بعد الشلل الذي أصاب مشروعه الضخم للإنفاق الاجتماعي والبيئي المفترض أن يمكن الولايات المتحدة من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وإزاء عجزه عن احتواء التفشي المتسارع لكوفيد-19، بدت رئاسة جو بايدن التي لم تكمل عامها الأول أمام مأزق كبير.
وفي تقرير نهاية العام نشره معهد “جيتستون” جاء إنه يبدو لسوء الحظ أن سياسة بايدن الخارجية تشمل حلفاء يتخلون عنه، وخصوم يزدادون قوة، وتعريض الأمن القومي الأمريكي لخطر جسيم.
ويقول التقرير إن قيام بايدن بتسليم أفغانستان لطالبان كان فشلا استراتيجيا انطوى على عواقب عالمية هائلة أدت إلى إهانة البلاد وفقدان عدد لا حصر له من الأرواح. وللأسف فإن أفغانستان هي الآن” العدسة” التي يتم من خلالها رؤية سياسة إدارة بايدن الخارجية الواهن.
وكثيرا ما يركز الباحثون على سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخارجية، وأسلوبه في التعامل معها، وكثيرا أيضا ما توجه الانتقادات للأوجه المتعددة لهذه السياسة غير الواضحة حتى الآن.
ومع تراجع شعبيته إلى نحو 40% بات الرصيد السياسي لبايدن في الحضيض بعد أقل من عام على توليه الرئاسة وقبل أقل من عام من انتخابات منتصف الولاية التي من الممكن جدا أن يخسر فيها الديمقراطيون الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.
ولم يرد بايدن شخصيا على النكسة التي تعرض لها مشروعه الضخم برفض السناتور الديموقراطي جو مانشين، في نهاية الأسبوع، دعم الخطة الاستثمارية “إعادة البناء بشكل أفضل” البالغة قيمتها 1,75 تريلون دولار والتي يفترض أن تمكّن الولايات المتحدة من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين على غرار التغير المناخي والمنافسة الصينية.
وسعى زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى رفع معنويات أعضاء حزبه، متعهدا بعرض المشروع الذي يشكل أحد أركان أجندة سيد البيت الأبيض، على التصويت في المجلس.
وفي حين يفضل بايدن الصمت، أصدرت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي بيانا لاذعا انتقدت فيه مانشين واتّهمته بـ”الإخلال بالتعهدات التي قدّمها للرئيس” وبـ”تغيير موقفه بشكل مفاجئ وغير مبرر”.
وبذل بايدن السناتور المخضرم السابق الذي يعتبر نفسه سيدا للعبة التشريعية، جهودا شخصية لإقناع مانشين بدعم خطته، مثيرا في ذلك غضب الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي.
وبقدر ما بدا بايدن عاجزا في مواجهة سناتور يمثل ولاية صغيرة لا يتخطى عدد سكانها 1,7 مليون نسمة، بدا قليل الحيلة إزاء موجة تفش جديدة لكوفيد-19 في بلاد تخطّت حصيلة وفياتها من جراء فيروس كورونا 800 ألف شخص.
وحذر مستشار البيت الأبيض للأزمة الصحية أنتوني فاوتشي من أن الشتاء المقبل سيكون بالغ الصعوبة مع تسبب المتحوّرة أوميكرون بتسارع وتيرة الإصابات عالميا.
وتسجل نسب إشغال المستشفيات ارتفاعا كبيرا، فيما تتشكل أمام مراكز الخضوع للفحوص طوابير انتظار طويلة، في حين تلغى أحداث رياضية وترفيهية، مما يفاقم الأزمة التي تواجه بايدن الذي انتخب على خلفية تعهد بالانتصار على الفيروس وحماية الأمريكيين بعد التصريحات الملتبسة للرئيس السابق دونالد ترامب بشأن الجائحة.
لكن تبين أن السيطرة على الفيروس أمر صعب في بلاد أصبح فيها التلقيح ووضع الكمامات مصدر انقسام سياسي، وتنتهي فيها التوجيهات الفدرالية في حالات كثيرة بنزاعات قضائية.
وسعى بايدن إلى فرض إلزامية التلقيح على القطاع الخاص والموظفين الفدراليين، لكنه اكتفى في الأسابيع الأخيرة بحض السكان على تلقي اللقاح.
من جهة ثانية بدا الملف النووي الإيراني وتعامل إدارة بايدن معه مدعاة للهجوم على البيت الأبيض. فرغم استئناف المفاوضات يرى خصوم بايدن أن الأمر لا يعدو أن يكوم محاولة أخرى للدوران في حلقة مفرغة. وتتوقع الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ أن تتحول إيران إلى قوة نووية حقيقية في عهد بادين الذي توصف إدارته بالمرتعشة.
وفي ملف آخر بدت الصين هي الكابوس الأهم الذي شغل الرئيس بايدن خلال عام 2021 حتى وإن تعالى عن ذكرها في أول مؤتمر له نهاية يناير الماضي وقت خرج المتابعون بنوع من الاستغراب كون الرجل تحدث عن كل مشاكل الولايات المتحدة باستثناء الصين.
ويمكن القول أن الربع الأخير من هذا العام حمل الصور الأوضح لما يمكن أن نطلق عليه (الحرب الباردة المرتقبة بين بايدن والصين)، ففي مطلع شهر سبتمبر أعلنت واشنطن تشكيل تحالف أمني استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يضمّ كلا من الولايات المتّحدة وبريطانيا وأستراليا.
كما يبدو 2022 عام محاولة أخذ المسكنات لمواجهة بارانويا الصين. فلا جدال في أن إدارة منافسة استراتيجية بين الولايات المتحدة كقوة عظمى أنهكتها الحروب، والصين كقوة تلهث على طريق الصعود نحو القمة، تتطلب أولاً إعادة ترتيب أولويات المنافسة التي لا يمكن إلا أن يتأثر بها العالم من أقصاه إلى أقصاه.
No comment