تقارير

كيف تعيد التحالفات الاستراتيجية تشكيــل خريطـة الأمـن الآسيوية?

طارق المصري - كاتب وباحث بالشؤون السياسية

في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬أصبحت‭ ‬آسيا‭ ‬مركزًا‭ ‬للصراعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬الصين‭ ‬كقوة‭ ‬عالمية‭ ‬وتراجع‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويبرز‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تصاعد‭ ‬دور‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬حيث‭ ‬تلعب‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والصاعدة‭ ‬اليوم‭ ‬دورًا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكتسبات‭ ‬متنوعة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬الانكفاء‭ ‬الأميركي‮»‬‭ ‬كعامل‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬الآسيوي‭. ‬

ويفتح‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬عبر‭ ‬مسارات‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬التحالفات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬تعتمدها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حلفائها‭.‬

لقد‭ ‬شكّل‭ ‬القرن‭ ‬العشرون،‭ ‬الذي‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‮»‬عصر‭ ‬التنظيم‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬محطةً‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬التحالفات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬برزت‭ ‬‮«‬الإقليمية‮»‬‭ ‬كظاهرة‭ ‬سياسية‭ ‬فاعلة،‭ ‬حيث‭ ‬دعا‭ ‬أنصار‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬كيانات‭ ‬إقليمية‭ ‬كبديل‭ ‬للعالمية،‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬المشترك،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬السلم‭ ‬الإقليمي‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المتقاربة‭ ‬جغرافيًا‭.‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وجدت‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬جيوسياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬متسارعة،‭ ‬فاتجهت‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬لتعويض‭ ‬ضعفها‭ ‬التنافسي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬

ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬العملاقين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصيني،‭ ‬باتت‭ ‬آسيا‭ ‬مركزًا‭ ‬لهذا‭ ‬الصراع،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬ينذر‭ ‬بتحولات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬وتراجع‭ ‬أخرى،‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬التحالفات‭ ‬التقليدية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‮ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬الآسيوي‮ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الملفات‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬حيث‭ ‬تتداخل‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الصاعدة،‭ ‬مما‭ ‬يضفي‭ ‬طابعًا‭ ‬ديناميكيًا‭ ‬على‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويجعلها‭ ‬بؤرةً‭ ‬للتوترات‭ ‬والفرص‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬القضايا‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وإلحاحًا‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭.‬

بيئة‭ ‬أمنية‭ ‬متغيرة‭ ‬وتحديات‭ ‬مركبة

يُعد‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬الآسيوي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الملفات‭ ‬تعقيدًا‭ ‬عالميًا،‭ ‬نظرًا‭ ‬لتداخل‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الصاعدة،‭ ‬ويمتاز‭ ‬المشهد‭ ‬الأمني‭ ‬الآسيوي‭ ‬بتنوع‭ ‬التهديدات،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬الحدودية،‭ ‬وسباق‭ ‬التسلح‭ ‬النووي،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالتنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬ووصولًا‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وتوترات‭ ‬ساخنة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والفلبين‭ ‬وفيتنام‭ ‬وماليزيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والتصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬بينهم‭ ‬بسبب‭ ‬بناء‭ ‬الجزر‭ ‬الاصطناعية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصين‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬تدخلات‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة،‭ ‬وتوترات‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬خطورة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتوترات‭ ‬جزر‭ ‬سينكاكو‭/‬ديياوي‭ ‬المستمرة‭ ‬بين‭ ‬اليابان‭ ‬الصين،‭ ‬والصراع‭ ‬الهندي‭ ‬الباكستاني‭ ‬على‭ ‬كشمير‭ ‬منذ‭ ‬تقسيم‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1947م،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لسباق‭ ‬التسلح‭ ‬العسكري‭ ‬الصاروخي‭ ‬والنووي‭ ‬بينهما،‭ ‬وتداعيات‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والتوترات‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والمنطقة‭ ‬الآسيوية‭.‬

ومما‭ ‬زاد‭ ‬الوضع‭ ‬سخونة‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية،‭ ‬وازدياد‭ ‬الارتباطات‭ ‬الروسية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬عموماً‭ ‬والصين‭ ‬خصوصا‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تشاركها‭ ‬بعد‭ ‬المناورات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬المتزايد‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬يعد‭ ‬المحرك‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الآسيوي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬وتايوان‭.‬

التحالفات‭ ‬كأداة‭ ‬لإعادة‭ ‬التوازن

شهدت‭ ‬القارة‭ ‬الآسيوية‭ ‬نشوء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التحالفات‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العقود،‭ ‬بعضها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وأخرى‭ ‬حديثة‭ ‬تستجيب‭ ‬للمتغيرات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المتسارعة‭.‬

وتمثل‭ ‬التحالفات‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬أداة‭ ‬حاسمة‭ ‬لإعادة‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬لتعويض‭ ‬ضعف‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬عبر‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى،‭ ‬وتشكّل‭ ‬هذه‭ ‬التحالفات‭ ‬وسيلة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وردع‭ ‬التهديدات،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬المظلة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬التوازن‭ ‬عبر‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭.‬

كما‭ ‬تلعب‭ ‬العوامل‭ ‬التاريخية‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬التحالفات،‭ ‬مثل‭ ‬الإرث‭ ‬العدائي‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬اليابان‭ ‬والصين،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الأطراف‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تحالفات‭ ‬تُعزز‭ ‬وضعها‭ ‬الاستراتيجي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يُعد‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬غير‭ ‬المباشر،‭ ‬كالمظلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان،‭ ‬نموذجًا‭ ‬لتوازن‭ ‬الردع‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطر‭ ‬النووي‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭.‬

ويمكن‭ ‬تقسيم‭ ‬التحالفات‭ ‬إلى‭ ‬قديمة‭ ‬وجديدة،‭ ‬فالأحلاف‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬حلف‭ (‬ANZUS‭)‬عام‭ ‬1951م‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أستراليا،‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬وتحالف Five Power Defence Arrangements) FPDA‭) ‬ترتيبات‭ ‬الدفاع‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الخمس‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1971م‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أستراليا،‭ ‬نيوزيلندا،‭ ‬ماليزيا،‭ ‬سنغافورة‭ ‬لتوفير‭ ‬ضمانات‭ ‬أمنية‭ ‬لماليزيا‭ ‬وسنغافورة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التحالفات‭.‬

أما‭ ‬التحالفات‭ ‬الجديدة‭ ‬فهي‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية،‭ ‬ويعد‭ ‬أبرزها‭ ‬تحالف‭ ‬Quad‭ ‬‭(‬الحوار‭ ‬الأمني‭ ‬الرباعي‭) ‬عام‭ ‬2007م،‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬اليابان،‭ ‬الهند،‭ ‬أستراليا،‭ ‬وهدفه‭ ‬الرئيسي‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬ومواجهة‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬المتزايد‭.‬

وتحالف‭ ‬‭ (‬AUKUS‭)‬2021م‭ ‬الذي‭  ‬يضم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أستراليا،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمن‭ ‬البحري،‭ ‬وشمل‭ ‬تزويد‭ ‬أستراليا‭ ‬بغواصات‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬والبريطاني‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬لمواجهة‭ ‬التوسع‭ ‬الصيني،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬التحالفات‭ ‬العدائية‭ ‬للصين‭.‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الأخر‭ ‬يأتي‭ ‬تحالف‭ ‬SCO‭ ‬‭(‬منظمة‭ ‬شانغهاي‭ ‬للتعاون‭) ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬عان‭ ‬2001‭ ‬ويضم‭ ‬الصين،‭ ‬روسيا،‭ ‬كازاخستان،‭ ‬قيرغيزستان،‭ ‬طاجيكستان،‭ ‬أوزبكستان،‭ ‬الهند،‭ ‬باكستان،‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭.‬

وينظر‭ ‬إلى‭ ‬المنظمة‭ ‬كمنصة‭ ‬للصين‭ ‬وروسيا‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذهما‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬ومواجهة‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي،‭ ‬ففي‭ ‬قمة‭ ‬عام‭ ‬2019م،‭ ‬أكد‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬آسيا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحالفات‭ ‬متشابكة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬مثل‭ ‬تحالف‭ (‬RCEP‭) ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشاملة‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬بين‭ ‬الصين،‭ ‬اليابان،‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬أستراليا،‭ ‬نيوزيلندا،‭ ‬ودول‭ (‬ASEAN‭) ‬العشر،‭ ‬تحت‭ ‬هدف‭ ‬تعزيز‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬محاولة‭ ‬صينية‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬ضد‭ ‬تأثير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ويُمثِّل‭ ‬انخراط‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬تحالفات‭ ‬أمنية‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لتداخل‭ ‬معطيات‭ ‬تاريخية‭ ‬وجيوستراتيجية‭ ‬أمنية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬تتصدّرها‮ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬المباشرة،‭ ‬والنزاعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وسعي‭ ‬مشترك‭ ‬لتحقيق‮ ‬توازن‭ ‬القوى‮ ‬ضد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الصينية‭ ‬أو‭ ‬الأمريكية‭.‬

كما‭ ‬توفر‭ ‬التحالفات‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬فرصةً‭ ‬للحصول‭ ‬على‮ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‮ ‬والاستثمارات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وتلعب‮ ‬العوامل‭ ‬التاريخية‮ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬الاصطفاف‭ ‬ضمن‭ ‬التحالفات،‭ ‬وتدفع‭ ‬العداءات‭ ‬المتراكمة‭ ‬كالخلاف‭ ‬الهندي‭ ‬الباكستاني‭ ‬أو‭ ‬التوتر‭ ‬الياباني‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلفاء‭ ‬لتعويض‮ ‬الضعف‭ ‬العسكري‭ ‬الذاتي،‭ ‬نظرًا‭ ‬لعدم‭ ‬قدرة‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬منفردة‭.‬

الصين‭ ‬مقابل‭ ‬أمريكا

تسعى‭ ‬الصين،‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬نفوذها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريع‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق،‭ ‬ومفهوم‭ ‬‮«‬الحلم‭ ‬الصيني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬لاستعادة‭ ‬مكانة‭ ‬بلاده‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تواصل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬هيمنتها‭ ‬التقليدية‭ ‬عبر‭ ‬التحالفات‭ (‬مثل‭ ‬Quad‭ ‬وAUKUS‭) ‬وفرض‭ ‬استراتيجيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬الصيني‭ ‬وتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬ترامب‭ ‬الصين‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬الأكبر‭ ‬لأمريكا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬ذروة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭.‬

هذا‭ ‬التنافس‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬ملفات‭ ‬ساخنة‭ ‬مثل‭ ‬تايوان،‭ ‬حيث‭ ‬تدعم‭ ‬أمريكا‭ ‬استقلال‭ ‬الجزيرة،‭ ‬بينما‭ ‬تعتبرها‭ ‬الصين‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬باحتمال‭ ‬نشوب‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية،‭ ‬ويخلق‭ ‬بيئة‭ ‬أمنية‭ ‬معقدة،‭ ‬ويزيد‭ ‬تزداد‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ويرفع‭ ‬حدة‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مثل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والتجارة،‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬مكاسب‭ ‬التحالفات‭ ‬والرهان‭ ‬عليها‭ ‬جعلها‭ ‬تتخطى‭ ‬فكرة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬مجموعة‭ ‬بركس‭ (‬BRICS‭) ‬عام‭ ‬2009م،‭ ‬التحالف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والذي‭ ‬يشمل‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

آسيا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬صراع‭ ‬التحالفات

تشهد‭ ‬آسيا‭ ‬اليوم‭ ‬تقاطعًا‭ ‬نادرًا‭ ‬بين‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العالمية،‭ ‬والتطلعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والصراعات‭ ‬القديمة‭ ‬المتجددة،‭ ‬ومع‭ ‬صعود‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬تتجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬التحالفات‭ ‬القديمة،‭ ‬بما‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬النفوذين‭ ‬الأميركي‭ ‬والصيني‭.‬

ومع‭ ‬انسحاب‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الجبهات،‭ ‬مثل‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وتراجع‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تتسارع‭ ‬التغيرات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬وسط‭ ‬بروز‭ ‬تحالفات‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭  ‬كلاعب‭ ‬مستقل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button