تقارير

الحصــة الحقيقيـة لمجموعـة بريكس في الاقتصاد العالمي وتراجع قوة الغرب

د. أندريه كوبياكوف محلل سياسي وخبير في الاقتصاد العالمي

بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬هيمنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية؛‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬نظام‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬المنبثق‭ ‬عن‭ ‬مؤتمر‭ ‬بريتون‭ ‬وودز‭ ‬بالكامل‭ ‬ليُكرّس‭ ‬الدور‭ ‬المركزي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

وعكس‭ ‬هذا‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬الوضع‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وهيمنة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ (‬GDP‭).‬

سنقوم‭ ‬أدناه‭ ‬بتحليل‭ ‬المخططات‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬نسب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والتغيرات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النسب‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭. ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬إليكم‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬حول‭ ‬البيانات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المخططات‭:‬

كما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬المقارن‭ ‬الحقيقي،‭ ‬فإن‭ ‬جميع‭ ‬الحسابات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمخططات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬إحصاءات‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬وفقاً‭ ‬لمبدأ‭ ‬تعادل‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭ (‬PPP‭) ‬-‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬القيمة‭ ‬الدولارية‭ ‬للناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬تُستمد‭ ‬من‭ ‬أسعار‭ ‬صرف‭ ‬العملات‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬السوقية،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭ ‬الحقيقية‭ ‬للعملات‭ ‬الوطنية‭.‬

لم‭ ‬أستخدم‭ ‬قواعد‭ ‬البيانات‭ ‬الشهيرة‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬لأنها‭ ‬تتسم‭ ‬بطابع‭ ‬مضاربي‭. ‬فكل‭ ‬5‭ ‬أو‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬يقوم‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬بما‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬تصحيحات‮»‬‭ ‬و»تحسينات‮»‬‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬بياناتهما،‭ ‬وهذه‭ ‬التعديلات‭ ‬تكون‭ ‬جذرية‭ ‬ومثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنها‭ ‬تثير‭ ‬فضائح‭ ‬حقيقية -‭ ‬لأن‭ ‬الغرض‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬التصحيحات‮»‬‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭: ‬تضخيم‭ ‬حجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬الوزن‭ ‬الحقيقي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الصيني‭.‬

في‭ ‬تحليلي‭ ‬استخدمت‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬أشهر‭ ‬خبير‭ ‬مستقل‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المقارن‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬البروفيسور‭ ‬أنغوس‭ ‬ماديسون‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬خرونينغن‭. ‬توفي‭ ‬البروفيسور‭ ‬ماديسون‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2010،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬آخر‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬بياناته‭ ‬هي‭ ‬2008‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬المخططات‭ ‬التي‭ ‬أقدمها‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬حسابات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬ماديسون‭ ‬الإحصائية،‭ ‬بينما‭ ‬تستند‭ ‬الأرقام‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تقديراتي‭ ‬وتنبؤاتي‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الإحصاءات‭.‬

فلننتقل‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬المخططات‭:‬

يمثل‭ ‬المخطط‭ ‬1‭ ‬نسب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬والدور‭ ‬المركزي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬موحدة‭ ‬بعد،‭ ‬وكانت‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

وكانت‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الوحيدة‭ ‬المنافسة‭ ‬هي‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬مع‭ ‬كتلة‭ ‬الدول‭ ‬السوفيتية‭ ‬التابعة‭ ‬له،‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬هذه‭ ‬الكتلة‭ ‬مكتفية‭ ‬ذاتيًا،‭ ‬وكانت‭ ‬تمثل‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغلق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬محدودًا‭ ‬للغاية‭.‬

المخطط‭ ‬2‭ ‬-‭ ‬نسب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬بعد‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬-‭ ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬كما‭ ‬هو‭.‬

المخطط‭ ‬3‭ ‬-‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬قبيل‭ ‬الانهيار‭ ‬الذاتي‭ ‬للكتلة‭ ‬السوفيتية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬نفسه،‭ ‬انخفضت‭ ‬حصتهما‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬بينما‭ ‬بقيت‭ ‬حصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مستقرة‭.‬

وقد‭ ‬مهد‭ ‬انهيار‭ ‬الكتلة‭ ‬السوفيتية‭ ‬الطريق‭ ‬لنظام‭ ‬سياسي‭ ‬عالمي‭ ‬أحادي‭ ‬القطب،‭ ‬وعزز‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كقوة‭ ‬مهيمنة‭ ‬في‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭.‬

لكن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلاً،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬النمو‭ ‬السريع‭ ‬لقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬جديدة‭ ‬وهي‭ ‬الصين،‭ ‬وأيضًا‭ ‬بفضل‭ ‬الإمكانات‭ ‬الكبيرة‭ ‬للنمو‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الصاعدة‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭.‬

المخطط‭ ‬4‭ ‬يوضح‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ (‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭). ‬

في‭ ‬المخطط‭ ‬5،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬بالفعل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬رقم‭ ‬1‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحصة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النفوذ‭ ‬الحقيقي‭. ‬

ولكن‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النفوذ‭ ‬يشهد‭ ‬تزايدًا‭ ‬جذريًا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬الازدياد‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬

الفرق‭ ‬الجوهري‭ ‬بين‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬والوضع‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬اقتصاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وكتلته‭ ‬كان‭ ‬اقتصادًا‭ ‬مغلقًا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬اقتصاد‭ ‬مفتوح‭ ‬يتمتع‭ ‬بتجارة‭ ‬دولية‭ ‬هائلة‭ ‬وتدفقات‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬دولية‭ ‬وبالتالي‭ ‬تأثير‭ ‬دولي‭ ‬متزايد‭ ‬باستمرار‭. ‬

نحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ (‬أو‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬والأخير‭) ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬نحو‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭ ‬كليًا‭ ‬مع‭ ‬زعامة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭.‬

لقد‭ ‬أجريتُ‭ ‬توقعًا‭ ‬لعام‭ ‬2030،‭ ‬ويمكنكم‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬المخطط‭ ‬6‭.‬

دعوني‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التوقع‭ ‬متحفظ‭ ‬للغاية،‭ ‬وليس‭ ‬مفرطاً‭ ‬في‭ ‬التفاؤل‭ ‬بأي‭ ‬حال،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬ببساطة‭ ‬إسقاطًا‭ ‬خطيًا‭ ‬للاتجاهات‭ ‬الحالية‭ ‬ومعدلات‭ ‬النمو‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬ستتباطأ‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭: ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬7‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬الافتراضات‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التوقع‭.‬

ولكن‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الافتراضات،‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬وحدها‭ ‬ستشكل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬وسيشكل‭ ‬مجموع‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ (‬المخططات‭ ‬7‭-‬9‭). ‬لكن‭ ‬المخططات‭ ‬7‭-‬9‭ ‬أُعدّت‭ ‬فقط‭ ‬للدول‭ ‬الخمس‭ ‬الأصلية‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ (‬البرازيل،‭ ‬روسيا،‭ ‬الهند،‭ ‬الصين،‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا‭).‬

‭ ‬وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬التشكيل‭ ‬الحالي‭ ‬للبريكس،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬الآن‭ ‬10‭ ‬دول‭ (‬الأعضاء‭ ‬الأصليون‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات،‭ ‬إيران،‭ ‬مصر،‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬وإندونيسيا‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الآمن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬حصة‭ ‬‮«‬بريكس‭-‬10‮»‬‭ ‬ستتجاوز‭ ‬بالتأكيد‭ ‬نصف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭.‬

إذن،‭ ‬فإن‭ ‬الخلل‭ ‬أو‭ ‬التفاوت‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الحصة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لدول‭ ‬البريكس‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الحالي‭ ‬للحوكمة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬بأكمله‭.‬

إن‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬الذي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المؤسسات‭ ‬فوق‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والمالية‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬النسب‭ ‬الحقيقية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬ولا‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬تراجع‭ ‬حصة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭.‬

وتعد‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الماضي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬الحالي‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬وغير‭ ‬منصف‭ ‬لأنه‭ ‬يسمح‭ ‬لقوة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬امتياز‭ ‬إصدار‭ ‬العملة‭ ‬العالمية‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬لصالحها‭ ‬الخاص‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬استغلال‭ ‬كامن‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬الاستعماري‭ ‬الجديد‭ ‬للشعوب‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬لإيجاد‭ ‬سبل‭ ‬لزيادة‭ ‬حصتها‭ ‬المنخفضة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متناسب‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحوكمة‭ ‬العالمية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬المستفيدين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الحالي‭ ‬سيسمحون‭ ‬طوعًا‭ ‬بحدوث‭ ‬تحول‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوة‭.‬

لذا،‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬لتعزيز‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬القائمة،‭ ‬تحتاج‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬إلى‭ ‬مبادرات‭ ‬مستقلة‭ ‬وخطوات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬الحالية‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭: ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي،‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬وإطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬استثمارية‭ ‬مشتركة‭. ‬وهذا‭ ‬مهم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬النزعات‭ ‬القومية‭ ‬والدعوات‭ ‬الشعبوية‭ ‬لاعتماد‭ ‬سياسات‭ ‬الحماية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭.‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬عملاتها‭ ‬الوطنية‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬المدفوعات‭ ‬المتبادلة‭ ‬–‭ ‬كخطوة‭ ‬للتحول‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الدولار‭ ‬كوسيط‭ ‬للدفع‭. ‬إن‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬التسوية‭ ‬والدفع‭ ‬غير‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬يُعد‭ ‬أداة‭ ‬مهمة‭ ‬لضمان‭ ‬الاستقلال‭ ‬والسيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية‭.‬

الخطوة‭ ‬الضرورية‭ ‬التالية‭ ‬هي‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬مشتركة‭ ‬كبديل‭ ‬كامل‭ ‬حقيقي‭ ‬للدولار‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬دور‭ ‬العملة‭ ‬العالمية،‭ ‬العملة‭ ‬المشتركة‭ (‬أو‭ ‬الجماعية‭) ‬فوق‭ ‬الوطنية‭ ‬تُعد‭ ‬الحل‭ ‬الأفضل،‭ ‬لأن‭ ‬آلية‭ ‬إنشائها‭ ‬أكثر‭ ‬شفافية‭ ‬ولا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬مالي‭ ‬وطني‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬آلية‭ ‬تخصيص‭ ‬الحصص‭ ‬بفضل‭ ‬طابعها‭ ‬الديمقراطي‭ ‬أكثر‭ ‬عدلاً،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ستعزز‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬ضمن‭ ‬البريكس‭.‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬أن‭ ‬تروّج‭ ‬لمؤسساتها‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬القائمة،‭ ‬ومن‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬مواصلة‭ ‬تطوير‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬التابعة‭ ‬للبريكس‭ ‬كبديل‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭. ‬

فحجم‭ ‬أنشطتها‭ ‬الحالي‭ ‬وقاعدتها‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لا‭ ‬يزالان‭ ‬غير‭ ‬كافيين‭ ‬لإحداث‭ ‬تحول‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬ضمن‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬أو‭ ‬لإنجاز‭ ‬مهمة‭ ‬رفع‭ ‬دور‭ ‬البريكس‭ ‬جذريًا‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬وزنها‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

وأعتقد‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬للبنك‭ ‬الجديد‭ ‬للتنمية‭ ‬التابع‭ ‬للبريكس‭ (‬NDB‭) ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬فوق‭ ‬السيادية،‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬مماثلة‭ ‬لحقوق‭ ‬السحب‭ ‬الخاصة‭ (‬SDRs‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬مبادرة‭ ‬حاسمة‭ ‬لبناء‭ ‬هيكل‭ ‬جديد‭ ‬للنظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬وإنصافًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالنظام‭ ‬الحالي‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button