
قراءة في كتاب : الثـقــل الآسيــــــوي في السياسة الدولية (محددات القوة الآسيوية)
تأليف: عبلة مزوزي ومجموعة مؤلفين – 2018
عرض: د.عبير عبدالله الرنتيسي
دكتـــــوراة في العلـــــوم السياسيـــــة
خلفيَّة الكِتاب:
تَحتلُّ آسيا مُنذُ القِدَم مكانًا رِيادِيَّا في أيّ فِكْر استراتيجي، حيث تُعتَبَر بوابة السَّيطرةِ على العالم، نظرًا لِعُمقِها الحضاريّ التاريخيّ، و تَمَوقعها الجيوبوليتيكي الحسَّاس، والقيمة الطاقَوِيَّة والديمغرافيّة الهائلة، عَلاوةً على ذلك، تَشهَدُ القارَّة أزماتٍ خطيرةً ذات تداعِياتٍ عالمية، كالقضيَّةِ الفلسطينيَّة والأزمةِ السوريَّة، هذه الخصائص أتاحت لآسيا أن تكون أكثرَ مناطق العالم عُمقًا وأهميَّة، وهو ما يُفَسِّر وَتِيرة التَّحركات العالمية تجاهها، فمُعظم المُعضِلات العالمية تَتَمركزُ على المجال الآسيوي كونها القارَّة الأكثر تأثيرًا في التَّفاعُلات الدولية، وتَغيُّر خارطةِ النِّظام الدَّولي يجعلُنا نطرحُ عِدَّة تساؤُلاتٍ عن طبيعة هذه القارة وخصوصيَّتِها, في ظِلِّ هذه المُعطيات والمُتغيِّرات الحسَّاسة، جاء هذا الكتاب بعنوان الثِّقل الآسيوي في السياسة الدَّولية (محددات القوة الآسيوية) وهو مُؤلَّفٌ جماعيٌ شارك فيه مجموعةٌ من الباحثين بإشراف رئيس اللجنة العلمية الأستاذ «محمد بلعيشة» وهو باحثٌ في الدراساتِ الآسيوية في جامعةِ الجزائر, ضمن مُبادرة دعم الشباب الباحثين لتأليف كتبٍ جماعية، وهو ما يرتقي بثقافةِ العمل الجماعيّ المشترَك ،وذلك برعاية «المركز الديمقراطي العربي للدراساتِ الاستراتيجيّةِ والسياسيّة والاقتصاديّة» ألمانيا – برلين.
مضمون الكتاب :
يَهدِفُ هذا الكتاب بشكلٍ أساسيٍّ إلى محاولةِ الإجابة عن سؤالَين رئيسيَّين: إلى أيْ مدى يُمكن فِهم المكانة الآسيوية في النِّظام الدَّولي؟، وما هي قُدرتها على التأثير في معادلة السِّياسة الدَّولية؟، وذلك من خلال عِدة مقالات، موزعةً على قُرابة 316 صفحة, لِتُغطِّي ثمانيةَ محاور.
المحور الأوَّل: بعنوان مدخل إلى القارَّة الآسيوية, الذي يَدرسُ فيه الأستاذ محمد بلعيشة الأهميةَ الجِيُوسِياسية للقارَّة الآسيوية، حيث ناقش الأبعاد الِجيُولوتيكية للقارة الآسيوية واستعرض مُؤَشِّرات الأهمية للقارة من حيث القوة السكانيَّة والأهمية الاقتصاديَّة والعسكريَّة، حيثُ يُمثل تمهيدًا لمجموعة من المحاوِر توزعت لِتشمَل سبعَ مناطق للقارةِ الآسيوية.
المحور الثَّاني: تناوَل منطقة غرب آسيا(الشرق الأوسط), حيث تضَمَّن الموضوع الأول الأهمية الجِيو-استراتيجية لمنطقةِ الشرقِ الأوسط, استخدمت فيه الدكتورة «ليلى مداني» المنهجَ الوصفيّ التحليليّ إلى جانِب المنهج الإحصائيّ لدراسةِ طبيعةِ المنطقةِ ومكانتِها الاستراتيجيّة، وقد خَلُصَت إلى أن َّكُلًا من: النِّفط، وطرق التجارة، والجغرافيا والتضاريس، والإيمان، والأيدِيولوجيا كلُّها عوامِل تُسهِم في الأهمية الاستراتيجية لمنطقةِ الشرقِ الأوسط وأيضًا في عدم استقرار الأوضاع فيها، يلِيها في الموضوع الثاني الأستاذة “وفاء بوكابوس” حيث ناقشت أهمِّيةَ الشَّرق الأوسط في مِيزان القِوى الدَّولي و الإقليمي, وخَلُصَت إلى أنَّ الأهميةَ المتعدِّدَة الأبعاد التي يتربَّعُ عليها إقليمُ الشَّرق الأوسط، جعلت منه قِيمةً استثنائيةً بالنِّسبة للفَواعِل الدَّولية والإقليمية، حيث أصبح مَورِدًا طاقويًا ضامِنًا للتطوُّر الاقتصادي للدولِ الكُبرى، كما يُعتبَر فضاءً حيويًا وفرصةً للوصول إلى السيادة العالمية نظرًا لما يملكه من خصائصَ جغرافيةٍ وتاريخية.
المحور الثَّالث: منطقة شمال آسيا تناوَل فيه الأستاذ “تسعديت كلاليش” موضوع الزَّحف الرُّوسي من أوراسيا الى الشرق الأوسط، وتُجيبُ هذه الدراسة على الإشكالِيَّة البحثِيَّة: ما هي مَكانة الشرقِ الأوسطِ في السياسةِ الخارجيةِ الروسيةِ من مَنظور الفُرَص والتَّحديات؟، وقد تَبنَّت فَرَضِيَّة أنَّه كُلَّما زادت الفُرصُ المُتاحَةِ لروسيا في الشَّرق الأوسط زادت قدرتُها على استرجاع مكانتِها الدَّولية.
المحور الرَّابع: منطقة شرق آسيا حيث تَضَمَّن مَوضوعَين: الأول بعنوان الطموح الصِّيني وتأثيره تجاه تغيير بُنْيَة النظام الدولي في إطار مُقارَبة القوة, حيث حاول الدكتور “جمال الفاضي” الإجابةَ على بعضِ التَّساؤُلات حول: ماهِيَّة تفسير نظريّةِ تحوُّل القوةِ وتأثيرِها على حقيقةِ النُّموِّ الصِّينيّ؟، وما شَكل وطبيعة النِّظامِ الدَّولي الحالي؟، وما تأثير الطُّموحِ الصِّيني تجاه تغيير بُنْيَة النِّظام الدَّولي الحالي؟، وما الدَّور الذي يمكنُ للصِّين الاضْطِّلاع فيه؟، وما العوامِل التي يُمكن أنْ تحدَّ مِن هذا الطُّموح والصُّعود؟، وأيُّ مُستقبَلٍ ينتظرُ النِّظامَ الدَّولي في ظلِّ بُروز الصين كفاعِلٍ رئيسٍ فيه؟, وتنطلقُ الورقةُ من فرضيَّتَين مَفادهما أنَّ “بُنية النِّظام الدَّولي هو انعكاسٌ لمكوِّناتِ القوَّة والقُدرةِ التي يمتلِكُها الفاعِلون الأساسيُّون فيه، وأنَّه كلَّما زادت مُقوِّمات القُوة الصينية المُقتَرِنة بطموحِها وإدراكِها كان تأثيرُها أكبرَ في صِياغة وتشكيلِ بُنية النِّظام السِّياسي الدَّولي”، وقد خَلُصَت الدِّراسة إلى أنّ الجيلَ الرابع من القادةِ الصِّينيين استطاع أن يحوِّل الصين إلى قوةٍ اقتصاديةٍ وجِيوسياسيةٍ عالمية, وهناك تحدِّيات اقتصاديّة وأيدولوجيّة وثقافيّة كبيرة ستُوَاجه الصِّين، لكنَّ التحدي الأكبر هُوَ أن تكونَ مُستعدةً لِقبول الانتقادات المُوجَّهة إليها, تَدُل المؤشِّرات على أنَّه لو استمرَّ تَنامِي مُقوِّمات القوة الصِّينية فسوفَ تفوقُ الصِّينُ الولايات المتحدةِ الأمريكية كقُوَّة مُهيمنةٍ على العالم، فالصِّين تسعى لأنْ يكونَ صُعودُها سِلميًا، ولا تميل إلى أنْ تصبح قوةً كونيةً في المدى الزمنيِّ المَنظُور بمقدارِ ما تسعى إلى أن تحقِّقَ لنفسِها احترامًا دوليًا والاكتفاء باستعادةِ الدورِ التاريخيّ للصِّين في إقليمِها المباشر.
بعدَه تناولَت الأستاذة “أسماء بن مشيرح” موضوعَ السِّياسةِ الصينية في آسيا، ومستقبلِ التَّوازُنات الجِيواستراتيجيَّة، حيث تُجِيب الدراسةُ على إِشكاليَّة كيف ستؤثِّر السياسة الصينية في آسيا على التوازنات الجيواستراتيجيَّة الإقليميَّة و الدَّوليَّة؟، وقد خَلُصَت إلى أنَّ السياسة الصينية تُشكِّل في آسيا مِحورًا استراتيجيًا مُهمًّا من الناحيةِ الأمنيةِ والاقتصادية في شَكلِ التوازناتِ الاستراتيجيّة في آسيا ,وقد اتَّبعت الصين عِدّة استراتيجيَّات لزيادةِ نُفوذها، مِن أهمِّها مشروع الحِزام والطَّريق.
المحور الخامس: منطقة جَنوب شرق آسيا حيثُ تناولَت الدُّكتورة “عائشة حمايدي” موضوع أَمرَكةِ الثقافةِ كوَسيلةٍ لتحقيق الأهدافِ الجِيوستراتيجيَّة للولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّة في منطقةِ جنوبِ شرقِ آسيا، وقد اتَّبعت الباحثة المنهج الوَصفي التحليلي للوُقوفِ والتَّعريفِ بمنطقةِ جَنوب شرقِ آسيا، و تِبْيان الأهميَّة الاستراتيجيَّة لها، و على ظاهرةِ عَولمةِ الثَّقافةِ الأمريكيَّة في المنطقة، و تحليل مَضامِين الخِطاب الثَّقافيّ الأمريكيَ، كذلك استَخدمت المنهجَ التَّاريخي لعرضِ الحِقْبات التاريخية التي مرَّ بها المجتمعُ الدوليُّ والمنطقة، وكان مِن أهمِّ الاستنتاجات أنَّ غرضَ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ليس نشر الثقافة، و إنما الهَيمَنة الثقافيَّة للسيطرةِ على عقولِ شعوب المنطقة، و الوصول إلى تحقيقِ أهدافِها الأمنيةِ و الجيواستراتيجية، بالمُقابِل تَفَطَّنَت دُوَلُ المنطقةِ لذلِك فقامت بنهضةٍ علميةٍ كبيرةٍ شَمِلت الحفاظَ على الموروث الثقافيّ الآسيوي، ومحاولة إيجادِ مُوازَنة بين الأصالةِ والحَضارة، وبالفِعْل نجحت مُعظَم الدُّول في ذلك على غِرار إندونيسيا وماليزيا.
المحور السادس: ركَّزت فيه الأستاذة “نهى الدسوقي” على آسيا الوسطى، حيث تناولَت فيه الجُمهوريات الإسلاميَّة في آسيا الوسطى و القوقاز بين الأهمِّية و التَّنافُس الدولي، وقد خَلُصَت إلى أنّ منطقة آسيا الوسطى و القوقاز تمتلكُ قوةً جغرافيَّةً و اقتصاديَّةً تُؤَهلها لأنْ تكونَ قوَّة ًكبيرةً لها شأنُها و تُمَكِّنها من إِزاحَة الأطرافِ المتنافسةِ عَليها من ذلك الصِّراع , ولَكن يُمكن أن يتمَّ ذلك في حالةِ استخدامِها لمواردِها الاستخدام الأَمْثَل, كما يَجِبُ على رُؤَساءِ تلكَ الدُّول مُحاولةَ الدُّخول في عمليَّة الإصلاحِ السِّياسي، و التحوُّل الدِّيمُقراطي، و السَّماح ببُروزِ قياداتٍ سياسيةٍ تكونُ قادرةً على النُّهوضِ بالدولة، و الحِفاظ على الوِحدة الوطنيَّة، والابتعادِ عن النَّزعَةِ القَومِيَّة والاهتمام بالقضايا الاقتصادية و التَّنمَوية, و عليه ستكون تلكَ الدولُ قادرةً على قيادةِ مصيرِها و تَوجيهِه.
المحور السابع: منطِقة آسيا الهادِئ (الباسيفيك)، حيثُ تَضَمَّن موضوعَين: الأول بِعنوان مدخل تعريفي جيوبوليتيكي لمنطقة آسيا الهادِئ (الباسيفيك)، حيث تناولَت الدُّكتورة “عبلة مزوزي” الإشكاليَّة البَحْثية حَول ماهيَّة طبيعةِ التَّعاقُداتِ السياسيّة العالمية الموجودَةِ في منطقة آسيا و المُحيط الهادِئ؟ وذلكَ من خِلال دِرَاسةِ السِّياق العام لمنطقة آسيا الباسيفيك و بعض المُقارَبات النظرِيَّة المُفسِّرة للخصوصيَّة الاقتصاديَّة الشرق آسيوية، وقد اختتمت الورقةَ بِخُلاصةِ أنَّ “منطقة آسيا الهادئ تُعتَبَر منطقة التنافُسِ المُقبِل، الأمر الذي يجعلُ السَّيطرة على العالم تكون من السَّيطرةِ عليها.
في الموضوع الثاني الأستاذ “عبد الرزاق خليج” يُسلِّط الضوء على الانتقالِ الجيوستراتيجي للقُوة نحو الشرق، ومستقبَل التنافس في منطقة آسيا المحيط الهادئ، حيث ترَكَّزَت الإِشكاليَّةُ البَحثيَّة حولَ ماهيَّة طَبيعة العَناصِر والفَواعِل المَشَكِّلَة لمنطقة آسيا المحيط الهادئ سِياسيًا واقتصاديًا؟، وما هي مُسبِّبات الانتقال الجيواستراتيجي للقُوَى العالمية نحو منطقة الباسيفيك؟، وقد خَلُصت هذه الورقة لِعدَّة نتائجَ أهمُّها: أنّ دُوَل منطقة آسيا باسيفيك سَعت إلى تحقيقِ مَجموعةٍ من الأهدافِ الاقتصادية، و تركيزِ الأنظار وِفْقَ أسلوبَين, داخليًا: مَوجة الإِصلاحات السياسيَّة التي مَسَّت كل المنطقة بعدَ فترة الحرب العالَمية الثانية والتي أدَّت إلى تحقيقِ النهضةِ الاقتِصاديَّة والاجتِماعيَّة، إِقليميًّا: مُحاولَة تَجاوُز الخلافات السياسيَّة والحدودية من خِلال تفعيل النقاطِ المشترَكة وتصويبِ اهتماماتِها عَبر الاستثمار في الطاقات البشرية كافةً، والكَفيلة بتحقيق المصالحِ الاقتصادية، يمكن أن تكونَ التجربةُ الناجِحة في آسيا الهادئ مثالًا يُحتَذى به في المنطقة العربية، بإيجاد روابِط اجتماعيةٍ مَتينةٍ في إطار علاقة الدولة بالمجتمع، يكون لها صدىً إيجابيٌ من أجلِ تحقيقِ المصالحِ المشترَكة بين الدول العربية، وإن لم نصلْ إلى مستويات الوحدةِ العربيَّة التي بقِيَت حِبرًا على ورق.
المحور الثامن والأخير : خُصِّصَ لمنطقة شبه القارة الهندية حيث تناوَل كلٌ من الأستاذ “صفراوي فاطمة الزهراء” و”الأستاذ فودي مصطفى كمال” موضوع البُعد الاستراتيجي للهند وباكستان في آسيا، حيث تركزت الإشكالية البحثية حول ما هو الدور الذي تستعد كل من الهند وباكستان القيامَ به ضِمن نِطاقِهما الجغرافي والاقتصادي العالميّ الجديد؟ وما هو التحدي المحتَمَل الذي يمكن أن تُمثِّلاه في المحيط الإقليمي والدّولي؟، وقد خَلُص لعدَّة نتائج أهمها: أنّه من المتوقَّع حدوث نوع من الاستقرار النَّووي داخِل شبه القارة الهندية في ظِل التوازن بين الهند وباكستان وتحقيق الردَّع النَّووي، مع أخْذِ الحِيطة والحذَر لأن التوتر دائمٌ ومستمرٌ بين البلدَين.
قيمة وإسهامات الكِتاب:
يُقَدِّم كتاب الثّقل الآسيوي في السياسة الدولية إِضافةً علميةً أكاديمية للدراساتِ السياسيّةِ الدَّولية، إذْ تتميز المعالَجة بالشُّمولية في الطرحِ والتأسيسِ النَّظري للدراسةِ مِن خِلال تَقديمِه نظرَة عِلميّة جادَّة، تُؤَسِّسُ لأفكارٍ مَوضوعيّة مَنطقيّة، الهدف منها إزالة اللَّبْس والغُموض , وذلك من خلال نِقاش الفكرة الرئيسية عَبر عِدة فروعٍ مُرتبَة في شكل مَحاوِر مِن خلال مجموعة اجتهادات مُتمثِّلةً في كل هذه المقالات المتنوِّعة، والتي غطَّت مُعظم مناطِق القارة الآسيوية، لِيصلَ إلى إجابة عن الإشكاليّة الرئيسية المطروحة، بالإضافةِ لتقديمه جُملةً من الاستنتاجات, وهذا مِن شَأنه أن يُقدمَ معطياتٍ كثيرةً للباحثين والمتخصِّصِين؛ من أجل فِهم خُصوصيّة كُلّ منطقة في القارة الآسيوية، ومَعرِفة النِّقاط المشترَكة والمُتقاطِعة أيضًا و التي تُمَكِّن من فهم حِدَّة التنافس بين القوى العالمية, مِثال العودة الروسية القوية باعتبارها قوةً أوراسية، وتحالُفاتها التي مَثَّلت معظم الدول الآسيوية والتَّقارُب السِّياسي الذي تُدرِك فوائدَه كل دولةٍ من دوله يُضفِي إلى تغيراتٍ مستقبليةٍ كبيرة، قد تجعل مَعايير التَّحكم في القارة الآسيوية تَرجِع إلى دُوَلِها، ما سينعكس حَتمًا على البيئة الدولية، ويجعلُ من هذا التفسير الأقرب إلى القولِ بأن هذا القرن سيكون آسيويًا، ففكرة انتقالِ القوّة إلى القارة الآسيوية بالأفضَلِيّة التي تُشكلُها بعضُ القوى التي تَنتَهِج نهجًا سليمًا في صُعودها، كالصّين أو بعض القوى التي تنتهج نهجًا تَصادُميًا كإيران وكوريا الشمالية وتركيا، يُثير الهواجس لَدى القوى الكُبرى الكلاسيكية وعلى رأسِها الولاياتُ المتحدة الأمريكية التي تعيشُ حالةً من التَّخَبُّطِ في سياساتها الخارجية، ناتجةً عَن عدمِ قدرتها على إيجادِ تفسيرٍ نظري أو واقعي لمواجهةِ الصعود القوي لمِثلِ هذه القوى التي تحاول فَرض توازنٍ مُعيَّن مع القوى الكبرى، والذي لا نَجِد له تفسيرًا في النظريات الكلاسيكية الغربية التي طالما هَيمَنَت على حقل العلاقات الدولية لفتراتٍ كبيرة.