
د. جازولي جويني رئيس حزب العدالة والرفاهية في مجلس النواب الإندونيسي ونائـــب رئيس المنتدى الإسلامي الدولي للبرلمانيين
إندونيسيا ستصبح واحدةً من أكثر الدول تأثيرًا على الصَّعيدين الإقليمي والعالمي.
خاص | آسيا بوست
التقت آسيا بوست د. جازولي جويني «رئيس حزب العدالة والرفاهية في مجلس النواب الإندونيسي» وحاورته حول عدة قضايا وشؤون تتعلق بالعلاقات الإندونيسية مع الصين والهند، والموقف تجاه القضية الفلسطينية، قمة العشرين الإقتصادية، تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة، وكذلك تأثير الصراع الأمريكي الصيني، والموقف الإندونيسي تجاه التطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي، وفيما يلي تفاصيل المقابلة:
ما مدى رضاكم عن التجربة الإندونيسية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وكيف ترون مستقبل البلاد؟
إندونيسيا لديها بطبيعة الحال مستقبلٌ واعد، فمن الناحيةِ الجغرافية الاستراتيجية تتمتع إندونيسيا بأهميةٍ كبيرةٍ من حيث: موقعها الجغرافي، ووفرةِ الموارد الطبيعية، والتَّركيبة السكانية الهائلة التي يُهيمن عليها العمر الإنتاجي. وبضمان قيادةٍ جيدة الإدارة من خلال فهمِ البيئة الاستراتيجيَّة العالميَّة؛ أعتقد أنَّ إندونيسيا ستصبح واحدةً من أكثر الدول تأثيرًا على الصَّعيدين: الإقليمي والعالمي.
ومع ذلك، فإنَّ هناك بعض التحدياتِ التي تواجه إندونيسيا، وهي تكمن في قيادتها الضَّعيفة، والتركيز بشكلٍ كبيرٍ على القضايا المحلية، فضلًا عن لعبة سياساتِ القوة التي تستهلك الطاقةَ الإيجابيَّة للأمة، والتي من المُحتمل أن تجعلَ إندونيسيا متأخرةً عن حلفائها، وفي الآونةِ الأخيرة، كانت إندونيسيا معرضةً بشكلٍ خاص للتأثيراتِ الاقتصادية العالميةِ السَّلبية، والصِّراعاتِ الجيوسياسية المستمرَّة، وغيرها من تحدياتِ النِّظام العالميّ.
رغم تلك التَّحديات نحن متفائلون، فإندونيسيا تمتلك جميع المبادئِ لنهضتها، ولديها الكثيرُ من المواهب، خاصةً من جيلِ الشباب الذين لديهم التزامٌ سياسيٌّ وانتماء للأمَّة، كما أنَّها تحظى بالديمقراطية، فهناك محاولاتٌ مستمرةٌ للتَّحسين من خلال دور الأحزابِ السياسيَّة، مثل تلك الموجودةِ في حزب المُعارضة في البرلمان؛ والتي تعتبر حاسمة وبنَّاءة لسياساتِ الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار أصوات الجماعاتِ الفكريَّة، والمجتمع المدني، والمنظَّمات الجماهيريَّة.
هل سيبقى الموقف الإندونيسي رافضًا للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكيف ترون التعامل الإسلامي مع القضية الفلسطينية؟
تتمسك إندونيسيا بالوصيةِ المَنصوص عليها في دستور جمهوريَّة إندونيسيا لعام 1945م بشأنِ القضيَّة الفلسطينية، حيث أكدت الفقرةُ الأولى من الدِّيباجة أنَّه «في حين أنَّ الاستقلال هو حقٌ غير قابلٍ للتَّصرف لجميع الأُمم، وبالتَّالي يجب إلغاء الاستعمارِ في العالم، لأنَّه لا يتوافق مع الإنسانيةِ والعدالة»، بينما نصَّت الفقرةُ الرابعة على أنَّ أحد أهداف الدولة الإندونيسية هو «المشاركة في إقامة نظامٍ عالميٍّ على أساس الحرية والسَّلام الدائم والعدالةِ الاجتماعيَّة.»
لذلك، إنَّ إندونيسيا لم تعترف ولن تعترفَ أبدًا باستعمار «إسرائيل» لفلسطين، وإنَّ موقف إندونيسيا من هذه المسألة واضحٌ لا لَبْس فيه، وكما قال وزيرُ خارجيَّتنا مِرارًا: «فلسطين في صميم الدبلوماسيةِ الإندونيسية، فلسطين في أنفاسِ الدبلوماسيَّة الإندونيسية، لأنَّه بالنسبةِ لإندونيسيا، فإنَّ التحرير والاستقلال الفلسطيني جزءٌ من الدين التاريخي الذي يجب تَسويته.»
في البدايةِ لقد كانت فلسطين من أوائل الدُّول التي دعمت واعترفت بإعلانِ استقلال إندونيسيا في عام 1945م، كما كانت فلسطين الدَّولة الوحيدة من بين الدولِ التي شاركت في المؤتمرِ الآسيوي الأفريقي لعام 1955م تُعاني من الاستعمارِ، ولم يتم تحريرها حتى الآن، لذلك يجب على العالم أن يتحملَ المسؤوليةَ الإنسانية الكاملة لتحرير الدولةِ المُستعمَرة الوحيدة في العالم في العصرِ الحديث.
ومن مَنظور الإسلام والمسلمين، نعلم جميعًا أنَّ فلسطين (القدس) كانت القبلةَ الأولى للمسلمين، وتحديدًا المسجد الأقصى، وبالتَّالي فإنَّ أرض فلسطين ليست ملكًا للفلسطينيين فحسب، بل تنتمي أيضًا إلى تراث مُسلمي العالم وهي جزءٌ منه، وإنَّ السكانَ المسلمين في العالم، بمن فيهم المسلمون في إندونيسيا، سيظلون دائمًا على صلةٍ وثيقةٍ بأرض فلسطين. علاوةً على ذلك، بالنسبةِ لإندونيسيا، تتمتع فلسطين أيضًا بعلاقةٍ تاريخيةٍ وثيقةٍ مع إندونيسيا كواحدةٍ من مُؤيِّدي الحريَّة الإندونيسيَّة.
ما هو مستقبل العلاقات الإندونيسية مع الصين والهند وكيف ستوازن في العلاقات الخارجية مع البلدين؟
لا يُمكن إنكار أنَّ الصين والهند تتطوران إلى دولتين مؤثِّرتين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وكذلك على المستوى العالمي، حيث تُشكِّل الصين منافسًا قويًّا للولاياتِ المتحدة في كلٍّ من: مجمع الاقتصاد، والطاقة، والقوة العسكرية، والتكنولوجيا، كما تتقدم في المنافسةِ الجيوسياسية، وتلعب الصينُ والاتحاد الروسي دورًا مهمًا في بناء نظام علاقاتٍ متعدد الأقطاب، ونظن أنَّه جيدٌ لمستقبل العالم.
وكذلك دور الهند في منطقةِ جنوب آسيا، في التَّعامل مع باكستان وإيران وأفغانستان، وعلى الرغم من أنَّ الهند ليست جزءًا من أي تحالفٍ عسكريٍّ كبير، إلا أنَّها تتمتع بعلاقاتٍ استراتيجيةٍ وعسكريةٍ مُجاورةٍ مع معظم الدول الكبرى الأخرى، والدُّول التي تُعتبر الأقرب إلى الهند هي: الإمارات العربية المتحدة، والاتحاد الروسي، و»إسرائيل»، وأفغانستان، وفرنسا، وبوتان، وبنغلاديش، والولايات المتَّحدة.
نعتقد أنَّ موقفَ السياسة الخارجيَّة لإندونيسيا يجب أن يستمر في التمسُّكِ بمبدأ «الحرية والنشاط» مع الحفاظ على حركةِ «عدم الانحياز»، كما تُواصل إندونيسيا سعيَها لإنشاء نظامٍ متعدد الأقطاب كبديلٍ للنَّموذج أُحادي القطب الذي جعل العالمَ على مدى عقود تحت سيطرة قوةٍ عالميةٍ واحدةٍ فقط، حيث إنَّ إندونيسيا لديها مصلحةٌ في تعزيز منطقةِ جنوب شرق آسيا، باعتبارها واحدةً من المناطق المتوقَّع أن تصبح بؤرةً للنُّمو الاقتصادي العالمي الجديد.
وعلاوةً على ذلك، خلقت أزمةُ الوباء والحرب المستمرة في أوكرانيا أزماتٍ في سلسلة التوريد، ممَّا يتطلب من جميع البلدان -وخاصةً إندونيسيا- أن تكون أكثر حذرًا وقلقًا بشأن علاقتها مع أقرب جيرانها في منطقةِ جنوب شرق آسيا، لذلك كان تنشيط الدَّور الاستراتيجيِّ لإندونيسيا ودولِ جنوب شرق آسيا هو ما قمنا بتحسينه باستمرار، ليس فقط للحفاظِ على استقرار المنطقة والعالم، ولكن معًا، نشرف على مستقبلٍ مشتركٍ أكثر تقدمًا.
كيف ترون التطورات الأخيرة في قضية تايوان خاصةً مع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين وزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي للجزيرة؟
طالما ظلت الولاياتُ المتحدة متناقضةً بشأن الصين وتايوان، فإنَّ الأزمةَ في منطقةِ بحر الصين الشَّرقي ستستمر في التَّصاعد، ومع نمو قوةِ الصين بسرعة، أصبحت تايوان مجالَ التأثير الاستراتيجي للولاياتِ المتحدة لتحقيق التَّوازن مع توسُّع الصين.
وبعد الهجوم الروسيِّ على أوكرانيا، أصبحت تايوان واحدةً من أخطر المناطقِ الجيوسياسيَّة، وعلى إثر زيارةِ رئيسة مجلسِ النواب (نانسي بيلوسي) لتايوان ازدادت حِدةُ العلاقات الصينيَّة الأمريكيَّة، ومن وجهة نظرنا، لا يُمكن إنكار إمكانيَّةِ تعزيز الصين لاستراتيجيَّتها الهجوميةِ في بحر الصين الشَّرقي.ه
ما هو تأثير الصراع الصيني الأمريكي على المنطقة وإندونيسيا؟
إنَّ حدةَ الصِّراع الصيني الأمريكي مرتفعةٌ للغايةِ في جميع المناطق تقريبًا، بما في ذلك جنوب شرق آسيا، كما أنَّه يؤثر بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ على الحياة السِّياسية في إندونيسيا.
وكما نعلم، ازداد الاستثمارُ الصيني في إندونيسيا بشكلٍ ملحوظٍ خلال فترتَي إدارةِ الرئيس (جوكوي)، فالصين ليست مجردَ نظام ديون، ولكنَّها ترسل أيضًا عمالًا من الصين إلى إندونيسيا، وتكمن المنفعةُ الاستراتيجيَّة للصين في السيطرةِ على مشاريع البُنية التَّحتية والطَّاقة والموارد -خاصةً المعادن-، لذلك من مصلحةِ الصين التأكد من أنَّ هذه الموارد والمشاريع تخضع لسيطرة أصحاب المصلحةِ الذين يُعارضون نفوذَ الصين.
أما اجتماعيًّا وسياسيًّا، فقد اتَّبعت حكومةُ جوكوي أيضًا ما أسماه المراقبُ الأسترالي الإندونيسي (جريج فيلي) بالسياساتِ «المُعادية للإسلام»، على عكس المُراقبين الغربيين الوَدودين إلى حدٍّ ما مع المسلمين.
كيف انعكست الأزمة الروسية الأوكرانية على الدول الآسيوية وهل سنشهد انتقالًا للمواجهة والاستقطاب بين الدول الآسيوية؟
أدَّت الأزماتُ في روسيا وأوكرانيا إلى تعطيلِ سلاسل التوريد العالميَّة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقةِ والغذاء، وسيكون من الصَّعب الحصول على البقالةِ والخدمات اللُّوجستية، ولهذا السبب تبحث البُلدان عن مصادر طاقةٍ بديلة، ومنتجاتٍ غذائيةٍ مُتاحة بسهولةٍ أكبر، ومن السهل أن تأتي من دولٍ مجاورة.
نعتقد أنَّ العلاقات الإقليميةَ ستتعزَّز في المستقبل، ولسنا معنيين بالصِّراعات أو الاستقطابِ بين الدُّول الآسيوية، في الواقع، نحن متفائلون بأنَّ المنطقة ستعزز لتصبح كيانًا سياسيًّا واقتصاديًّا جديدًا كبديلٍ للنِّظام العالمي المُنهار حاليًّا.
شهدت قمة العشرين في بالي انقسامًا حيث أيَّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها إصدار قرار لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه تسييس لا مبرر له، فما هو مستقبل القمة في ظل الخلاف الشديد بين الأعضاء الكبار فيها؟
بالنسبةِ لنا، فقدت قمةُ مجموعة العشرين الحالية أهميتَها وقيمتها الاستراتيجيَّة منذ بدء الصِّراع بين روسيا وأوكرانيا، لذلك بطبيعةِ الحال، كان جَوهر اجتماع مجموعةِ العشرين في (بالي) منذ وقتٍ ليس بِبَعيد دونَ المستوى الأمثل، لكن التَّنفيذ كان يُعتبر من الناحيةِ الفنية ناجحًا.
وفي الوقتِ الحالي، لا يوجد سوى مجموعة الدول السَّبع، وهي تجمُّعٌ للقوى الغربيةِ التي تدفع بأجندة النِّظام العالمي الليبرالي، ومع ذلك، فإنَّ الوضعَ في هذه البُلدان يقع تحت ضغط أزمةٍ اقتصاديةٍ حادةٍ إلى حدٍّ ما، ولا أحد يعلم إلى أيِّ مدى ستصل، وإلى متى ستستمر في المستقبل.
ومن جهةٍ أخرى، تمكَّنت روسيا والصين من إنشاء تحالفٍ جديدٍ كبديلٍ للقوى الغربية؛ حيث تعمل روسيا والصين على توسيعِ نفوذهما من خلال مجموعة (بريكس بلس)، وبدأت العديدُ من الدول في منطقةِ آسيا في التفكير في الانضمامِ إلى البريكس، بما في ذلك إيران والمملكة العربية السُّعودية والجزائر وتركيا ومصر وأفغانستان وتايلاند والعديد من الدُّول الأخرى.
إنَّ قبول الأعضاء الجُدد سينشئ كيانًا بإجمالي ناتج مَحلي أكبر بنسبة 30٪ من الولاياتِ المتحدة، وأكثر من 50٪ من سُكان العالم، ويسيطر على 60٪ من احتياطياتِ الغاز في العالم؛ مما سيشكل قوةً جديدةً وازنة.ه
وبالتَّالي يمكننا أن نرى مستقبلًا أنَّ القوةَ العالمية سيتمُّ توزيعها بين المناطقِ التي تمثِّل نظامًا عالميًّا متعدد الأقطاب، وهذا يشكِّل ضغطًا لكل منطقة لإحراز تقدمٍ بناءً على مزاياها أو نفوذها.