
التحالف الرباعي كواد (QUAD) الهدف هو الحد من نفوذ الصين
د. عبير عبد الله الرنتيسي - دكتوراة في العلوم السياسية
التحالف الرباعي كواد (QUAD) الهدف هو الحد من نفوذ الصين
د. عبير عبد الله الرنتيسي – دكتوراة في العلوم السياسية
في محاولةٍ لمواجهة التَّهديدات الصينية المُتزايدة والمتسارعة، حاولت “واشنطن” منذ عدةِ سنوات بناء نوعٍ من التَّقارب بين دول شرق آسيا تحت شعار “الدول المشتركة في القيم الديمقراطية: الحرية والانفتاح”، ولمجابهة توسُّع نفوذ الصين في منطقةِ آسيا والمحيط الهادئ استبقت “واشنطن” الأحداث بنحو 18 عامًا، عندما أعلنت عن تحالف “كواد” الذي يضم رباعيًّا دوليًّا قويًّا من الناحية الاقتصادية، ويحيط جغرافيًّا بالصين من عدةِ جهات، ما يمكِّنه من تطويق الصين إذا ما دخلت في حربٍ واسعةٍ.
ما هو تحالف “كواد” الرباعي؟
التحالف الأمني الرُّباعي، المعروف باسم كواد (Quad)، هو تحالفٌ إستراتيجيٌّ غير رسميٍّ بين United States، واليابان، وأستراليا، والهند، يتمثَّل بالمحادثاتِ بين الدُّول الأعضاء.
ويُعزى بدء ترتيبات الدفاع الأمريكي والياباني والأسترالي والهندي، على غِرار مفهوم السَّلام الديمقراطي، إلى رئيس وزراء اليابان “شينزو آبي”، كان من المفترض أن يُنشِئَ التحالفُ الرباعي “القوسَ الديمقراطيَّ الآسيوي”، وأن يشملَ في النهاية بلدانًا في آسيا الوسطى ومنغوليا وشبه الجزيرة الكورية ودولًا أخرى في جنوب شرق آسيا -أي جميع البُلدان الواقعةِ على حدود China تقريبًا، باستثناء الصين نفسها-، أدَّى ذلك ببعض النُّقاد مثل: الموظف السَّابق بوزارة الخارجية الأمريكية “مورتون إبرامويتز”، إلى وصفِ المشروع بأنَّه خطوةٌ معاديةٌ للصين، بينما وصفه آخرون مثل: العالم السياسي “ميخائيل غرين” بأنَّه تحدٍّ ديمقراطيٌّ للصين شنَّته القوى الآسيوية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
فتحالف “كواد” يمثل رباعيةً قويةً تهدف إلى احتواء الصين، لتشكيل قوةٍ مُضادةٍ لنفوذ الصين الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي المُتزايد في منطقةِ آسيا والمحيط الهادئ.
بداية تشكيل تحالف كواد:
جذورُ الشراكة جاءت استجابةً لزلزال المحيط الهندي عام 2004م، عندما شكَّلت الدُّول الأربع مجموعةً أساسيةً إقليميةً للمساعدة في توحيد عمليات الإغاثة، وبعد ثلاثِ سنواتٍ شكلت الدول الأربع “الحوار الأمني الرباعي”، حيث بدأ الحوار في عام 2007م من قِبَل رئيس وزراء اليابان “شينزو آبي”، بدعمٍ من نائب الرئيس الأمريكي “ديك تشيني“، ورئيس وزراء أستراليا “جون هوارد”، ورئيس وزراء الهند “مانموهان سينغ”، توازى الحوار مع المُناورات الحربية المشتركة على نطاقٍ غير مسبوق، والتي سُمِّيت “مناورات مليبار“، اعتُبرت الترتيبات الدبلوماسية والعسكرية واسعة النِّطاق رد فعلٍ على زيادة القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، واستجابت الحكومة الصينية للحوار الرباعي بإصدار احتجاجاتٍ دبلوماسيةٍ رسميةٍ على أعضائه، توقف التكرار الأول للحوار الأمني الرُّباعي بعد انسحاب أستراليا خلال فترة ولاية رئيس الوزراء “كيفين رود”.
تحالف كواد في مانيلا:
خلال مؤتمرات القِمة لرابطة بُلدان جنوب شرق آسيا لعام 2017م، انضمَّ الأعضاء الأربعة السَّابقون في مفاوضاتٍ لإحياء التَّحالف الرباعي، وافق رئيس وزراء أستراليا “مالكولم تورنبول”، ورئيس وزراء اليابان “شينزو آبي”، ورئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي”، ورئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب”، في مدينة “مانيلا” على إحياء الاتفاقية الأمنية ضمن التوتراتِ السياسيةِ في بحر الصين الجنوبي التي سببتها الصينُ وطموحاتها الإقليمية بشكلٍ رئيسي.
وقد شَهِد التحالف تقلُّباتٍ في السنوات الماضية، لكنَّه اكتسب زخمًا جديدًا في أعقاب اشتباكاتٍ حدوديةٍ بين الهند والصين في 2020م، وبعد تصعيد المُواجهات الدبلوماسيةِ والتجاريةِ بين أستراليا وبكين.
تحالف كواد في واشنطن:
في مارس/2021م، عقد رؤساء الدول الأربعة اجتماعًا افتراضيًّا رمزيًّا قبل أن يجتمعوا شخصيًّا لأول مرةٍ في24/سبتمبر/2021م في “واشنطن”، حيث افتتح الرئيس الأمريكي “جو بايدن” القمةَ الرباعية “كواد” (QUAD)، بحضور رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، ورئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون”، ورئيس الوزراء الياباني “سوجا يوشيهيد”.
وتُعد القمة هي الأولى التي يشارك فيها قادةُ الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان مباشرةً وليس عبرَ تقنيةِ الاتصال المرئي، إذ تعهدَ أربعتهم بالعملِ من أجل الحرية والانفتاح في منطقتَي المحيطين: الهندي، والهادئ.
وكان ذلك بمثابة مثالٍ على استراتيجية “واشنطن” الجديدة لبناء ائتلافاتٍ مع الدول والمؤسسات حول أهدافٍ مشتركةٍ محددةٍ، بدلًا من التحالفات العسكرية التقليدية.
تحالف كواد في طوكيو وسياسة القوة الناعمة:
عُقِدت القمة الرابعة في 24/ مايو/ 2022م، حيث اجتمع وزراء خارجيةِ الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان في “طوكيو”، في إطار الاتِّفاق الرُّباعي كواد (QUAD) بهدف تعزيزِ هذا التحالف الذي أُطلِق لمواجهة توسع نُفوذِ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
يؤكِّد مسؤولون من الدول الأربع أنَّ التحالفَ هو أكثر من مجرد مسألةٍ دفاعيةٍ، ولا تدفع أي منها باتجاه تشكيل تحالفٍ رسمي، فالهند -بحسب محليين- لا تزال قلقةً من ذلك، وهناك شكوكٌ من احتمال أن يمثلَ ذلك تحديًا فعليًّا لقوة “بكين” العسكرية في أي حال، في المقابل يريد أعضاء التحالف تطويرَ إجراءاتٍ في إطار سياسة “القوة الناعمة” تقدم لبقية المنطقة تبايُنًا مع الصين “الاستبدادية”، حيث تقول الدولُ الأعضاء إنَّ التحالفَ ليس “ناتو آسيويًّا”، وتعتبره مجموعةً يمكن أن تقدم لدولٍ أخرى في المنطقة بديلًا عن الصين في مجالاتٍ مثل: مكافحة كوفيد-19، والإغاثة من الكوارث، والأمن المعلوماتي، وساهمت جائحة كوفيد-19 في إعطاء الاجتماع معنىً أكبر يتجاوز مُحاولة احتواءِ الصين.
كذلك، تناقش الدول مسائلَ أخرى مثل: النقل البحري “النظيف”، ومكافحة تغير المناخ، وإنشاء بُنيةٍ تحتيةٍ أكثر أمانًا لتكنولوجيا المعلومات والإنترنت.
وكشف القادةُ عن خططٍ لاستثمار 50 مليار دولارٍ على الأقل، في مشاريع بُنىً تحتيةٍ إقليميةٍ خلال السنوات الخمس القادمة، وعن مبادرةٍ للمراقبة البحرية تسعى -كما يُعتقد- لتعزيز مراقبةِ الأنشطة الصينية.
وجاء اجتماع “كواد” غداة إعلان الرئيس “جو بايدن” استعداد “واشنطن” للتدخل عسكريًّا للدفاع عن “تايوان” أمام أي هجومٍ صيني، مثيرًا الدهشةَ والتوتر في المنطقة.
ويتصاعد القلق الإقليميُّ إزاء الأنشطة العسكرية الصينية ومنها: طلعات طائرات، ومناورات بحرية، وتعديات سفن صيد، يُنظر إليها كاختباراتٍ للدفاعات الإقليمية والخطوط الحُمر، وقال التحالف: “إنَّ البرنامج الجديد للمراقبة البحرية سوف يُعزز الاستقرارَ والازدهار في بحارنا ومحيطاتنا” متجنبًا مرةً أخرى ذكر “بكين” بالتحديد، مع الإشارة إلى الصيد غير القانوني، الذي كثيرًا ما تُتهم به الصين.
الموقف الصيني من تحالف كواد:
على الرَّغم من المبادرات الاقتصادية والإنمائية الجديدة لمجموعة “كواد” الرُّباعية، لا تزال الولايات المتحدة تفتقِر إلى استراتيجيةٍ اقتصاديةٍ واضحةٍ في آسيا، ولا يزال الإطارُ الاقتصادي لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ لتحقيق الازدهار، الذي أُعلن عنه خلال رحلةِ الرئيس الأميركي “جو بايدن” الأخيرة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، يفتقر إلى التفاصيل، ويبدو أنَّه يحتوي على القليل من الحوافز للدول الإقليميةِ للتَّوقيع عليه.
بالرغم من عدم الإشارة إلى “بكين” بصورةٍ رسميةٍ في أي سطرٍ من بيانات مجموعة “كواد” الرباعية، فإنَّ التركيز على الصين في هذه القمة كان واضحًا وضوح الشمس. تنظر الدول الآسيوية إلى الرباعيةِ بشكلٍ مُتزايدٍ على أنَّها ثقلٌ موازنٌ لنفوذ الصين المُتنامي في المنطقة، إذ شهدت جميع الدول الأربع علاقاتٍ مضطربةً مع “بكين” على مدار السنوات القليلة الماضية. ويثير الموقعُ الاستراتيجي لكلٍّ من الدول الرباعية في زوايا مختلفةٍ من المحيطَين الهندي والهادئ والصين بينهما قلقَ “بكين” التي تخشى احتمال تطويقٍ عسكريٍّ، وأدانت اجتماعات هذا التكتُّل باعتبارها زمرة مناهضة للصين ترمز إلى عقليةِ الحرب الباردة التي وصفتها بـ”السامة”.
وحيث أنَّه سيعقِد القادة في تحالف “كواد” قمتهم القادمةَ حضوريًّا العام المُقبل في استراليا، والتي هي موجهةٌ بالدرجة الأولى للحدِّ من نفوذ الصين، يبقى السؤال قائمًا هل ينجح تحالف “كواد” في حصار الصين؟