تقارير

الاختـــراق الصهيوني

د. عدنان أبو عامر أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الإسرائيلية

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬فيه‭ (‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬بفوزٍ‭ ‬لافتٍ‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مطلعَ‭ ‬نوفمبر‭/‬2022م،‭ ‬تتوقع‭ ‬الأوساطُ‭ ‬السِّياسية‭ ‬والدبلوماسيَّة‭ ‬الإسرائيليَّة‭ ‬أن‭ ‬يستأنفَ‭ ‬نشاطَه‭ ‬التطبيعيَّ‭ ‬الذي‭ ‬بدأه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000م،‭ ‬مع‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬العربية؛‭ ‬لتوسيع‭ ‬دائرته‭ ‬باتجاه‭ ‬ضمِّ‭ ‬دولٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬والعينُ‭ ‬الإسرائيليةُ‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬باتجاه‭ ‬دولٍ‭ ‬ثقيلة‭ ‬العِيار،‭ ‬تتصدرها‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بصفةٍ‭ ‬خاصَّة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكبرَ‭ ‬دولةٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬السُّكان‭. ‬

ولم‭ ‬يتردد‭ ‬وزيرُ‭ ‬الخارجيةِ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ورئيسُ‭ ‬الحكومة‭ ‬المُنتهية‭ ‬ولايته‭ (‬يائير‭ ‬لابيد‭) ‬بالإجابةِ‭ ‬على‭ ‬سؤالٍ‭ ‬لإذاعة‭ ‬الجيش‭ ‬أنَّه‭ ‬‭”‬إذا‭ ‬سألتني‭ ‬من‭ ‬الدُّول‭ ‬المُهمة‭ ‬التي‭ ‬نتطلَّع‭ ‬إليها،‭ ‬فإن‭ ‬إندونيسيا‭ ‬واحدة‭ ‬منها‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنَّ‭ ‬الطريقَ‭ ‬الإسرائيليةَ‭ ‬تجاه‭ ‬جاكرتا‭ ‬ليست‭ ‬معبَّدةً‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬جُملة‭ ‬من‭ ‬العراقيلِ‭ ‬والمُعيقات‭ ‬التي‭ ‬تَحول‭ ‬دون‭ ‬نجاحِ‭ ‬هذا‭ ‬المُخطَّط‭.‬

تبقى‭ ‬إندونيسيا‭ ‬ذات‭ ‬الـ230‭ ‬مليون‭ ‬مسلمٍ،‭ ‬وسبعة‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬جزيرة،‭ ‬الجائزة‭ ‬الكُبرى‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬نتنياهو‭ ‬للحصولِ‭ ‬عليها‭ ‬وهو‭ ‬يترأس‭ ‬حكومتَه‭ ‬السَّادسة،‭ ‬بزعم‭ ‬وجود‭ ‬تصدُّعاتٍ‭ ‬آخذةٍ‭ ‬في‭ ‬الاتِّساع‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬التَّطبيع‭ ‬معها،‭ ‬حيث‭ ‬يسمح‭ ‬لمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بزيارتها،‭ ‬وإقامة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشَّراكاتِ‭ ‬الثُّنائية،‭ ‬والانخراط‭ ‬الإندونيسي‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العالية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬جهدٍ‭ ‬هادئٍ‭ ‬وحازمٍ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬لتعزيزِ‭ ‬علاقاتهما‭ ‬نحو‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬اتِّفاقات‭ ‬التَّطبيع،‭ ‬لكنَّ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬لمساعدة‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وجاراتها‭ ‬المحيطةِ‭ ‬بها‭ ‬مثل‭: ‬أستراليا،‭ ‬واليابان،‭ ‬والهند‭.‬

الاتصالات‭ ‬السياسية

شهدت‭ ‬إندونيسيا‭ ‬خِلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬عدةَ‭ ‬مبادراتٍ‭ ‬باتجاه‭ ‬إمكانية‭ ‬التَّقارُب‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وتحققَ‭ ‬أول‭ ‬تقدُّمٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجالِ‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتِّفاق‭ (‬أوسلو‭) ‬مع‭ ‬منظَّمةِ‭ ‬التحريرِ‭ ‬الفلسطينيةِ‭ ‬في‭ ‬1993م،‭ ‬حين‭ ‬زار‭ ‬رئيسُ‭ ‬الوزراء‭ ‬الرَّاحل‭ (‬إسحاق‭ ‬رابين‭) ‬الرئيسَ‭ (‬محمد‭ ‬سوهارتو‭) ‬في‭ ‬منزلهِ‭ ‬بجاكرتا،‭ ‬وفي‭ ‬العامِ‭ ‬التَّالي‭ ‬1994م،‭ ‬سافر‭ (‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬وحيد‭) ‬رئيسُ‭ ‬الجمعيةِ‭ ‬الإسلاميةِ‭ ‬المُعتدلة،‭ ‬ورئيس‭ ‬إندونيسيا‭ ‬لاحقًا،‭ ‬إلى‭ ‬القدسِ‭ ‬المحتلة؛‭ ‬ليشهدَ‭ ‬توقيعَ‭ ‬معاهدةِ‭ ‬السَّلام‭ ‬بين‭ ‬الأردن‭ ‬و‮»‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬ثانيةً‭ ‬في‭ ‬1997م،‭ ‬ودعا‭ ‬للتَّقاربِ‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬حتَّى‭ ‬وفاته،‭ ‬وفي‭ ‬1999م‭ ‬عبَّر‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬خارجيَّته‭ (‬علوي‭ ‬شهاب‭) ‬عن‭ ‬رغبتِهما‭ ‬بفتح‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصاديِّ‭ ‬والتجاريّ‭. ‬

بعد‭ ‬عزلِ‭ ‬وحيد‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬2001م،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬بذل‭ ‬أيِّ‭ ‬جهدٍ‭ ‬لتحسين‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬2005م‭ ‬عقد‭ ‬وزيرُ‭ ‬خارجيتِها‭ ‬الأسبق‭ (‬سيلفان‭ ‬شالوم‭) ‬أولَ‭ ‬لقاءٍ‭ ‬سريٍّ‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬الإندونيسي‭ (‬حسن‭ ‬ويراجودا‭)‬،‭ ‬خلال‭ ‬قمةِ‭ ‬الأمم‭ ‬المتَّحدة‭ ‬في‭ (‬نيويورك‭)‬،‭ ‬وزارها‭ ‬الوزير‭ ‬الراحل‭ (‬شمعون‭ ‬بيريس‭) ‬عام‭ ‬2005م،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الرئيسَ‭ ‬الإندونيسيَّ‭ ‬السابق‭ (‬سوسيلو‭ ‬بامبانغ‭ ‬يودويونو‭) ‬استبعد‭ ‬إقامةَ‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬دبلوماسيةٍ‭ ‬رسميَّةٍ،‭ ‬رغم‭ ‬تبنّيه‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬للمرةِ‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬2012م‭.‬

وفي‭ ‬2008م،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفةُ‭ (‬جاكرتا‭ ‬بوست‭) ‬رسالةً‭ ‬من‭ ‬نائبِ‭ ‬وزير‭ ‬الخارجيةِ‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬مجلي‭ ‬وهبي‭ ‬‮«‬الدرزي‮»‬‭)‬،‭ ‬تحثُّ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بدورٍ‭ ‬بعملية‭ ‬السَّلام‭ ‬في‭ ‬الشَّرقِ‭ ‬الأوسط،‭ ‬وزعمَ‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬2016م‭ ‬أمام‭ ‬فريقٍ‭ ‬زائرٍ‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬أنَّ‭ ‬الأسبابَ‭ ‬المانِعةَ‭ ‬للتَّقارب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قائمةً،‭ ‬وحثَّ‭ ‬جاكرتا‭ ‬على‭ ‬النَّظر‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬ثُنائية،‭ ‬لكنَّها‭ ‬في‭ ‬مايو‭/ ‬2018م‭ ‬منعت‭ ‬حاملي‭ ‬جوازات‭ ‬السَّفرِ‭ ‬الإسرائيليةِ‭ ‬من‭ ‬دخولها‭.‬

أما‭ (‬يوسف‭ ‬كالا‭) ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬السَّابق‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬الحدودَ‭ ‬بدعوته‭ ‬للتَّعاملِ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬2018م‭ ‬تحدث‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬هامشِ‭ ‬اجتماعات‭ ‬الجمعيَّة‭ ‬العامَّة‭ ‬للأُمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬العامِ‭ ‬نفسه،‭ ‬التقاه‭ (‬يحيى‭ ‬ستاقوف‭) ‬رئيسُ‭ ‬جمعيةِ‭ (‬نهضة‭ ‬العلماء‭) ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬لـ‮»‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬أنَّ‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيسًا‭ ‬للجمعية‭ -‬أكبر‭ ‬منظمةٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭- ‬شكَّل‭ ‬بارقةَ‭ ‬أملٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬بحدوث‭ ‬تغييرٍ‭ ‬يخدم‭ ‬حضورَهم‭ ‬داخل‭ ‬البلاد،‭ ‬فهو‭ ‬المعروف‭ ‬باتصالاته‭ ‬الجيِّدةِ‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬ولم‭ ‬يستبعد‭ ‬إمكانيةَ‭ ‬التَّعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬‮«‬الدبلوماسية‭ ‬الرسمية‮»‬،‭ ‬وترددت‭ ‬أنباء‭ ‬غير‭ ‬مؤكدةٍ‭ ‬عن‭ ‬زيارةِ‭ ‬وزير‭ ‬الحرب‭ (‬بيني‭ ‬غانتس‭) ‬لجاكرتا‭ ‬سرًّا‭ ‬في‭ ‬2021م‭.‬

لعب‭ ‬يهود‭ ‬إندونيسيا‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬بتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الثُّنائية،‭ ‬حيث‭ ‬ساعد‭ (‬بنيامين‭ ‬كنتانغ‭) ‬اليهوديُّ‭ ‬الإندونيسيُّ‭ ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬منحةٍ‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬وحيد،‭ ‬بإنشاءِ‭ ‬لجنة‭ ‬الشُّؤون‭ ‬العامةِ‭ ‬الإندونيسيَّة‭ ‬الإسرائيليَّة‭ (‬IIPAC‭) ‬عام‭ ‬2002م،‭ ‬وتضمُّ‭ ‬نحو‭ ‬4450‭ ‬عضوًا،‭ ‬وفي‭ ‬يناير‭/‬2022م،‭ ‬أقام‭ ‬المركزُ‭ ‬العالميُّ‭ ‬لإحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬المحرقة‭ (‬ياد‭ ‬فاشيم‭) -‬ومقره‭ ‬في‭ ‬القُدس‭ ‬المحتلَّة‭- ‬أولَ‭ ‬متحفٍ‭ ‬دائمٍ‭ ‬مُخصَّصٍ‭ ‬لذكرى‭ ‬ضحايا‭ ‬‮«‬الهولوكوست‮»‬‭ ‬في‭ ‬كنيسٍ‭ ‬يهوديٍّ‭ ‬بمقاطعة‭ (‬شمال‭ ‬سولاويزي‭ ‬بإندونيسيا‭).‬

التنسيق‭ ‬الأمني

تتحدث‭ ‬بعضُ‭ ‬التقارير‭ ‬الشَّحيحةِ‭ ‬عن‭ ‬تعاونٍ‭ ‬أمنيٍّ‭ ‬ثُنائيٍّ‭ ‬بين‭ (‬تل‭ ‬أبيب‭ – ‬وجاكرتا‭) ‬غير‭ ‬علنيّ،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يُنظر‭ ‬للسفيرِ‭ ‬الإسرائيليِّ‭ ‬في‭ (‬سنغافورة‭) ‬على‭ ‬أنَّه‭ ‬مبعوثٌ‭ ‬غير‭ ‬رسميٍّ‭ ‬لجاكرتا،‭ ‬وفي‭ ‬2012م‭ ‬وافقت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬افتتاح‭ ‬قُنصليةٍ‭ ‬إندونيسيةٍ‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الدبلوماسيُّ‭ ‬الذي‭ ‬يترأسها‭ ‬ممثلًا‭ ‬فعليًّا‭ ‬لديها،‭ ‬لكن‭ ‬الخطةَ‭ ‬تعثَّرت‭ ‬عندما‭ ‬أصرَّ‭ ‬وزيرُ‭ ‬خارجيتها‭ ‬السابق‭ (‬أفيغدور‭ ‬ليبرمان‭) ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬المُعاملةِ‭ ‬بالمثل‭.‬

كما‭ ‬يتمُّ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تعاونٍ‭ ‬بين‭ (‬برابوو‭ ‬سوبيانتو‭) ‬وزير‭ ‬الدِّفاعِ‭ ‬الإندونيسي،‭ ‬وبين‭ ‬أطرافٍ‭ ‬إسرائيليةٍ‭ ‬خلال‭ ‬الأشهرِ‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬مجالاتِ‭ ‬الزراعة‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتزم‭ ‬الترشُّحَ‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬2024م،‭ ‬ويرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬بوابةً‭ ‬لجاكرتا‭ ‬نحو‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬مع‭ (‬واشنطن‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬نوفمبر‭/‬2021م‭ ‬تواصل‭ (‬إيتاي‭ ‬تاغنر‭) ‬القائم‭ ‬بأعمالِ‭ ‬السَّفير‭ ‬الإسرائيليِّ‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬ومستشارُ‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬إيال‭ ‬حولاتا‭) ‬مع‭ (‬سوبيانتو‭) ‬بشكلٍ‭ ‬علنيٍّ‭ ‬نادرٍ،‭ ‬على‭ ‬هامشِ‭ ‬مؤتمر‭ (‬حوار‭ ‬المنامة‭ ‬السنوي‭) ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وتأمل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تُغيِّر‭ ‬انتخاباتُ‭ ‬2024م‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬الوجوهَ‭ ‬السياسيةَ‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬يُعيد‭ ‬ترتيبَ‭ ‬السياساتِ‭ ‬الخارجية‭.‬

السياحة‭ ‬والسفر

بدأ‭ ‬الحديثُ‭ ‬عن‭ ‬إندونيسيا‭ ‬تحديدًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نشطت‭ ‬الدبلوماسيةُ‭ ‬الإسرائيليةُ‭ ‬في‭ ‬الآونةِ‭ ‬الأخيرة‭ ‬باللجوء‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‮»‬السياحة‮»‬‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنازلِ‭ ‬عن‭ ‬استخراج‭ ‬تأشيرات‭ ‬السَّفر‭ ‬كشرطٍ‭ ‬لدخول‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬لاسيَّما‭ ‬بين‭ ‬الدولِ‭ ‬الآسيوية،‭ ‬وإزالة‭ ‬التَّحذيرات‭ ‬الأمنية‭ ‬المُتلاحِقة‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬بعضها،‭ ‬مع‭ ‬أنَّ‭ ‬تسييرَ‭ ‬الرحلاتِ‭ ‬الجوية‭ ‬المُباشِرة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬ودول‭ ‬آسيا‭ ‬يعدُّ‭ ‬مصدرًا‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لها‭.‬

بلغةِ‭ ‬الأرقام،‭ ‬وصل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬السنةِ‭ ‬الأخيرةِ‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬قارةِ‭ ‬آسيا‭ ‬450‭ ‬ألف‭ ‬سائحٍ،‭ ‬وهو‭ ‬معدلٌ‭ ‬غير‭ ‬مَسبوق‭ ‬وِفق‭ ‬المعدَّلاتِ‭ ‬التالية‭: ‬21%‭ ‬من‭ ‬الهند،‭ ‬و31‭%‬‭ ‬من‭ ‬الفلبين،‭ ‬و15‭%‬‭ ‬من‭ ‬اليابان،‭ ‬ونِسبة‭ ‬شَبيهة‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬سُياح‭ ‬آسيويين‭ ‬آخرين‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬دولٍ‭ ‬لم‭ ‬تُفصِح‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عنها‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬تخصها،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تُسهم‭ ‬بتسويقِ‭ ‬صورتها‭ ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬وتقويةِ‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصاديةِ‭ ‬معها،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يُشكل‭ ‬انقلابًا‭ ‬في‭ ‬الصُّورةِ‭ ‬الذهنية‭ ‬المأخوذةِ‭ ‬عنها،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬الحديثِ‭ ‬عمَّا‭ ‬يعتبرونه‭ ‬تغيرًا‭ ‬إيجابيًّا‭ ‬تجاههم‭ ‬بنظر‭ ‬الآسيويين،‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬دبلوماسيةٍ‭ ‬بينهما،‭ ‬ولكن‭ ‬ثبت‭ ‬أنَّ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬السياحيةَ‭ ‬ليست‭ ‬أقلَّ‭ ‬أهمية،‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬منها،‭ ‬بدليل‭ ‬أنَّ‭ ‬عددَ‭ ‬السياح‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬2018م‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬ألفًا،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتصورَ‭ ‬أعدادَ‭ ‬السُّياح‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬ماليزيا‭ ‬وباكستان،‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬ازدادت‭ ‬أعدادُ‭ ‬الرحلاتِ‭ ‬الجوية‭ ‬المباشِرة‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭.‬

هناك‭ ‬توجهٌ‭ ‬إسرائيليٌّ‭ ‬لاستقدام‭ ‬عشراتِ‭ ‬الوفود‭ ‬من‭ ‬الزُّعماء‭ ‬الشَّبابِ‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدولِ‭ ‬الآسيوية،‭ ‬ممن‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭: ‬الاقتصاد،‭ ‬والسياسة،‭ ‬والثقافة،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬والإعلام،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬سيقودون‭ ‬بُلدانهم‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ويعني‭ ‬استثمارًا‭ ‬إسرائيليًّا‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬بجانب‭ ‬الجُهد‭ ‬في‭ ‬استجلابِ‭ ‬استثماراتٍ‭ ‬من‭ ‬الدُّول‭ ‬الآسيوية،‭ ‬وإبرام‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الصَّفقاتِ‭ ‬التجاريةِ‭ ‬معها،‭ ‬وزيادة‭ ‬الصَّادراتِ‭ ‬إليها‭.‬

ويقوم‭ ‬عددٌ‭ ‬متزايدٌ‭ ‬من‭ ‬السُّياح‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بزيارة‭ ‬إندونيسيا‭ ‬سنويًّا،‭ ‬رغم‭ ‬القيود‭ ‬المفروضةِ‭ ‬على‭ ‬التأشيرات‭ ‬التي‭ ‬يجبُ‭ ‬عليهم‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬عن‭ ‬طريقِ‭ (‬سنغافورة‭)‬،‭ ‬أمَّا‭ ‬رجالُ‭ ‬الأعمالِ‭ ‬والسُّياح‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الراغبين‭ ‬بدخولها،‭ ‬فيمكنهم‭ ‬التَّقدم‭ ‬بطلبٍ‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تأشيرةِ‭ ‬دخول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنصليَّتها‭ ‬في‭ (‬دبي‭)‬،‭ ‬ويتم‭ ‬عادةً‭ ‬الحصولُ‭ ‬عليها،‭ ‬وبالمثل‭ ‬يزور‭ ‬عشراتُ‭ ‬آلافِ‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬الأماكنَ‭ ‬المقدسةَ‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وقد‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الأعدادُ‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬روابط‭ ‬جويةٍ‭ ‬أقصر‭ ‬وأرخص‭ ‬عَبر‭ ‬دولةِ‭ ‬الإمارات‭ ‬بعد‭ ‬اتِّفاقيات‭ ‬التَّطبيع‭ ‬عام‭ ‬2020م،‭ ‬ويسعى‭ ‬المسؤولون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬لإقناع‭ ‬جاكرتا‭ ‬بتخفيض‭ ‬قيمةِ‭ ‬التأشيرةِ‭ ‬السياحيةِ‭ ‬البالغة‭ ‬800‭ ‬دولار،‭ ‬حتى‭ ‬يتمكَّن‭ ‬سيَّاحُها‭ ‬من‭ ‬تكثيف‭ ‬زياراتهم‭ ‬لهذه‭ ‬الوجهةِ‭ ‬التي‭ ‬تستأثرُ‭ ‬باهتمامهم‭.‬

الاقتصاد‭ ‬والتجارة

رغم‭ ‬افتقارِهما‭ ‬للعلاقاتِ‭ ‬الدبلوماسية؛‭ ‬فإنَّ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬لديهما‭ ‬علاقاتٌ‭ ‬اقتصاديةٌ‭ ‬متصاعِدة،‭ ‬ففي‭ ‬2018م‭ ‬بلغ‭ ‬حجمُ‭ ‬تجارتهما‭ ‬الثُّنائية‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬رغم‭ ‬القيودِ‭ ‬الإندونيسيةِ‭ ‬الكبيرةِ‭ ‬على‭ ‬التِّجارة‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وارتكزت‭ ‬علاقاتُهما‭ ‬التجاريَّة‭ ‬على‭ ‬تصديرِ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المُنتجات‭ ‬الزراعيةِ‭: ‬كزيت‭ ‬النخيل،‭ ‬والورق،‭ ‬والأخشاب‭ ‬لـ‮»‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬مستفيدةً‭ ‬بالمقابل‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الإسرائيليةِ‭ ‬وبرامجها‭ ‬الإلكترونيةِ‭ ‬المُتقدِّمة،‭ ‬كما‭ ‬أُنشئت‭ ‬غرفةُ‭ ‬التجارةِ‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الإندونيسية‭ ‬في‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2009م؛‭ ‬لتعزيزِ‭ ‬شراكتهما‭ ‬الاقتصاديَّة‭.‬

وقد‭ ‬زار‭ ‬وفدٌ‭ ‬إسرائيليٌّ‭ ‬من‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬إسرائيل‭-‬آسيا‮»‬‭ ‬مكونٌ‭ ‬من‭ ‬المستثمرين‭ ‬والتِّقنيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬التِّجاريين‭ ‬إندونيسيا؛‭ ‬للتعرُّفِ‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬التواصُل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستثماراتِ‭ ‬والمشاريعِ‭ ‬والشَّركات‭ ‬الناشِئة‭ ‬ومبادرات‭ ‬التَّأثيرِ‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بزعم‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬إمكانات‭ ‬هائلةً‭ ‬غير‭ ‬مُستغَلةٍ‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭: ‬التَّعليم،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الماليَّة،‭ ‬والأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والتنقُّل،‭ ‬والصِّحة،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الزراعيَّة،‭ ‬وتقنيات‭ ‬المياه،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬موقعها‭ ‬الجيو‭-‬سياسي،‭ ‬ولما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬طبيعيةٍ‭ ‬هائلةٍ،‭ ‬وكشف‭ ‬رئيسُ‭ ‬لجنة‭ ‬التَّعاون‭ ‬الدولي‭ ‬بالبرلمانِ‭ ‬الإندونيسي‭ (‬فضلي‭ ‬زون‭)‬،‭ ‬أنَّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬عرضت‭ ‬مليارَيّ‭ ‬دولارٍ‭ ‬لتحسين‭ ‬الأوضاعِ‭ ‬الاقتصاديةِ‭ ‬مقابل‭ ‬التطبيعِ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭.‬

وتأمل‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬في‭ ‬التَّعاون‭ ‬مع‭ ‬جاكرتا‭ ‬في‭ ‬قطاعِ‭ ‬الطَّاقة‭ ‬الذي‭ ‬تمتلِك‭ ‬فيه‭ ‬تقنياتٍ‭ ‬تُتيح‭ ‬الوصولَ‭ ‬الفوريَّ‭ ‬لموارد‭ ‬الغاز‭ ‬الوفيرة،‭ ‬وقطاع‭ ‬التَّعليم‭ ‬الذي‭ ‬طوَّرت‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أساليبَ‭ ‬وبرامج‭ ‬فعالةً‭ ‬للتعلُّم‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬حيث‭ ‬تعاني‭ ‬إندونيسيا‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬جودةِ‭ ‬التَّعليم‭ ‬في‭ ‬أجزاءٍ‭ ‬كثيرةٍ‭ ‬منها‭.‬

ويبقى‭ ‬التَّعاون‭ ‬في‭ ‬القِطاع‭ ‬الزراعيِّ‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬المجالاتِ‭ ‬التي‭ ‬يتفاخرُ‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬بأنَّه‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬التَّطور‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬شهِدته‭ ‬علاقاتهما،‭ ‬ويشكل‭ ‬فرصةً‭ ‬مهمةً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبلدٍ‭ ‬يوظِّف‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬أياديه‭ ‬العاملةِ‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الزراعي،‭ ‬ففي‭ ‬مجال‭ ‬زراعةِ‭ ‬الأرز‭ ‬تُتيح‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الإسرائيليةُ‭ ‬استخدامَ‭ ‬الريِّ‭ ‬بالتنقيط‭ ‬عِوض‭ ‬إغراق‭ ‬حُقول‭ ‬الأرز‭ ‬بالماء،‭ ‬وسيمنح‭ ‬التطورُ‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للمزارعين‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬فرصةَ‭ ‬زراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مَوسِمها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬انعكاسًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬على‭ ‬معدلاتِ‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬بلدٍ‭ ‬يستورد‭ ‬ما‭ ‬يُقدَّر‭ ‬بـ5‭ ‬مليارات‭ ‬دولارٍ‭ ‬سنويًّا‭ ‬من‭ ‬المُنتجاتِ‭ ‬الزراعية‭.‬

وما‭ ‬فتئت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تحاول‭ ‬استغلالَ‭ ‬الصعوباتِ‭ ‬الكبيرةِ‭ ‬التي‭ ‬يُعاني‭ ‬منها‭ ‬القطاعُ‭ ‬الطِّبي‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تكاد‭ ‬تقتصرُ‭ ‬الرِّعايةُ‭ ‬الصحية‭ ‬الجيدة‭ ‬على‭ ‬الأثرياءِ‭ ‬فقط،‭ ‬عبر‭ ‬اقتراحِ‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيَّة‭ ‬الطِّب‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أجهزةِ‭ ‬الاستشعار‭ ‬الطبيةِ‭ ‬التي‭ ‬تُشغَّل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬التي‭ ‬تُعَدُّ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬رائدةً‭ ‬فيها،‭ ‬ويمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬توفير‭ ‬الرعايةِ‭ ‬الطبيةِ‭ ‬الأساسية‭ ‬لشريحةٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬من‭ ‬الإندونيسيين،‭ ‬وشهد‭ ‬عام‭ ‬2008م‭ ‬توقيعَ‭ ‬منظَّمة‭ ‬‮«‬نجمة‭ ‬داود‭ ‬الحمراء‮»‬‭ ‬الطبية‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬ونظيرتها‭ ‬الإندونيسية‭ ‬اتفاقيةَ‭ ‬تعاونٍ‭ ‬في‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬شهدها‭ ‬نائبُ‭ ‬رئيس‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬المحمدية‮»‬،‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬منظمةٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭. ‬

وخلال‭ ‬فترةِ‭ ‬كورونا‭ (‬2020-2021م‭)‬،‭ ‬وصل‭ ‬وفدٌ‭ ‬رسميٌّ‭ ‬إندونيسيٌّ‭ ‬لـ‮»‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لدراسة‭ ‬سُبل‭ ‬التَّعاملِ‭ ‬مع‭ ‬الوباء،‭ ‬وتخلَّلت‭ ‬الزيارة‭ -‬التي‭ ‬تمَّت‭ ‬تحت‭ ‬عباءةٍ‭ ‬من‭ ‬السِّرية‭- ‬لقاءاتٌ‭ ‬سياسيةٌ‭ ‬مع‭ ‬مسؤولين‭ ‬بوزارةِ‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬اتصالاتٍ‭ ‬غير‭ ‬رسميةٍ‭ ‬بينهما‭ ‬منذ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬عديدةٍ،‭ ‬وعلاقاتٍ‭ ‬تجاريةٍ‭ ‬مُستقرَّة‭.‬

العوائق‭ ‬والتحديات

رغم‭ ‬التحمُّسِ‭ ‬الإسرائيليِّ‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬أندونيسيا،‭ ‬لكنَّها‭ ‬ترصد‭ ‬جملةً‭ ‬من‭ ‬التحدياتِ‭ ‬المُهمة،‭ ‬لعلَّ‭ ‬أهمّها‭ ‬المشاعر‭ ‬الشَّعبية‭ ‬تجاه‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬بعيدةٌ‭ ‬كل‭ ‬البُعدِ‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬دافئةً،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لاستطلاعٍ‭ ‬أجرته‭ ‬هيئةُ‭ ‬الإذاعةِ‭ ‬البريطانيةِ‭ ‬عام‭ ‬2017م،‭ ‬يرى‭ ‬9%‭ ‬من‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬أنَّه‭ ‬يُمكن‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬ينظر‭ ‬70%‭ ‬إليها‭ ‬بصورةٍ‭ ‬سلبيةٍ،‭ ‬لتكون‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬التصوراتِ‭ ‬سلبيةً‭ ‬تجاهها‭ ‬في‭ ‬قارةِ‭ ‬آسيا‭ ‬بأسرها،‭ ‬وهذا‭ ‬الفتور‭ ‬يعود‭ ‬جزئيًّا‭ ‬لتاريخ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬الحديث‭. ‬

فقد‭ ‬تبنَّى‭ (‬سوكارنو‭) ‬أول‭ ‬رئيسٍ‭ ‬لها‭ ‬سياسةً‭ ‬خارجيةً‭ ‬مُناهِضةً‭ ‬بشدة‭ ‬للاستعمار،‭ ‬وأسَّس‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‮»‬‭ ‬في‭ ‬1961م،‭ ‬ومنع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬المشاركةِ‭ ‬في‭ ‬دورةِ‭ ‬الألعاب‭ ‬الآسيويةِ‭ ‬عام‭ ‬1962م؛‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلبٍ‭ ‬من‭ ‬الحُلفاء‭ ‬العرب،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬خليفتُه‭ (‬سوهارتو‭)‬،‭ ‬وغيَّر‭ ‬مَسار‭ ‬سياستهِ‭ ‬الخارجية،‭ ‬وأصبح‭ ‬أكثر‭ ‬شراكةً‭ ‬مع‭ ‬الولاياتِ‭ ‬المتَّحدة‭ ‬والغرب،‭ ‬دون‭ ‬القفزِ‭ ‬باتجاه‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تبقى‭ ‬إقامة‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬معها‭ ‬محفوفةً‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬وتكتنفها‭ ‬جملةٌ‭ ‬من‭ ‬العقباتِ‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فإندونيسيا‭ ‬المعروفة‭ ‬بمواقفها‭ ‬الدَّاعمةِ‭ ‬للقضيةِ‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ستكون‭ ‬مطالَبةً‭ ‬بتعديل‭ ‬موقفها‭ ‬التقليديِّ‭ ‬تجاهه،‭ ‬والحيدِ‭ ‬عن‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجيةِ‭ ‬المُناهضةِ‭ ‬له،‭ ‬مُتخلِّيةً‭ ‬عن‭ ‬أهمِّ‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬ينصُّ‭ ‬عليها‭ ‬دستورها‭ ‬وهو‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬الاستقلال‭ ‬حق‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّضامنَ‭ ‬الشعبي‭ ‬الإندونيسي‭ ‬الكبيرَ‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬الذي‭ ‬يظهرُ‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الشَّارعِ‭ ‬في‭ ‬جاكرتا‭ ‬إِثر‭ ‬كل‭ ‬اعتداءٍ‭ ‬إسرائيليٍّ‭ ‬عليهم،‭ ‬قد‭ ‬يعيق‭ ‬أيَّ‭ ‬علاقةٍ‭ ‬متوقَّعةٍ‭ ‬بين‭ ‬جاكرتا‭ ‬و‮»‬تل‭ ‬أبيب‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬تحظى‭ ‬القضيةُ‭ ‬الفلسطينيةُ‭ ‬بتأييدٍ‭ ‬ساحقٍ‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الإندونيسيين،‭ ‬وتُظهِر‭ ‬آخر‭ ‬أرقام‭ ‬استطلاعاتِ‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬مايو‭/‬2022م؛‭ ‬أنَّ‭ ‬الغالبيةَ‭ ‬العُظمى‭ ‬بنسبة‭ ‬71%‭ ‬منهم‭ ‬يُحمِّلون‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬المسؤوليةَ‭ ‬عن‭ ‬الصِّراعِ‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المُحتلة،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬أدانت‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بين‭ (‬2008-2021م‭) ‬العدوانَ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتكرِّر‭ ‬ضِد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

وتعلم‭ ‬القيادةُ‭ ‬السِّياسيةُ‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬أنَّها‭ ‬ستصطدم‭ ‬بمواقف‭ ‬الأحزابِ‭ ‬السياسية‭ ‬نافذة‭ ‬السُّلطةِ‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬تحوُّلٍ‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬يتطلَّب‭ ‬موافقتها‭ ‬أولًا،‭ ‬وسيكون‭ ‬بإمكانها‭ ‬تأخير‭ ‬عمليةِ‭ ‬التطبيع،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬شكلها‭ ‬النِّهائي‭ ‬على‭ ‬أقلِّ‭ ‬تقدير،‭ ‬وتدرك‭ ‬أنَّ‭ ‬اتفاقَ‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لن‭ ‬يتمَّ‭ ‬عبر‭ ‬قفزةٍ‭ ‬واحدةٍ‭ ‬نوعيةٍ‭ ‬تُعيد‭ ‬تعريفَ‭ ‬العلاقات،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الأخيرةَ‭ ‬تُعوِّل‭ ‬على‭ ‬الخطواتِ‭ ‬التَّدريجية‭ ‬المُتَّخذة‭ ‬بحذرٍ‭ ‬لتقليل‭ ‬الاستياء‭ ‬العام‭ ‬تجاهها‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تُساهمَ‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإندونيسيِّ‭ ‬وتطورات‭ ‬الشَّرق‭ ‬الأوسطِ‭ ‬بتغيير‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬نهايةِ‭ ‬المَطاف،‭ ‬والفوز‭ ‬بالجائزةِ‭ ‬الكبرى‭ ‬لضمِّ‭ ‬أكبر‭ ‬دولةٍ‭ ‬إسلاميةٍ‭ ‬لقطار‭ ‬المُطبِّعين‭.‬

وختامًا‭ ‬من‭ ‬الواضحِ‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّطلعَ‭ ‬الإسرائيليَّ‭ ‬لضمِّ‭ ‬إندونيسيا‭ ‬إلى‭ ‬قِطار‭ ‬التَّطبيعِ‭ ‬سيتصدَّر‭ ‬اهتمامات‭ ‬الحكومةِ‭ ‬اليمينيةِ‭ ‬الجديدة،‭ ‬مستفيدةً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدولِ‭ ‬العربيةِ‭ ‬المطبِّعة‭ ‬معها،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬باتصالاتٍ‭ ‬وثيقةٍ‭ ‬مع‭ ‬جاكرتا،‭ ‬والضَّغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬الأخيرةِ‭ ‬للاستفادةِ‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬تَطويق‭ ‬النُّفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬المُتزايدِ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقةِ‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تشهد‭ ‬تنافسًا‭ ‬لا‭ ‬تُخطئه‭ ‬العين‭ ‬بين‭ (‬بكين‭) ‬و‭(‬واشنطن‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬سيجعل‭ ‬جاكرتا‭ ‬أمام‭ ‬سلسلةٍ‭ ‬من‭ ‬التَّرهيب‭ ‬والتَّرغيب‭ ‬لا‭ ‬يُعرَف‭ ‬بعد‭ ‬كيف‭ ‬ستتعامل‭ ‬معه،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حدٍّ‭ ‬سوف‭ ‬تصمدُ‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭.‬

مع‭ ‬العلم‭ ‬أنَّ‭ ‬جملةَ‭ ‬المعيقات‭ ‬الدَّاخلية‭ ‬لن‭ ‬تقِفَ‭ ‬مكتوفةَ‭ ‬الأيدي‭ ‬أمام‭ ‬أيّ‭ ‬محاولةٍ‭ ‬إسرائيليةٍ‭ ‬عربيةٍ‭ ‬أمريكيةٍ‭ ‬لإلحاق‭ ‬إندونيسيا‭ ‬بقطار‭ ‬التَّطبيع،‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬المُعارضة‭ ‬الشعبية‭ ‬وشبه‭ ‬الرسميةِ‭ ‬لهذه‭ ‬المحاولات،‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬حصلت‭ ‬تطوراتٌ‭ ‬داخليةٌ‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬أسهُمِ‭ ‬المؤيدين‭ ‬للتطبيع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المعارِضين‭ ‬له،‭ ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬يتمُّ‭ ‬بدء‭ ‬العدِّ‭ ‬التنازلي‭ ‬لانضمام‭ ‬جاكرتا‭ ‬للعواصمِ‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬المُنخرطةِ‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬سيترك‭ ‬آثارَه‭ ‬السلبيةَ‭ ‬على‭ ‬أندونيسيا‭ ‬نفسها،‭ ‬ومحيطها‭ ‬الآسيوي‭ ‬الأوسع،‭ ‬ويفسح‭ ‬المجالَ‭ ‬أمام‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬الإسرائيليِّ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقةِ‭ ‬الحيويةِ‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button