“الفلسطينيون والإسرائيليون في سباق نحو الصين”
أحد الأسرار التي كشفها الاحتلال هو تزايد الحركة نحو التقارب مع الصين، باعتبارها قوة عظمى صاعدة في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، الأمر الذي دفع معظم المؤسسات الرسمية الإسرائيلية إلى إبرام المزيد من الاتفاقيات والصفقات مع نظيرتها الصينية، إلى درجة أزعجت الولايات المتحدة، الراعي الرسمي والرئيس للاحتلال، خشية أن يضر هذا التقارب بين (تل أبيب) وبكين بمصالح واشنطن في المنطقة.
وفي المقابل، تراجع الاهتمام الفلسطيني الرسمي بالقوة الصينية الصاعدة، بعدما وضعت القيادة الفلسطينية الرسمية كل خياراتها وبدائلها في واشنطن، لتخسر بذلك حليفًا تاريخيًا للقضية الفلسطينية، حتى وصل الحال إلى أن الصين في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت أكثر “فلسطينية” من الفلسطينيين أنفسهم، وفق بعض القراءات التاريخية التي رصدت حجم الدعم والإسناد الذي قدمته بكين للمقاومة الفلسطينية في بدايات صعودها خلال تلك المرحلة.
وفي ظل هذا الغياب الفلسطيني، بمؤسساته وأنشطته المختلفة، عن الساحة الصينية، شهدت إسطنبول قبل أيام انعقاد أول مؤتمر دولي لمناقشة مستقبل العلاقات الصينية–الفلسطينية، نظمه “منتدى آسيا والشرق الأوسط”، بمشاركة نخبة من المراكز الفلسطينية والصينية، حيث جرى تقديم أوراق عمل وبحوث علمية تحمل رؤى استشرافية لمستقبل علاقات الطرفين وتوصيات لصانعي القرار لديهما.
ويشكّل هذا المؤتمر إضافة نوعية للجهود الرامية إلى استعادة العلاقات الفلسطينية–الصينية بعد هذا الانقطاع الطويل، خاصة أن الاحتلال يسابق الزمن لتطوير علاقاته مع بكين، رغم الغضب الأمريكي من ذلك، وتدفّق الموفدين من واشنطن إلى (تل أبيب) لكبح الاندفاعة الإسرائيلية نحو الصين، في حين أن الطرف الأول المعني بهذا الجهد السياسي والدبلوماسي هو نحن الفلسطينيون، وليس الاحتلال.
ولا يملك الفلسطينيون ترف العلاقات الخارجية والدولية الذي يسمح لهم بإدارة ظهرهم للصين، أو على الأقل بعدم منح مسألة بناء العلاقات معها ما تستحقه من اهتمام. صحيح أن للصين حساباتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وقد ترى في مرحلة ما أن علاقاتها مع الاحتلال تخدم تلك المصالح، إلا أن ذلك يفرض على الفلسطينيين تسويق قضيتهم لديها، وإظهار أنهم أكثر أهمية لمصالحها في المنطقة من الاحتلال.
أما مؤتمر إسطنبول المشار إليه أعلاه، الذي عقده منتدى آسيا والشرق الأوسط (AMEF)، فقد يكون لبنة إضافية في هذه المسيرة الطويلة، غير أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، إذ يتعيّن على صانعي القرار الفلسطينيين، على اختلاف مستوياتهم، الأخذ بالاعتبار التوصيات الصادرة عنه والملاحظات التي قدّمها الباحثون، وصولًا إلى علاقة مستقيمة مع الصين تخدم بالأساس قضيتنا العادلة، وتستنهض الطاقات من أجلها، وتستقطب الإمكانيات لصالحها، وتستجلب إلى جانبها الدول الكبرى في العالم. خصوصًا أن الاحتلال لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويأخذها بالحسبان، ليظل في حالة من الاحتضان الدولي والرعاية العالمية لمشروعه الاستيطاني الاستعماري.