مقالات

ملامح الرؤية الفلسطينية للدور الصيني تجاه القضية الفلسطينية

د. محمد مكرم البلعاوي - رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط (AMEF)

من البديهيات في عالم السياسة أن العلاقات تقوم على المصالح بالمقام الأول، ولكن في نفس الوقت إغفال المبادئ هو خطأ كبير، فإذا كانت السياسة تعتمد اليوم على المصالح الا أن المبادئ هي الحاكمة في النهاية، وعند النظر الى القضية الفلسطينية نرى أن هناك مصالح آنية ومصالح متوسطة ومصالح بعيدة المدى، وأظن أن التفريط في المصالح المتوسطة وبعيدة المدى لصالح مصالح آنية كما فعلت بعض الدول لتبرير التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بحاجة الى كثير من التروي.

مصالح المنطقة العربية مع الصين بعيدة المدى، ونابعة من علاقة وجودية قديمة أزلية بين الطرفين، فيها شراكة جغرافية وبيئة واحدة وحضارة متقاربة بل تكاد تكون متشابهة، ومصالح الوطن العربي على المدى الاستراتيجي مرتبطة ارتباطاً وجودياً مع الصين، وعندما نتحدث عن المنطقة لا نشمل “إسرائيل” في الحديث، حيث اعتقد البعض بأنه يمكن لها أن تشكل حالة طبيعية في المنطقة هو اعتقاد بحاجة إلى الكثير من النظر والتوقف لأن هذه (الدولة) جاءت وفق مشروع إستعماري واضح المعالم وهدفها ليس تقويض حالة الإستقرار في غرب آسيا فقط بل التسيد على كل المنطقة وجعل هذه المنطقة منضبطة بالمصالح الغربية، وهو ما يتناقض بالأساس مع المصالح الآسيوية وبالذات المصالح الصينية ويخالف طبيعة العلاقة القائمة بين المنطقة العربية والصين.

ذلك الاعتقاد والمصالح الآنية، جعل بعض الدول والأطراف تراهن على علاقة قصيرة المدى مع اسرائيل وهي علاقة يكتنفها كثير من المخاطرة، حيث اعتبارها كيانًا طبيعيًا والاسثمار في هذا الجزء من العالم يعني المخاطرة بالمقدرات والمخاطرة بمشاريع، وبدل أن تكون سبباً للتنمية قد تكون سبباً للنزاع والاحتراب الداخلي.

لا شك أن منطقتنا بحاجة إلى أن تكون منطقة مستقرة لأن استقرارها يعني استقرار العالم الإسلامي الذي يُعد جزءً أساسيًا من آسيا والعالم، والمنطقة العربية لها قوة ناعمة فوق الوصف على بقية العالم الإسلامي، فإستقرار هذه المنطقة يعني إستقرار العالم الإسلامي واستقرار العالم الإسلامي يعني إستقرار آسيا عموماً وهذا يعني إعطاء فرصة حقيقية للتنمية في العالم ولمصالح بعيدة المدى وليست قصيرة المدى، وللصين فائدة كبيرة من استقرار المنطقة على خطتها ومشاريعها الاستراتيجية.

منطقة آسيا تشترك مع الشعب الفلسطيني الذي عانى وضحى بالمقام الأول لإقرار حق طبيعي وفطري وهو الحرية، مع كل الشعوب التي ذهبت ضحية للإستعمار، وأعتقد أن تلك الشعوب التي تعرضت للإستعمار دهراً طويلاً ثم قاومت ونجحت بإنتزاع حريتها يجب أن تستشعر دائما أن الشعب الفلسطيني هو نموذج هامٌ جداً ومصاحب لثورتها ولنهضتها، لأن مبدأ الحرية لا يتجزأ وهو كما يصح في شرق آسيا فإنه يصح في غرب آسيا.

الشعب الفلسطيني جزء من الشعب العربي وجزء من الشعوب المسلمة وجزء أساسي من شعوب آسيا وهو متكامل مع الشعب الصيني وبقية شعوب المنطقة، والحرية واحدة والخلاص واحد والتنمية واحدة لا تتجزأ أرجو انه دائماً نفكر بأسلوب بعيد المدى وواسع النظر وألا نكون حبيسين اللحظة.

المنطقة تشترك مع الصين في العداوة للاستعمار والقوى الاستعمارية لإضرارها بالطرفين، حيث كان القرن السابع عشر الإقتصاد الصيني يشكل تقريباً ثلاثين في المية من إقتصاد العالم، وكان الأوروبيون يعتبرون متخلفين، والصناعة الأوروبية كانت تعتبر بمقياس الحضارة والجودة مقارنة بالمنتجات الصينية المحلية والهندية المحلية منتجات متخلفة على كل الصعد، وعندما جاء الاستعمار الأوروبي إلى الصين، خلال قرن واحد من الزمن هدمها عن بكرة أبيها، وتسبب في حربين، الحرب العالمية الأولى والثانية، دمر البلاد ووزعها بين القوى الأوروبية، وبعد ذلك منع الثورات التجديدية مثل ثورة (التايبن) التي يقدر بأنها أكبر مذبحة في تاريخ البشرية كلها بالمقاييس.

سبب هذه المأسآة الصينية، يعود إلى حالة التمكن والأمان الذي تمتع بها الاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية، واستطاع أن ينفذ من منطقتنا الى الهند والصين، وبهذا المنطق فإن هذه المنطقة خط الدفاع الأول عن كل آسيا وليس الصين أوالهند فقط، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي ثار نقاش خطير جدًا في الغرب، حيث ظهر لقوى الغرب تساءل حول التهديد الجديد بنظرها بعد السوفيت؟ فكان الأرجح “الأحمر التنين الصيني”، وثار هذا النقاش مدة من الوقت ثم اختفى بسبب تورط الولايات المتحدة والغرب في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان.

ذلك يدفعنا للاستنتاج أن العلاقة بين الصين والمنطقة العربية علاقة تكاملية ورافعة للأخيرة، والآن بعد مرور السنوات الثلاثين اللي استغلتها الصين أفضل استغلال لإطلاق استراتيجيتها لتصبح واحدة من أعظم الإقتصادات، يمكننا القول أن يعود للمنطقة العربية الفضل الأكبرى في نجاح الصين في هذه الاستراتيجية، فعملياً المنطقة أشغلت الاستراتيجية الأمريكية وأبعدتها عن الصين، وأثبت مرة أخرى أننا خط الدفاع الأول عن باقي القارة الآسيوية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button