مقالات

الإِدارة التعليميـــة في كوريا الجنوبية وأثَرِها في نهضة الدولة

د. طارق خضر - دكتوراه في التربية والمناهج

تُعدُّ‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ – ‬جمهورية‭ ‬كوريا‭ – ‬من‭ ‬أكثرِ‭ ‬دولِ‭ ‬العالَم‭ ‬تعليمًا،‭ ‬وِفقًا‭ ‬لمنظمةِ‭ ‬التَّعاوُن‭ ‬الاقتصاديّ‭ ‬والتَّنمِية‭ (‬OECD‭) ‬والصادرِ‭ ‬عام‭ ‬2018م،‭ ‬فقد‭ ‬أكمل‭ ‬70%من‭ ‬أفرادِ‭ ‬الشَّعب‭ ‬الكوري‭ ‬والذين‭ ‬تَترَاوَحُ‭ ‬أعمارُهم‭ ‬بين‭ ‬24‭ ‬و35‭ ‬عامًا‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬أشكالِ‭ ‬التَّعليم‭ ‬العالي‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬النِّسب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

بعدَ‭ ‬خمسٍ‭ ‬وثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬خضوعِ‭ ‬شعبها‭ ‬لسيطرةِ‭ ‬اليابان‭ ‬تحرَّرَت‭ ‬كوريا‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الياباني‭ ‬عام‭ ‬1945م،‭ ‬ورغم‭ ‬فَقرِها‭ ‬بموارِدها‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتميُّزها‭ ‬بوعورةِ‭ ‬تضاريسِها،‭ ‬وسَواحلِها‭ ‬الصخريَّة‭ ‬شديدة‭ ‬الانحدار‭ ‬ومُناخها‭ ‬القاريّ،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يمنعْها‭ ‬مِن‭ ‬أنْ‭ ‬تَتَطوَّرَ‭ ‬وتنموَ‭ ‬في‭ ‬غُضونِ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬قليلةٍ‭ ‬بِسبب‭ ‬اهتمام‭ ‬حكوماتِها‭ ‬المتعاقبةِ‭ ‬بموضوع‭ ‬التعليم‭ ‬وتطويرِه،‭ ‬فتحوَّلت‭ ‬من‭ ‬مُجتمَعٍ‭ ‬زراعيٍّ‭ ‬فقيرٍ‭ ‬وواحدة‭ ‬من‭ ‬أفقرِ‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬المرتبةِ‭ ‬الثانيةَ‭ ‬عشرةَ‭ ‬بين‭ ‬أكبرِ‭ ‬الاقتصادات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ورابِع‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصادٍ‭ ‬في‭ ‬آسيا‭.‬

أَنشأَت‭ ‬التقاليدُ‭ ‬الكُونفوشيوسيَّة‭ ‬مجتمعًا‭ ‬يجلسُ‭ ‬فيه‭ ‬الباحثُ‭ ‬على‭ ‬قمَّةِ‭ ‬التَّسلسلِ‭ ‬الهرمي‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬تحقيق‭ ‬المعرفة‭ ‬أولويةً‭ ‬له،‭ ‬والشخص‭ ‬المتعلِّم‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬يحظَى‭ ‬باحترامٍ‭ ‬كبير؛‭ ‬لذلك‭ ‬نلاحظُ‭ ‬حاليًا‭ ‬أنَّ‭ ‬أكثرَ‭ ‬من‭ ‬ثلثيّ‭ ‬الشباب‭ ‬الكوريِّين‭ ‬يلتحقون‭ ‬ببرامجِ‭ ‬التعليمِ‭ ‬العالي‭.‬

الحكومة‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالتَّعليم

كانت‭ ‬نقطةُ‭ ‬التحوِّل‭ ‬في‭ ‬تاريخِ‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬مع‭ ‬قيام‭ ‬الجمهوريَّةِ‭ ‬الكورية‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬الحكومةِ‭ ‬بتغييراتٍ‭ ‬جَذريةٍ‭ ‬ورَسم‭ ‬خططٍ‭ ‬طَموحةٍ‭ ‬للنِّهوض‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الصُّعد‭ ‬كافةً،‭ ‬وجعلت‭ ‬من‭ ‬التعليمِ‭ ‬أداةً‭ ‬فعَّالةً‭  ‬وأساسيَّةً‭  ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬التنمية‭ ‬السياسيَّة،‭ ‬والاقتصاديَّة،‭ ‬والاجتماعيَّة،‭ ‬وخَطَّت‭ ‬في‭ ‬دستورِها‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1948م‭ ‬والمُعدَّل‭ ‬عام‭ ‬1987م‭ ‬ما‭ ‬يَحفظُ‭ ‬لكلِّ‭ ‬أبناء‭ ‬الشَّعبِ‭ ‬بشتَّى‭ ‬أعمارِه‭  ‬وشرائِحه‭ ‬حقَّ‭ ‬التعليم،‭ ‬فوَرَدَ‭ ‬في‭ ‬المادَّة‭  ‬رقمب31ب‭ ‬من‭ ‬الدستورِ‭ ‬الكوري‭ ‬بَند‭ ‬رقم‭ ‬3-‭ ‬التعليم‭ ‬إجباريٌّ‭ ‬ومجانيٌّ،‭ ‬وفى‭ ‬بند‭ ‬رقم4-‭ ‬استقلال‭ ‬التعليم‭ ‬ومهنيّته‭ ‬وحياده‭ ‬السياسي‭ ‬واستقلال‭ ‬معاهد‭ ‬التعلم‭ ‬العليا‭ ‬مكفولة،‭ ‬كما‭ ‬أكَّد‭ ‬البند‭ ‬رقم‭  ‬5-‭ ‬على‭  ‬تشجيعِ‭ ‬الدَّولة‭ ‬على‭ ‬التعليمِ‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬

تضاعَف‭ ‬التزامُ‭ ‬الحكومةِ‭ ‬الكورية‭ ‬الجنوبيَّة‭ ‬بعدَ‭ ‬الحرب‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬حِرصًا‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬فَفِي‭ ‬عام‭ ‬1945م،‭ ‬بلغ‭ ‬مُعدَّل‭ ‬الإِلْمام‭ ‬بالقراءةِ‭ ‬والكتابة‭ ‬22‭ %‬،‭ ‬بينما‭ ‬الآن‭ ‬تحومُ‭ ‬هذه‭ ‬النِّسبة‭ ‬حول‭ ‬99‭ %‬،‭ ‬وهي‭ ‬تُعتبَر‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬المعدلاتِ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويَعتقدُ‭ ‬الكوريون‭ ‬الجنوبيُّون‭ ‬أنَّ‭ ‬التعليمَ‭ ‬هو‭ ‬السببُ‭ ‬في‭ ‬نموِّ‭ ‬بلادِهم‭ ‬وتحويلهم‭ ‬من‭ ‬أحدِ‭ ‬أفقرِ‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الثَّاني‭ ‬عشر‭ ‬دوليًا‭.‬

وعلى‭ ‬الرَّغم‭ ‬من‭ ‬نُشوبِ‭ ‬الحربِ‭ ‬الكورية‭ ‬عام‭ ‬1950م،‭ ‬والتي‭ ‬دمَّرت‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ % ‬من‭ ‬المباني‭ ‬المدرسيةِ‭ ‬وما‭ ‬تَبِعَهُ‭ ‬من‭ ‬إغلاق‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬جميعِ‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يَحرِف‭ ‬البوصلةَ‭ ‬الحكومية‭ ‬عن‭ ‬أهدافِها،‭ ‬ومعَ‭ ‬العددِ‭ ‬القليل‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬سَلِمَت‭ ‬خِلال‭ ‬الحرب،‭ ‬سأل‭ ‬المعلمون‭ ‬الإدارة‭ ‬التَّعليميَّة‭ ‬أين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تُعقَد‭ ‬الصفوف؟،‭  ‬فكان‭ ‬الجوابُ‭ ‬حازِمًا‭: ‬اأن‭ ‬يدرسوا‭ ‬بالخارج‭! ‬على‭ ‬مجاري‭ ‬الأنهار،‭ ‬وعلى‭ ‬سُفوحِ‭ ‬الجبال‭ ‬وفي‭ ‬أيِّ‭ ‬مكان،‭ ‬وبدون‭ ‬الكُتبب،‭ ‬وفِعلًا‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬لقد‭ ‬تَعلَّم‭ ‬الطلابُ‭ ‬في‭ ‬الجداولِ‭ ‬الجافَّة،‭ ‬وداخلَ‭ ‬الخيامِ‭ ‬وفي‭ ‬محطَّات‭ ‬القِطارات‭ ‬التي‭ ‬لمْ‭ ‬تسلَم‭ ‬من‭ ‬القصف،‭ ‬وعَمِلت‭ ‬المجتمعاتُ‭ ‬المحليَّة‭ ‬معًا‭ ‬لجمع‭ ‬الأموال‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬المدارس،‭ ‬وبِحُلول‭ ‬ربيع‭ ‬عام‭ ‬1951م،‭ ‬أُعيد‭ ‬فتح‭ ‬60‭ % ‬من‭ ‬المدارس،‭ ‬وعاد‭ ‬ثلثا‭ ‬أطفالِ‭ ‬الدَّولة‭ ‬مرةً‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬صفوفِهم،‭ ‬وتضاعَف‭ ‬عددُ‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬1954م‭ ‬لتصبحَ‭ ‬19.693‭ ‬مدرسة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬ثلاثة‭ ‬ألاف‭ ‬فقط‭. ‬وارتفع‭ ‬عددُ‭ ‬الطُّلاب‭ ‬من‭ ‬1.5‭ ‬مليون‭ ‬إلى‭ ‬11.5‭ ‬مليون‭ ‬طالب‭ (‬ربع‭ ‬السكان‭) ‬وأصبح‭ ‬عدد‭ ‬جامعاتِها‭ ‬نحو‭ ‬300‭ ‬جامعة‭. ‬

ومِن‭ ‬المُلفِت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقارنَة‭ ‬البسيطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1960م‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هُناك‭ ‬فارقٌ‭ ‬في‭ ‬الدخلِ‭ ‬القَوميّ‭ ‬بين‭ ‬باكستان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبيَّة،‭ ‬ولكن‭ ‬الفارقَ‭ ‬الكبير‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬المُسجلين‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية،‭ ‬فبينما‭ ‬كانت‭ ‬النسبة‭ ‬في‭ ‬باكستان‭ ‬30%،‭ ‬تجاوزَت‭ ‬نسبة‭ ‬المسجلين‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬94‭ %.‬

ومِمَّا‭ ‬يُميِّز‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬هو‭ ‬تخصُّص‭ ‬الجهاتِ‭ ‬التي‭ ‬تُشرِفُ‭ ‬على‭ ‬تطويرِه،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬المعهد‭ ‬الكوري‭ ‬للمناهجِ‭ ‬والتقويمِ‭ ‬وخدمات‭ ‬المعلوماتيَّة‭ ‬والأبحاث‭ ‬والتربية‭ ‬الكورية،‭ ‬وتُظهِرُ‭ ‬الحكومةُ‭ ‬التزامًا‭ ‬ثابتًا‭ ‬بالاستثمارِ‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬وفي‭ ‬تصريحٍ‭   ‬لوزارةِ‭ ‬الماليةِ‭ ‬الكورية‭ ‬الجنوبيَّة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2019م،‭ ‬ذكرت‭ ‬فيه‭ ‬أنّ‭ ‬ميزانيةَ‭ ‬التعليم‭ ‬بلغت‭ ‬146‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬أَي‭ ‬بزيادِة‭ ‬قدرها‭ ‬10.5‭ % ‬من‭ ‬ميزانيَّة‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزيَّة‭.‬‭ ‬

دَورُ‭ ‬الإِدارة‭ ‬المدرسيَّة‭ ‬والمُعلِّمين‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬التَّعليم‭ ‬

مُدير‭ ‬المدرسة‭ ‬يتحملُ‭ ‬العِبءَ‭ ‬الأكبر،‭ ‬وهو‭ ‬المسؤولُ‭ ‬الأوَّل‭ ‬عن‭ ‬مُخرَجات‭ ‬المدرسة،‭ ‬ويتميزُ‭ ‬منصبُ‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬بأهميةٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولا‭ ‬يَصلُ‭ ‬إلى‭ ‬درجةِ‭ ‬مدير‭ ‬إلّا‭ ‬من‭ ‬أمضى‭ ‬خمسةً‭ ‬وعشرين‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬مِهنة‭ ‬التّعليم،‭ ‬على‭ ‬أنْ‭ ‬يعملَ‭ ‬مُعلِّمًا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المراحل‭ ‬ثم‭ ‬مُعلمًا‭ ‬أوَّل‭ ‬ثُمَّ‭ ‬وكيلًا‭ ‬لمدةِ‭ ‬سِتِّ‭ ‬سنوات،‭ ‬ليصبحَ‭ ‬بعدها‭ ‬مُديرًا‭ ‬مسؤولًا‭ ‬ذا‭ ‬صلاحيات‭ ‬تَفوقُ‭ ‬نظيرَه‭ ‬في‭ ‬عددٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬كالولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬وبريطانيا‭.‬

وتُعَدُّ‭ ‬مهنة‭ ‬التعليمِ‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬المرغوبةِ‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬نظرًا‭ ‬لارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬الأَمن‭ ‬الوظيفيّ،‭ ‬حيث‭ ‬يبلغُ‭ ‬معدَّل‭ ‬الرواتب‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬16000‭ ‬دولار‭ – ‬37000‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة‭ (‬1350‭ – ‬3100‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الشهر‭).‬

يتمُّ‭ ‬تأهيل‭ ‬المعلمين‭ ‬في‭ ‬الجامعةِ‭ ‬حسبَ‭ ‬المراحل‭ ‬الدراسية،‭ ‬إذ‭ ‬يوجد‭ ‬13‭ ‬جامعة‭ ‬لإعدادِ‭ ‬المعلمين‭ ‬والمعلمات‭ ‬للتَّدريس‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬فقط،‭ ‬وعدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬لإعداد‭ ‬معلمي‭ ‬المرحلتين‭ ‬المتوسِّطة‭ ‬والثانوية،‭ ‬ورُخصة‭ ‬التدريس‭ ‬لا‭ ‬تُعطى‭ ‬إلّا‭ ‬لمَن‭ ‬اجتاز‭ ‬اختباراتٍ‭ ‬صَارِمةً‭ ‬وحصلَ‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬مِن‭ ‬إِحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬التَّربوِية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أحدِ‭ ‬الأقسام‭ ‬التربويَّة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتحظَى‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬بإقبالٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬على‭ ‬الرغمِ‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬20%‭ ‬فقط‭ ‬منهم‭ ‬يجدون‭ ‬فرصةَ‭ ‬عملٍ‭ ‬كمعلمين‭ ‬في‭ ‬المدارسِ‭ ‬الثانوية‭.‬

مِن‭ ‬مُميِّزات‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬توفيرُ‭ ‬بيئة‭ ‬العملِ‭ ‬الصحيَّةِ‭ ‬التي‭ ‬تُساعد‭ ‬المُعلم‭ ‬على‭ ‬الأداءِ‭ ‬المتميز،‭ ‬فالمعلم‭ ‬يشاركُ‭ ‬في‭ ‬اتِّخاذ‭ ‬القراراتِ‭ ‬المتعلقةِ‭ ‬بالعملية‭ ‬التَّربوية‭ ‬كافةً،‭ ‬حيث‭ ‬يُشَكِّل‭ ‬المعلمون‭ ‬نصفَ‭ ‬مجلسِ‭ ‬إدارةِ‭ ‬المدرسة‭ ‬المكوَّن‭ ‬عادةً‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬عضوًا،‭ (‬6‭) ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬و‭ (‬6‭) ‬من‭ ‬المعلِّمين،‭ ‬ويساعِد‭ ‬هذا‭ ‬النوعُ‭ ‬من‭ ‬المشاركةِ‭ ‬في‭ ‬اتِّخاذ‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬رفعِ‭ ‬مُستوى‭ ‬الانتماءِ‭ ‬للمدرَسة‭ ‬وللمِهنة‭.‬

وتتميزُ‭ ‬الإدارةُ‭ ‬التَّعليميَّةُ‭ ‬الكوريَّة‭ ‬بوجودِ‭ ‬جمعِيَّات‭ ‬المعلمين‭ ‬المحلِّية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المدينةِ‭ ‬والمقاطعة،‭ ‬واتِّحاد‭ ‬المعلمين‭ ‬الكوري‭ (‬KFTA‭) ‬هو‭ ‬المُمثلُ‭ ‬المركزيّ‭ ‬لهذه‭ ‬الجمعيّات،‭ ‬ويلتقي‭ ‬سنويًا‭ ‬مع‭ ‬وزارةِ‭ ‬التعليم‭ ‬وتنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشريّة‭ ‬لمناقشةِ‭ ‬رفاهيَّة‭ ‬المعلمين،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬لهم‭ ‬ثلاثُ‭ ‬نقاباتٍ‭ ‬للمُعلِّمين‭.‬

نِظام‭ ‬التَّعليم‭ ‬والمناهج‭:‬

ينقسمُ‭ ‬هيكلُ‭ ‬التعليم‭ ‬العام‭ ‬الكوريّ‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثةِ‭ ‬أجزاء‭: ‬سِتّ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬تَلِيها‭ ‬ثلاثُ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬في‭ ‬المرحلةِ‭ ‬الإعدادية،‭ ‬ثم‭ ‬ثلاث‭ ‬سنواتٍ‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثَّانوية،‭ ‬ولا‭ ‬تزالُ‭ ‬الفصولُ‭ ‬الدراسيةِ‭ ‬في‭ ‬العديدِ‭ ‬من‭ ‬المدارسِ‭ ‬الثانوية‭ ‬المُختلِطة‭ ‬مقسَّمةً‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الجنس،‭  ‬والمناهجُ‭ ‬موحدةً‭ ‬لكِلا‭ ‬الجنسين،‭ ‬ووصلت‭ ‬نسبةُ‭ ‬الاختلاط‭ ‬في‭ ‬الصفِّ‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬صُورِها‭ ‬إلى‭ ‬10%‭.‬

يتكوَّنُ‭ ‬المنهجُ‭ ‬الأساسيّ‭ ‬مِن‭ ‬تِسع‭ ‬موادٍ‭ ‬أساسيَّة‭: ‬التَّربية‭ ‬الأخلاقيَّة،‭ ‬واللُّغة‭ ‬الكورية،‭ ‬والدِّراسات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والرياضيَّات،‭ ‬والعلوم،‭ ‬والتَّربية‭ ‬البَدَنية،‭ ‬والموسيقى،‭ ‬والفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬والفنون‭ ‬العمَليَّة،‭ ‬يبدأُ‭ ‬تعليمُ‭ ‬اللُّغةِ‭ ‬الإنجليزيَّة‭ ‬في‭ ‬الصفِّ‭ ‬الثَّالث‭ ‬الابتدائيّ،‭ ‬ومِن‭ ‬الجديرِ‭ ‬بالإشارةِ‭ ‬أنّ‭ ‬كوريا‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬أقلِّ‭ ‬المعدلاتِ‭ ‬في‭ ‬تغيُّب‭ ‬التلاميذِ‭ ‬عن‭ ‬المدارس‭ ‬بنسبة‭ ‬2%‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬قُورِنَت‭ ‬بِدُولٍ‭ ‬أخرى‭ ‬كإيطاليا‭ ‬فقد‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬الغياب‭ ‬فيها‭ ‬الى‭ ‬50‭ %‬،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ % ‬سنة‭ ‬2015م‭.‬

مِن‭ ‬خِلال‭ ‬المسابقاتِ‭ ‬الدوليةِ‭ ‬وخاصةً‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬منظَّمةُ‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصاديّ‭ ‬والتَّنمية‭ (‬OECD‭) ‬عن‭ ‬نتائجِ‭ ‬برنامج‭ ‬2015‭ ‬لِتَقييم‭ ‬الطلاب‭ ‬الدوليين‭ (‬PISA‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬شمِل‭ ‬حوالي‭ ‬540،000‭ ‬من‭ ‬الشبابِ‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬72‭ ‬دولةٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬حَصَد‭ ‬الطالبُ‭ ‬الكوريّ‭ ‬مراتبَ‭ ‬متقدِّمة‭ ‬مِثل‭ ‬المرتبةِ‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الرياضيات،‭ ‬والثَّالثةِ‭ ‬في‭ ‬القراءة،‭ ‬والخامسةِ‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬وتمتلكُ‭ ‬كوريا‭ ‬أيضًا‭ ‬نظامًا‭ ‬مدرسيًا‭ ‬عالي‭ ‬الجَودة‭ ‬عند‭ ‬قياسِه‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬أداءِ‭ ‬الطُّلاب‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬الموحدَة،‭ ‬تُصنَّف‭ ‬الدولةُ‭ ‬باستمرارٍ‭ ‬بين‭ ‬أفضلِ‭ ‬البُلدان‭ ‬أداءً‭ ‬في‭ ‬برنامجِ‭ ‬تقييمِ‭ ‬الطلابِ‭ ‬الدَّوليين‭ (‬PISA‭).‬

ويُعتبَر‭ ‬التَّعليم‭ ‬هو‭ ‬الأداة‭ ‬الأُولى‭ ‬لتغييرِ‭ ‬ونهضةِ‭ ‬أيّ‭ ‬مجتمع‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وُضِعَ‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬سُلَّمِ‭ ‬الأولويات،‭ ‬وأخَذَ‭ ‬ما‭ ‬يستحِقّه‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬الجهاتِ‭ ‬الحكوميةِ‭ ‬صاحِبة‭ ‬القَرار‭ ‬مع‭ ‬ربطه‭ ‬بالرُّؤية‭ ‬الصحيحةِ‭ ‬للتطويرِ‭ ‬والتحديث،‭ ‬والذي‭ ‬سيجعلُ‭ ‬المؤسَّسات‭ ‬التَّعليميَّة‭ ‬تخدمُ‭ ‬الخُطط‭ ‬والبرامجَ‭ ‬التَّنمَوية‭ ‬التي‭ ‬تَتَطلبُها‭ ‬مجتمعاتُها،‭ ‬لأنَّ‭ ‬التعليمَ‭ ‬هو‭ ‬الرافعةُ‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬للتنميةِ‭ ‬الاقتصاديّة‭ ‬والحضاريّة‭ ‬في‭ ‬أيِّ‭ ‬مجتمع‭.‬

د. طارق خضر

دكتوراه في التربية والمناهج

Leave a Reply

Back to top button