
العلاقات الهندية اليابانية: الماضي والحاضر والمستقبل
Afshan Khan - India باحث دكتوراه في جامعة صباح الدين زعيم
العلاقات الهندية اليابانية: الماضي والحاضر والمستقبل
Afshan Khan – India
باحث دكتوراه في جامعة صباح الدين زعيم
أثبتت عدة مناسباتٍ في تاريخ السياسة الدولية أنَّ القوى العالمية وعلى الرغم من عدم رغبتها في الانخراط في تجاذبٍ ما، لكنها تضطر في كثيرٍ من الأحيان إلى اختيار أحد جوانبه، سواء كان ذلك من خلال سياسات الحرب العالمية، أو حِقبة الحرب الباردة، كالصراع الأخير بين روسيا وأوكرانيا، بينما تمكنت القوتان الرئيسيتان في الشرق -الهند واليابان- من الحفاظ على علاقاتٍ ثُنائية متينةٍ ووديَّة أنيقة، على الرغم من الاستقطاب المُتزايد للسياسة العالمية، وقد أظهرت الدولتان قدرتهما على بثِّ سياساتهما الخارجية بمظهرٍ ومنظورٍ غير غَربيَّين، الأمر الذي يُعد تأكيدًا على الطبيعة الفريدة التي تَحظى بها السياسةُ العالميةُ من خلال النظام العالمي الجديد بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولعلَّ التطور الأخير يجعل تعزيزَ السلام والاستقرار أولويةً مُلحةً بالنسبة لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ لتعزيز الشراكة الثُّنائية بين الدولتين.
تربط الهند واليابان علاقةٌ طويلة الأمد تعود إلى أكثر من 1400 عام، حيث ساهم إدخال “البوذية” إلى اليابان كثيرًا في هذا الترابط، ومن المُثير للاهتمام ملاحظة أنَّه على الرغم من هذه العلاقة الطويلة الأمد، فإنَّ الدولتين العظيمتين لم تنظرا إلى بعضهما البعض على أنَّهما مهمتان بشكلٍ خاصٍّ بما يتعلق بسياساتهما الخارجية حتى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ويبدو أنَّ العلاقة بين الدولتين القويتين في جنوب آسيا والشرق الأقصى من آسيا قد غيرت مسارها بشكلٍ ملحوظٍ بين عامي (1998-2000م)، وكان سببه التحسن الواضح في موقف الولايات المتحدة تجاه الهند، مما أثمر هذا النمو إلى حدٍّ كبيرٍ بالزيارات الرفيعة المستوى من الولايات المتحدة واليابان للهند، فقد زار كل من رئيس الوزراء الياباني “يوشيرو موري”، والرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” الهند في عام 2000م.
لقد كسبت الهند ثقةَ الشعب الياباني بدعمها المستمرِّ له في الشِّدة والرخاء، فعلى سبيل المثال، أهدى أول رئيس وزراء للهند “جواهرلال نهرو” فيلًا هنديًّا لإيداعه في حديقة “أوينو” في “طوكيو” عاصمة اليابان في عام 1949م، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تمَّ توقيع معاهدة سلامٍ في وقتٍ لاحقٍ بين اليابان والهند في 28/أبريل 1952م، وإقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بينهما، من جانبها قدمت اليابان المساعدةَ للهند بمنحها قروضًا بالين، حيث أصبح البَلدان شريكَين تجاريَّين مُهمَّين، واستمرت هذه الشراكة التجارية في النُّمو حتى هذه اللحظة.
أطلقت الهند استراتيجية “انظر شرقًا” في عام 1991م، والتي عُدلت فيما بعد لتصبح سياسة “التحرك شرقًا”، وكانت مثالًا قويًّا على كيفية تعزيزِ الثقة والمَنفعة المُتبادلتين، فكان التخلف الاقتصادي لدى جيرانها، وافتقار الثقة بينهم إلى حدٍّ ما، دافعًا كافيًا للهند للقيام بهذا التغيير في السياسة سعيًا لمكاسب اقتصادية، ولكن بعد ذلك تجاوزت تلك الاستراتيجة المصالحَ التجارية إلى تحسين العلاقات الدِّفاعية.
تبادل كبار المسؤولين من كلا البلدَين الزيارات باستمرارٍ منذ الثمانينات، الأمر الذي يعتبر دليلًا على مدى قوة العلاقاتِ والاتصالاتِ بين الهند واليابان، وفي عام 2022م، زار وزير الشُّؤون الخارجية في الهند “جايشنكار” رفقة رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي” اليابان، كما زار رئيس وزراء اليابان “فوميو كيشيدا” الهند أيضًا؛ بهدف حضور القِمة السنوية الرابعة عشر بين الهند واليابان هذا العام، في الفترةِ من 19-20 مارس من العام الجاري.
ذكرت وزارةُ تنمية المهارات وريادة الأعمال في حكومةِ الهند في بيانٍ لها أنَّها وقعت مع وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية مُذكرة تعاون لمدة 10 سنوات، لبرنامج تعزيز نقل مهارات التَّصنيع في شهر نوفمبر من العام 2016م، وقالت الحكومة الهندية أيضًا: “إنه تم إرسال 220 مرشحًا إلى اليابان كجزءٍ من “برنامج تدريب المتدربين التقنيين”، حيث يرسل الشباب الهندي إلى اليابان للتدريب الداخلي هناك، بعد تلقِّيهم التدريب الأساسي في الهند”، وجاء هؤلاء المرشحون من مجموعةٍ متنوعةٍ من الصناعات تشمل: الزراعة، والبناء، والتصنيع، والرعاية الصحية.
ونظرًا لوضوح الرؤية المُشتركة، ستواصل الهند واليابان بلا شك التمتع بعلاقاتٍ وديةٍ ومفيدة، وهذا ما يعكسه الإعلان المشترَك بين رئيس الوزراء الياباني “آبي” ورئيس الوزراء الهندي “مودي”، بعنوان: هدف اليابان والهند 2025 شراكة استراتيجية وعالمية فريدة، تعمل معًا من أجل السَّلام والازدهار في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ والعالم”، كما وتتوفر لدى الهند واليابان فرصةٌ رائعةٌ لتحسين قدراتهما وتعاونهما في سِياق الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وصف خبراءُ السياسة الخارجية ردَّ “نيودلهي” على الحرب بأنَّه “غير حاسم”، بينما اتخذت “طوكيو” موقفًا أكثر حزمًا بفرض عقوباتٍ على روسيا وتقديم مساعداتٍ عسكريةٍ لأوكرانيا، فقد تكون اليابان مفيدةً للغاية في هذا الوضع للدَّفْع بالهند لتغيير موقفها من روسيا، حيث تكون أكثر انسجامًا مع الأعضاء الآخرين في المجموعة الرُّباعية، فعلى الرغم من السعي المستمر للحفاظ على توازن القوى بين الصين والولايات المتحدة، فإنَّ اليابان والهند لديهما إمكاناتٌ كبيرةٌ لتقديم بديل، ولأن تُصبحا قوةً حاسمةً في آسيا والمحيط الهادئ.
القوةُ الاقتصادية هي مفتاح الأمن الإقليمي، وكلا الدولتين لديهما إمكاناتٌ هائلة، ومن أجلِ الحفاظ على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتأدية دورٍ أكبر في الشؤون العالمية، يمكن تنسيق السياساتِ الخارجيةِ للهند واليابان بشكلٍ أفضل بفعل العلاقات الاقتصادية القوية بينهما، كما ستشكِّل خطة “التقاء بحرين” التي وضعها “آبي” مستقبلًا نموذجًا للسياسات المُقبلة.