مقالات

التجربـة المالـيـزيـــة في التعليـم عن بعــد في ظل جائحة كورونا

د. شريف أمين أبو شمالة

بإعلان‭ ‬تطبيق‭ ‬نظام‭ ‬تقييد‭ ‬الحركة‭ ‬والإغلاق‭ ‬في‭ ‬ماليزيا،‭ ‬بات‭ ‬حوالي‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬طالبٍ‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬المدرسة‭ ‬حتى‭ ‬الثانوية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حوالي‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬الجامعات‭ ‬والكليات،‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬السكان‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬32‭ ‬مليوناً،‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬التعلم‭ ‬المعتادة‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭.‬

تعليم‭ ‬في‭ ‬البيوت

لم‭ ‬ينتظر‭ ‬الطلبة‭ ‬طويلاً‭ ‬حتى‭ ‬بدأ‭ ‬المدرسون‭ ‬بالاتصال‭ ‬بهم‭ ‬لتعود‭ ‬دورة‭ ‬التعلم‭ ‬والتعليم‭ ‬عبر‭ ‬تقنيات‭ ‬وتطبيقات‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬ظهرت‭ ‬بعض‭ ‬الصعوبات‭ ‬عند‭ ‬المدرسين‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬أو‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الجديدة‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬تدريبهم‭ ‬على‭ ‬تجاوزها‭. ‬

وسارت‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬بانتظامٍ‭ ‬كما‭ ‬المعتاد‭ (‬عدا‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬نظام‭ ‬تقييد‭ ‬الحركة‭) ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬الماليزي‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬راضي‭ ‬محمد‭ ‬جيدين،‭ ‬داعياً‭ ‬المعلمين‭ ‬لاستخدام‭ ‬أفضل‭ ‬الطرق‭ ‬البديلة‭ ‬لإلقاء‭ ‬الدروس،‭ ‬وقد‭ ‬أظهر‭ ‬المدرسون‭ ‬تفاعلاً‭ ‬والتزاماً‭ ‬عالياً‭ ‬دعماً‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭. 

مرونة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭. ‬

‭ ‬تعاملت‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬الماليزية‭ ‬بمرونة‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬فتم‭ ‬إلغاء‭ ‬الامتحانات‭ ‬السنوية‭ ‬لبعض‭ ‬المراحل‭ ‬الأساسية،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬مشجعةً‭ ‬الطلبة‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الدروس‭ ‬للمعرفة‭ ‬وليس‭ ‬للامتحان،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬أتاحت‭ ‬مجالاً‭ ‬واسعاً‭ ‬للمدرسين‭ ‬لاختيار‭ ‬أفضل‭ ‬الوسائل‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬المرحلة‭ ‬الدراسية‭ ‬أو‭ ‬الظروف‭ ‬الطارئة‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭. ‬

من‭ ‬ناحيةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬أعلنت‭ ‬الوزارة‭ ‬إعادة‭ ‬تصميم‭ ‬الروزنامة‭ ‬التعليمة‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬بتقليل‭ ‬عدد‭ ‬أيام‭ ‬الإجازات‭ ‬النصفية‭ ‬والسنوية‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬استدراك‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭. (‬يبدأ‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬للمدارس‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬وينتهي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬نوفمبر‭). ‬

ومؤخراً‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬تهيئة‭ ‬المدارس‭ ‬وفق‭ ‬إجراءات‭ ‬التشغيل‭ ‬القياسية،‭ ‬التي‭ ‬طالبت‭ ‬بها‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬مثل‭ ‬التزام‭ ‬التباعد‭ ‬بين‭ ‬المقاعد‭ ‬وعدم‭ ‬عقد‭ ‬أنشطةٍ‭ ‬ذات‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬أو‭ ‬تقارب‭ ‬بدني،‭ ‬وقياس‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الجسم‭ ‬وغيرها،‭ ‬تمهيداً‭ ‬لإعادة‭ ‬فتح‭ ‬المدارس‭ ‬واستقبال‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭ ‬2020،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬ماليزيا‭ ‬انخفاضاً‭ ‬كبيراً‭ ‬ومبشراً‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬اليومية،‭ ‬شجعت‭ ‬شخصيات‭ ‬رسمية‭ ‬عديدة‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بذلك‭ ‬وإعلان‭ ‬خلو‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬المرض‭. ‬

تحديات‭ ‬وعقبات

ورغم‭ ‬أن‭ ‬ماليزيا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تولي‭ ‬اهتماما‭ ‬ملحوظا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم،‭ ‬وتسعى‭ ‬دوما‭ ‬للتطوير‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكانة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬المخرجات،‭ ‬معتمدةً‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬المدارس‭ ‬وتزويدها‭ ‬بكل‭ ‬حديث‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاتصالات‭ ‬والشبكات‭ ‬وتوفير‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتوصيل‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وذلك‭ ‬الانفتاح‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬التقنية‭ ‬واعتماد‭ ‬سياساتٍ‭ ‬حديثةٍ‭ ‬ومتقدمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬العملية،‭ ‬وأثرت‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬والمعلمين،‭ ‬أما‭ ‬الآباء‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مسؤوليتهم‭ ‬زادت‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬أفضل‭ ‬النتائج‭ ‬لهذه‭ ‬التجربة‭ ‬الجديدة‭. ‬

لم‭ ‬تنكر‭ ‬الحكومة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬فقد‭ ‬أقر‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬بأن‭ ‬اواقع‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كورونا‭ ‬يشهد‭ ‬صعوبات‭ ‬منها‭ ‬عدم‭ ‬امتلاك‭ ‬الطلبة‭ ‬للأجهزة‭ ‬والمعدات‭ ‬الخاصة،‭ ‬فمثلا‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬سوى‭ ‬حاسوب‭ ‬محمول‭ ‬بينما‭ ‬عندهم‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الطلبة،‭ ‬والوالد‭ ‬يحتاجه‭ ‬لأداء‭ ‬عمله‭ ‬المكتبي‭ ‬من‭ ‬البيتب‭. ‬

ففي‭ ‬مسحٍ‭ ‬أجرته‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬الماليزية‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬قرابة‭ ‬900‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬الطلبة،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬37%‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬أي‭ ‬أجهزة‭ ‬مناسبة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬6‭ ‬إلى‭ ‬9‭ ‬بالمائة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬يملكون‭ ‬أجهزة‭ ‬خاصة‭ ‬سواء‭ ‬حاسوب‭ ‬محمول‭ ‬أو‭ ‬لوحي‭. ‬

درس‭ ‬فوق‭ ‬الشجرة

ومن‭ ‬التحديات‭ ‬الأخرى،‭ ‬كان‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬الاتصال،‭ ‬نتيجة‭ ‬لزيادة‭ ‬الضغط‭ ‬سواء‭ ‬لمحدودية‭ ‬قدرتها‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬الازدحام‭ ‬والطلب‭ ‬العالي‭ ‬عليها‭ ‬وقت‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الحزمة‭ ‬المجانية‭ ‬التي‭ ‬وفرتها‭ ‬الحكومة‭ ‬للطلبة‭ (‬1‭ ‬جيجابايت‭ ‬يوميا‭) ‬كافية‭ ‬لدعم‭ ‬الفيديوهات‭ ‬أو‭ ‬نقل‭ ‬التحاضر‭ ‬عن‭ ‬بعد‭. ‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الشبكة‭ ‬بذات‭ ‬الكفاءة‭ ‬المرجوة‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬البعيدة‭ ‬والمناطق‭ ‬الريفية،‭ ‬ولعل‭ ‬قصة‭ ‬الطالبة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬صباح‭ ‬التي‭ ‬اضطرت‭ ‬للنوم‭ ‬على‭ ‬شجرة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬التقاط‭ ‬إشارة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتتقدم‭ ‬لامتحاناتها،‭ ‬وما‭ ‬لاقته‭ ‬من‭ ‬تفاعلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتكريمها‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬جهات‭ ‬بينها‭ ‬القصر‭ ‬الملكي،‭ ‬إشارةً‭ ‬واضحةً‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬طلبة‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬للاندماج‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬بواقعها‭ ‬الجديد‭. ‬

خلاصة

كانت‭ ‬هذه‭ ‬بعض‭ ‬ملامح‭ ‬تجربة‭ ‬ماليزيا‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬كورونا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬فنية‭ ‬تقنية،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الجوانب‭ ‬التربوية‭ ‬والأهداف‭ ‬المعرفية‭ ‬والمهارية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬التي‭ ‬يرجى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية،‭ ‬وهي‭ ‬جوانب‭ -‬بلا‭ ‬شك‭- ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بحوث‭ ‬ودراسات‭ ‬تقييمية‭ ‬أعمق‭. ‬

ورغم‭ ‬ما‭ ‬انطوت‭ ‬عليه‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬تفاعل‭ ‬كبير‭ ‬وإرادة‭ ‬جادة‭ ‬للعبور‭ ‬بالطلبة‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬وعدم‭ ‬فقدانهم‭ ‬فرصة‭ ‬التعلم‭ ‬واكتساب‭ ‬المعرفة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬العمل‭ ‬وإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬بخطط‭ ‬الطوارىء‭ ‬وتوفير‭ ‬بدائل‭ ‬متاحة‭ ‬وفي‭ ‬متناول‭ ‬يد‭ ‬جميع‭ ‬الطبقات‭ ‬مثل‭ ‬المحرومين‭ ‬وسكان‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬والريفية‭ ‬وذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اضطرت‭ ‬البلاد‭ ‬لخوض‭ ‬تجارب‭ ‬شبيهة‭. 

‭ ‬

‭ ‬

شريف ابو شمالة

رئيس مؤسسة القدس ماليزيا

Leave a Reply

Back to top button