تقارير

بريكس والصين: تحالـف الجنــوب العالمــــي في مواجهة الهيمنة الغربية

د. محمد مكرم بلعاوي - رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط

تفرض‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المتسارعة،‭ ‬واقعًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬تحاول‭ ‬فيه‭ ‬قوى‭ ‬صاعدة‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬تقف‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬بقيادة‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬ساعيةً‭ ‬إلى‭ ‬كسر‭ ‬هيمنة‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬القرار‭ ‬العالمي،‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬وحتى‭ ‬أمنيًا‭.‬

ولم‭ ‬تُخفِ‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬امتعاضها‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم،‭ ‬والذي‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬بني‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬معتبرة‭ ‬أنه‭ ‬يتسم‭ ‬بالتحيّز،‭ ‬ويمارس‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إخفاقه‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬ناجعة‭ ‬للنزاعات‭ ‬والصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬المتجددة‭. ‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬تروّج‭ ‬الصين‭ ‬لرؤية‭ ‬لعالم‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬وشمولية،‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬ويُتيح‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬للنهوض‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستقلة‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬بريكس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬حدثًا‭ ‬معزولًا،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬كتجلٍ‭ ‬مؤسسي‭ ‬لطموحات‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي،‭ ‬فقد‭ ‬ضم‭ ‬التكتل‭ ‬البرازيل‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬والصين‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬كردّ‭ ‬فعل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الغربية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬وإعاقة‭ ‬صعود‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الجديدة‭.‬

وشكل‭ ‬التكتل‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه‭ ‬مشروعًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬أوسع،‭ ‬يعكس‭ ‬تطلعات‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬العالم،‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬منصة‭ ‬بديلة‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬تُعزز‭ ‬استقلالها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتُعيد‭ ‬صياغة‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي‭.‬

بريكس‭ ‬كمرآة‭ ‬للجنوب‭ ‬العالمي

منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬شكّلت‭ ‬بريكس‭ ‬مشروعًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬أوسع‭ ‬يعكس‭ ‬تطلعات‭ ‬دول‭ ‬‮«‬الجنوب‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كمفهوم‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬مصطلحات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الثالث‮»‬،‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬العالم،‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬منصة‭ ‬بديلة‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬تُعزز‭ ‬استقلالها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتُعيد‭ ‬صياغة‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭.‬

وتحظى‭ ‬بريكس‭ ‬بدعم‭ ‬متزايد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬اقتصاداتها‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬إنجازاتها‭ ‬إنشاء‭ ‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬الجديد‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬كبديل‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الغربية‭ ‬التقليدية،‭ ‬بهدف‭ ‬تمويل‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬والدول‭ ‬النامية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬استقلالية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ويقلل‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬المالية‭ ‬الغربية‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬ازداد‭ ‬نفوذ‭ ‬المجموعة‭ ‬واهتمام‭ ‬الدول‭ ‬بالانضمام‭ ‬إليها،‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬والأرجنتين‭ ‬ومصر‭ ‬وإيران،‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬متزايدة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬بديلة‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬بريكس‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والطاقة‭ ‬والتعاون‭ ‬الأمني،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬قلق‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تخشى‭ ‬من‭ ‬تصاعد‭ ‬نفوذ‭ ‬هذا‭ ‬التكتل‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬نهوض‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تلعب‭ ‬الصين‭ ‬دور‭ ‬القائد‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬تحالف‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬استقلالية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وتحدي‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭. ‬واليوم،‭ ‬يشمل‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬دولًا‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وآسيا،‭ ‬ويُعتبر‭ ‬مرادفًا‭ ‬لمجموعة‭ ‬الـ77‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬134‭ ‬دولة‭.‬

الصين‭ ‬والجنوب‭ ‬العالمي

تلعب‭ ‬الصين‭ ‬دور‭ ‬القائد‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬الجنوب‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬اليوم‭ ‬دولًا‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وآسيا،‭ ‬ويُعتبر‭ ‬مرادفًا‭ ‬لمجموعة‭ ‬الـ77‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬134‭ ‬دولة‭.‬

ويُستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الجنوب‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المنخفض‭ ‬والمتوسط،‭ ‬كما‭ ‬يُستخدم‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التفاوتات‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭. ‬

وتتمتع‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬برؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬القائم،‭ ‬حيث‭ ‬تتماهى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬إدراكها‭ ‬لوجود‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬تدفعها‭ ‬لدعم‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭.‬

وتسعى‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬استثمار‭ ‬هذا‭ ‬التماهي‭ ‬لتقوية‭ ‬نفوذها‭ ‬العالمي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬الجنوب‭ ‬قربًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ولاية‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬

وإذا‭ ‬استمرت‭ ‬السياسات‭ ‬العدائية‭ ‬تجاه‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬النامية،‭ ‬فقد‭ ‬تجد‭ ‬بكين‭ ‬فرصة‭ ‬إضافية‭ ‬لتعميق‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬الجنوب‭ ‬والغرب،‭ ‬وتقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كقوة‭ ‬مسؤولة‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬التعددية‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي‭.‬

وقد‭ ‬تُوظّف‭ ‬الصين‭ ‬كذلك‭ ‬سياسة‭ ‬ترامب‭ ‬العدائية‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬وحلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬علاقتها‭ ‬بدول‭ ‬الجنوب،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬مهاجمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جديدة،‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬البيئية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العالمية‭.‬

كما‭ ‬تمنح‭ ‬سياسات‭ ‬ترامب‭ ‬الصين‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬لتقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كقوة‭ ‬مسؤولة‭ ‬داعمة‭ ‬للنظام‭ ‬التعددي‭ ‬وصديقة‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭. ‬وقد‭ ‬تستفيد‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬التزام‭ ‬واشنطن‭ ‬بالحلفاء‭ ‬التقليديين‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والناتو،‭ ‬عبر‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وأمنية‭ ‬جديدة‭.‬

قوة‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي

تعتمد‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬على‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ونفوذها‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬نحو‭ ‬85‭% ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬وما‭ ‬يقارب‭ ‬39‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭.‬

وتُعد‭ ‬الصين‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬حاليًا‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬طموحًا‭ ‬وقدرة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬وقد‭ ‬طرحت‭ ‬بكين‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬والتنمية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬لتعزيز‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬و»مبادرة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬لتعزيز‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار،‭ ‬و»مبادرة‭ ‬أصدقاء‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬السياسية‭ ‬بطرق‭ ‬سلمية‭.‬

وتسعى‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تصدير‭ ‬صورة‭ ‬نفسها‭ ‬باعتبارها‭ ‬بطلة‭ ‬لقضايا‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬نامية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬بذلك‭ ‬‮«‬لي‭ ‬شي‮»‬،‭ ‬الممثل‭ ‬الخاص‭ ‬للرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬مجموعة‭ ‬الـ77‭ ‬والصين‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬هافانا‭ ‬بكوبا،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭/‬أيلول‭ ‬2023‭.‬

ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الغربية

ينظر‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬بريكس‭ ‬باعتبارها‭ ‬أداة‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذ‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يُضعف‭ ‬التحالفات‭ ‬الغربية‭ ‬التقليدية‭ ‬ويطرح‭ ‬نموذجًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬بديلًا،‭ ‬يشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬للهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬​

وتمثل‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭% ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬وتعمل‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬عبر‭ ‬المجموعة،‭ ‬حيث‭ ‬ضمت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬دولًا‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬الأرجنتين‭ ‬ومصر‭ ‬وإيران‭ ‬إليها،‭ ‬إضافة‭ ‬لوجود‭ ‬البرازيل،‭ ‬روسيا،‭ ‬الهند،‭ ‬الصين،‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتعزيز‭ ‬رؤيتها‭ ‬للنظام‭ ‬الجديد،‭ ‬وتقديم‭ ‬بديل‭ ‬للنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬الحالي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬قال‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬جيك‭ ‬سوليفان‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭/‬أيلول‭ ‬2022،‭ ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬والمنافسة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬شكل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي،‭ ‬وإن‭ ‬روابط‭ ‬الدول‭ ‬أصبحت‭ ‬متشابكة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬​

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬بريكس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التكتل‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬داخلية،‭ ‬مثل‭ ‬اختلاف‭ ‬المصالح‭ ‬والتنوع‭ ‬بين‭ ‬أعضائه،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬صياغة‭ ‬سياسات‭ ‬ورؤية‭ ‬موحدة‭ ‬تمثلها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تواجه‭ ‬المجموعة‭ ‬تهديدات‭ ‬أميركية‭ ‬وتحذيرات‭ ‬أوروبية،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭.‬​

مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي

تسعى‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬بقيادة‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يتحدى‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأميركية‭ ‬والأوروبية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬بشبكة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتجارة،‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬بريكس‭ ‬كقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬صاعدة‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تعمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الغربيون‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬تحالفاتهم‭ ‬التقليدية‭ ‬وتحديث‭ ‬أدوات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الجديدة‭.‬

ويبقى‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬مفتوحًا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنافس‭ ‬المحموم‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وسعي‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button