
أقدم المنظمات السياسية القائمة في ماليزيا تبلورت قبل الاستقلال, وتحالفت على أساس عقد اجتماعي وسياسي. أول هذه القوى السياسية وأكبرها هو منظمة اتحاد الملايو الوطنية (UMNO) وهو الكيان الذي مثّل مصالح الأكثرية من عرقية المالايو وهويتها الثقافية وثانيها كان رابطة الصينيين الماليزيين (MCA ) الذي ناب عن العرقية الصينية في ماليزيا وثالثها المؤتمر الهندي الماليزي( MIC )الذي عبر عن الاقلية من العرقية الهندية. وكان هذا التحالف بقيادة منظمة الملايو الذي قاد مسيرة الماليزيين لتحقيق الاستقلال في 31 أغسطس 1957، وهو التحالف الذي سيطر على السلطة المركزية والسلطات المحلية لأغلب الولايات طوال ستة عقود عبر انتخابات برلمانية كانت نزيهة غالب الأحيان وكان حزب الملايو هو المهيمن على التحالف طوال تلك السنين. والتزمت حكومة التحالف طوال 6 عقود بالمبادئ التي قامت عليها من الحفاظ على التعايش بين الأعراق وتحقيق سياسة التمييز الإيجابي للملايو وهو نفس التحالف والحكومة التي قادها د. مهاتير محمد (بين 1981 – 2003) وحقق النهضة والتنمية الماليزية وعزز الاستقرار الاجتماعي, وهو التحالف الذي قاده محمد نجيب عبدالرزاق (2009 – 2018) وخسر في انتخابات 2018.
منذ إنشاء منظمة (UMNO) في 1947 حدثت عدة انشقاقات داخلها وتشكلت على أثرها أحزاب وتيارات سياسية جديدة في البلاد. أول هذه الانشقاقات كان انشقاق التيار المحافظ داخل المنظمة في 1951, وتأسيس ما يعرف اليوم بالحزب الإسلامي الماليزي (PAS). ثاني أقدم الأحزاب السياسية من عرقية المالاي في البلاد وثاني أكبرها اليوم بعدد أعضائه (يصل العدد إلى 1 مليون عضو) بعد حزب (UMNO) الذي تجاوز ثلاثة ملايين عضو (10% من إجمالي سكان ماليزيا في 2018). وقد شكل حزب (PAS) دائماً معارضةً ليست بالبسيطة لسياسات التحالف الحاكم من منطلق هوية المالايو المسلمة وما يترتب على تلك الهوية من واجبات في “أسلمة” الدولة والمجتمع الماليزي وتمكين الخطاب والقواعد والأحكام الإسلامية في الإدارة السياسية. ولتبنيه خطاباً دينياً, لم يلق الحزب قبولاً على المستوى الوطني الماليزي ولدى الأقليات (بناء على نتائج الانتخابات في الولايات والانتخابات الفيدرالية منذ الاستقلال) أمام الخطاب الوطني الحديث للتحالف الحاكم. بقيت قواعد (PAS) الشعبية محصورةً في المناطق التي تكاد تخلو من غير المالاي المسلمين, وهي المناطق الأقل تقدماً في البلاد (شمال وشمال شرق ماليزيا الغربية). وباستثناء فترة قصيرة جداً في السبعينات, بقي الحزب في المعارضة للحكومة الفيدرالية منذ الاستقلال ولم يدخلها حتى تشكلت الحكومة الماليزية الأخيرة في 2020.
الانشقاق الثاني الهام الذي طرأ على (UMNO) هو الانشقاق الذي تسبب به أنور إبراهيم (الرجل الثاني في الحزب وقتئذٍ) في خضم الخلاف مع زعيم الحزب وصانع النهضة الماليزية د. مهاتير محمد والذي يعزوه الكثيرون إلى الخلاف على السلطة بين الرمزين. أدى ذلك الخلاف إلى اتهام أنور بتهم جنائية وأخلاقية – اعتبرها الكثير من المراقبين كتهمٍ مسيسةٍ – قادت إلى إيداعه السجن لمدة 5 أعوام (1999 – 2004), ومنعه من ممارسة العمل السياسي حتى 2008 وكذلك انشقاق عدد من قادة وأعضاء حزب (UMNO) المقربين منه. ورغم أن أغلب تلك القيادات التي خرجت من الحزب الحاكم تخلت عن أنور وتصالحت مع الحزب وعادت إليه، إلا أن أنور إبراهيم شرع من السجن وبمعاونة زوجته في تأسيس حزب العدالة كحزبٍ سياسيٍ جديد يعارض التحالف الحاكم ويتبنى أجندات إصلاحية على المستوى الاقتصادي والإداري ويدعو إلى إطلاق الحريات السياسية والعامة في ماليزيا. وفي العام 2003, اندمج حزب العدالة مع حزب الشعب (حزب للأقليات الصينية والهندية) وتبنى سياسات أكثر انفتاحاً أمام التنوع العرقي الماليزي. أدت هذه السياسات إلى دخول الكثير من الأقليات العرقية إلى الحزب والصعود على سلم المراتب والمناصب فيه ليكون أول حزب ماليزي كبير يمثل بذاته التنوع الثقافي والاجتماعي والعرقي في الدولة الماليزية. واستطاع الحزب منذ إنشائه عام 1998 أن يؤسس قاعدةً شعبيةً حقيقيةً ليصبح بسرعة من أكبر الأحزاب السياسية (يقترب عدد الأعضاء من 1 مليون عضو) وينافس كلاً من الحزبين القديمين (UMNO) و (PAS ) من ناحية الشعبية وقوة المؤسسة الحزبية وتنظيمها. وبقي الحزب في المعارضة لتحالف UMNO الحاكم, إلى أن وصل إلى السلطة عبر انتخابات 2018.
ثالث الانشقاقات الكبيرة على الحزب الحاكم كانت انشقاق كامل الفرع الخاص بالحزب في ولاية صباح (شرق ماليزيا), وتأسيس المنشقين لحزب جديد ينافس في الانتخابات المحلية وعلى تمثيل الولاية في انتخابات البرلمان الفيدرالي. لم يكن إقامة هذا النوع من الأحزاب الخاصة بالولايات الشرقية جديداً فمنذ انضمام الولايتين إلى الاتحاد الماليزي وبسبب الخصوصية الثقافية والسياسية لهما أنشئت العديد من الأحزاب التي تشارك في الانتخابات المحلية للولايتين وانتخابات التمثيل المركزي. لكن كان هذا الانشقاق الأول والوحيد حتى الآن في (UMNO) كانشقاق لكامل قيادات الحزب في إحدى الولايات الماليزية وتأسيس حزب جديد. وانضم الحزب إلى تحالف المعارضة وفاز في انتخابات 2018 على مستوى ولايتها واستلم مسؤولية حكومتها.
الانشقاق الرابع الذي غيّر تاريخ (UMNO) هو الانشقاق الفردي لـ د. مهاتير محمد في عام 2016, وبغض النظر عن الأسباب المختلف عليها لوقوعه إلا أن مشهد اليوم يقر بحقيقة الأثر الكبير لهذا الانشقاق، فبعد أن خرج د. مهاتير من الحزب الحاكم قام بتشكيل بتشكيل حزبٍ سياسيٍ جديدٍ سمي بحزب “أبناء الأرض المالاي / PPBM” لينازع (UMNO) على التمثيل التاريخي لعرقية المالايو في ماليزيا ويضع الحزب نصب عينيه مهمة إسقاط التحالف الحاكم فوق كل اعتبار. ورغم حداثة الحزب وقلة عدد الذين انضموا إليه قادمين من (UMNO) إلا أن الرمزية التاريخية للدكتور مهاتير بالإضافة إلى الترتيبات والتوافقات التي تبعت الانشقاق أدت إلى خروج UMNO من السلطة لأول مرة في تاريخ البلاد, ووصول د. مهاتير إلى مقعد رئاسة الوزراء للمرة الثانية بعد انتخابات 2018.
فيما يخص الحزب الإسلامي الماليزي (PAS) فلقد مر أيضاً بعدة انشقاقات طوال العقود الماضية أدت إلى ولادة أكثر من حزب وجمعية إسلامية في ماليزيا. لكن معظم هذه الانشقاقات كانت صغيرة ولم تؤثر على مسيرة(PAS) ولم تصنع فارقاً في المشهد السياسي الماليزي باستثناء الانشقاق الأخير. ففي العام 2016, بعدما رفض الحزب الإسلامي التحالف مع الأقليات للانتخابات القادمة, وبالتزامن مع خروج د. مهاتير من (UMNO), انشقت مجموعة من النخبة القيادية لـ (PAS) ليشكلوا حزباً إسلامياً جديداً باسم “حزب الأمانة الوطني / Amanah”. يصنف الحزب بأنه حزب إسلامي ليبرالي, كانت النخبة القيادية فيه من الأكثر انفتاحاً على التعاون والتحالف مع أحزاب الأقليات, وتحالفت معهم ومع د. مهاتير بعكس الحزب الإسلامي الذي رفض ذلك النوع من التحالفات. وبانضمامه إلى ذلك التحالف أوصل الحزب رئيسه إلى مقعد وزير الدفاع الماليزي بعد الفوز بانتخابات 2018.
أما بالنسبة للأحزاب التي تكونت بعيداً عن الانشقاقات فأهمها هو حزب العمل الديموقراطي (DAP ) الذي ينحدر أغلبية قياداته من العرقية الصينية بالإضافة إلى حضور قيادات وأعضاء من العرقية الهندية. تشكل الحزب في أواسط الستينيات لمعارضة العقد الاجتماعي القائم والتحالف الحاكم للبلاد وبالذات ضد سياسة التمييز الإيجابي لصالح (الملايو) في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية داعياً إلى التنازل عن هذه السياسة وترسيخ قاعدة المواطنة المتساوية للجميع . بقي الحزب منذ تأسيسه في المعارضة التي لم تصل إلى الحكم الفيدرالي حتى انتخابات 2018 حين وصل الحزب إلى الحكومة لأول مرة وتم اختيار زعيم الحزب كأول وزير مالية ماليزي من الأقليات.