018م،‭ ‬وانتقل‭ ‬بعدها‭ ‬أمنو‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬المُعارِض‭ ‬للحكومةِ‭ ‬الجديدة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقَّعًا‭ ‬أن‭ ‬يتمكنَ‭ ‬حزب‭ (‬أبناء‭ ‬الأرض‭) ‬بزعامة‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ -‬الموالي‭ ‬للنِّظام‭ ‬القائم‭- ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬طويلًا‭ ‬تحت‭ ‬مظلَّة‭ ‬الأمل‭ ‬بجانب‭ ‬الأحزاب‭ ‬المُناوِئة‭ ‬للنظام،‭ ‬وبالفعل‭ ‬بدأ‭ ‬جناحا‭ ‬التَّحالُف‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬التنازُعِ‭ ‬والتَّصارع‭ ‬على‭ ‬كلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُفرقهم،‭ ‬مثل‭: ‬طبيعة‭ ‬البرنامجِ‭ ‬الحكوميّ،‭ ‬ومدى‭ ‬الإصلاحيةِ‭ ‬الإداريةِ‭ ‬والدستوريةِ‭ ‬والقانونيةِ‭ ‬المطلوبة،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬الاختلافِ‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالوعد‭ ‬الانتخابيِّ‭ ‬بتنازُل‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬عن‭ ‬رئاسةِ‭ ‬الوزراء‭ ‬إلى‭ ‬أنور‭ ‬إبراهيم‭ ‬بعد‭ ‬عامَين‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة،‭ ‬وعمل‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الجناحَين‭ ‬على‭ ‬كلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬من‭ ‬إجراءات؛‭ ‬لتعزيز‭ ‬موقفه‭ ‬أمام‭ ‬الطَّرفِ‭ ‬الآخر‭. ‬في‭ ‬الأثناء،‭ ‬كانت‭ ‬شعبيةُ‭ ‬الحكومةِ‭ ‬المُنتخَبة‭ ‬وأحزابها‭ ‬تتراجع‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬كبيرٍ؛‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الصِّراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬أيُّ‭ ‬حكومةٍ‭ ‬ماليزيةٍ‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬بجانب‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالوعود‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وتراجع‭ ‬نِسب‭ ‬النُّمو‭ ‬الاقتصادي‭.‬

الحكومة‭ ‬الثَّانية

ظلَّت‭ ‬الصِّراعاتُ‭ ‬الدَّاخلية‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬الأمل‭ ‬تنتهي‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بالواقعِ‭ ‬الذي‭ ‬يفرضه‭ ‬رئيسُ‭ ‬الوزراء،‭ ‬حتى‭ ‬اقترابِ‭ ‬الموعد‭ ‬المُفترَض‭ ‬لتمرير‭ ‬السُّلطةِ‭ ‬إلى‭ ‬أنور‭ ‬إبراهيم،‭ ‬عندها‭ ‬اشتدَّ‭ ‬الصِّراعُ‭ ‬بين‭ ‬حزب‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬أبناء‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبقيَّة‭ ‬أحزابِ‭ ‬التَّحالف‭ ‬من‭ ‬جهةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬تولِّي‭ ‬أنور‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭. ‬وفي‭ ‬فبراير‭ ‬2020م،‭ ‬أعلن‭ ‬أبناء‭ ‬الأرض‭ ‬انسحابَه‭ ‬من‭ ‬التَّحالف‭ ‬الحاكِم،‭ ‬واضطرَّ‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬للاستقالةِ‭ ‬من‭ ‬منصبه،‭ ‬لتسقطَ‭ ‬حكومة‭ ‬الأمل‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬انتخابها،‭ ‬وبعد‭ ‬محاولةٍ‭ ‬أخيرةٍ‭ ‬فاشلةٍ‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬حزب‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬لإقناعه‭ ‬ليترأسَ‭ ‬تحالفًا‭ ‬مع‭ ‬أمنو‭ ‬و‭(‬الحزب‭ ‬الإسلامي‭)‬،‭ ‬رشَّح‭ ‬الحزبُ‭ ‬القيادي‭ (‬مُحيي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين‭) ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسًا‭ ‬للوزراء‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬التَّحالفِ‭ ‬الجديد،‭ ‬وعاد‭ ‬تحالف‭ ‬الأمل‭ ‬إلى‭ ‬المعارَضةِ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد‭ ‬الذي‭ ‬فُصل‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬أسَّسه؛‭ ‬لرفضِه‭ ‬التحالف‭ ‬المالاوي،‭ ‬وبدأ‭ ‬بتشكيل‭ ‬حزبٍ‭ ‬جديدٍ‭ ‬باسم‭ (‬المُحاربين‭).‬

بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬التَّحالفِ‭ ‬إلى‭ ‬السُّلطة،‭ ‬أعلنت‭ ‬ماليزيا‭ ‬الإغلاقَ‭ ‬الشاملَ‭ ‬لمواجهةِ‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬وانشغلت‭ ‬الحكومةُ‭ ‬في‭ ‬الإجراءاتِ‭ ‬الخاصَّة‭ ‬بالحدِّ‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الوباء‭ ‬والإغلاق‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬المَعيشيِّ‭ ‬والاقتصاديِّ‭ ‬للمجتمع‭. ‬وعلى‭ ‬غِرار‭ ‬تحالف‭ ‬الأمل،‭ ‬بدأت‭ ‬الخلافاتُ‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬التحالف‭ ‬المالاوي‭ ‬في‭ ‬التَّصاعُد،‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬الحزبَ‭ ‬صاحب‭ ‬الحصةِ‭ ‬البرلمانيةِ‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ -‬أمنو‭- ‬كان‭ ‬يطالبُ‭ ‬بتعزيز‭ ‬موقِعه‭ ‬في‭ ‬التَّشكيلةِ‭ ‬الحكوميةِ‭ ‬التي‭ ‬غلبَ‭ ‬عليها‭ ‬حزبُ‭ ‬رئيسِ‭ ‬الوزراء‭ -‬أبناء‭ ‬الأرض‭-. ‬ورأى‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنَّ‭ ‬رئيسَ‭ ‬الوزراء‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬استغلَّ‭ ‬حالةَ‭ ‬الاستنفارِ‭ ‬أمام‭ ‬الوباء‭ ‬لتعزيز‭ ‬موقعه‭ ‬في‭ ‬السُّلطةِ‭ ‬أمام‭ ‬أمنو‭. ‬وعند‭ ‬اشتداد‭ ‬الصِّراع،‭ ‬منع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبةٍ‭ ‬عقدَ‭ ‬جلساتٍ‭ ‬برلمانيةٍ‭ ‬للتصويت‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬الثِّقةِ‭ ‬من‭ ‬حكومته؛‭ ‬بحجَّةِ‭ ‬الإغلاق‭ ‬الشامل‭ ‬ومُكافحةِ‭ ‬الوباء،‭ ‬ودفع‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬حالةِ‭ ‬الطَّوارئ‭ -‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬بمنع‭ ‬تغيير‭ ‬الحكومة‭- ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬2021م‭.‬

الحكومة‭ ‬الثَّالثة

عند‭ ‬اقترابِ‭ ‬حالة‭ ‬الطَّوارئ‭ ‬من‭ ‬نهايتها،‭ ‬أعلنت‭ ‬قياداتٌ‭ ‬في‭ ‬أمنو‭ ‬عن‭ ‬سحب‭ ‬دعمِهم‭ ‬لحكومةِ‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين،‭ ‬وطالبوا‭ ‬بعقد‭ ‬جلسةٍ‭ ‬برلمانيةٍ‭ ‬حالَ‭ ‬انتهاء‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬للتَّصويتِ‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬الثقةِ‭ ‬من‭ ‬الحكومة،‭ ‬وبعد‭ ‬عِدة‭ ‬محاولاتٍ‭ ‬من‭ ‬مُحيي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين‭ ‬للبقاءِ‭ ‬في‭ ‬السُّلطة‭ ‬وعرض‭ ‬التحالُف‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الأحزاب‭ ‬المُعارِضة‭ ‬له،‭ ‬قدَّم‭ ‬استقالتَه‭ ‬وسقطت‭ ‬ثاني‭ ‬حكومةٍ‭ ‬ماليزيةٍ‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وقام‭ ‬نفسُ‭ ‬التحالفِ‭ ‬بين‭: ‬حزب‭ ‬محي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين،‭ ‬وحزب‭ ‬أمنو،‭ ‬والحزب‭ ‬الإسلامي؛‭ ‬بتشكيلِ‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬بتصدُّرِ‭ ‬أمنو‭ ‬للتَّشكيلةِ‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬ترأَّسها‭ ‬أحدُ‭ ‬قياداته‭.‬

خلال‭ ‬عامٍ‭ ‬من‭ ‬تصدُّر‭ ‬حزب‭ ‬أمنو‭ ‬للحكومةِ‭ ‬الماليزية،‭ ‬عمل‭ ‬الحزبُ‭ ‬على‭ ‬تعزيزِ‭ ‬موقعه،‭ ‬واستعادةِ‭ ‬شعبيَّته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءاتِ‭ ‬الحكوميةِ‭ ‬الشعبية،‭ ‬مثل‭: ‬إنهاء‭ ‬حالةِ‭ ‬الإغلاق‭ ‬الشَّامل،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استعادةِ‭ ‬نشاط‭ ‬المؤسَّساتِ‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬استعدادًا‭ ‬للانتخاباتِ‭ ‬البرلمانيةِ‭ ‬القادمة،‭ ‬وأُجريت‭ ‬انتخاباتٌ‭ ‬مبكرةٌ‭ ‬في‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬الولاياتِ‭ ‬الماليزية،‭ ‬واكتسح‭ ‬فيها‭ ‬أمنو‭ ‬نتائجَ‭ ‬المجالسِ‭ ‬التَّشريعية،‭ ‬وشكَّل‭ ‬منفردًا‭ ‬حكوماتِ‭ ‬الولايتين،‭ ‬واعتقدت‭ ‬قياداتُ‭ ‬الحزبِ‭ ‬أنَّ‭ ‬المجتمعَ‭ ‬الماليزي‭ ‬جاهزٌ‭ ‬لانتخاب‭ ‬أمنو؛‭ ‬ليعودَ‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬منفردًا‭ ‬دونَ‭ ‬الأحزابِ‭ ‬المالاويةِ‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭: (‬حزب‭ ‬محي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين،‭ ‬والحزب‭ ‬الإسلامي‭ ‬الماليزي،‭ ‬وحزب‭ ‬المحاربين‭ ‬الذي‭ ‬شكله‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬محمد‭)‬،‭ ‬ولذا‭ ‬خلال‭ ‬العام،‭ ‬استمرَّت‭ ‬التوتراتُ‭ ‬والمُشادات‭ ‬مع‭ ‬أحزابِ‭ ‬التَّحالف‭ ‬الحاكم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التوترِ‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬أمنو‭ ‬بين‭ ‬تيارين‭ ‬مُتصارعَين،‭ ‬فمنذ‭ ‬خروج‭ ‬أمنو‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬تشكَّل‭ ‬تياران‭ ‬مختلفان‭ ‬داخل‭ ‬الحزب،‭ ‬أحدهما‭ ‬يمثِّلُ‭ ‬القياداتِ‭ ‬الحاليةَ‭ ‬التي‭ ‬تسيطرُ‭ ‬عليه،‭ ‬وأبرز‭ ‬عناصِر‭ ‬هذا‭ ‬التَّيار‭ ‬خضعت‭ ‬أو‭ ‬تخضع‭ ‬لمحاكماتٍ‭ ‬تتعلق‭ ‬بتُهم‭ ‬فسادٍ‭ ‬إداريٍّ‭ ‬وماليٍّ‭ ‬بعد‭ ‬2018م،‭ ‬أما‭ ‬التَّيار‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬يمثِّل‭ ‬الصفَّ‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أيُّ‭ ‬محاكماتٍ‭ ‬قضائيةٍ‭ ‬ضدَّها‭ ‬وتطمح‭ ‬إلى‭ ‬استبدالِ‭ ‬التيارِ‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الحزب،‭ ‬وسعى‭ ‬أبناء‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬د‭. ‬مهاتير‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬ياسين؛‭ ‬إلى‭ ‬استمالةِ‭ ‬التيَّار‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الحزبِ‭ ‬إلى‭ ‬جانبه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬الصِّراعَ‭ ‬الداخليَّ‭ ‬في‭ ‬أمنو‭ ‬بين‭ ‬التيارَين‭.‬

انتخابات‭ ‬2022م

بعد‭ ‬عامٍ‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومةِ‭ ‬الثَّالثة،‭ ‬أُعلِن‭ ‬عن‭ ‬حلِّ‭ ‬البرلمان،‭ ‬وعَقد‭ ‬الانتخاباتِ‭ ‬التَّشريعيةِ‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022م،‭ ‬وسط‭ ‬مشهدٍ‭ ‬انتخابيٍّ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬إذ‭ ‬امتازَ‭ ‬المشهدُ‭ ‬بتماسُكِ‭ ‬الأحزاب‭ ‬المُعارِضةِ‭ ‬للنِّظام‭ ‬السياسيِّ‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬الأمل،‭ ‬أمامَ‭ ‬تفكُّكِ‭ ‬وتَبعثُر‭ ‬الأحزابِ‭ ‬المالاوية‭ ‬الداعمةِ‭ ‬للنِّظام‭ ‬القائم،‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬أمنو‭ ‬الدخولَ‭ ‬إلى‭ ‬الانتخاباتِ‭ ‬بنفس‭ ‬تحالفه‭ ‬القديم‭ ‬مع‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أحزاب‭ ‬الأقلِّيات،‭ ‬ودخل‭ ‬الانتخابات‭ ‬حزبُ‭ ‬أبناء‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬الحزبِ‭ ‬الإسلاميِّ‭ ‬باسم‭ (‬التحالف‭ ‬الوطني‭)‬،‭ ‬أمَّا‭ ‬حزب‭ ‬المحاربين‭ ‬بزعامةِ‭ ‬د‭.‬مهاتير،‭ ‬فقد‭ ‬دخلَ‭ ‬الانتخابات‭ ‬منفردًا‭ ‬ضِد‭ ‬كلِّ‭ ‬التَّحالُفات‭. ‬وبعد‭ ‬حملةٍ‭ ‬انتخابيةٍ‭ ‬طالت‭ ‬شهرًا،‭ ‬عُقدت‭ ‬الانتخاباتُ‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وكما‭ ‬كانت‭ ‬بعضُ‭ ‬التوقعات؛‭ ‬أدَّى‭ ‬تبعثُر‭ ‬الأحزابِ‭ ‬المالاويةِ‭ ‬إلى‭ ‬تبعثر‭ ‬الصوتِ‭ ‬المالاوي‭ ‬بينها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬تصدرِ‭ ‬تحالف‭ ‬الأمل‭ ‬للانتخابات،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكسبَ‭ ‬الأغلبيةَ‭ ‬اللَّازمة‭ ‬لتشكيلِ‭ ‬الحكومة‭ ‬منفردًا‭. ‬وبعدها‭ ‬وفي‭ ‬ظروفٍ‭ ‬استثنائيةٍ،‭ ‬شكَّل‭ ‬أنور‭ ‬إبراهيم‭ ‬حكومةَ‭ ‬ائتلافٍ‭ ‬وطنيٍّ‭ ‬شاملٍ‭ ‬لأغلب‭ ‬الأحزابِ‭ ‬الكبيرةِ‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ومنها‭ ‬أمنو‭ ‬الذي‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬الانتخاباتِ‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ضِمن‭ ‬الرَّابحين‭.‬

وأخيراً‭ ..‬

‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬المَشهد‭ ‬بأنَّ‭ ‬ماليزيا‭ ‬تجاوزت‭ ‬مرحلةَ‭ ‬الحزبِ‭ ‬الواحدِ‭ ‬بعدما‭ ‬تكرَّرت‭ ‬خسارةُ‭ ‬أمنو‭ ‬للانتخابات،‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬من‭ ‬التَّشتت‭ ‬والفوضى‭ ‬بين‭ ‬الأحزابِ‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لاستبدالِ‭ ‬الحزب‭ ‬الخاسر،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مشهدُ‭ ‬التَّفتُّتِ‭ ‬مفاجِئًا‭ ‬للمحللين‭ ‬والمراقبين‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مفاجئًا‭ ‬للنَّاخِب‭ ‬الماليزيِّ‭ ‬الذي‭ ‬لاحظ‭ ‬تغليبَ‭ ‬هذه‭ ‬الصِّراعاتِ‭ ‬والمصالح‭ ‬الحزبيةِ‭ ‬على‭ ‬المشكلاتِ‭ ‬الكُبرى‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬التَّراجعِ‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ومعالجةِ‭ ‬آثار‭ ‬أزمةِ‭ ‬كورونا‭ ‬وغيرها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬نسبِ‭ ‬المشاركةِ‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وخسارةِ‭ ‬أغلب‭ ‬الأحزاب‭ ‬القائمة‭ ‬لثقةِ‭ ‬النَّاخِب‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬الحزبَ‭ ‬المُتَّهم‭ ‬بالفسادِ‭ ‬الحكومي،‭ ‬ورفض‭ ‬الأحزابَ‭ ‬والشخصياتِ‭ ‬السياسيةَ‭ ‬التي‭ ‬امتازت‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بالفسادِ‭ ‬السِّياسي،‭ ‬الذي‭ ‬تجسَّدَ‭ ‬في‭ ‬تقلُّب‭ ‬الوَلاءات‭ ‬والانحيازات‭ ‬للأحزابِ‭ ‬والبرامج‭ ‬السياسيةِ‭ ‬خلال‭ ‬إدارة‭ ‬الحكومات‭ ‬المُتعاقِبة،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬حقائق‭ ‬ووقائع‭ ‬مثل‭ ‬تُهم‭ ‬الفساد،‭ ‬أو‭ ‬مواجهةِ‭ ‬كورونا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حزبيٍّ‭ ‬ضد‭ ‬الأطرافِ‭ ‬الأخرى‭. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حالةُ‭ ‬خروج‭ ‬الحزبِ‭ ‬المُهيمن‭ ‬على‭ ‬المشهدِ‭ ‬الانتخابي‭ ‬لعقود‭ ‬هي‭ ‬حالةٌ‭ ‬خاصةٌ‭ ‬بماليزيا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهِن،‭ ‬لكنَّها‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نفسِ‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الحالاتِ‭ ‬الدولية،‭ ‬كالتَّجييش‭ ‬خلف‭ ‬بدائل‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحقلِ‭ ‬السياسيّ،‭ ‬وضد‭ ‬فكرة‭ ‬النُّخب‭ ‬السياسيةِ‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬التعدديةُ‭ ‬والديمقراطيةُ‭ ‬والانتخاباتُ‭ ‬الحرة‭ ‬والنَّزيهة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنَّ‭ ‬السنواتِ‭ ‬القادمة‭ ‬ستحمل‭ ‬الكثيرَ‭ ‬من‭ ‬التَّفاعلات‭ ‬والتقلُّبات‭ ‬والمتاعب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقرَّ‭ ‬الأمر‭ ‬لنظامٍ‭ ‬قديمٍ‭ ‬أو‭ ‬جديد‭. ‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button