
تأثيــر سياســـة العزلـــة التي تنتهجها إدارة ترامب على الصين
أ.د. سعيد جمال الدين ما يان جه مختص في الشؤون العربية الصينية/و الباحثة عليــــاء ســــون روه تونـــغ
شهد المشهد السياسي والاقتصادي الدولي في السنوات الأخيرة تغيرات عميقة، حيث واجهت عملية العولمة تحديات متزايدة، وأصبحت سياسة العزلة التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة قوة دافعة رئيسة في هذا الاتجاه.
فقد أظهرت إدارة ترامب ميولًا انعزالية واضحة، تجلت في الانسحاب من اتفاقيات دولية كاتفاقية باريس للمناخ، والشراكة العابرة للمحيط الهادئ (TPP)، إلى جانب إطلاق سلسلة من الحروب التجارية ضد الصين، عبر فرض تعريفات جمركية متعددة.
لم تقتصر آثار هذه السياسات على العلاقات الصينية-الأمريكية فحسب، بل شكّلت تحديًا جوهريًا للنظام الاقتصادي العالمي ككل، ومن هنا، تبرز أهمية دراسة تأثير سياسة العزلة الأمريكية على الصين اقتصادياً، حيث أدت الحرب التجارية إلى تراجع صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة تُقدّر بحوالي 10٪ في عام 2018، مما أثّر مباشرة على استراتيجيات الشركات الصينية في السوق الدولية.
من منظور دبلوماسي، دفعت سياسة العزلة الأمريكية الصين إلى تسريع وتيرة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق وتعزيز علاقاتها مع دول متعددة، ما ساهم في تعزيز مكانتها الدولية إلى حد ما.
من منظور العلوم والتكنولوجيا، أجبر الحصار التكنولوجي لشركة هواويHuawei)) وزد تي إي (ZTE) والشركات الأخرى من قبل الولايات المتحدة الصين على تسريع وتيرة الابتكار المستقل وتعزيز التطور السريع لصناعة الرقائق المحلية.
لذلك، فإن تحليل هذه الجوانب الثلاثة يساهم في فهم أعمق لتحولات المشهد الدولي، ويساعد في رسم استراتيجيات مواجهة مستقبلية أكثر واقعية.
خلفية سياسة العزل
ترتكز سياسة العزلة التي اتبعتها إدارة ترامب على عدة دوافع سياسية واقتصادية محلية، وغيرها من العوامل في الولايات المتحدة.
يعد تعديل الهيكل الصناعي المحلي في الولايات المتحدة قوة دافعة مهمة، فمنذ نهاية القرن العشرين ، انتقلت الصناعة التحويلية الأمريكية تدريجياً إلى الخارج، مما أدى إلى مشكلة خطيرة بشكل متزايد تتمثل في تفريغ الصناعة المحلية، وبين عامي 2000 و 2016، انخفض التوظيف الصناعي في الولايات المتحدة بنحو 5 ملايين موظف.
أثار هذا الاتجاه مخاوف بشأن الأمن الاقتصادي والقدرة التنافسية الوطنية، مما دفع إدارة ترامب إلى تبني سياسات حمائية لإحياء الصناعات المحلية، كذلك يشكل ضغط التوظيف عاملا رئيسيا آخر، فقد العمال في «حزام الصدأ» في الغرب الأوسط وظائفهم بسبب العولمة وأصبحوا مؤيدين مهمين لحملة ترامب.
وأطلق ترامب حملته تحت شعار «أمريكا أولًا» عام 2016، مستندًا إلى دعم قوي من المناطق المتضررة من العولمة مثل «حزام الصدأ»، وتعهد بخلق وظائف في هذه المناطق من خلال سياسات حمائية تجارية تعد أساسا مهما لسياسة العزلة الخاصة به.
لم تساعد هذه الاستراتيجية على فوز ترامب في الانتخابات فحسب، بل أرست أيضا الأساس لتوجهه السياسي بعد توليه منصبه كما غذت الميول الانعزالية التعب من الشؤون الدولية في الولايات المتحدة، وقد أدى تاريخ طويل من التدخل العسكري في الخارج والإنفاق الضخم إلى اعتقاد العديد من الأمريكيين بأن بلادهم قد تحملت قدراً كبيراً من المسؤولية الدولية، وهو شعور انعكس في السياسة الخارجية لإدارة ترامب.
وقد دفعت هذه العوامل مجتمعة إدارة ترامب إلى تبني سياسة خارجية انعزالية تسعى إلى حماية المصالح الأمريكية من خلال الحد من المشاركة الدولية.
العناصر الرئيسة لسياسة العزل
تتجلى سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب بشكل خاص في المجالات التجارية والدبلوماسية والتكنولوجية، أما فيما يتعلق بالتجارة، أطلقت إدارة ترامب مرارا وتكراراً احتكاكات تجارية تحت شعار «أمريكا أولاً» وفرضت رسوماً جمركية عالية على السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 2018 ، فرضت رسوما جمركية بنسبة 25٪ على حوالي 340 مليار دولار من البضائع الصينية المصدرة إليها، كما اتخذت الصين إجراءات مضادة، مما أدى إلى انخفاض كبير في التجارة بين البلدين.
كما أدت إدارة ترامب إلى تفاقم التوترات التجارية الدولية من خلال تقييد وصول الشركات الأجنبية إلى السوق الأمريكية من خلال تشريعات مثل قانون التوسع التجاري.
على الساحة الدبلوماسية، أظهرت إدارة ترامب ميلا ملحوظا نحو العزلة، وكثيرا ما انسحبت من المنظمات الدولية والاتفاقيات الدولية، وأدى انسحابها من اتفاقية باريس في عام 2017 ومنظمة الصحة العالمية في عام 2020 إلى إضعاف أساس التعاون الدولي.
كما خفضت إدارة ترامب دعمها للمؤسسات متعددة الأطراف، مثل تعليق تمويل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، مما أدى إلى التشكيك الدولي في القيادة الأمريكية.
في قطاع التكنولوجيا، كانت إدارة ترامب صارمة بشكل خاص مع شركات التكنولوجيا الصينية، وفي عام 2019، أضافت الولايات المتحدة شركة هواوي إلى «قائمة الكيانات»، مما يمنعها من الانخراط في التبادلات الفنية والتعاون مع الشركات الأمريكية.
وتبنت سياسات مثل قانون إصلاح مراقبة الصادرات لتقييد وصول الشركات الصينية إلى التكنولوجيا في مجالات رئيسية مثل أشباه الموصلات، في محاولة للحد من التطور التكنولوجي للصين من خلال الحصار التكنولوجي. لم تؤثر هذه الإجراءات على التشغيل العادي لشركات التكنولوجيا الصينية فحسب، بل تسببت أيضا في تأثير على سلسلة توريد التكنولوجيا العالمية.
تنفيذ سياسة العزل
اتبعت إدارة ترامب سياسة العزلة في المقام الأول من خلال الأوامر التنفيذية والوسائل التشريعية والموقف المتشدد في المفاوضات الدولية، من خلال توقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية، وفرض ترامب بشكل مباشر رسوما جمركية على البضائع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، والتي تشمل مئات المليارات من الدولارات، وهي خطوة سرعان ما أثارت احتكاكات تجارية بين الصين والولايات المتحدة.
كما عززت إدارته سياسة العزلة من خلال الانسحاب من المنظمات والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاق باريس والاتفاق النووي الإيراني، اللذين يعكس فلسفتها الدبلوماسية «أمريكا أولا».
من حيث الوسائل التشريعية، دفعت إدارة ترامب بعدد من مشاريع القوانين التقييدية، مثل قانون إصلاح التجارة وقانون الرقائق والعلوم، والتي تهدف إلى الحد من القدرة التنافسية للشركات الصينية في مجالات التكنولوجيا الرئيسة مع حماية الصناعات الأمريكية المحلية، ولم تشكل هذه التشريعات تأثير مباشر على شركات التكنولوجيا الصينية فحسب، بل أدت أيضا إلى تفاقم التوترات في الأسواق الدولية.
في المفاوضات الدولية، أظهرت إدارة ترامب موقفا صارما، مثل التمسك بآرائها الخاصة بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية، ورفض قبول القواعد التجارية المتعددة الأطراف، وحتى التهديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية. كما ضغط ترامب على حلفائه لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين بشأن قضايا التجارة والأمن، مثل مطالبة اليابان بخفض فائضها التجاري مع الصين.
لا تعزز هذه التطبيقات سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب فحسب، بل لها أيضا تأثير عميق على المشهد السياسي والاقتصادي الدولي من خلال التنفيذ السريع للأوامر التنفيذية، وإضفاء الطابع المؤسسي على التدابير التشريعية ، والموقف المتشدد في المفاوضات الدولية ، نجحت إدارة ترامب في الترويج لسلسلة من الإجراءات التقييدية ضد الصين ، والتي أثارت أيضا جدلا واسع النطاق وإجراءات مضادة في المجتمع الدولي.
تأثير سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب على الاقتصاد الصيني
التأثير على تجارة الصين
أثّرت سياسة العزلة التي انتهجتها إدارة ترامب بشكل كبير على التجارة بين الولايات المتحدة والصين، حيث شهدت العلاقات التجارية بين البلدين تذبذبًا ملحوظًا. ففي عام 2018، وبعد فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على الواردات الصينية، انخفض حجم التجارة الثنائية من 635.97 مليار دولار في عام 2017 إلى 633.52 مليار دولار، ثم تراجع أكثر إلى 541.22 مليار دولار في عام 2019.
هذا التراجع لم يكن كميًا فقط، بل انعكس أيضًا على هيكل التجارة. فقد تأثرت صادرات الصين التقليدية إلى الولايات المتحدة، لا سيما في قطاعات مثل المنتجات الميكانيكية والكهربائية، والأثاث، ولعب الأطفال، فيما شهدت بعض القطاعات الأخرى، مثل الإمدادات الطبية والمنتجات الإلكترونية، زيادة بفعل الطلب المتصاعد خلال جائحة كورونا.
أسهمت الحرب التجارية في زيادة التكاليف وتقلص الحصص السوقية للمصدّرين الصينيين، إذ اضطرت بعض الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها لمواكبة الرسوم الجمركية الجديدة، ما أدى إلى تراجع قدرتها التنافسية، واستحواذ دول جنوب شرق آسيا على جزء من حصصها في السوق.
لم تقتصر التأثيرات على الصادرات، بل طالت أيضًا الواردات الصينية، خصوصًا في المنتجات عالية التقنية، ما أدى إلى اضطراب في استقرار سلاسل التوريد الصناعية. وعلى الرغم من تراجع فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة، فقد ارتفعت تجارتها مع شركاء آخرين مثل دول الآسيان، حيث بلغت في عام ٠٢٠٢ نحو 684.6 مليار دولار بزيادة 7% عن العام السابق، مما ساهم في تخفيف آثار عدم التوازن التجاري، مما يخفف بشكل فعال من ضغط عدم التوازن التجاري.
وعليه، ورغم أن سياسة العزلة الأمريكية شكّلت تحديًا حقيقيًا للتجارة الصينية، إلا أنها دفعت الصين إلى تنويع أسواقها والارتقاء في سلاسل القيمة الصناعية، في خطوة نحو تقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
التأثير على الاستثمار الصيني
كان للاستثمار نصيبه من التأثير السلبي الذي فرضته سياسة ترامب الانعزالية، حيث أدت التغيرات في بيئة الاستثمار داخل الولايات المتحدة إلى تقييد فرص الشركات الصينية، خاصة في قطاعات حساسة كالتكنولوجيا والبنية التحتية.
في عام 2018، منعت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) صفقة استحواذ شركة «Ant Financial» على شركة «MoneyGram» الأمريكية، بدعوى وجود تهديد للأمن القومي، ما أثار قلقًا واسعًا بين المستثمرين الصينيين.
ساهمت هذه القيود في زيادة المخاطر السياسية التي تواجهها الشركات الصينية في السوق الأمريكية، ودفع بعضها إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الاستثمارية العالمية. وفي هذا السياق، بدأت الصين تحويل تركيزها الاستثماري نحو أسواق جديدة، لا سيما ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق، عبر تعزيز حضورها في جنوب شرق آسيا، وأفريقيا، وأوروبا.
فقد ارتفع الاستثمار الصيني المباشر في الاتحاد الأوروبي إلى 12 مليار يورو في عام 2019، بزيادة قدرها 37% مقارنة بالعام السابق. ولم يسهم ذلك فقط في تنويع المخاطر، بل فتح أيضًا آفاقًا جديدة أمام الشركات الصينية في أسواق بديلة.
أما داخليًا، فقد أسهم التوتر التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة في تعزيز الاهتمام الرسمي والشعبي بتنمية السوق المحلية وتحسين القدرة على الابتكار التكنولوجي المستقل. ففي عام 2020، ارتفع حجم الاستثمار في قطاع أشباه الموصلات بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق، كاستجابة مباشرة للحصار التكنولوجي الأمريكي.
وبذلك، يمكن القول إن سياسة العزلة لم تُقيّد فقط الاستثمار الصيني، بل شكّلت أيضًا دافعًا مهمًا لإعادة تشكيل خريطة الاستثمار الصيني محليًا وعالميًا.
التأثير على التنمية الصناعية في الصين
امتد أثر سياسة العزلة إلى القطاع الصناعي في الصين، حيث ظهرت تحديات وفرص متزامنة. فمن جهة، أدت التعريفات الجمركية الأمريكية إلى نقل بعض الشركات خطوط إنتاجها من الصين إلى دول أخرى، مثل الهند وفيتنام، لتجنّب التكاليف الجمركية الإضافية. وقد سارعت شركات مثل «فوكسكون» إلى تعزيز وجودها في هذه الدول، مما ساهم في إعادة توزيع السلسلة الصناعية إقليميًا.
من جهة أخرى، شكّل الحصار التكنولوجي المفروض على الصين، ولا سيما في مجالات مثل أشباه الموصلات، تحديًا كبيرًا أمام الصناعة التحويلية. فقد منعت الولايات المتحدة تصدير المعدات والتقنيات المتقدمة، ما أثّر سلبًا على الشركات الصينية، إلا أن هذا التحدي دفع بكين إلى تسريع جهود البحث والتطوير المستقل، والسعي نحو الاستبدال المحلي للتقنيات الأجنبية.
وفي قطاع الصناعات الناشئة، كان الضغط الأمريكي محفزًا واضحًا نحو الابتكار. فعلى سبيل المثال، وفي مواجهة العقوبات التي استهدفت شركة هواوي، سارعت الأخيرة إلى تطوير نظام التشغيل «Harmony OS» كبديل لأنظمة التشغيل الأمريكية، كما عززت تعاونها مع الشركات المحلية في سلاسل الإمداد، في خطوة نحو بناء منظومة تكنولوجية وطنية متكاملة.
كما شجعت سياسة العزلة الصين على توسيع استثماراتها في قطاعات الاقتصاد الرقمي والطاقة الجديدة، ما ساهم في تعزيز تحول هيكلها الصناعي نحو الابتكار والاستدامة.
بالمحصلة، ورغم التحديات الجسيمة التي فرضتها سياسة العزلة الأمريكية، إلا أن الصناعة الصينية حققت تقدّمًا ملحوظًا في مجالات الابتكار الذاتي والتخطيط الاستراتيجي، مؤكدة قدرتها على التكيّف والاستجابة السريعة للمتغيرات العالمية.
تأثير سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب على الدبلوماسية الصينية
التأثير على العلاقات الأمريكية الصينية
تسببت سياسة العزلة في تدهور عميق في الثقة السياسية بين الصين والولايات المتحدة. أصبحت الاحتكاكات التجارية محور التوتر الأساسي، بعد أن فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية عالية على مئات المليارات من الواردات الصينية، مما قوض أسس التعاون الاقتصادي بين البلدين.
تجلى تراجع الثقة كذلك في تفكك قنوات الاتصال الدبلوماسي، إذ ألغت واشنطن العديد من الحوارات الثنائية رفيعة المستوى، مثل المشاورات الاقتصادية والاستراتيجية، كما تعرقل التعاون في قضايا دولية ملحّة، مثل ملف بحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية، مما أدى إلى تفكك شبه تام في التنسيق الثنائي.
كما شهدت حالة التعاون والمواجهة بين البلدين في الشؤون الدولية تغيرات ملحوظة. اتسع موقف إدارة ترامب مع الصين بشأن القضايا العالمية مثل تغير المناخ والصحة العامة ، بل إنها «اختلفت» في كثير من الأحيان في المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة. لم تؤثر هذه المواجهة على العلاقات الثنائية فحسب، بل كان لها أيضا تأثير على مشهد الحكم العالمي.
على المدى الطويل، لا يمكن تجاهل التأثير المحتمل لسياسة العزلة لإدارة ترامب على العلاقات الأمريكية الصينية. فمن ناحية، قد يستغرق الافتقار إلى الثقة المتبادلة الاستراتيجية الناجم عن السياسات وقتا طويلا لإصلاحه. من ناحية أخرى ، قد يتم تعزيز دور الصين ونفوذها على الساحة الدولية بشكل أكبر ، مما يدفع النظام الدولي إلى التطور في اتجاه أكثر تنوعا.
التأثير على علاقات الصين مع الدول الأخرى
دفعت سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب الصين توسيع تعاونها الاقتصادي والدبلوماسي مع الدول الأخرى، فعلى صعيد الجوار الإقليمي، عززت الصين شراكاتها مع دول جنوب شرق آسيا عبر مبادرة الحزام والطريق، ووقعت على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) في 2020، التي ضمّت دول الآسيان، اليابان، وكوريا الجنوبية، وفتحت آفاقًا جديدة للتكامل التجاري.
كما شهدت العلاقات الصينية الروسية تطورًا ملحوظًا، مع تعميق التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا، كردّ استراتيجي مشترك على السياسات الأمريكية.
في القارة الأفريقية، كثفت الصين أنشطتها الاستثمارية والتعاونية عبر «منتدى التعاون الصيني-الأفريقي»، وركزت على البنية التحتية والرعاية الصحية والزراعة.
أما في أوروبا، فقد أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في 2020، متجاوزة الولايات المتحدة، وحققت تقدمًا في مشاريع التكنولوجيا العالية مع دول مثل فرنسا وألمانيا، رغم محاولات واشنطن استقطاب الحلفاء لعزل الصين.
بوجه عام، دفعت سياسة العزلة الصين إلى تبنّي سياسة خارجية أكثر انفتاحًا وفاعلية، مستثمرةً التعاون الإقليمي والتعددية لتوسيع نفوذها وتعزيز صورتها كقوة مسؤولة.
التأثير على صورة الصين الدولية والخطاب الدولي
لم تكن سياسة العزلة مجرد عامل اقتصادي أو دبلوماسي، بل أثرت أيضًا على صورة الصين الدولية والخطاب السائد حولها. سعت الولايات المتحدة إلى الترويج لما يُعرف بـ»نظرية التهديد الصيني»، بهدف تشويه صورة الصين عالميًا.
في المقابل، كثّفت بكين جهودها لتحسين صورتها كقوة تنموية. فقد وقّعت اتفاقيات تعاون ضمن مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 140 دولة، وقدّمت مساعدات لقاحية إلى أكثر من 150 دولة ومنظمة خلال جائحة كورونا، مما عزز من حضورها الإنساني.
من حيث الخطاب الدولي، أضعفت سياسات إدارة ترامب الانعزالية نفوذ الولايات المتحدة في المنظمات الدولية ووفرت للصين المزيد من الفرص للمشاركة في الحوكمة العالمية.
لعبت الصين دورا رئيسيا في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) وعززت التكامل الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي الوقت نفسه، تحدثت الصين بنشاط في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وطرحت مفهوم «مجتمع مصير مشترك للبشرية»، وعززت صوتها في صنع القواعد الدولية. تواجه الصين أيضا تقارير سلبية من وسائل الإعلام الغربية حول الشؤون الداخلية للصين ، مثل القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ ، والتي كان لها تأثير معين على صورتها الدولية
.من أجل مواجهة هذه التحديات ، أنشأت الصين بنشاط صورة دولية حقيقية وثلاثية الأبعاد وشاملة من خلال تعزيز قدرتها على الاتصال الدولي ، مثل توسيع التغطية العالمية ل CGTN ووسائل الإعلام الأخرى. بشكل عام، تمثل سياسة العزلة التي تنتهجها إدارة ترامب فرصا وتحديات جديدة للصين، التي تحتاج إلى الاستمرار في رفع مكانتها وصوتها على الصعيد الدولي من خلال التعاون متعدد الأطراف والدعوة الاستباقية.