Articles and Reports

ملامح الصراع الاقتصادي بين أميركا ودول الجنوب

عبد الحافظ الصاوي - باحث وكاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية

ملامح الصراع الاقتصادي بين أميركا ودول الجنوب

عبد الحافظ الصاوي – باحث وكاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية

تُعد‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬من‭ ‬الفترات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تغيرات‭ ‬كبيرة،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬اندماج‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬العولمة‭ ‬الأميركية‭. ‬

وقد‭ ‬أسفر‭ ‬هذا‭ ‬الاندماج‭ ‬المحسوب‭ ‬عن‭ ‬تغييرات‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬التنمية‭ ‬لدى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬والتي‭ ‬أُطلق‭ ‬عليها‭ ‬لاحقًا‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬الصاعدة‮»‬‭.‬

والحقيقة،‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬وسائر‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬أدركت‭ ‬بنهاية‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬أخطاء‭ ‬كبيرة‭ ‬ارتكبتها‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأميركية‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬تفعيل‭ ‬منظومة‭ ‬العولمة‭. ‬وأسهمت‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬المطالبات‭ ‬بنظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬النظام‭ ‬التجاري‭ ‬والاستثماري،‭ ‬ويُغيّر‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬الدولي،‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬التسويات‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬العالمية‭.‬

هذه‭ ‬المطالب‭ ‬قوبلت‭ ‬برفض‭ ‬أميركي‭ ‬واضح،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬أحادي‭ ‬القطبية،‭ ‬يمنحها‭ ‬امتيازات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ويتيح‭ ‬لها‭ ‬تصدير‭ ‬أزماتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للعالم،‭ ‬كي‭ ‬يتحمل‭ ‬تبعاتها‭.‬

بلورة‭ ‬جبهة‭ ‬المواجهة

شكّلت‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬بارزة،‭ ‬إذ‭ ‬دفعت‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬لما‭ ‬تركته‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬تأسست‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ضمّت‭ ‬خمس‭ ‬دول‭: ‬البرازيل،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والهند،‭ ‬والصين،‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬انضمت‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬طلبات‭ ‬انضمام‭ ‬جديدة،‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬المجموعة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

ومما‭ ‬ينبغي‭ ‬إيضاحه،‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عضويتها‭ ‬وتؤدي‭ ‬دورًا‭ ‬استشاريًا‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنخرط‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باسم‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬بعض‭ ‬خطواتها‭ ‬العملية‭ ‬محطات‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الصراع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬أميركا،‭ ‬مثل‭ ‬تأسيس‭ ‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬الجديد‭ (‬بنك‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أُنشئ‭ ‬بمبادرة‭ ‬صينية،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة،‭ ‬واعتماد‭ ‬عملة‭ ‬اليوان‭ ‬الصينية‭ ‬عملة‭ ‬دولية،‭ ‬واعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬مكونات‭ ‬عملات‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬بعد‭ ‬اعتماد‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬

لقد‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬خروج‭ ‬بنك‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للنور،‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬متنفس‭ ‬للاقتراض‭ ‬والتمويل‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬

ومما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬لطبيعة‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬خريطة‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬حصة‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬بارزة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬باستحواذها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تغيرًا‭ ‬نوعيًا‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬منظومة‭ ‬العولمة،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬تجمعات‭ ‬عدة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬مثل‭ ‬مجموعة‭ ‬الـ‭ ‬77،‭ ‬ومؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ ‬‮«‬أونكتاد‮»‬،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الافريقي،‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬التجمعات‭ ‬قائمة،‭ ‬ولكن‭ ‬فعاليتها‭ ‬محدودة‭ ‬الأثر‭. 

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬نتناول‭ ‬أبرز‭ ‬مظاهر‭ ‬وقضايا‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬رصدها‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناويين‭ ‬بارزة،‭ ‬هي‭ ‬التجارة،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وهيمنة‭ ‬الدولار‭. 

قضايا‭ ‬التجارة

دفعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بقوة‭ ‬نحو‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬بديلًا‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬‮«‬الجات‮»‬،‭ ‬بهدف‭ ‬ترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬عالمياً،‭ ‬وإنفاذ‭ ‬القوانين‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

لكن‭ ‬عندما‭ ‬تغيّرت‭ ‬خريطة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬لصالح‭ ‬الصين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬بدأت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬حمائية‭ ‬مخالفة‭ ‬لحرية‭ ‬التجارة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الولاية‭ ‬الأولى‭ ‬للرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬شرارة‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬التجارية‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬أميركا‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬عطّلت‭ ‬عمل‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجميد‭ ‬نظامها‭ ‬القضائي،‭ ‬وصرّحت‭ ‬إدارتها‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬باتت‭ ‬تُهدد‭ ‬مصالحها،‭ ‬ولوّحت‭ ‬بالانسحاب‭ ‬منها‭.‬

ووفقًا‭ ‬لبيانات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬بلغت‭ ‬الصادرات‭ ‬السلعية‭ ‬الصينية‭ ‬3.3‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬مقابل‭ ‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭ ‬للصادرات‭ ‬الأميركية‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬فتفوقت‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬صادراتها‭ ‬825‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬مقابل‭ ‬208‭ ‬مليارات‭ ‬لأميركا،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬أربعة‭ ‬أضعاف‭.‬

قضايا‭ ‬التكنولوجيا

يدور‭ ‬صراع‭ ‬محتدم‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬والدول‭ ‬الصاعدة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الصين،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬حيث‭ ‬سعت‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الأوروبيون‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬حصول‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الاتصالات،‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬كسر‭ ‬احتكار‭ ‬الغرب‭ ‬لهذا‭ ‬المجال‭.‬

وقد‭ ‬صدرت‭ ‬قرارات‭ ‬أمن‭ ‬قومي‭ ‬أميركية‭ ‬تمنع‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬شركات‭ ‬تكنولوجية‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬واصلت‭ ‬الصين‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬التقنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬إنجازها‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬بتكاليف‭ ‬منخفضة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتكاليف‭ ‬الأميركية‭.‬

وكشفت‭ ‬مبالغة‭ ‬أميركا‭ ‬في‭ ‬تكلفة‭ ‬إنتاج‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬حيث‭ ‬ظلت‭ ‬تسنزف‭ ‬موارد‭ ‬دول‭ ‬الجنوب،‭ ‬بحجة‭ ‬التكاليف‭ ‬العالية‭ ‬لإنتاج‭ ‬التكنولوجيا‭.‬

فقد‭ ‬طورت‭ ‬الصين‭ ‬برنامج‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬بتكلفة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬بضعة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬بينما‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنها‭ ‬مليارات‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬مماثلة،‭ ‬ويمكن‭ ‬رصد‭ ‬حالة‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التكنولوجي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأرقام‭ ‬الخاصة‭ ‬بالانفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬كنسبة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإحمالي،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أميركا‭ ‬والصين‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬وذلك‭ ‬حسب‭ ‬أرقام‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭.‬

وتظهر‭ ‬مؤشرات‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬حجم‭ ‬التنافس،‭ ‬حيث‭ ‬تحتل‭ ‬أميركا‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬بنسبة‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬3.4%‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ2‭.‬4‭%‬‭ ‬للصين،‭ ‬أما‭ ‬الهند‭ ‬فبلغت‭ ‬0.65%،‭ ‬والمكسيك‭ ‬0.27%،‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬للأسف‭ ‬نسبته‭ ‬ضئيلة‭ ‬جدًا،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغ‭ ‬0.71%‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬عقد‭ ‬المقارنة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬إنفاق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أميركا‭ ‬والصين‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر،‭ ‬يعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬رفعت‭ ‬نسبة‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬من‭ ‬0.89%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬إلى‭ ‬2.4%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬بينما‭ ‬ارتفعت‭ ‬النسبة‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬من‭ ‬2.6%‭ ‬إلى‭ ‬3.4%‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها‭.‬

هيمنة‭ ‬الدولار

منذ‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬طالبت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬بتقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬في‭ ‬التسويات‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬أي‭ ‬ترحيب‭ ‬من‭ ‬الإدارات‭ ‬الأميركية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬ولعل‭ ‬التصريح‭ ‬الخاص‭ ‬بترامب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يوضح‭ ‬أهمية‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها،‭ ‬حيث‭ ‬توعد‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬باهظة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الدولار‭.‬

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬فعلية‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬تقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدولار،‭ ‬مثل‭ ‬تسوية‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬بالعملات‭ ‬المحلية،‭ ‬وطرح‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬لمجموعة‭ ‬بريكس،‭ ‬وإن‭ ‬ظلت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬الاقتراح،‭ ‬وتحت‭ ‬لافتات‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭. ‬

وصرح‭ ‬بعض‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬عضوية‭ ‬البريكس،‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للتجمع‭ ‬عملة‭ ‬موحدة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الاقتراح،‭ ‬ولكن‭ ‬مجرد‭ ‬طرحه‭ ‬يعني‭ ‬إمكانية‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬مرحلة،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرى‭ ‬يمكن‭ ‬دخوله‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭.‬

وفي‭ ‬خطوة‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا،‭ ‬قلّصت‭ ‬الصين‭ ‬حيازتها‭ ‬من‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬767‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تتجاوز‭ ‬التريليون‭ ‬دولار‭ ‬قبل‭ ‬15‭ ‬عامًا،‭ ‬وخطوات‭ ‬بكين‭ ‬العملية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬رصيدها‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأميركية،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭.‬

من‭ ‬المرجّح‭ ‬أن‭ ‬يُسفر‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عن‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬كسر‭ ‬التفوق‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الأميركي‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬الانتقال‭ ‬نحو‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الأميركية‭ ‬منذ‭ ‬عودة‭ ‬ترامب‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬والحالة‭ ‬العالمية‭ ‬غير‭ ‬المرضية‭ ‬التي‭ ‬أوجدته،‭  ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬التوترات،‭ ‬وتدفع‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬والمواجهة‭ ‬لحسم‭ ‬الصراع،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية،‭ ‬بحيث‭ ‬يتراجع‭ ‬دور‭ ‬ومكانة‭ ‬أميركا‭ ‬اقتصاديًا‭.‬

لكن‭ ‬التجربة‭ ‬التاريخية‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬7‭ ‬عقود‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التنسيق‭ ‬الفاعل‭ ‬ضمن‭ ‬تكتل‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُضعف‭ ‬جهودها‭ ‬ويُبقي‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأميركية‭ ‬قائمة،‭ ‬فكل‭ ‬دولة‭ ‬تنظر‭ ‬لطبيعة‭ ‬الصراع،‭ ‬وما‭ ‬تحققه‭ ‬من‭ ‬مكاسب‭ ‬وخسائر‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬قطري،‭ ‬مما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬تفتيت‭ ‬للجهود،‭ ‬واستمرار‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأميركية‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button