تقارير

تأثيــر سياســـة العزلـــة التي تنتهجها إدارة ترامب على الصين

أ.د. سعيد جمال الدين ما يان جه مختص في الشؤون العربية الصينية/و الباحثة عليــــاء ســــون روه تونـــغ

شهد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تغيرات‭ ‬عميقة،‭ ‬حيث‭ ‬واجهت‭ ‬عملية‭ ‬العولمة‭ ‬تحديات‭ ‬متزايدة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭. ‬

فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬ميولًا‭ ‬انعزالية‭ ‬واضحة،‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬دولية‭ ‬كاتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ،‭ ‬والشراكة‭ ‬العابرة‭ ‬للمحيط‭ ‬الهادئ‭ (‬TPP‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إطلاق‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬التجارية‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬عبر‭ ‬فرض‭ ‬تعريفات‭ ‬جمركية‭ ‬متعددة‭.‬

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬آثار‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية-الأمريكية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬شكّلت‭ ‬تحديًا‭ ‬جوهريًا‭ ‬للنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬ككل،‭ ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬دراسة‭ ‬تأثير‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬صادرات‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنسبة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بحوالي‭ ‬10٪‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬مما‭ ‬أثّر‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭.‬

من‭ ‬منظور‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬دفعت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬تنفيذ‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬وتعزيز‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬متعددة،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭.‬

من‭ ‬منظور‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬أجبر‭ ‬الحصار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬لشركة‭ ‬هواويHuawei‭)‬‭) ‬وزد‭ ‬تي‭ ‬إي‭ (‬ZTE‭) ‬والشركات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬الابتكار‭ ‬المستقل‭ ‬وتعزيز‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ ‬لصناعة‭ ‬الرقائق‭ ‬المحلية‭.‬

لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تحليل‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬الثلاثة‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬أعمق‭ ‬لتحولات‭ ‬المشهد‭ ‬الدولي،‭ ‬ويساعد‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مواجهة‭ ‬مستقبلية‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭.‬

خلفية‭ ‬سياسة‭ ‬العزل

ترتكز‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬دوافع‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬محلية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

يعد‭ ‬تعديل‭ ‬الهيكل‭ ‬الصناعي‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬مهمة،‭ ‬فمنذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬،‭ ‬انتقلت‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تدريجياً‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مشكلة‭ ‬خطيرة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تفريغ‭ ‬الصناعة‭ ‬المحلية،‭ ‬وبين‭ ‬عامي‭ ‬2000‭ ‬و‭ ‬2016،‭ ‬انخفض‭ ‬التوظيف‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنحو‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬موظف‭.‬

أثار‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬مخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والقدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬الوطنية،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬حمائية‭ ‬لإحياء‭ ‬الصناعات‭ ‬المحلية،‭ ‬كذلك‭ ‬يشكل‭ ‬ضغط‭ ‬التوظيف‭ ‬عاملا‭ ‬رئيسيا‭ ‬آخر،‭ ‬فقد‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬‮«‬حزام‭ ‬الصدأ‮»‬‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأوسط‭ ‬وظائفهم‭ ‬بسبب‭ ‬العولمة‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مؤيدين‭ ‬مهمين‭ ‬لحملة‭ ‬ترامب‭.‬

وأطلق‭ ‬ترامب‭ ‬حملته‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولًا‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬مستندًا‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬العولمة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حزام‭ ‬الصدأ‮»‬،‭ ‬وتعهد‭ ‬بخلق‭ ‬وظائف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سياسات‭ ‬حمائية‭ ‬تجارية‭ ‬تعد‭ ‬أساسا‭ ‬مهما‭ ‬لسياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭.‬

لم‭ ‬تساعد‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬فوز‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أرست‭ ‬أيضا‭ ‬الأساس‭ ‬لتوجهه‭ ‬السياسي‭ ‬بعد‭ ‬توليه‭ ‬منصبه‭ ‬كما‭ ‬غذت‭ ‬الميول‭ ‬الانعزالية‭ ‬التعب‭ ‬من‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬والإنفاق‭ ‬الضخم‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بأن‭ ‬بلادهم‭ ‬قد‭ ‬تحملت‭ ‬قدراً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬الدولية،‭ ‬وهو‭ ‬شعور‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لإدارة‭ ‬ترامب‭.‬

وقد‭ ‬دفعت‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬مجتمعة‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬انعزالية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬الدولية‭.‬

العناصر‭ ‬الرئيسة‭ ‬لسياسة‭ ‬العزل

تتجلى‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التجارية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتجارة،‭ ‬أطلقت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬مرارا‭ ‬وتكراراً‭ ‬احتكاكات‭ ‬تجارية‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭ ‬وفرضت‭ ‬رسوماً‭ ‬جمركية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬الصينية‭ ‬المصدرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬،‭ ‬فرضت‭ ‬رسوما‭ ‬جمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬25٪‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬340‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬البضائع‭ ‬الصينية‭ ‬المصدرة‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬اتخذت‭ ‬الصين‭ ‬إجراءات‭ ‬مضادة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

كما‭ ‬أدت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬التوترات‭ ‬التجارية‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقييد‭ ‬وصول‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشريعات‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬التوسع‭ ‬التجاري‭.‬

على‭ ‬الساحة‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬أظهرت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬ميلا‭ ‬ملحوظا‭ ‬نحو‭ ‬العزلة،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬انسحبت‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬وأدى‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬ومنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬أساس‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭.‬

كما‭ ‬خفضت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬دعمها‭ ‬للمؤسسات‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف،‭ ‬مثل‭ ‬تعليق‭ ‬تمويل‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬الأمريكية‭.‬

في‭ ‬قطاع‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬كانت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬صارمة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصينية،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أضافت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شركة‭ ‬هواوي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬قائمة‭ ‬الكيانات‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬التبادلات‭ ‬الفنية‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭.‬

وتبنت‭ ‬سياسات‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬إصلاح‭ ‬مراقبة‭ ‬الصادرات‭ ‬لتقييد‭ ‬وصول‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬رئيسية‭ ‬مثل‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬للصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحصار‭ ‬التكنولوجي‭. ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬على‭ ‬التشغيل‭ ‬العادي‭ ‬لشركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصينية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تسببت‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬سلسلة‭ ‬توريد‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العالمية‭.‬

تنفيذ‭ ‬سياسة‭ ‬العزل

اتبعت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأوامر‭ ‬التنفيذية‭ ‬والوسائل‭ ‬التشريعية‭ ‬والموقف‭ ‬المتشدد‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توقيع‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأوامر‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وفرض‭ ‬ترامب‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬رسوما‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬البضائع‭ ‬الصينية‭ ‬المصدرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬مئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أثارت‭ ‬احتكاكات‭ ‬تجارية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

كما‭ ‬عززت‭ ‬إدارته‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬مثل‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس‭ ‬والاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬اللذين‭ ‬يعكس‭ ‬فلسفتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولا‮»‬‭.‬

من‭ ‬حيث‭ ‬الوسائل‭ ‬التشريعية،‭ ‬دفعت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬التقييدية،‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬إصلاح‭ ‬التجارة‭ ‬وقانون‭ ‬الرقائق‭ ‬والعلوم،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬للشركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرئيسة‭ ‬مع‭ ‬حماية‭ ‬الصناعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المحلية،‭ ‬ولم‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬التشريعات‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصينية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أدت‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭.‬

في‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدولية،‭ ‬أظهرت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬موقفا‭ ‬صارما،‭ ‬مثل‭ ‬التمسك‭ ‬بآرائها‭ ‬الخاصة‭ ‬بشأن‭ ‬إصلاح‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬ورفض‭ ‬قبول‭ ‬القواعد‭ ‬التجارية‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف،‭ ‬وحتى‭ ‬التهديد‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭. ‬كما‭ ‬ضغط‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬حلفائه‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬تجاه‭ ‬الصين‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬التجارة‭ ‬والأمن،‭ ‬مثل‭ ‬مطالبة‭ ‬اليابان‭ ‬بخفض‭ ‬فائضها‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

لا‭ ‬تعزز‭ ‬هذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لها‭ ‬أيضا‭ ‬تأثير‭ ‬عميق‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنفيذ‭ ‬السريع‭ ‬للأوامر‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬المؤسسي‭ ‬على‭ ‬التدابير‭ ‬التشريعية‭ ‬،‭ ‬والموقف‭ ‬المتشدد‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدولية‭ ‬،‭ ‬نجحت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لسلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التقييدية‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬أثارت‭ ‬أيضا‭ ‬جدلا‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬وإجراءات‭ ‬مضادة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

تأثير‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني

التأثير‭ ‬على‭ ‬تجارة‭ ‬الصين

أثّرت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬تذبذبًا‭ ‬ملحوظًا‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬وبعد‭ ‬فرض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬رسومًا‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬الصينية،‭ ‬انخفض‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬الثنائية‭ ‬من‭ ‬635.97‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬633.52‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ثم‭ ‬تراجع‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬541.22‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬

هذا‭ ‬التراجع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كميًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬انعكس‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬التجارة‭. ‬فقد‭ ‬تأثرت‭ ‬صادرات‭ ‬الصين‭ ‬التقليدية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬مثل‭ ‬المنتجات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬والكهربائية،‭ ‬والأثاث،‭ ‬ولعب‭ ‬الأطفال،‭ ‬فيما‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الإمدادات‭ ‬الطبية‭ ‬والمنتجات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬زيادة‭ ‬بفعل‭ ‬الطلب‭ ‬المتصاعد‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭.‬

أسهمت‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬التكاليف‭ ‬وتقلص‭ ‬الحصص‭ ‬السوقية‭ ‬للمصدّرين‭ ‬الصينيين،‭ ‬إذ‭ ‬اضطرت‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬منتجاتها‭ ‬لمواكبة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬قدرتها‭ ‬التنافسية،‭ ‬واستحواذ‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬حصصها‭ ‬في‭ ‬السوق‭.‬

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬التأثيرات‭ ‬على‭ ‬الصادرات،‭ ‬بل‭ ‬طالت‭ ‬أيضًا‭ ‬الواردات‭ ‬الصينية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المنتجات‭ ‬عالية‭ ‬التقنية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬الصناعية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬فائض‭ ‬الصين‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬تجارتها‭ ‬مع‭ ‬شركاء‭ ‬آخرين‭ ‬مثل‭ ‬دول‭ ‬الآسيان،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٠٢٠٢‬‭ ‬نحو‭ ‬684‭.‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بزيادة‭ ‬7‭% ‬عن‭ ‬العام‭ ‬السابق،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬آثار‭ ‬عدم‭ ‬التوازن‭ ‬التجاري،‭ ‬مما‭ ‬يخفف‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬عدم‭ ‬التوازن‭ ‬التجاري‭. ‬

وعليه،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬شكّلت‭ ‬تحديًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬للتجارة‭ ‬الصينية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬دفعت‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬أسواقها‭ ‬والارتقاء‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬القيمة‭ ‬الصناعية،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬تقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭.‬

التأثير‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬الصيني

كان‭ ‬للاستثمار‭ ‬نصيبه‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬سياسة‭ ‬ترامب‭ ‬الانعزالية،‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬الاستثمار‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬فرص‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حساسة‭ ‬كالتكنولوجيا‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬منعت‭ ‬لجنة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬CFIUS‭) ‬صفقة‭ ‬استحواذ‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬Ant‭ ‬Financial‮»‬‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬MoneyGram‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بدعوى‭ ‬وجود‭ ‬تهديد‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬قلقًا‭ ‬واسعًا‭ ‬بين‭ ‬المستثمرين‭ ‬الصينيين‭.‬

ساهمت‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬المخاطر‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ودفع‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬الاستثمارية‭ ‬العالمية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬تحويل‭ ‬تركيزها‭ ‬الاستثماري‭ ‬نحو‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق،‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬وأوروبا‭.‬

فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الصيني‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬بزيادة‭ ‬قدرها‭ ‬37%‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعام‭ ‬السابق‭. ‬ولم‭ ‬يسهم‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تنويع‭ ‬المخاطر،‭ ‬بل‭ ‬فتح‭ ‬أيضًا‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬أمام‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة‭.‬

أما‭ ‬داخليًا،‭ ‬فقد‭ ‬أسهم‭ ‬التوتر‭ ‬التجاري‭ ‬المتصاعد‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭ ‬بتنمية‭ ‬السوق‭ ‬المحلية‭ ‬وتحسين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المستقل‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬ارتفع‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬بنسبة‭ ‬30%‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعام‭ ‬السابق،‭ ‬كاستجابة‭ ‬مباشرة‭ ‬للحصار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الأمريكي‭.‬

وبذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬لم‭ ‬تُقيّد‭ ‬فقط‭ ‬الاستثمار‭ ‬الصيني،‭ ‬بل‭ ‬شكّلت‭ ‬أيضًا‭ ‬دافعًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬خريطة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الصيني‭ ‬محليًا‭ ‬وعالميًا‭.‬

التأثير‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬الصين

امتد‭ ‬أثر‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬تحديات‭ ‬وفرص‭ ‬متزامنة‭. ‬فمن‭ ‬جهة،‭ ‬أدت‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬خطوط‭ ‬إنتاجها‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬وفيتنام،‭ ‬لتجنّب‭ ‬التكاليف‭ ‬الجمركية‭ ‬الإضافية‭. ‬وقد‭ ‬سارعت‭ ‬شركات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬فوكسكون‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬السلسلة‭ ‬الصناعية‭ ‬إقليميًا‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬شكّل‭ ‬الحصار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مثل‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات،‭ ‬تحديًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬أمام‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭. ‬فقد‭ ‬منعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تصدير‭ ‬المعدات‭ ‬والتقنيات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ما‭ ‬أثّر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬دفع‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬جهود‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬المستقل،‭ ‬والسعي‭ ‬نحو‭ ‬الاستبدال‭ ‬المحلي‭ ‬للتقنيات‭ ‬الأجنبية‭.‬

وفي‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعات‭ ‬الناشئة،‭ ‬كان‭ ‬الضغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬محفزًا‭ ‬واضحًا‭ ‬نحو‭ ‬الابتكار‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬شركة‭ ‬هواوي،‭ ‬سارعت‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬نظام‭ ‬التشغيل‭ ‬‮«‬Harmony OS‮»‬‭ ‬كبديل‭ ‬لأنظمة‭ ‬التشغيل‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬عززت‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬وطنية‭ ‬متكاملة‭.‬

كما‭ ‬شجعت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والطاقة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬تحول‭ ‬هيكلها‭ ‬الصناعي‭ ‬نحو‭ ‬الابتكار‭ ‬والاستدامة‭.‬

بالمحصلة،‭ ‬ورغم‭ ‬التحديات‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصناعة‭ ‬الصينية‭ ‬حققت‭ ‬تقدّمًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الابتكار‭ ‬الذاتي‭ ‬والتخطيط‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬مؤكدة‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬والاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬العالمية‭.‬

تأثير‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الصينية

التأثير‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية

تسببت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬الثقة‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬أصبحت‭ ‬الاحتكاكات‭ ‬التجارية‭ ‬محور‭ ‬التوتر‭ ‬الأساسي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فرضت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تعريفات‭ ‬جمركية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الواردات‭ ‬الصينية،‭ ‬مما‭ ‬قوض‭ ‬أسس‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

تجلى‭ ‬تراجع‭ ‬الثقة‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬تفكك‭ ‬قنوات‭ ‬الاتصال‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬إذ‭ ‬ألغت‭ ‬واشنطن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬الثنائية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى،‭ ‬مثل‭ ‬المشاورات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية،‭ ‬كما‭ ‬تعرقل‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬دولية‭ ‬ملحّة،‭ ‬مثل‭ ‬ملف‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬الثنائي‭.‬

كما‭ ‬شهدت‭ ‬حالة‭ ‬التعاون‭ ‬والمواجهة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬تغيرات‭ ‬ملحوظة‭. ‬اتسع‭ ‬موقف‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬مثل‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬والصحة‭ ‬العامة‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬اختلفت‮»‬‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬مثل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أيضا‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬الحكم‭ ‬العالمي‭.‬

على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬التأثير‭ ‬المحتمل‭ ‬لسياسة‭ ‬العزلة‭ ‬لإدارة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭. ‬فمن‭ ‬ناحية،‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الثقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬لإصلاحه‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬ونفوذها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬أكثر‭ ‬تنوعا‭.‬

التأثير‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬الصين‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى

دفعت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الصين‭ ‬توسيع‭ ‬تعاونها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬فعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي،‭ ‬عززت‭ ‬الصين‭ ‬شراكاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬عبر‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق،‭ ‬ووقعت‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشاملة‭ (‬RCEP‭) ‬في‭ ‬2020،‭ ‬التي‭ ‬ضمّت‭ ‬دول‭ ‬الآسيان،‭ ‬اليابان،‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وفتحت‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬للتكامل‭ ‬التجاري‭.‬

كما‭ ‬شهدت‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬الروسية‭ ‬تطورًا‭ ‬ملحوظًا،‭ ‬مع‭ ‬تعميق‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطاقة‭ ‬والدفاع‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬كردّ‭ ‬استراتيجي‭ ‬مشترك‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭.‬

في‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية،‭ ‬كثفت‭ ‬الصين‭ ‬أنشطتها‭ ‬الاستثمارية‭ ‬والتعاونية‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬منتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني-الأفريقي‮»‬،‭ ‬وركزت‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والزراعة‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬متجاوزة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وحققت‭ ‬تقدمًا‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العالية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬واشنطن‭ ‬استقطاب‭ ‬الحلفاء‭ ‬لعزل‭ ‬الصين‭.‬

بوجه‭ ‬عام،‭ ‬دفعت‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬وفاعلية،‭ ‬مستثمرةً‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬والتعددية‭ ‬لتوسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬وتعزيز‭ ‬صورتها‭ ‬كقوة‭ ‬مسؤولة‭.‬

التأثير‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الصين‭ ‬الدولية‭ ‬والخطاب‭ ‬الدولي

لم‭ ‬تكن‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬مجرد‭ ‬عامل‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬بل‭ ‬أثرت‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الصين‭ ‬الدولية‭ ‬والخطاب‭ ‬السائد‭ ‬حولها‭. ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الترويج‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ»نظرية‭ ‬التهديد‭ ‬الصيني‮»‬،‭ ‬بهدف‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬الصين‭ ‬عالميًا‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬كثّفت‭ ‬بكين‭ ‬جهودها‭ ‬لتحسين‭ ‬صورتها‭ ‬كقوة‭ ‬تنموية‭. ‬فقد‭ ‬وقّعت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تعاون‭ ‬ضمن‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬140‭ ‬دولة،‭ ‬وقدّمت‭ ‬مساعدات‭ ‬لقاحية‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬دولة‭ ‬ومنظمة‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬مما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬حضورها‭ ‬الإنساني‭.‬

من‭ ‬حيث‭ ‬الخطاب‭ ‬الدولي،‭ ‬أضعفت‭ ‬سياسات‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الانعزالية‭ ‬نفوذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬ووفرت‭ ‬للصين‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الحوكمة‭ ‬العالمية‭. ‬

لعبت‭ ‬الصين‭ ‬دورا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشاملة‭ (‬RCEP‭) ‬وعززت‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تحدثت‭ ‬الصين‭ ‬بنشاط‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬مثل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬وطرحت‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬مجتمع‭ ‬مصير‭ ‬مشترك‭ ‬للبشرية‮»‬،‭ ‬وعززت‭ ‬صوتها‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القواعد‭ ‬الدولية‭. ‬تواجه‭ ‬الصين‭ ‬أيضا‭ ‬تقارير‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬حول‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للصين‭ ‬،‭ ‬مثل‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بشينجيانغ‭ ‬وهونغ‭ ‬كونغ‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬معين‭ ‬على‭ ‬صورتها‭ ‬الدولية

‭.‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬،‭ ‬أنشأت‭ ‬الصين‭ ‬بنشاط‭ ‬صورة‭ ‬دولية‭ ‬حقيقية‭ ‬وثلاثية‭ ‬الأبعاد‭ ‬وشاملة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الاتصال‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬مثل‭ ‬توسيع‭ ‬التغطية‭ ‬العالمية‭ ‬ل‭ ‬CGTN‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأخرى‭. ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬تمثل‭ ‬سياسة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬فرصا‭ ‬وتحديات‭ ‬جديدة‭ ‬للصين،‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬مكانتها‭ ‬وصوتها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬والدعوة‭ ‬الاستباقية‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button