تقارير

“النووي الإيراني في مرمى الهيمنة” (دلالات الإصرار الأمريكي – الإسرائيلي على السيطرة والتفكيك… وموقع باكستان من دائرة الخطر)

ورقة استراتيجية – أمنية – نووية صادرة عن مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية (ضمن سلسلة أوراق الأمن والتحولات العسكرية) يونيو 2025

🔵 أولًا: مقدمة – السلاح النووي بين الردع والسيادة
منذ نشأة المشروع النووي الإيراني في أواخر القرن العشرين، شكّل هذا البرنامج محورًا للصراع بين إيران والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل. ورغم عقود من التفاوض، والتفتيش الدولي، والاتفاقات المرحلية (خاصة اتفاق 2015)، فإن العقيدة الاستراتيجية الغربية لم تتغيّر: لا يُسمح لأي قوة غير حليفة، لا سيما في العالم الإسلامي، بامتلاك قدرة نووية مستقلة، ولو كانت “مدنية”.
ما يحدث اليوم من تصعيد عسكري إسرائيلي واسع ضد إيران، بدعم أمريكي صريح أو ضمني، يكرّس هذا المفهوم. فليست “القنبلة” هي الخطر، بل استقلال القرار الاستراتيجي الذي يسمح لدولة مسلمة طموحة ببناء توازن ردع إقليمي، قد يُفضي مستقبلاً إلى تفكيك النظام الأمني الذي تهيمن عليه إسرائيل والولايات المتحدة.
والسؤال الأهم اليوم هو: إذا كانت إيران تُستهدف بهذا الشكل رغم كونها لا تملك سلاحًا نوويًا، فماذا عن باكستان، التي تمتلك هذا السلاح منذ التسعينات؟ وهل يمكن أن تصبح الهدف القادم ضمن استراتيجية تفكيك الردع الإسلامي؟
🔵 ثانيًا: العقيدة الأمريكية – الإسرائيلية تجاه النووي الإيراني
العداء الأمريكي – الإسرائيلي تجاه المشروع النووي الإيراني لا ينبع فقط من القلق العسكري، بل من معادلة استراتيجية أشمل تقوم على:
• منع أي تهديد محتمل للتفوق العسكري الإسرائيلي في الإقليم.
• ضمان تبعية القرار الأمني لدول المنطقة للهيمنة الأمريكية.
• منع بناء قوة ردع تمنح هامش استقلال سياسي أو دعم لحركات المقاومة.
لذا فإن حتى الاتفاق النووي لم يكن يومًا مقبولًا بالكامل، بل كان يُنظر إليه كمرحلة مؤقتة لتأجيل المواجهة، في انتظار لحظة مناسبة لتفكيك المشروع بالكامل، كما يجري اليوم.
🔵 ثالثًا: ما الفرق بين إيران وباكستان؟
رغم تشابه الطابع الإسلامي للنظامين، فإن الفرق بين إيران وباكستان في سياق العقيدة الغربية يتجلى في ثلاثة أبعاد:
1. الطابع المذهبي والسياسي، فإيران تُقدَّم كقوة شيعية ثورية تسعى لفرض نفوذها بالقوة، بينما باكستان – رغم امتلاكها للسلاح – لم تتبنّ مشروعًا توسعيًا مباشرًا.
2. موقع باكستان الجيوسياسي، فباكستان تقع ضمن فضاء آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وتُستخدم كحاجز أمام الصين والهند، في حين أن إيران على تماس مباشر مع حدود المشروع الإسرائيلي.
3. درجة الاختراق والسيطرة، فالمؤسسة العسكرية الباكستانية – رغم تماسكها – تعرضت لاختراقات أمريكية متعددة، وهي أكثر قابلية للضبط مقارنة بإيران التي طوّرت استقلالًا واضحًا في قرارها العسكري.
لكن هذه الفروقات لم تعد كافية اليوم، خاصة مع تصاعد الحديث الغربي عن “السلاح النووي الإسلامي” باعتباره تهديدًا عالميًا، واستمرار الضغط على باكستان سياسيًا واقتصاديًا.
🔵 رابعًا: باكستان في مرمى الخطر… ولكن بصمت
منذ عقود، تتجنب واشنطن وتل أبيب الحديث العلني عن البرنامج النووي الباكستاني، ليس لأنهما تريان فيه أمانًا، بل لأن أي هجوم مباشر أو تشهير صريح قد يفتح جبهة لا يمكن السيطرة عليها. ومع ذلك، يمكن رصد بعض المؤشرات:
• ضغوط أمريكية مستمرة لتقليص الاعتماد الباكستاني على الصين.
• محاولات لاختراق المنظومة العسكرية الباكستانية عبر التعاون الأمني والمساعدات المشروطة.
• خنق اقتصادي مستمر يهدد استقرار الدولة ويجعلها رهينة للتمويل الخارجي.
• دفع الهند لتعزيز برنامجها النووي وفرض سباق تسلح مرهق لباكستان.
وفي ضوء التصعيد مع إيران، قد يكون هذا النموذج هو ما يُحضَّر لباكستان: تفكيك غير معلن، يبدأ من الداخل، ويستكمل من خلال تحالف إقليمي يشكك في “أمن” السلاح النووي الإسلامي.
🔵 خامسًا: الدلالات الاستراتيجية الكبرى:
1. تفكيك الردع الإسلامي بات هدفًا معلنًا للعقيدة الغربية.
2. الاستقلال في بناء القوة النووية غير مسموح به، حتى وإن كان تحت رقابة دولية.
3. البرنامج النووي لم يعد سلاحًا دفاعيًا فقط، بل عنوانًا للسيادة والتحرر.
4. كل مشروع إسلامي يمتلك طموحًا استراتيجيًا قد يُصنَّف عدوًا في مرحلة ما، بصرف النظر عن مذهبه أو تحالفاته.
🔵 سادسًا: توصيات استراتيجية:
1. ضرورة بناء خطاب عالمي جديد يربط امتلاك التكنولوجيا النووية بحقوق الشعوب في الأمن والسيادة، وليس كتهديد.
2. تشكيل جبهة إسلامية – آسيوية دفاعية تضم تركيا، باكستان، ماليزيا، ودولًا أخرى ترفض الهيمنة الغربية.
3. دعم المسار السلمي للبرنامج النووي في الدول الإسلامية بشرط الاستقلال وعدم التبعية الغربية.
4. مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والعسكرية في الدول الإسلامية لضمان صمودها أمام سيناريوهات التفكيك السياسي أو العسكري.
5. عدم الركون إلى الصمت الدولي، إذ أثبتت غزة وإيران أن العالم لا يمنع العدوان، بل يتواطأ معه.
🔴 سابعًا: خاتمة
الصراع حول النووي الإيراني ليس نهاية لقصة الهيمنة، بل محطة في حرب طويلة لإبقاء الأمة الإسلامية عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ومحرومة من أدوات الردع الحقيقي. وإذا لم تتحول هذه المحطات إلى لحظة وعي استراتيجي إسلامي، فقد نكون أمام مراحل قادمة أخطر، تبدأ من باكستان ولا تنتهي عند أي عاصمة مستقلة.
لقد آن أوان إدراك أن معركة “النووي” هي معركة على السيادة، وأن المشروع الإسلامي بحاجة إلى مظلة أمان تكنولوجية وعسكرية توازي مشاريعه الفكرية والسياسية.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button