General news

خلافات بينية وتحديات عالمية أفرزتها قمة مجموعة العشريــن بإندونيسيا

عبدالحافظ الصاوي - مدير مركز المسار للدراسات الإنسانية

نسبةٌ‭ ‬كبيرةٌ‭ ‬من‭ ‬النَّاتج‭ ‬المحلي‭ ‬العالمي‭ ‬تحقِّقها‭ ‬دولُ‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين،‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬نهايةِ‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولَمع‭ ‬نجمها‭ ‬بعد‭ ‬الأزمةِ‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008م،‭ ‬حيث‭ ‬حَوَت‭ ‬أجندتُها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬اجتماعاتها‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2008م‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المُهمة‭ ‬عالميًّا‭.‬

وبلغ‭ ‬الناتج‭ ‬المحليُّ‭ ‬الإجماليُّ‭ (‬96.1‭) ‬تريليون‭ ‬دولارٍ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021م،‭ ‬حسب‭ ‬أرقام‭ ‬قاعدةِ‭ ‬بياناتِ‭ ‬البنك‭ ‬الدوليّ،‭ ‬وتساهم‭ ‬دولُ‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭ ‬بنسبةٍ‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ (‬75%‭ – ‬77%‭) ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحليِّ‭ ‬الإجماليّ‭.‬

‭ ‬وتأتي‭ ‬الولاياتُ‭ ‬المتَّحدة‭ ‬الأمريكيَّة‭ ‬على‭ ‬قِمة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬الناتجِ‭ ‬المحليِّ‭ ‬العالميّ،‭ ‬حيث‭ ‬حققت‭ ‬ناتجًا‭ ‬بقيمةِ‭ (‬22.9‭) ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬تليها‭ ‬الصين‭ ‬بناتجٍ‭ ‬محليٍّ‭ ‬قيمته‭ (‬17.7‭) ‬تريليون‭ ‬دولار‭.‬

أما‭ ‬إندونيسيا‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬قمَّة‭ ‬قادةِ‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين،‭ ‬فإنَّها‭ ‬تحتلُّ‭ ‬المرتبةَ‭ ‬الـ‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬دولِ‭ ‬المجموعة،‭ ‬بناتجٍ‭ ‬محليٍّ‭ ‬إجمالي‭ ‬قيمته‭ (‬1.18‭) ‬تريليون‭ ‬دولارٍ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021م،‭ ‬ولديها‭ ‬صادراتٌ‭ ‬سِلعيةٌ‭ ‬بقيمة‭ ‬230‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تقريبًا،‭ ‬ووارداتٌ‭ ‬سلعيةٌ‭ ‬بقيمة‭ ‬196‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنَّ‭ ‬الميزانَ‭ ‬التجاري‭ ‬لإندونيسيا‭ ‬يحقق‭ ‬فائضًا‭ ‬بنحو‭ ‬34‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تقريبًا‭.‬

واللَّافتُ‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الصَّادراتِ‭ ‬السِّلعيةِ‭ ‬لإندونيسيا‭ ‬أنها‭ ‬تحقق‭ ‬قرابةَ‭ (‬7.5‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬صادراتِ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وتُعتبر‭ ‬إندونيسيا‭ ‬أحد‭ ‬الدُّول‭ ‬التي‭ ‬اتَّجهت‭ ‬إليها‭ ‬الشركاتُ‭ ‬الأمريكيةُ‭ ‬لتكون‭ ‬بديلًا‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬بعد‭ ‬الحربِ‭ ‬التجاريةِ‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2018م،‭ ‬إبّان‭ ‬ولايةِ‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬للرئاسةِ‭ ‬الأمريكيَّة‭.‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬استراتيجيةُ‭ ‬استغناء‭ ‬الشَّركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬الصين‭ ‬خلال‭ ‬الفترةِ‭ ‬القادمة،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬قاصرةً‭ ‬على‭ ‬التَّوجه‭ ‬لمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬التَّصنيع‭ ‬مع‭ ‬إندونيسيا‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬سيشملُ‭ ‬ذلك‭ ‬العديدَ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬الآسيوية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيحقق‭ ‬لأمريكا‭ ‬أمرَين‭ ‬مهمَّين‭: ‬أولهما‭ ‬توطيدُ‭ ‬التواجد‭ ‬الأمريكي‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬عبرَ‭ ‬المصالِح‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والآخر‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬محاصرةِ‭ ‬تمدد‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مُحيطها‭ ‬الآسيوي،‭ ‬وسيُمثِّل‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬ميزةً‭ ‬اقتصاديةً‭ ‬وسياسيةً‭ ‬للدول‭ ‬الآسيويةِ‭ ‬المُختارة‭.‬

الدبلوماسية‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬البيان‭ ‬الختامي

‭ ‬انتهت‭ ‬اجتماعاتُ‭ ‬قِمة‭ ‬قادة‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المتوقَّع،‭ ‬حيث‭ ‬أمكنَ‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬بيانٍ‭ ‬ختاميٍّ،‭ ‬كان‭ ‬يتخوَّف‭ ‬من‭ ‬ألّا‭ ‬تصِلَ‭ ‬إليه‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مدينةُ‭ (‬بالي‭) ‬في‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬خلال‭ ‬يومَي‭ ‬15-16‭/‬نوفمبر‭ ‬2022م‭. ‬

وقد‭ ‬أتت‭ ‬هذه‭ ‬المَخاوِف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬الأعمالُ‭ ‬التَّحضيريةُ‭ ‬التي‭ ‬عُقِدت‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الفترةِ‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬وحتى‭ ‬يوليو‭/ ‬2022م،‭ ‬حيث‭ ‬خرج‭ ‬اجتماعُ‭ ‬وزراءِ‭ ‬الخارجية‭ ‬لدول‭ ‬المجموعة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭/ ‬2022م،‭ ‬دونَ‭ ‬الوصول‭ ‬لاتفاقٍ‭ ‬لإصدار‭ ‬بيانٍ‭ ‬ختامي،‭ ‬أو‭ ‬أبسط‭ ‬البرتوكولات،‭ ‬حيث‭ ‬تعذَّرَ‭ ‬التقاط‭ ‬صورةٍ‭ ‬جماعيةٍ‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬اجتماعاتِ‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجيةِ‭ ‬للمجموعة‭.‬

إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬البيانَ‭ ‬الختاميَّ‭ ‬لقادة‭ ‬المجموعة‭ ‬توصَّل‭ ‬إلى‭ ‬عدةِ‭ ‬محاور‭ ‬تُمثِّل‭ ‬محلَّ‭ ‬اتفاقٍ‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬المشاركين،‭ ‬وبقيت‭ ‬نقطةُ‭ ‬الخِلاف‭ ‬بشأن‭ ‬الإدانةِ‭ ‬الجماعية‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاتِّفاق‭ ‬على‭ ‬تَوصيفٍ‭ ‬لها‭.‬

‭ ‬ولكنَّ‭ ‬البيان‭ ‬ذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬غالبيةَ‭ ‬الدُّول‭ ‬الأعضاء‭ ‬تُدين‭ ‬بحزمٍ‭ ‬الحربَ‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتَعتبر‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬النِّزاع‭ ‬يُقوِّض‭ ‬الاقتصادَ‭ ‬العالمي؛‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬خرجت‭ ‬قمةُ‭ ‬قادة‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬دونَ‭ ‬تحقيق‭ ‬الاتِّفاق‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجموعةِ‭ ‬على‭ ‬موقفٍ‭ ‬محدد،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الأغلبيةُ‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تبلورَ‭ ‬موقفَها‭ ‬في‭ ‬نصِّ‭ ‬البيان‭ ‬الختاميّ‭.‬

وثمَّةَ‭ ‬موضوعاتٌ‭ ‬أخرى‭ ‬توصَّل‭ ‬إليها‭ ‬قادةُ‭ ‬المجموعة،‭ ‬اتَّفق‭ ‬عليها‭ ‬الجميعُ‭ ‬وتضمَّنها‭ ‬البيانُ‭ ‬الختامي،‭ ‬ومن‭ ‬تلكَ‭ ‬الموضوعات‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

حثُّ‭ ‬الدول‭ ‬المُتقدمة‭ ‬على‭ ‬الوفاءِ‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬بتقديم‭ (‬100‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬سنويًّا‭ ‬لتخفيف‭ ‬آثار‭ ‬تغيُّرِ‭ ‬المناخ،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬البَند‭ ‬بالبيان‭ ‬الختامي‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬لغةَ‭ ‬الخِطاب‭ ‬تجاه‭ ‬الدُّول‭ ‬المتقدمةِ‭ ‬بشأن‭ ‬التزاماتها‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬عالميةٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬تقديم‭ ‬حصَّتها‭ ‬من‭ ‬الناتجِ‭ ‬المَحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لمساعدةِ‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة،‭ ‬أو‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتنازُلِ‭ ‬عن‭ ‬ديون‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرةِ‭ ‬والأشد‭ ‬فقرًا،‭ ‬حيث‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬لا‭ ‬تَفِي‭ ‬الدولُ‭ ‬المتقدمةُ‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬على‭ ‬نفسِها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العُقود‭ ‬الماضية‭. ‬

تسريع‭ ‬الجهود‭ ‬نحو‭ ‬التخلُّص‭ ‬التدريجيِّ‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الفحمِ‭ ‬لتوليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الظُّروف‭ ‬الوطنية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالحاجة‭ ‬للدَّعمِ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عمليات‭ ‬تحولٍ‭ ‬عادلةٍ،‭ ‬وهذا‭ ‬البند‭ ‬يمثِّل‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬العَمى‭ ‬فيما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مَشهد‭ ‬أزمة‭ ‬الطاقةِ‭ ‬العالميّ،‭ ‬حيث‭ ‬لجأت‭ ‬بعضُ‭ ‬الدُّول‭ ‬للعودةِ‭ ‬لاستخدام‭ ‬الفحم‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬مرةً‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استغنت‭ ‬عنه؛‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النِّفط‭ ‬والغاز،‭ ‬فضلًا‭ ‬عمَّا‭ ‬تعانيه‭ ‬بعضُ‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬صعوبةِ‭ ‬الإمدادات‭.‬

التأكيد‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالسَّعي‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬دول‭ ‬المجموعة‭ ‬لتحقيقِ‭ ‬هدف‭ ‬اتفاقيَّة‭ ‬الأُمم‭ ‬المتَّحدة‭ ‬الإطاريةِ‭ ‬بشأن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التَّصدي‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬التَّنفيذ‭ ‬الكامل‭ ‬والفعَّال‭ ‬لاتفاق‭ ‬باريس،‭ ‬وهدفه‭ ‬المُتعلِّق‭ ‬بدرجةِ‭ ‬الحرارة‭.‬

الهروب‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬الطاقة

كانت‭ ‬قضيةُ‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حاضرةً‭ ‬بقوةٍ‭ ‬على‭ ‬أجندةِ‭ ‬أعمال‭ ‬قادة‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬أعلاه،‭ ‬لم‭ ‬تحسم‭ ‬القمةُ‭ ‬أمرَها‭ ‬في‭ ‬قرارٍ‭ ‬أو‭ ‬توصيةٍ‭ ‬تُمثِّل‭ ‬إجماعَ‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬الرأيَ‭ ‬صدر‭ ‬ليعبِّرَ‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬الأغلبية،‭ ‬وثَمة‭ ‬فارقٌ‭ ‬كبيرٌ‭ ‬بين‭ ‬الأمرين‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يُتوقَّع‭ ‬أن‭ ‬يتناولَ‭ ‬قادةُ‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬مستقبلَ‭ ‬أزمة‭ ‬الطَّاقة،‭ ‬في‭ ‬ظِل‭ ‬مساهمتها‭ ‬البارزةِ‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬التضخُّم‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬اقتصاديات‭ ‬الدول‭ ‬كافةً،‭ ‬وأحدثت‭ ‬خللًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬اقتصاديات‭ ‬الدولِ‭ ‬الأوروبيةِ‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التَّحديد‭.‬

فالأزمةُ‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬بعضُ‭ ‬أعضاء‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين،‭ ‬كما‭ ‬يتضرَّر‭ ‬منها‭ ‬البعضُ‭ ‬الآخر،‭ ‬وبحُكمِ‭ ‬أنَّ‭ ‬قضيةَ‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬أبرزِ‭ ‬قضايا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السِّياسي،‭ ‬فإنَّ‭ ‬هناك‭ ‬توظيفًا‭ ‬للأزمةِ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المحيطِ‭ ‬الدولي،‭ ‬بِبُعديه‭ ‬الإقليميِّ‭ ‬والعالميّ‭.‬

فالسعوديَّة‭ ‬وروسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬من‭ ‬كِبار‭ ‬مُنتجي‭ ‬ومصدِّري‭ ‬النفط،‭ ‬وهناك‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مُستوردي‭ ‬النفط،‭ ‬ومن‭ ‬صالِح‭ ‬المُصدِّرين‭ ‬أن‭ ‬تستمرَّ‭ ‬الأزمة؛‭ ‬لما‭ ‬تعكسه‭ ‬من‭ ‬عوائد‭ ‬ماليةٍ‭ ‬عاليةٍ،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الدلالاتِ‭ ‬السياسيةِ‭ ‬لتوظيف‭ ‬ورقة‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الصراعِ‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬جهة؛‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬من‭ ‬جهةٍ‭ ‬أخرى‭.‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬الهند‭ ‬والصِّين‭ ‬من‭ ‬الدُّول‭ ‬التي‭ ‬تستورد‭ ‬النفط‭ ‬بكمياتٍ‭ ‬كبيرةٍ،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّهما‭ ‬حققتا‭ ‬استفادةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬جراء‭ ‬تبني‭ ‬روسيا‭ ‬لاستراتيجيةِ‭ ‬‮«‬النفط‭ ‬الرخيص‮»‬،‭ ‬مِمَّا‭ ‬مكنهما‭ ‬من‭ ‬التَّعايُش‭ ‬مع‭ ‬أزمةِ‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الطَّاقة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غيرهما،‭ ‬وتحجيم‭ ‬الضُّغوط‭ ‬التضخميَّةِ‭ ‬في‭ ‬اقتصادهما‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬تمكَّنت‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬مخزوناتٍ‭ ‬استراتيجيةٍ‭ ‬جيدةٍ،‭ ‬كما‭ ‬لجأت‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬تدويرِ‭ ‬بعض‭ ‬صادراتِها‭ ‬النفطيةِ‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬السُّوق‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادةِ‭ ‬تصدير‭ ‬النِّفط‭ ‬الروسي،‭ ‬محققةً‭ ‬أرباحًا‭ ‬ملموسةً،‭ ‬حيثُ‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الروسي‭ ‬بأسعارٍ‭ ‬تقلُّ‭ ‬30‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل‭ ‬عن‭ ‬أسعارِ‭ ‬السوقِ‭ ‬الدولية،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تصدره‭ ‬لأوروبا‭ ‬بأسعارِ‭ ‬السوق‭.‬

لم‭ ‬تُسفِر‭ ‬اجتماعاتُ‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭ ‬عن‭ ‬تبني‭ ‬سياساتٍ‭ ‬جماعيةٍ‭ ‬تجاه‭ ‬قضيةِ‭ ‬الطاقة،‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بضمان‭ ‬تدفُّقِ‭ ‬احتياجات‭ ‬الدُّول‭ ‬من‭ ‬النِّفط‭ ‬والغاز،‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬سقفٍ‭ ‬لأسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬السُّوق‭ ‬الدولية،‭ ‬أو‭ ‬إيجاد‭ ‬دورٍ‭ ‬لوكالة‭ ‬الطاقةِ‭ ‬الدولية‭ ‬يُمكن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬مواجهة‭ ‬تكتُّل‭ ‬‮«‬أوبك‭ +‬‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

أيضًا‭ ‬غابت‭ ‬قضيةُ‭ ‬العقوباتِ‭ ‬الاقتصاديةِ‭ ‬الأمريكيةِ‭ ‬والأوروبيةِ‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬بسبب‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فكان‭ ‬مُنتظر‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬للزجِّ‭ ‬بالمجموعةِ‭ ‬لتبنّي‭ ‬قراراتٍ‭ ‬بشأن‭ ‬بقاء‭ ‬أو‭ ‬تشديد‭ ‬العقوباتِ‭ ‬الاقتصاديةِ‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬باسم‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭.‬

منافسة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النزاع

غاب‭ ‬عن‭ ‬حضورِ‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬الرئيسُ‭ ‬الروسيُّ‭ (‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭)‬،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬الأنظارَ‭ ‬كانت‭ ‬متعلقةً‭ ‬باللقاء‭ ‬المُرتقب‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬والصيني‭ (‬شي‭ ‬جينبينغ‭)‬،‭ ‬وخرج‭ ‬البيانُ‭ ‬المُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬لقاء‭ ‬الرئيسَين‭ ‬ليعكسَ‭ ‬سياسةً‭ ‬جديدةً،‭ ‬عبَّرا‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قدرةِ‭ ‬الدولتين‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬خلافاتهما‭ ‬في‭ ‬إطارٍ‭ ‬من‭ ‬التَّنافس‭ ‬غير‭ ‬المُفضِي‭ ‬إلى‭ ‬نزاع‭.‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬ركزت‭ ‬بشكلٍ‭ ‬واضحٍ‭ ‬على‭ ‬ملف‭ ‬تايوان،‭ ‬باعتباره‭ ‬خطًّا‭ ‬أحمرَ‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬أمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬تَعتبرُ‭ ‬الصين‭ ‬الأراضي‭ ‬التايوانيةَ‭ ‬جزءًا‭ ‬منها،‭ ‬وهي‭ ‬تعبيراتٌ‭ ‬دبلوماسيةٌ‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تخرجَ‭ ‬قمة‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭ ‬بشكلٍ‭ ‬يعكس‭ ‬حالةَ‭ ‬نجاح‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلَّق‭ ‬بإدارةِ‭ ‬المُنافسة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النِّزاع،‭ ‬فهو‭ ‬شعارٌ‭ ‬برَّاقٌ،‭ ‬فليس‭ ‬بالضرورةِ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النزاعُ‭ ‬مسلحًا‭ ‬وخشنًا،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬الواقعَ‭ ‬يشهد‭ ‬الحربَ‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ،‭ ‬والتي‭ ‬تتجلَّى‭ ‬صورتها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬شديد‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬عزم‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬حجبِ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬عن‭ ‬الشَّركاتِ‭ ‬الصينية،‭ ‬وإصدار‭ ‬القوانين‭ ‬والقراراتِ‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مُحاصَرة‭ ‬الصين‭ ‬تكنولوجيًّا‭.‬

ومن‭ ‬غير‭ ‬المُتصوَّر‭ ‬أن‭ ‬تُسلِّم‭ ‬الصين‭ ‬للاستراتيجيةِ‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقبول‭ ‬الصِّين‭ ‬بهذه‭ ‬الاستراتيجيَّة،‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬إطارها،‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تعودَ‭ ‬الصين‭ ‬مرةً‭ ‬أخرى‭ ‬تحت‭ ‬مظلةِ‭ ‬أمريكا،‭ ‬وأن‭ ‬يقتصرَ‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬اعتبارها‭ ‬مُجرَّد‭ ‬مصنع‭ ‬العالم‭.‬

فالصين‭ ‬لن‭ ‬تقبلَ‭ ‬العودةَ‭ ‬للوراء،‭ ‬حيث‭ ‬إنَّها‭ ‬تزيدُ‭ ‬من‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬البحثِ‭ ‬والتَّطوير،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬إنفاقُ‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬البحثِ‭ ‬والتَّطوير‭ ‬قرابةَ‭ ‬2.14%‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحليِّ‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وصل‭ ‬هذا‭ ‬الإنفاقُ‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬إلى‭ ‬نسبةِ‭ ‬2.40%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭.‬

ولا‭ ‬يغيبُ‭ ‬عن‭ ‬أداءِ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬سلوكُ‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬توسُّع‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬خريطةِ‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬الحرير‮»‬‭ ‬وكذلك‭ ‬بنك‭ ‬التَّنمية‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬الآسيوي،‭ ‬كما‭ ‬تُعتبر‭ ‬الصين‭ ‬ثاني‭ ‬مُقرِضٍ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬المؤسساتِ‭ ‬الماليةِ‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغُ‭ ‬قروضها‭ ‬الخارجية‭ ‬المقدَّمة‭ ‬للدولِ‭ ‬الناميةِ‭ ‬بما‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ (‬500‭ ‬مليار‭- ‬1‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭).‬

صراع‭ ‬ممتد

قد‭ ‬تُخفي‭ ‬الصورُ‭ ‬المُبهِجة‭ ‬والكلماتُ‭ ‬المعسولة‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات‭ ‬الصراعَ‭ ‬المُحتدِمَ‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكُبرى،‭ ‬وهو‭ ‬صراعٌ‭ ‬يتَّخِذ‭ ‬أشكالًا‭ ‬مُتعددة،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الصورةُ‭ ‬الخِتامية‭ ‬التي‭ ‬عكستها‭ ‬اجتماعاتُ‭ ‬قادة‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الخادِعة‭.‬

فالصِّراعُ‭ ‬القائم‭ ‬مُتعدِّد‭ ‬المحاور،‭ ‬كما‭ ‬تغيب‭ ‬عنه‭ ‬الأبعادُ‭ ‬الأيديولوجيَّة،‭ ‬وتحكمه‭ ‬المصالحُ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ،‭ ‬فالتجمع‭ ‬الذي‭ ‬يضمُّ‭ ‬مجموعةَ‭ ‬العشرين‭ ‬لا‭ ‬يُمثل‭ ‬تكتلًا‭ ‬تحكمه‭ ‬قوانين‭ ‬أو‭ ‬لوائح،‭ ‬ولكن‭ ‬مجرد‭ ‬منتدىً‭ ‬تُطرح‭ ‬فيه‭ ‬أجندة‭ ‬قضايا‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وليس‭ ‬لِما‭ ‬تُفضي‭ ‬إليه‭ ‬اجتماعات‭ ‬المجموعة‭ ‬أيُّ‭ ‬صفةٍ‭ ‬إلزاميةٍ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬رصده‭ ‬بوضوحٍ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬مضمون‭ ‬البياناتِ‭ ‬الختاميةِ‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كلِّ‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العشرين‭.‬

ما‭ ‬يراهن‭ ‬عليه‭ ‬البعضُ‭ ‬من‭ ‬ميلاد‭ ‬نظامٍ‭ ‬اقتصاديٍّ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬بروز‭ ‬بعض‭ ‬الأدوار‭ ‬لتجمُّع‭ ‬البريكس،‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه؛‭ ‬لوجود‭ ‬مصالح‭ ‬كبيرة‭ ‬تربط‭ ‬أعضاءَ‭ ‬البريكس‭ ‬بأمريكا‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الصِّين،‭ ‬وحتى‭ ‬تجمُّع‭ ‬الآسيان‭ ‬أو‭ ‬غالبية‭ ‬الدولِ‭ ‬الآسيويةِ‭ ‬تحاول‭ ‬بناء‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬والبُعد‭ ‬عن‭ ‬المواجهات،‭ ‬بما‭ ‬يمكِّنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أفضل‭. ‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button