تقارير

العلاقات الصينية العربية تغيّر ظرفيّ أم تحوّل استراتيجي

د. محمد مكرم بلعاوي رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط توفيق حميد محرر صحفي وكاتب محتوى

د‭. ‬محمد‭ ‬مكرم‭ ‬بلعاوي

رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬آسيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭                 

توفيق‭ ‬حميد

‭ ‬محرر‭ ‬صحفي‭ ‬وكاتب‭ ‬محتوى

شكَّلت‭ ‬زيارةُ‭ ‬الرئيس‭ ‬الصِّيني‭ (‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭) ‬إلى‭ ‬السُّعوديةِ‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭/‬2022م،‭ ‬منعطفًا‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬في‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬مع‭ ‬المنطقة،‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬توتر‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬والولاياتِ‭ ‬المتَّحدة،‭ ‬وتطوراتٍ‭ ‬عالميةٍ‭ ‬تُنذر‭ ‬بتشكُّل‭ ‬نظامٍ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬جديد،‭ ‬وأزماتٍ‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطَّاقة‭ ‬والغذاء‭ ‬والحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية،‭ ‬وتأتي‭ ‬أيضًا‭ ‬بعد‭ ‬أشهرٍ‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬القِمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬والتي‭ ‬خلصت‭ ‬الى‭ ‬أنَّ‭ (‬واشنطن‭) ‬لن‭ ‬تترك‭ ‬فراغًا‭ ‬تملؤه‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الشَّرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ردَّت‭ ‬عليه‭ ‬الصين‭ ‬بالقول‭ ‬إنَّ‭ ‬شعوبَ‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هم‭ ‬سادةُ‭ ‬المنطقة،‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ليس‭ ‬باحةً‭ ‬خلفيةً‭ ‬لأحد،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬اعتباره‭ ‬‮«‬فراغًا‮»‬‭.‬

عُقدت‭ ‬خلال‭ ‬الزيارة‭ ‬قِممٌ‭ ‬سعوديةٌ‭ ‬وعربيةٌ‭ ‬وخليجيةٌ‭ ‬بمشاركةِ‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني،‭ ‬في‭ ‬العاصمةِ‭ ‬السُّعودية‭ (‬الرياض‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬التي‭ ‬يحضرها‭ ‬الرئيسُ‭ ‬الصيني،‭ ‬القمَّة‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬سعودية‭-‬صينية‮»‬،‭ ‬وقَّع‭ ‬خلالها‭ ‬اتفاقياتٍ‭ ‬مع‭ ‬الرياض‭ ‬بقيمةِ‭ ‬ثلاثين‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطَّاقة‭ ‬النَّووية‭ ‬السِّلمية‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬رؤيةِ‭ ‬المَملكة‭ ‬2030،‭ ‬وتنطلق‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬الرياض‭ ‬جزءٌ‭ ‬مهمٌ‭ ‬من‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬والثانية‭ ‬قمة‭ ‬‮«‬الرياض‭ ‬الخليجية‭-‬الصينية‭ ‬للتعاون‭ ‬والتنمية‮»‬‭ ‬بمشاركة‭ ‬قادةِ‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التَّعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬والأخيرة‭ ‬قمة‭ ‬‮«‬الرياض‭ ‬العربية‭-‬الصينية‭ ‬للتعاون‭ ‬والتنمية‮»‬،‭ ‬بمشاركةِ‭ ‬قادة‭ ‬دولٍ‭ ‬عربية،‭ ‬تمَّ‭ ‬خلالها‭ ‬مناقشة‭ ‬سُبل‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬المشتركةِ‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافةً،‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬بذل‭ ‬جهودٍ‭ ‬مشتركةٍ‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬التَّدخل‭ ‬في‭ ‬الشُّؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‮»‬،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬الطَّاقة‭ ‬والدِّفاع‭ ‬والرُّؤى‭ ‬المشتركة‭.‬

الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬وصف‭ ‬الزيارةَ‭ ‬بأنَّها‭ ‬ستفتتح‭ ‬‮«‬عصرًا‭ ‬جديدًا‮»‬‭ ‬للعلاقاتِ‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والعالمِ‭ ‬العربي‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬والسعودية‭ ‬خلالَ‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬القِمة،‭ ‬فيما‭ ‬أعلن‭ ‬وليُّ‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬أنَّها‭ ‬تؤسِّس‭ ‬لما‭ ‬وصفها‭ ‬بانطلاقةٍ‭ ‬تاريخيةٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬للعلاقات،‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬اتَّخذت‭ ‬شكلها‭ ‬الرسميّ‭ ‬بين‭ ‬الرياض‭ ‬وبكين‭ ‬قبل‭ ‬32‭ ‬عامًا،‭ ‬بعد‭ ‬اتِّفاق‭ ‬البلدَين‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬السُّفراء،‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬دبلوماسيةٍ‭ ‬كاملةٍ،‭ ‬وتشكيل‭ ‬اللجنةِ‭ ‬السعودية‭ ‬الصينية‭ ‬المشتركةِ‭ ‬عام‭ ‬2004م،‭ ‬والبدء‭ ‬بحوارٍ‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬مُنتظم،‭ ‬تلاها‭ ‬الاتفاقُ‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬صداقةٍ‭ ‬استراتيجيةٍ‭ ‬عام‭ ‬2008م،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الزياراتِ‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬والاتِّفاقيات‭ ‬في‭ ‬مجالاتٍ‭ ‬عِدة‭.‬

تعتبَرُ‭ ‬العلاقاتُ‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والسعودية‭ ‬حديثةً‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬فالرياضُ‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬بجمهوريةِ‭ ‬الصِّين‭ ‬الشَّعبية‭ ‬بعد‭ ‬قيامها‭ ‬في‭ ‬1949م،‭ ‬وانحازت‭ ‬للموقفِ‭ ‬الأمريكي‭ ‬الدَّاعم‭ ‬للصين‭ ‬الوطنية‭ ‬‮«‬تايوان‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬تعترف‭ ‬بها‭ ‬إلَّا‭ ‬في‭ ‬1975م،‭ ‬وبعد‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬تمَّ‭ ‬تبادل‭ ‬السُّفراء‭.‬

وفي‭ ‬تاريخِ‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الصِّين‭ ‬والسُّعودية،‭ ‬كان‭ ‬المُحرِّك‭ ‬الأساسيُّ‭ ‬لتطور‭ ‬العلاقات‭ ‬هو‭ ‬الخلافُ‭ ‬مع‭ ‬الولاياتِ‭ ‬المتحدة،‭ ‬فتطوُّر‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬قبل‭ ‬32‭ ‬عامًا‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬أزمةٍ‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬والرياض‭ ‬عام‭ ‬1980م،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬رفض‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬بيع‭ ‬خزانات‭ ‬وقود‭ ‬بعيدة‭ ‬لطائرات‭ ‬‮«‬إف‭ ‬15‭ ‬إيغل‮»‬‭ ‬للسُّعودية،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الأخيرة‭ ‬للبحثِ‭ ‬عن‭ ‬بدائل،‭ ‬وكانت‭ ‬الصين‭ ‬أحدَ‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭.‬

وشكلت‭ ‬الخِلافات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬عام‭ ‬1988م‭ ‬بداية‭ ‬الانطلاق‭ ‬الفِعلي‭ ‬للتَّعاون‭ ‬التِّجاري‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والسعودية،‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬واشنطن‭ ‬وجود‭ ‬قاعدة‭ ‬صواريخ‭ ‬صينيةِ‭ ‬الصُّنع‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أزمةٍ‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وتفعَّلت‭ ‬العلاقاتُ‭ ‬الرسمية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬عام‭ ‬1990م،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قطعت‭ ‬الرياضُ‭ ‬علاقاتها‭ ‬بتايوان،‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬وهذه‭ ‬القممُ‭ ‬تأتي‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خلافٍ‭ ‬واضحٍ‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬وإدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬خلال‭ ‬2022م‭.‬

وعربيًّا،‭ ‬تعود‭ ‬علاقاتُ‭ ‬الصين‭ ‬بالمنطقةِ‭ ‬العربيةِ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬سنة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تتواصل‭ ‬مع‭ ‬المنطقةِ‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬والتَّبادل‭ ‬التجاري،‭ ‬وانتقل‭ ‬الخزفُ،‭ ‬وصناعة‭ ‬الورق،‭ ‬والطِّباعة‭ ‬الصينية‭ ‬غربًا،‭ ‬وانتقل‭ ‬عِلمُ‭ ‬الفلكِ،‭ ‬والتَّقويم،‭ ‬والطب،‭ ‬والصَّيدلة‭ ‬العربية‭ ‬شرقًا‭.‬

وخلال‭ ‬السنواتِ‭ ‬العشر‭ ‬الماضية،‭ ‬ازداد‭ ‬حجمُ‭ ‬التَّبادل‭ ‬التِّجاري‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والدُّول‭ ‬العربيةِ‭ ‬بــ‭(‬100‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬أمريكي،‭ ‬وتجاوز‭ ‬إجماليه‭ (‬300‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬أمريكي،‭ ‬وبلغ‭ ‬رصيدُ‭ ‬الاستثمار‭ ‬المباشِر‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬الدُّولِ‭ ‬العربية‭ (‬23‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬أمريكي‭ ‬بزيادةِ‭ ‬2.6‭ ‬ضِعف؛‭ ‬وتمَّ‭ ‬تنفيذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬200‭) ‬مشروعٍ‭ ‬في‭ ‬إطارِ‭ ‬التَّعاون‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬بالخير‭ ‬على‭ ‬قُرابة‭ ‬مِلياريّ‭ ‬نسَمة‭.‬

وقفز‭ ‬التَّبادلُ‭ ‬التِّجاري‭ ‬بين‭ ‬السُّعودية‭ ‬والصِّين‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملياراتِ‭ ‬دولارٍ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000م،‭ ‬إلى‭ (‬67‭) ‬مليار‭ ‬دولارٍ‭ ‬في‭ ‬2020م،‭ ‬أي‭ ‬أنَّه‭ ‬تضاعف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬مرةً‭ ‬خلال‭ ‬عقدين،‭ ‬حيث‭ ‬تعدُّ‭ ‬الصين‭ ‬الشريكَ‭ ‬التجاريَّ‭ ‬الأول‭ ‬للسعودية،‭ ‬تليها‭ ‬الولاياتُ‭ ‬المتَّحدة،‭ ‬بينما‭ ‬تمثِّل‭ ‬السعودية‭ ‬أكبر‭ ‬شريكٍ‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬غربِ‭ ‬آسيا‭ ‬وشمالِ‭ ‬إفريقيا‭.‬

تأتي‭ ‬القممُ‭ ‬في‭ ‬توقيتٍ‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬مهمٍ‭ ‬للصين،‭ ‬على‭ ‬الصَّعيد‭ ‬الداخلي،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬أشهرٍ‭ ‬قليلةٍ‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬مكانتَه‭ ‬كأمينٍ‭ ‬عامٍّ‭ ‬للحزب‭ ‬الشُّيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬الحاكم،‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزبِ‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانته‭ ‬رئيسًا‭ ‬للصين‭ ‬خلال‭ ‬مارس‭ ‬المقبِل،‭ ‬وخارجيًّا‭ ‬يريد‭ ‬الرَّئيس‭ ‬الصيني‭ ‬تعزيزَ‭ ‬مكانة‭ ‬بلاده،‭ ‬في‭ ‬نِطاق‭ ‬مبادرةِ‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬ويطمح‭ ‬لتعزيزِ‭ ‬استثمارات‭ ‬الشَّركات‭ ‬الصينيةِ‭ ‬في‭ ‬السُّعودية‭ ‬وتأمين‭ ‬احتياجات‭ ‬الطَّاقة‭ ‬لبلاده‭.‬

وهناك‭ ‬رسائل‭ ‬مبطنةٌ‭ ‬من‭ ‬الزيارةِ‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بايدن،‭ ‬حيث‭ ‬عقِدت‭ ‬قمم‭ ‬مُشابهة‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬لـ‭(‬ترامب‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬أشهرٍ‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬القمةِ‭ ‬التي‭ ‬حضرها‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬مع‭ ‬القادةِ‭ ‬العرب‭ ‬وتحذيره‭ ‬من‭ ‬النُّفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والسعودية‭ ‬قدمت‭ ‬للزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬تقريبًا‭ ‬نفسَ‭ ‬ما‭ ‬قدَّمته‭ ‬لبايدن‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الاستقبال،‭ ‬وجدولِ‭ ‬الزيارة،‭ ‬وجعلها‭ ‬قمةً‭ ‬إقليميةً‭ ‬ضمَّت‭ ‬رؤساءَ‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭.‬

وإذ‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬زيارةِ‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬إيجابيًّا‭ ‬وأنَّها‭ ‬حققت‭ ‬نجاحًا،‭ ‬وتمَّ‭ ‬خلالها‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقياتٍ‭ ‬بين‭ ‬الصِّين‭ ‬والسُّعودية،‭ ‬والتَّوافق‭ ‬على‭ ‬الرؤى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوانبِ‭ ‬خاصةً‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬الخليجِ‭ ‬والمنطقة،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬زيارةَ‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬النَّقيضِ‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬الكثير،‭ ‬وفشل‭ ‬خلالَ‭ ‬زيارته‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الرياض‭ ‬بعدم‭ ‬خفض‭ ‬إنتاج‭ ‬النِّفط،‭ ‬حيث‭ ‬اتفقت‭ ‬السعوديةُ‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ (‬أوبك‭ ‬بلس‭) ‬على‭ ‬خفضِ‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬أحرج‭ ‬بايدن‭ ‬سياسيًّا‭ ‬وعبَّر‭ ‬عن‭ ‬استيائه‭ ‬من‭ ‬القرارِ‭ ‬السُّعودي،‭ ‬واضطرَّ‭ ‬لإطلاق‭ ‬كمياتٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬من‭ ‬الاحتياطي‭ ‬النِّفطي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬لطمْأنةِ‭ ‬الأسواق،‭ ‬والسيطرةِ‭ ‬على‭ ‬الأسعار‭.‬

كما‭ ‬أنَّ‭ ‬الصِّين‭ ‬والسعوديةَ‭ ‬تتوافقان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المصالح،‭ ‬فبكين‭ ‬في‭ ‬حاجةٍ‭ ‬ماسةٍ‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لأهميَّتها‭ ‬لمبادرةِ‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬ووجود‭ ‬توافقٍ‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬خاصةً‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬السعودية‭ ‬2030،‭ ‬دون‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشُّؤون‭ ‬الداخليةِ‭ ‬للدول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكدت‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬القِمم،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬دعمَها‭ ‬التَّمسك‭ ‬بمبدأ‭ ‬عدمِ‭ ‬التَّدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية،‭ ‬والدفاعِ‭ ‬عن‭ ‬الحُقوق‭ ‬والمصالح‭ ‬المشروعةِ‭ ‬للدول‭ ‬النامية،‭ ‬ودعمِ‭ ‬الجانب‭ ‬العربيِّ‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلولٍ‭ ‬سياسيةٍ‭ ‬للقضايا‭ ‬الشائكةِ‭ ‬بالحكمة‭ ‬العربية،‭ ‬وتحثُّ‭ ‬المجتمعَ‭ ‬الدوليَّ‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬شُعوبِ‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬باعتبارها‭ ‬أسياد‭ ‬المنطقة‭.‬

وهناك‭ ‬ثقةٌ‭ ‬متبادلةٌ‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬فالصِّين‭ ‬والدول‭ ‬الخليجيةُ‭ ‬تتبادل‭ ‬دومًا‭ ‬الدعمَ‭ ‬للسيادة،‭ ‬وتحترم‭ ‬الطُّرقَ‭ ‬التنمويَّة‭ ‬لها،‭ ‬وتتمسك‭ ‬بالمُساواةِ‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الدول،‭ ‬والصين‭ ‬تتمتع‭ ‬بسوقٍ‭ ‬استهلاكيةٍ‭ ‬واسعةٍ،‭ ‬ومنظومةٍ‭ ‬صِناعيةٍ‭ ‬مُتكاملةٍ،‭ ‬بينما‭ ‬يتميز‭ ‬الجانبُ‭ ‬الخليجي‭ ‬بموارد‭ ‬الطاقةِ‭ ‬والتَّطور‭ ‬المزدهر‭ ‬لتنويعِ‭ ‬الاقتصاد‭.‬

كما‭ ‬تحرص‭ ‬الصين‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُظهر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬موقفًا‭ ‬مسانِدًا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الأقليَّات،‭ ‬وذلك‭ ‬لاستشعارها‭ ‬خطورة‭ ‬توظيفِ‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬لتقويضِ‭ ‬الأمن‭ ‬الداخليِّ‭ ‬للبلاد‭ ‬ووحدةِ‭ ‬أراضيها،‭ ‬مع‭ ‬المحاولات‭ ‬الأمريكيَّة‭ ‬إعلاميًّا‭ ‬لدفع‭ ‬الدُّول‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬منحىً‭ ‬متشددٍ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬والبيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمةِ‭ ‬الصينية‭-‬العربية‭ ‬أكدَ‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولةِ‭ ‬لرعاية‭ ‬الأقلِّيات‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬العربيِّ‭ ‬والصينيّ‭.‬

وتتَّبعُ‭ ‬بكين‭ ‬مُقاربةً‭ ‬ذكيةً‭ ‬للتَّعامل‭ ‬مع‭ ‬الدُّول‭ ‬النامية،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬دولةً‭ ‬عاشت‭ ‬نفسَ‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تُعاني‭ ‬منها‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وتعرفها‭ ‬عن‭ ‬كَثَب،‭ ‬فهي‭ ‬دولٌ‭ ‬كانت‭ ‬مستعمَرةً‭ ‬سابقًا‭ ‬وتعرَّضت‭ ‬لمحاولاتِ‭ ‬تفكيك‭ ‬وحدةِ‭ ‬أراضيها،‭ ‬وتقويض‭ ‬صعودِها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتَّنموي،‭ ‬وتنظر‭ ‬إليها‭ ‬الدولُ‭ ‬الغربية‭ ‬نظرةً‭ ‬استعلائيةً،‭ ‬وعاشت‭ ‬تقريبًا‭ ‬حقبةً‭ ‬تاريخيةً‭ ‬مُشابهة،‭ ‬ولذا‭ ‬فإنَّها‭ ‬تعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬تُخاطب‭ ‬تلك‭ ‬الدُّول‭ ‬وتتحدث‭ ‬عن‭ ‬مشكلاتها‭ ‬وتحدياتها‭ ‬وأحلامها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حقيقيٍّ‭ ‬ومُقنع،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أنَّ‭ ‬سياساتِ‭ ‬الصين‭ ‬أصبحت‭ ‬موثوقةً‭ ‬بعد‭ ‬طولِ‭ ‬تجربة،‭ ‬وهي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬فِكرة‭ ‬المُشاركة‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬التنمويَّة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظِ‭ ‬على‭ ‬الخصوصية‭ ‬للدُّول‭ ‬الشريكة،‭ ‬ولا‭ ‬تستخدم‭ ‬ملفَّ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطيةِ‭ ‬أو‭ ‬الأقليات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬للتأثيرِ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭.‬

وأما‭ ‬الرياض،‭ ‬فتريد‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬القِمم‭ ‬إيصالَ‭ ‬رسالةٍ‭ ‬لبكين‭ ‬أنَّها‭ ‬تستطيع‭ ‬فتحَ‭ ‬أبواب‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربيةِ‭ ‬لها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬لدى‭ ‬الصين‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬فالسعوديةُ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محطةً‭ ‬لهذا‭ ‬الطريق‭ ‬ولنقل‭ ‬صناعاتِ‭ ‬بكين‭ ‬للمنطقةِ‭ ‬والعالم،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكِّلَ‭ ‬صِلة‭ ‬ربطٍ‭ ‬بين‭ ‬أفريقيا‭ ‬وآسيا،‭ ‬بالإضافةِ‭ ‬لوجود‭ ‬مشاريع‭ ‬مشتركةٍ‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬تخدم‭ ‬مبادرةَ‭ ‬ورؤية‭ ‬2030‭.‬

قوةُ‭ ‬الصِّين‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬في‭ ‬اقتصادها‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬طاقة،‭ ‬والسعودية‭ ‬المصدِّرُ‭ ‬الأول‭ ‬للنِّفط‭ ‬إليها،‭ ‬متفوقةً‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬الجارة‭ ‬الشَّمالية‭ ‬والشريك‭ ‬الاستراتيجيّ‭ ‬لبكين،‭ ‬وتسعى‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المنطقةِ‭ ‬لتأمين‭ ‬مصادر‭ ‬الطَّاقة،‭ ‬والعلاقات‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬مهمةٌ‭ ‬لخدمةِ‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬أهمَّ‭ ‬اقتصادٍ‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السُّعودي،‭ ‬تليه‭ ‬الإمارات،‭ ‬ولدى‭ ‬الرياض‭ ‬رؤيةٌ‭ ‬لتطوير‭ ‬البلادِ‭ ‬اقتصاديًّا،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مركزَ‭ ‬التِّجارةِ‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬فرصةً‭ ‬للشركاتِ‭ ‬الصينيَّة‭ ‬للاستثمار،‭ ‬وجعلها‭ ‬محطةً‭ ‬قويةً‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬دولٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬خاصةً‭ ‬أنَّ‭ ‬الرياض‭ ‬لديها‭ ‬نفوذٌ‭ ‬وقدرةٌ‭ ‬في‭ ‬التَّأثير‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليجِ‭ ‬وبعض‭ ‬الدُّولِ‭ ‬العربية‭.‬

لكنَّ‭ ‬تطور‭ ‬العلاقةِ‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والسُّعودية،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬محدودةٍ،‭ ‬خاصةً‭ ‬الاقتصادية‭ ‬منها،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬الملفُ‭ ‬الأمنيُّ‭ ‬حِكرًا‭ ‬على‭ ‬العلاقةِ‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ -‬القوى‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭- ‬والتي‭ ‬تمتلك‭ ‬قواعد‭ ‬منتشرةً‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وهي‭ ‬مصدر‭ ‬الأسلحةِ‭ ‬الأكبر‭ ‬لتلك‭ ‬الدُّول،‭ ‬وهي‭ ‬القادرةُ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موجودةً‭ ‬أمنيًّا‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬المُتاح‭ ‬حاليًّا‭ ‬في‭ ‬العلاقةِ‭ ‬مع‭ ‬بكين‭.‬

ما‭ ‬تقدمه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمنيًّا‭ ‬يستلزم‭ ‬إبقاءَ‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬جيدةٍ‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬وهناك‭ ‬حدودٌ‭ ‬للعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بالولايات‭ ‬المتَّحدة،‭ ‬وفيما‭ ‬يتعلَّق‭ ‬بالملف‭ ‬الإيراني،‭ ‬لدى‭ ‬بكين‭ ‬علاقاتٌ‭ ‬جيدةٌ‭ ‬مع‭ ‬طهران‭ ‬عدو‭ ‬السعوديةِ‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وساعدتها‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬بعض‭ ‬العقوباتِ‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتعلم‭ ‬الرياض‭ ‬أنَّ‭ ‬بكين‭ ‬تُولي‭ ‬أهميةً‭ ‬كُبرى‭ ‬لمشاريعها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومصالحها،‭ ‬وغير‭ ‬مُستعِدة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاليِّ‭ ‬لممارسة‭ ‬ضغوطٍ‭ ‬سياسيةٍ‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭.‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button