إمبراطورية الهند .. رواد التقنية والثروات
إعداد :أسامة الغول /صحفي وأكاديمي - باحث في مرحلة الدكتوراه
تستضيف الهند ثالث أكبر عدد من المليارديرات في العالم، وخلافاً لما يحدث في الدول الرأسمالية الغربية في أوروبا وأميركا، فإن ثروة الأغنياء تنمو بسرعة مدهشة مستفيدة من النمو القوي في قطاع التقنية والتصنيع، والقاعدة العريضة من المستهلكين، ونمو السوق المالي، وعدد المستثمرين في الأسهم. وهذه العوامل من العناصر الرئيسية في نمو الثروات في العالم.
فحسب دراسة لمصرف اكريدي سويسب السويسري، تضاعفت ثروة الأغنياء في الهند أربع مرات خلال العقدين الأخيرين بين عامَي 2000 و2019 إلى 12.6 تريليون دولار. وهذا الرقم يعادل تقريباً ثلاث مرات حجم الاقتصاد الهندي المقدر في العام الجاري 2020 بنحو 3.202 تريليونات دولار، وينوي رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي توسيع حجم الاقتصاد الهندي إلى 5 تريليونات دولار.
من جانبها، تقدر مؤسسة اهورون غلوبالب لقائمة الأثرياء التي يوجد مقرها في مدينة شنغهاي الصينية عدد المليارديرات في الهند بنحو 170 مليارديراً، وهي بهذا الرقم تحتل المرتبة الثالثة في عدد المليارديرات في العالم بعد الولايات المتحدة التي يوجد بها نحو 799 مليارديراً والصين التي يوجد بها 626 مليارديراً.
لكن ما يدهش في الهند أن الثروة تنمو بسرعة هائلة، وكذلك عدد أصحابها الذين يتنامون بمعدل كبير مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، رغم الفقر المدقع الذي يضرب سواد الشعب في الأرياف والأحياء الهامشية بالمدن الكبرى.
ويقدر عدد سكان الهند في العام الجاري بنحو 1.381 مليار نسمة، وهو ما يعني أن الهند عبر التعليم وزيادة التوظيف وارتفاع متوسط الدخل يمكن أن تتحول إلى دولة عظمى خلال السنوات المقبلة تنافس الولايات المتحدة والصين وتتجاوز أوروبا واليابان.
ولكن تظل الهند بلد التناقضات في آسيا، إذ بينما تضيف الهند 3 مليارديرات جدد كل شهر على الرغم من التباطؤ الاقتصادي وتداعيات كورونا، فإن البلاد تضج من الفقر، وحسب دراسة لأوكسفام، فإن ثروة البلاد تذهب لمن يملك المال وتتزايد فيها الفروقات الطبقية وتتمايز فيها الدخول، إذ إن 10% فقط من السكان يملكون 73% من إجمالي ثروة البلاد، كما أن الثروة التي صنعت في الهند خلال العام 2017 ذهبت إلى جيوب واحد في المائة فقط من السكان، بينما لم ترتفع ثروة 67 مليون شخص من الفقراء إلا بنسبة واحد في المائة فقط في العام 2017.
عملت الحكومات الهندية المتعاقبة من أجل تنمية الهند ووضعت رؤية مستقبلية للتنمية والتقدم تتحقق في العام 2020. ففي العام 1995 أفاد نحو 5000 خبير ومتخصص في نواحي الحياة المختلفة في مجلس التكنولوجيا والمعلومات والتنبؤ والتقييم بأن الهند مستعدة للنهوض باستغلال قوة مواهبها في الموارد البشرية والطبيعية كقوة اقتصادية واستراتيجية عظيمة. وكانت الهند أنذاك لم تدخل العولمة بعد ولم تحرر اقتصادها إلا في عام 1991 وكانت اتصالات الهند العالمية محدودة.
لدى الهند أكثر من 900 جامعة و39 ألف كلية، نسبة 78 ٪ منها تدار من القطاع الخاص، بالإضافة إلى ذلك، أنشأت معظم المؤسسات الخاصة الكبيرة برامج تدريب ومهارات داخلية للمساعدة في بناء قدرات العمال الشباب تمشياً مع احتياجات القطاع الصناعي.
تقول المؤلفة والباحثة آنجيلا سايني، في كتابها اأمة من العباقرة.. كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالمب: االهند أمة من العباقرة والكادحين والمهرة، إذ إن كل واحد من خمسة من جميع العاملين في حقل الرعاية الطبية في المملكة المتحدة من أصل هندي، وثلث المهندسين العاملين في منطقة وادي السليكون من أصل هندي، كما يدير الهنود 750 شركة من شركات التقنيةب.
كما تقول الباحثة سايني، إن الهند أصبحت اأمة من العباقرةب وفرضت سيطرتها على العالم بعدة نواح علمية، وغزت العالم بالعلماء وذلك بعدد المشاريع والمنشآت العلمية التي أُسست من قبل جواهر لال نهرو، كما ذكرت المؤلفة أن في الهند 16 معهدًا تكنولوجيًا وهذه المعاهد منتشرة في أنحاء الدولة وهناك خطط استثمارية لافتتاح أول معهد هندي دولي للتكنولوجيا في دولة قطر.
الدافع الرئيسي وراء إنشاء هذه المراكز تدريب صغار المهندسين البارعين والمخترعين في الدولة، الذين ساهموا في إنجاز أعمال مبتدئة بشركات وادي السليكون في كاليفورنيا خلال السنوات الأخيرة.
كما أجريت بعض التقارير التي تعرض دراسات تربط بين نجاح الهند في المجال التكنولوجي مع طبيعة الثقافة الهندية وطبيعة التعليم، فاتضح أن كليات الهندسة مثل المعاهد الهندية للتقنية تنتشر في أرجاء البلاد، وهذا الاهتمام بالتعليم ساهم في إخراج جيل ذي خبرة.
ومن المتعارف عليه أن طلبة هذه المعاهد يتسمون بالحماس والمخاطرة والمثابرة، كما أنهم يحظون بشبكات تواصل قوية مع الخريجين، فيستفيدون من عقبات ونجاحات من سبقوهم، فالناجحون يلعبون دور الناصح والمساعد للمبتدئين من الهنود في مجال التكنولوجيا لتعزيز ثقتهم.
لم يكن نجاح هؤلاء الأشخاص دفعة واحدة، بل كان نجاحًا تدريجيًا، معتمدًا على تسلق التدرج الوظيفي، لكن ما زالت البيانات والدراسات تقدم معلومات مذهلة بحق البراعة الهندية، ففي بيانات قديمة منذ عام 2010، توضح الأرقام المنقولة أن أعلى معدل للدخل السنوي للعائلات لدى الأمريكيين هي من أصل هندي.
كما أجرى البروفيسور الهندي ومتعهد الأعمال فيفيك وادهوا، في جامعات سنغولارتي وستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة تبين أن ثلث الشركات الناشئة في الولايات المتحدة الأمريكية هي من قبل الهنود وهذه نسبة مذهلة لأنها تفوق نسبة الأعراق السبع المهاجرة التي تليهم مجتمعين.
كما يقول فينكتيش شوكلا رئيس فرع وادي السليكون: اجاء أغلب الهنود إلى أمريكا عندما كانت الاشتراكية سائدة في الهند، كانت الفرص محدودة جدًا هناك، بينما أفسحت الولايات المتحدة الأمريكية أبواب الهجرة للذين يمتلكون مؤهلات عالية جدًا، فمن نراهم الآن ونسمع عنهم من الصفوةب.
كما يضيف شوكلا أن الأمر ليس متعلقًا بالدرجات الأكاديمية والمؤهلات العلمية بل يعتقد أن الثقافة الهندية تلعب دورًا مهمًا في زرع بذور النجاح في عقول أبنائها مما يساهم في خلق نموذج إداري ناجح أو مخترع بارع، كما يؤكد أن القيم جزء متأصل من تكوينة الفرد عندهم وأن المنافسة والتواضع أبرز هذه الخصال.
التنفيذيون الهنود الذين يتفوقون في الشركات المتعددة الجنسيات، هم أولئك الذين قضوا أوقاتًا طويلة خارج وطنهم ويطورون مهاراتهم في قيادة العمل الجماعي.
يذكر شوكلا أيضًا اإذا عشت في الهند، فسوف تستنتج أن الناس مختلفون عن بعضهم، ليسوا متفوقين على غيرهم، ولكن مختلفون، وهذا التنوع من مكامن القوة في وادي السيليكون، حيث لا يهم أي لغة تتكلم أو ما مظهرك ما دمت تستطيع الحصول على إيرادات أكثر أو تقديم منتج أفضلب.
الزعيم الهندي نهرو لال جواهر ورئيس الوزراء الأول للهند بعد الاستقلال عام 1947،كان يؤمن أن مستقبل الهند سيكون في ترقية مكان العلم في عقول الهنود، والخطوة التالية تكون في تطوير وتنمية مجال العلوم والتكنولوجيا في البلاد، وهذا المجال سيكون المفتاح لحل المشاكل الكارثية في الهند كالأمية والفقر وما يصاحبها من جوع وفساد، على هذا الأساس، سعى نهرو لسحب الهند إلى الجانب العقلاني والعلمي ودفعها بعيدًا عن الخرافات والروحانيات البالية.
ساندر بيتشاي نموذج للنجاح الهندي
ولد بيتشاي في الهند عام 1972، درس وتعلم في المعهد الهندي للتكنولوجيا في مدينته كراجبور، وبعد أن تخرج حصل على منحة للدراسة في جامعة ستانفورد الأمريكية، لم يكن طريق بيتشاي سهلًا بالانتقال من الهند للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان سعر بطاقة تذكرة سفره تساوي دخل والده السنوي، إذ قال بيتشاي: افعل والدي ووالدتي ما يفعله الكثير من الآباء في ذلك الوقت، ضحا بالكثير من حياتهما، ووظفا الكثير من الدخل المُتاح للتأكد من تعلم أطفالهماب.
المثير للاهتمام في تفوق الهنود في هذا المجال ليس فقط بسبب غرقان دولتهم في الأزمات المزمنة والمتتالية كالفقر والبطالة والأمية، إنما بسبب صعوبة هذا النوع من المجالات واحتكاره على فئات معينة من الشركات، بجانب المنافسة الكبيرة الموجودة في هذا الوسط والحاجة إلى الابتكار بشكل مستمر لتبوأ مناصب تنفيذية في هذه الشركات العملاقة.
الكفاءات عصب الابتكار
يمهد عدد السكان الهائل في الهند، لتنوع خبرات وكفاءات نشأت في حضن خدمات شبكية مكثفة، حيث هناك 560 مليون مستخدم للإنترنت و450 مليون مستخدم للهواتف المتحركة، هذا الكم الهائل عزز انتشار شركات التقنية حتى زاد عدد التي تجاوزت قيمتها السوقية مليار دولار 26 شركة، وشجع النجاح الاهتمام في ريادة الأعمال الرقمية، وساعد في بناء قوة عاملة ذكية.
وتوفر الدولة جميع الظروف المناسبة لنمو ريادة الأعمال بدعم من مزيج من العوامل الديمغرافية المتغيرة والاتجاهات الاقتصادية، فعدد الشباب كبير جداً (أكثر من 65 ٪ من سكان الهند البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة تقل أعمارهم عن 35 عامًا، وأكثر من 50٪ تحت سن 25)، كما تشهد الهند سرعة في التطور الحضري مع زيادة هجرة الشباب من المناطق الريفية إلى المدن.
هل تصبح “بنجالور” وادي السيليكون االجديد؟
إذا تمكنت الهند من الاستمرار في تطوير مراكزها الحضرية وتعزيز روح ريادة وادي السيليكون، فقد تكون مركز التكنولوجيا العالمي المقبل، تحتضن بنجالور في الجنوب وجورجاون في الشمال مخابر الذكاء التكنولوجي، وهما رمزان للتوسع الحضري السريع.
وحصلت بنجالور من شركة اجون لينج لاسالب على تصنيف المدينة الأكثر ديناميكية في العالم، خاصة في التكنولوجيا والابتكار، وبينما كانت في البداية مركزاً للتعهيد، فقد نجحت المدينة في الابتعاد عن هذا التوجه، حيث احتضنت ريادة الأعمال والتقنيات الناشئة، ما سمح لها بوضع نفسها كعاصمة للتكنولوجيا في الهند. في عام 2018 وحده، كان هناك 153 شركة ناشئة جديدة تأسست في بنجالورو، والتي لديها العدد الكافي من المواهب ورأس المال الاستثماري لتهيئة الظروف لنجاح الشركات الناشئة.
عانت الهند أكثر من غيرها من نزيف الأدمغة، حتى إن كبار التنفيذيين في شركات التقنية العملاقة هم من مواطني الهند المهاجرين، ومع ذلك عاد 649 عالماً هندياً من المهجر لمتابعة أعمالهم في الهند بين عامي 2012 و2017.
وتسهم السياسات التحفيزية التي تحرص الحكومة على اتّباعها في استمرار تدفق الكفاءات والاستثمارات على الهند، حيث بلغت عام 2018 حوالي 33.4 مليار دولار كلها صبت في شركات تقنية ناشئة. وفي حال تصاعد الخلاف التجاري بين بكين وواشنطن ستكون الهند الخيار الأفضل لجميع الأطراف.
عظيم بريمجي - مؤسس شركة ويبر للبرمجيات
عظيم بريمجي،74 عامًا، وُلد في 24 يوليو عام 1945، بمدينة مومباي الهندية، لعائلة مسلمة، يعد من أشهر رجال الأعمال في العالم، بعد أن طور شركته لتكون الأسرع نموًا، مع الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية؛ إذ تبرّع بربع ثروته للأعمال الخيرية، وهو مؤسس شركة زويبروس للبرمجيات، وتقدر ثروته ب ٧،٢ مليار دولار. استمر نجاح زويبروس في السنوات التالية؛ فوسّعت نشاطاتها في أكثر من 67 بلدًا حول العالم؛ لتصل قيمتها إلى أكثر من 37 مليار دولار.
أجيت جين - نائب رئيس مجلس إدارة شركة بيركشاير هاثاواي
وُلد زأجيت جينس في عام 1951 في أوديشا، الهند، وهو حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من معهد الهندي للتكنولوجيا خراجبور، وماجستير إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال. وفي عام 1986، كان يعمل في عمليات التأمين لحساب رجل الأعمال زوارين بافيتس. والآن، زجينس؛ هو نائب رئيس مجلس إدارة عمليات التأمين في شركة زبيركشاير هاثاوايس الأمريكية اعتبارًا من 10 يناير 2018، كما أنه يمتلك حصة في زبيركشاير هاثاوايس، وتقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار.
أجايبال سينج بانجا – الرئيس التنفيذي لشركة ماستر كارد
وُلد زبانجاس في عام 1960 في بيون، الهند، وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية سانت ستيفن، جامعة دلهي، وماجستير إدارة الأعمال من المعهد الهندي للإدارة، أحمد آباد. في عام 1981، بدأ زبانجاس حياته المهنية في شركة (Nestlé)، ثم شغل منصب الرئيس التنفيذي لـ (مجموعات سيتي)، منطقة آسيا والمحيط الهادئ عام 2009.
وفي يوليو 2010، أصبح الرئيس التنفيذي لشركة (Master Card) العالمية،ويتقاضى زبانجاس 19 مليون دولار سنويًا.
ساندر بيتشاي- الرئيس التنفيذي لشركة جوجل
وُلد ساندر بيتشاي عام 1972 في تشيناي، الهند. وحصل على ماجستير من جامعة ستانفورد في علوم وهندسة المواد، بالإضافة إلى ماجستير في إدارة الأعمال من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا.
وفي عام 2004، انضم زبيتشايس إلى شركة (Google) العالمية؛ حيث قاد جهود إدارة المنتجات والابتكار لمجموعة من منتجات برامج العميل من (Google)، مثل: Google Chrome وChrome OS، فضلاً عن كونه مسؤولًا إلى حد كبير عن Google Drive. وفي عام 2015، أصبح س بيتشايس؛ الرئيس التنفيذي لشركة (Google). جدير بالذكر أن زبيتشايس يحصل على 200 مليون دولار في السنة كراتب ومكافآت، بينما تبلغ ثروته حوالي 1.3 مليار دولار.
ساتيا نادالا - الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت
وُلد زساتيا نارايانا نادالاس في عام 1967 في حيدر أباد، الهند، وهو حاصل على زبكالوريوس الهندسةس من معهد مانيبال للتكنولوجيا، وماجستير في علوم الكمبيوتر من جامعة ويسكونسن، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة شيكاغو. وفي عام 1992، كان زنادالاس موظفًا تقنيًا في شركة زصن مايكروسيستمزس كأحد أعضاء الطاقم التقني قبل انضمامه إلى شركة Microsoft، بعد ذلك لعب العديد من الأدوار في Microsoft، وفي عام 2014 أصبح الرئيس التنفيذي للشركة. ويحصل س نادالاس على 26 مليون دولار سنويًا، كأجر ومكافآت.
راجيف سوري - الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا
وُلد راجيف سوري عام 1967 في نيودلهي، الهند، حصل على بكالوريوس الهندسة في الإلكترونيات والاتصالات من معهد مانيبال للتكنولوجيا.
ثم انضم إلى شركة (نوكيا) في عام 1995، وفي عام 2014، تم تعيين زسوريس كرئيس تنفيذي للشركة،ويحصل سوري؛ على 1.2 مليون دولار سنويًا.