تقارير

مـلامــح نظــام عالمـي نـاشـئ

مشاهد حسين - السيناتور في مجلس الشيوخ الباكستاني

مـلامــح نظــام عالمـي نـاشـئ

يأتي‭ ‬انتخاب‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬لولاية‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشهد‭ ‬اضطرابًا‭ ‬عالميًا‭ ‬وتحولات‭ ‬كبيرة،‭ ‬حيث‭ ‬يتولى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬فعليًا‭ ‬تصفية‭ ‬‮«‬الإمبراطورية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭ ‬بأنه‭ ‬فترة‭ ‬مليئة‭ ‬بالأحداث،‭ ‬تشهد‭ ‬‮«‬تغيرات‭ ‬لم‭ ‬تُرَ‭ ‬منذ‭ ‬قرن‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أقر‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬300‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬نهايتها‮»‬‭.‬

يُعد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬منذ‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬التقليدية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬تعهد‭ ‬علنًا‭ ‬بتفكيك‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العميقة‮»‬،‭ ‬واستعداده‭ ‬للتحدث‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الأعداء‭ ‬التقليديين‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬يشكلون‭ ‬‮«‬عبئًا‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬مستعد‭ ‬لعقد‭ ‬صفقة‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬وصفتها‭ ‬أحدث‭ ‬تقييمات‭ ‬التهديدات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬العسكري‭ ‬الأكثر‭ ‬شمولية‭ ‬وقوة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭”.‬

تحدث‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ثلاثة‭ ‬تحولات‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬المعاصر‭:‬

أولاً،‭ ‬تراجع‭ ‬الغرب‭ ‬وصعود‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬بالتزامن،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإيكونوميست‮»‬‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الليبرالي‭ ‬الغربي‭ (‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭) ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يتفكك‮»‬‭.‬

ثانيًا،‭ ‬الصعود‭ ‬الهائل‭ ‬للصين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المتقدمة‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬سعي‭ ‬بكين‭ ‬لقيادة‭ ‬ظهور‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬بديل‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬المتلاشية،‭ ‬بل‭ ‬يدعم‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومبادئ‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬الخمسة‭.‬

وقد‭ ‬أعدت‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬الأمريكية‭ ‬تقريرًا‭ ‬بحثيًا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬مقابل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ – ‬المنافسة‭ ‬التقنية‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬التصنيع‭ ‬عالي‭ ‬التقنية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وشبكات‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس،‭ ‬والروبوتات،‭ ‬والحوسبة‭ ‬السحابية،‭ ‬والعلوم،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬والهندسة‭ ‬والرياضيات‭ (‬STEM‭)‬‮»‬‭. ‬ووصفت‭ ‬‮«‬الإيكونوميست‮»‬‭ ‬في‭ ‬خبرها‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬الصين‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬العلمية‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬العلمي‭ ‬القديم،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬واليابان،‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬نهايته‮»‬‭.‬

تستشهد‭ ‬‮«‬الإيكونوميست‮»‬‭ ‬ببعض‭ ‬الحقائق‭ ‬المثيرة‭ ‬للاهتمام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭: ‬40%‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية‭ ‬الأصلية‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تصدر‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬بينما‭ ‬تصدر‭ ‬10%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬و15‭%‬‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭/‬المملكة‭ ‬المتحدة؛‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أفضل‭ ‬عشر‭ ‬جامعات‭ ‬بحثية‭ ‬علمية،‭ ‬توجد‭ ‬6‭ ‬جامعات‭ ‬في‭ ‬الصين؛‭ ‬وتعد‭ ‬جامعة‭ ‬تسينغهوا،‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬أفضل‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مركبة‭ ‬الفضاء‭ ‬الصينية‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تجلب‭ ‬عينات‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬القمر‭.‬

ثالثًا،‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬لاحتواء‭ ‬الصين‭ ‬وكبح‭ ‬صعودها،‭ ‬حيث‭ ‬وصفت‭ ‬الصين‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬مقره‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تهديد‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬قمة‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع‭ ‬لعام‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬تقريرًا‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬الصين‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬أعداء‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬28‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي،‭ ‬معظمها‭ ‬يصف‭ ‬بكين‭ ‬بأنها‭ ‬قوة‭ ‬خبيثة‮»‬‭.‬

بينما‭ ‬يستعد‭ ‬الغرب،‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬دقة،‭ ‬المجمع‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬آلة‭ ‬حرب‭ ‬دائمة،‭ ‬لحرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬بعقلية‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الماضية،‭ ‬فإن‭ ‬ملامح‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬ناشئ‭ ‬أصبحت‭ ‬واضحة‭ ‬بالفعل،‭ ‬لتحل‭ ‬محل‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬دعمته‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬التفكك‭. ‬ستكون‭ ‬منظمات‭ ‬مثل‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬ومنظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ (‬SCO‭) ‬ركائز‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬الناشئ،‭ ‬الذي‭ ‬سيستمد‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومبادئ‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬الخمسة،‭ ‬رافضًا‭ ‬الهيمنة‭ ‬والإملاءات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمعايير‭ ‬المزدوجة‭.‬

‭ ‬يمكن‭ ‬لمجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬الموسعة‭ ‬ومنظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬ثلاثة‭ ‬اتجاهات‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬المعاصرة‭:‬

‭ ‬دمقرطة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوار‭ ‬والعلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬والمعاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭.‬

‭ ‬نزع‭ ‬الطابع‭ ‬العسكري‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬يسيطر‭ ‬الهوس‭ ‬بالحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسليح‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقتل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لـ‮»‬الناتو‭ ‬الآسيوي‮»‬‭ ‬وبناء‭ ‬مجموعات‭ ‬مثل‭ ‬QUAD‭ ‬وAUKUS‭ ‬‭ ‬لاحتواء‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭.‬

‭ ‬إلغاء‭ ‬الدولرة‭ ‬للنظام‭ ‬المالي‭ ‬الدولي،‭ ‬حيث‭ ‬تستخدم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الدولار‭ ‬كسلاح‭ ‬سياسي،‭ ‬بينما‭ ‬بدأت‭ ‬68‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬193‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭. ‬كما‭ ‬أنهت‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬اتفاقها‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬البترودولار،‭ ‬وأصبح‭ ‬النفط‭ ‬السعودي‭ ‬يُتداول‭ ‬الآن‭ ‬بعملات‭ ‬غير‭ ‬الدولار‭.‬

في‭ ‬14‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬لنموذج‭ ‬أمني‭ ‬أوروآسيوي‭ ‬جديد،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬المتكامل‭ ‬للدول‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمن‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهو‭ ‬مشابه‭ ‬للمبادرة‭ ‬السابقة‭ ‬للرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‮»‬‭. ‬في‭ ‬أستانا،‭ ‬بكازاخستان،‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬الرئيسية‭ ‬لنظام‭ ‬عالمي‭ ‬عادل‭ ‬ومتعدد‭ ‬الأقطاب‭”.‬

كما‭ ‬اتخذت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬موقفًا‭ ‬مبدئيًا‭ ‬وصريحًا‭ ‬بشأن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬مؤكدتين‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬خسرت‭ ‬الحرب‭ ‬سياسيًا‭ ‬وأخلاقيًا‭ ‬وقانونيًا‭ ‬ودبلوماسيًا،‭ ‬وكشفت‭ ‬داعمي‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬المتراجع‭ ‬عن‭ ‬معاييرهم‭ ‬المزدوجة،‭ ‬حيث‭ ‬أنهم‭ ‬متواطئون‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬تُعد‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

مثال‭ ‬على‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬التحالفات‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬باكستان،‭ ‬نظرًا‭ ‬لدورها‭ ‬التاريخي‭ ‬وموقعها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءًا‭ ‬نشطًا‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يتشكل‭ ‬الآن،‭ ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬تطورات‭ ‬محددة‭.‬

وظهر‭ ‬خلال‭ ‬انتخاب‭ ‬إسلام‭ ‬آباد‭ ‬لعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للفترة‭ ‬2025-2026،‭ ‬الدور‭ ‬المتزايد‭ ‬لباكستان‭ ‬كمدافع‭ ‬عن‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬خاصة‭ ‬كصوت‭ ‬للمظلومين‭ ‬من‭ ‬الكشميريين‭ ‬والفلسطينيين‭.‬

ثم‭ ‬قبلت‭ ‬دعوة‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬مبادرته‭ ‬المميزة‭ ‬لممر‭ ‬النقل‭ ‬الدولي،‭ ‬بينما‭ ‬تُعد‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬باكستان‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬والبيان‭ ‬المشترك‭ ‬الناتج‭ ‬عنها‭ ‬بمثابة‭ ‬مخطط‭ ‬تاريخي‭ ‬لاتجاه‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة‭ ‬بين‭ ‬باكستان‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

وهناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬المشترك،‭ ‬فأولاً‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬محتوى‭ ‬وجودة‭ ‬العلاقة‭ ‬الثنائية‭ ‬باعتبارها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬‮«‬ثقة‭ ‬متبادلة‭ ‬لا‭ ‬تتزعزع‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬إشارة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬قائد‭ ‬الجيش،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الوفد‭ ‬الباكستاني،‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬فإن‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬جيشي‭ ‬الجارتين‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬‮«‬مستوى‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬‭ (‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المنافس‭ ‬الإقليمي،‭ ‬الهند،‭ ‬المدعومة‭ ‬بنشاط‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭). ‬

ثانيًا،‭ ‬تؤيد‭ ‬باكستان‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مسار‭ ‬التحديث‭ ‬الذي‭ ‬تسلكه‭ ‬الصين‭ ‬يوفر‭ ‬خيارًا‭ ‬جديدًا‭ ‬وحلًا‭ ‬عمليًا‭ ‬للدول‭ ‬النامية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬فكر‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬فتح‭ ‬طريقًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بطريقة‭ ‬مناسبة‮»‬‭. ‬

ثالثًا،‭ ‬أعرب‭ ‬البلدين‭ ‬عن‭ ‬دعمهما‭ ‬لـ‮»‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬متساوٍ‭ ‬ومنظم،‭ ‬وعولمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬ومفيدة‭ ‬للجميع‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬معارضة‭ ‬‮«‬الهيمنة،‭ ‬والتسلط،‭ ‬والتنمر،‭ ‬والمناهج‭ ‬الإقصائية،‭ ‬وسياسات‭ ‬القوة،‭ ‬والأحادية‭ ‬بجميع‭ ‬أشكالها‭”.‬

كما‭ ‬أعربت‭ ‬الصين‭ ‬عن‭ ‬دعمها‭ ‬لـ‮»‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬لباكستان‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‮»‬،‭ ‬وبشكل‭ ‬لافت،‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬لرئيس‭ ‬وزراء‭ ‬باكستان‭ ‬وقائد‭ ‬الجيش‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬باكستان‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬استراتيجي‭ ‬وطويل‭ ‬الأمد‭”.‬

إذن،‭ ‬كيف‭ ‬سيتشكل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬المستقبلي؟

‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬ستكون‭ ‬أساسية‭:‬

‭ ‬أولاً،‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية،‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬الخيار‭ ‬واضح‭: ‬إما‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدائمين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس،‭ ‬أو‭ ‬قبول‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الغنية‭ (‬الإمارات‭ ‬والسعودية‭) ‬قد‭ ‬اشترت‭ ‬بالفعل‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬رضا‭ ‬ترامب‭ ‬بالتزامها‭ ‬باستثمار‭ ‬مبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬قدره‭ ‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬القادمة‭.‬

وإذا‭ ‬تم‭ ‬تجاوز‭ ‬فلسطين‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فسيكون‭ ‬ذلك‭ ‬وصفة‭ ‬لكارثة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬جولة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والصراع‭ ‬الدائم،‭ ‬حيث‭ ‬ستُرسم‭ ‬خطوط‭ ‬المعركة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بين‭ ‬الصهيونية‭ ‬والإسلامية‭ ‬الشاملة‭.‬

ثانيًا،‭ ‬العلاقة‭ ‬الثلاثية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الصين،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وهل‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬‮«‬يالطا‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬أم‭ ‬إلى‭ ‬خطوط‭ ‬معركة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬الآن‭ ‬تحالف‭ ‬صلب‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭.‬

ثالثًا،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬القادمة،‭ ‬ظهور‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭: ‬باكستان‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬والسعودية،‭ ‬الذين‭ ‬سيكونون‭ ‬لاعبين‭ ‬محوريين‭ ‬في‭ ‬مناطقهم‭.‬

ببساطة،‭ ‬الغرب‭ ‬منقسم‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬تراجع،‭ ‬بينما‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬صعود،‭ ‬بقيادة‭ ‬‮«‬القرن‭ ‬الآسيوي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ترأسه‭ ‬الصين،‭ ‬وتصاعد‭ ‬بكين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إيقافه،‭ ‬وهذه‭ ‬الحقائق‭ ‬الجديدة‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستحدد‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button