تقارير

دور تركيا في الجنوب العالمي في ضوء احتمالية تفكك حلف الناتو

د. زاهر البيك -كاتب وصحفي متخصص في الشئون التركية

دور‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي في‭ ‬ضوء‭ ‬احتمالية‭ ‬تفكك‭ ‬حلف‭ ‬الناتو

د. زاهر البيك -كاتب وصحفي متخصص في الشئون التركية

عاد‭ ‬الجدل‭ ‬مجددًا‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭)‬،‭ ‬عقب‭ ‬فوز‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بولاية‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬2024‭.‬

لطالما‭ ‬كان‭ ‬الحلف،‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬كامتداد‭ ‬لمعسكر‭ ‬‮«‬الحلفاء‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭ ‬بشأن‭ ‬ضرورته‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬وخلال‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬للرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬المعروف‭ ‬بنزعته‭ ‬التعديلية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬مناهضة‭ ‬الناتو‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬رسمي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

وتستند‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬ترامب‭ ‬تقصيرًا‭ ‬أوروبيًا‭ ‬في‭ ‬الإسهام‭ ‬بميزانية‭ ‬الحلف،‭ ‬إذ‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬خلال‭ ‬ولايته‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬طالب‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بالمساهمة‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬وتحمل‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬المالية،‭ ‬زاعمًا‭ ‬أنهم‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬دون‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتهم‭.‬

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أن‭ ‬نبرة‭ ‬تصريحاته‭ ‬ومستوى‭ ‬توقعاته‭ ‬قد‭ ‬ارتفعا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬الحلف‭.‬

ورغم‭ ‬العبارات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬به،‭ ‬يقوم‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬بسيط‭: ‬تتكفل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬أوروبا،‭ ‬مقابل‭ ‬استفادة‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬مناخ‭ ‬الاستقرار‭ ‬والرخاء‭ ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬وأساس‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬مرتكز‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التزام‭ ‬واشنطن‭ ‬بهذا‭ ‬الدور،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬متحمسة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أوروبا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬ويرتبط‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بتصاعد‭ ‬التهديد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬بحسب‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬إزاحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتفوق‭.‬

وكما‭ ‬أشار‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬ترغب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتوجيه‭ ‬مواردها‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬عازمة‭ ‬على‭ ‬إزاحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬مكانتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتميزة‭.‬

تلك‭ ‬الأولويات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬تهدد‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بقاء‭ ‬الناتو‭ ‬كمنظومة‭ ‬أمنية‭ ‬غربية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحلف‭ ‬يمثل‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬نظامًا‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬أوروبا،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬قررت‭ ‬واشنطن‭ ‬الانسحاب‭ ‬كليًا‭ ‬من‭ ‬الحلف،‭ ‬فإن‭ ‬تفككه‭ ‬سيكون‭ ‬مسألة‭ ‬وقت،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬فاعليته‭ ‬كانت‭ -‬وما‭ ‬تزال‭- ‬محل‭ ‬جدل‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬النقاشات‭ ‬الدائرة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬يُظهر‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬التركي‭ ‬هاكان‭ ‬فيدان‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬البنية‭ ‬الأمنية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬إن‭ ‬حدثت،‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭ ‬دون‭ ‬تركيا‮»‬‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬تستعد‭ ‬لتولي‭ ‬دور‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬ومسؤولية‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬سيناريو‭. ‬

ونظرًا‭ ‬لموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وكونها‭ ‬تمتلك‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬جيش‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬تبرز‭ ‬تركيا‭ ‬كدولة‭ ‬ينبغي‭ ‬أخذها‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبنية‭ ‬الأمنية‭ ‬الأوروبية‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬تتراجع‭ ‬في‭ ‬أجندة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬ويشمل‭ ‬بتعريفه‭ ‬الواسع‭ ‬دول‭ ‬أفريقيا،‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وجنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬

وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تُصنّف‭ ‬تركيا‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬نالت‭ ‬استقلالها‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬عن‭ ‬قوى‭ ‬الشمال‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬ترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الاستقلال‭ ‬إلى‭ ‬إنجازات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ملموسة‭.‬

ويُعد‭ ‬مفهوم‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬ستين‭ ‬عامًا،‭ ‬من‭ ‬المفاتيح‭ ‬الأساسية‭ ‬لفهم‭ ‬تحولات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬دفع‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وتحويل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تركيزها‭ ‬نحو‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬حصلت‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬أهدافها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الاستقلال‭ ‬الاقتصادي‭. ‬

تميل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬موثوقيتها‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتعرض‭ ‬عليها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬بكثير‭ ‬مقارنة‭ ‬بمنافسيها،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الشمال‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬شركائها‭ ‬التاريخيين‭ ‬والقسريين‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تبرز‭ ‬تركيا‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬إقليمية‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬التركية،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأفريقي،‭ ‬ورابطة‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ (‬آسيان‭)‬،‭ ‬ومنظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬علاقاتها‭ ‬الثنائية‭ ‬المتنامية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وقد‭ ‬كرّست‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رؤية‭ ‬‮«‬قرن‭ ‬تركيا‮»‬‭ ‬لتوسيع‭ ‬وتعميق‭ ‬حضورها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬هادفة‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭.‬

وتنتهج‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬سياسات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬موازنة‭ ‬سياسات‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬مدمرة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬نضج‭ ‬سياساتها‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقيام‭ ‬بأنشطة‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كالصومال‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭. ‬

كذلك‭ ‬تدافع‭ ‬بشعار‭ ‬‮«‬حلول‭ ‬محلية‭ ‬للمشكلات‭ ‬المحلية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬أطروحة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬انخراط‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬المشكلات‭ ‬الإقليمية‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تنتقد‭ ‬وجود‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬نهج‭ ‬تركيا‭ ‬تجاه‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬نموذج‭ ‬للشراكة‭ ‬المتساوية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬الربح‭ ‬للجميع،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الفهم‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬وتعترف‭ ‬بدول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬ككيانات‭ ‬متساوية‭ ‬معها،‭ ‬وتبني‭ ‬علاقاتها‭ ‬معها‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك‭. ‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬دعونا‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬أيضًا‭ ‬تعتبر‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وتسعى‭ ‬تركيا‭ -‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭- ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬لنفسها‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتعزيز‭ ‬استقلالها‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وتنويع‭ ‬فرص‭ ‬التعاون‭ ‬أمامها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬عضوية‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬تقودها‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أساسًا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬العالمي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعد‭ ‬بمثابة‭ ‬تجسيد‭ ‬لانتقاد‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭. ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬دعوة‭ ‬تركيا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬تعد‭ ‬أمرًا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬فهم‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يسنده‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬لتركيا‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬المتسم‭ ‬بحالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬نتيجة‭ ‬تزايد‭ ‬الصراعات‭ ‬وانعدام‭ ‬الاستقرار،‭ ‬تشعر‭ ‬تركيا‭ ‬بأنها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬بحذر‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأقوى‭ ‬منها‭ ‬والتي‭ ‬اعتادت‭ ‬تاريخيًا‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬موقف‭ ‬محرض‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬أضعف‭ ‬منها‭. ‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬تقدم‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬لتركيا‭ ‬فرصة‭ ‬بناء‭ ‬علاقاتها‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬وعادل،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة،‭ ‬أصبحت‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الشركاء‭ ‬المفضلين‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتركيا،‭ ‬نظرًا‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬زادت‭ ‬حصتها‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬العالميين‭. ‬

وكنتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬تستحوذ‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬عامًا‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬واردات‭ ‬وصادرات‭ ‬تركيا‭. ‬وتقوم‭ ‬تركيا‭ ‬بزيادة‭ ‬عدد‭ ‬بعثاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭. ‬

وقد‭ ‬زاد‭ ‬عدد‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬بعثة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬إلى‭ ‬44‭ ‬بعثة‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬المواضيع‭ ‬المتداولة‭. ‬ويحظى‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والصومال‭ ‬والسودان،‭ ‬بترحيب‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المضيفة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬التواجدات‭ ‬العسكرية‭ ‬النظيرة‭ ‬تاريخيًا‭.‬

ختامًا،‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬دور‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬شراكة‭ ‬نموذجية‮»‬‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والمساواة،‭ ‬وتحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬بعدًا‭ ‬أخلاقيًا،‭ ‬وتتبنى‭ ‬استراتيجية‭ ‬الربح‭ ‬للجميع،‭ ‬وهو‭ ‬نهج‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬تركيا‭ ‬لدور‭ ‬عالمي‭ ‬أكثر‭ ‬عدلًا‭ ‬وتوازنًا،‭ ‬ومتوافق‭ ‬أيضًا‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬تركيا‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬التي‭ ‬تقيم‭ ‬تعاونًا‭ ‬عميقًا‭ ‬وهادفًا‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬الصاعدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬أكثر‭ ‬عدلًا‭ ‬ومشاركة‭ ‬سوف‭ ‬تتولى‭ ‬حتمًا‭ ‬دور‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬تتمتع‭ ‬بميزة‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬منافسيها‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬شراكات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الربح‭ ‬للجميع‭ ‬الذي‭ ‬تهدف‭ ‬إليه‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وقدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬وتناغمها‭ ‬الاقتصادي‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button